مجهودات الدكتور محمد تقي الدين الهلالي في مجال الصحافة العربية ( الحلقة الأولى )

أصول تحقيق المخطوطات ومنهجه
مايو 3, 2021
المقارنة بين كتابات العلامة شبلي النعماني ومحمد حسين هيكل : دراسة تحليلية ( الحلقة الأولى )
مايو 3, 2021
أصول تحقيق المخطوطات ومنهجه
مايو 3, 2021
المقارنة بين كتابات العلامة شبلي النعماني ومحمد حسين هيكل : دراسة تحليلية ( الحلقة الأولى )
مايو 3, 2021

دراسات وأبحاث :

مجهودات الدكتور محمد تقي الدين الهلالي

في مجال الصحافة العربية

( الحلقة الأولى )

الباحث ناصر الدين محمد أنور *

المدخل :

ليس بخاف على الباحثين من العلماء والمحققين أن الدكتور الهلالي – رحمه الله – من أشهر الكتاب في العصر الحديث ، وكان متضلعاً من العلوم الشرعية من التفسير والحديث والفقه والعقائد وغيرها ، وبارعاً في العلوم العربية من نحو وصرف وبلاغة وعروض ، وشاعراً يمتاز شعره بصدق الإحساس والعاطفة التي توجد في أشعاره ، ومؤلفاً لكثير من الكتب ، ومكثراً من الكتابة في المجلات والدوريات ، وصحفياً ناجحاً ، أسهم في تطوير الصحافة العربية في البلاد العربية والهند .

ولد الدكتور الهلالي سنة 1311هـ الموافق 1893م بالمملكة المغربية ، ونشأ في بيت كريم ، حيث كان والده الكريم عالماً ، فقرأ القرآن عليه وحفظه ، ثم درس على شيوخ بلاده ، وسافر إلى أقطار مختلفة للحصول على العلم ، ثم انخرط في سلك التدريس في مختلف الجامعات والمدارس ، وتوفي يوم الاثنين في 25/ شوال سنة 1407هـ الموافق 22/ يونيو 1987م بالدار البيضاء بالمملكة المغربية [1] .

وله مؤلفات تزيد أربعين مؤلفاً ، ما بين كتب وكتيبات ورسائل بالإضافة إلى ما قام به من ترجمة الكتب والحواشي ، وله كثير من المقالات والبحوث المنشورة في الجرائد والمجلات المختلفة في البلاد العربية والهند وغيرها .

وقد قسّمنا هذه المقالة إلى ثلاثة محاور . وهي كما يأتي :

  1. تعريف الصحافة العربية
  2. جهوده في الصحافة العربية
  3. أسلوبه في الصحافة العربية

أولاً : الصحافة لغةً واصطلاحاً :

والصحافة كلمة حديثة ، استعملها أصحاب المعاجم العربية في معاجمهم التي ظهرت بعد عام 1960م ، وأن من سبق إلى استعمالها بمعناها الاصطلاحي الحالي ، هو : الشيخ نجيب الحداد منشئ مجلة      ” لسان العرب ” ومديرها بالإسكندرية [2] . ولم يوجد ذكرها في المعاجم اللغوية القديمة ، ولكن يوجد فيها كلمات قريبة ، مثل : صحيفة ، وصحف ، وصحفي ، وتصحيف ، ومصحف . ويقال : إن كلمة              ” الصحافة ” وضعت نظراً إلى كلمة ” صحيفة ” معناها : قطعة من جلد أو ورق يكتب فيه .

قال الجوهري : الصحيفة : الكتاب . والجمع : صحف   وصحائف . والتصحيف : الخطأ في الصحيفة [3] .

والصِحافة – بكسر الصاد – مهنة من يجمع الأخبار والآراء ، وينشرها في صحيفة أو مجلة . والنسبة إليها : صحفي . والصحفي من يزاول حرفة الصحافة [4] .

عرفنا من التعريفات المذكورة أن الصِحافة : هي صناعة الصحف ومهنة جمع الأخبار من مظانها المختلفة .

والصُحفي : هو الذي يُنتسب إليها ، ويعمل فيها ، ويجمع الأخبار والآراء في كل حال من أحوال الأمن والشدة .

ولا شك في أن الصحافة لها أهمية بالغة ومكانة مرموقة في عصرنا الحاضر – الذي هو عصر العلوم والتكنولوجيا وزمن العولمة والشبكات – وهي تروي غلّتها من الشعب الذي هو أصل القوّة ومصدر السلطة ، وتنسج لُحمتها على منوالهم . وهي وسيلة من وسائل الإعلام لمناقشة الآراء والمسائل العامة في كل مجتمع ، وعلامة الحضارة والمدنية والازدهار في كل الأمم على اختلاف شعوبها وقبائلها . وهي وثيقة تاريخية مهمة تسجّل فيها جوانب الحياة المختلفة من الدينية والسياسية والتاريخية والاجتماعية والاقتصادية . ومن ناحية أخرى تُستخدم الصحافة لأعراض جليلة ومقاصد نبيلة كما تُستخدم أيضاً لأهداف سياسية وفوائد انتخابية .

ثانياً : جهوده في الصحافة العربية :

تبوأ الدكتور الهلالي مكانةً عاليةً في الصحافة العربية ، وهو علم من أعلامها البارزين ، وكاتب من كتّابها الممتازين الذين ساهموا بمقالاتهم وبحوثهم في مجالاتها المتعددة ، وكتبوا كثيراً عن الموضوعات المختلفة . وقد قضى حياته مشتغلاً بالقلم والكتابة التي تستغرق حوالي سبعين سنة ، وتناول من خلالها القضايا المهمة المتعلقة بالأمة الإسلامية – وما زال يفكّر لمصالحها ويسعى لحل مشاكلها – وركّزت على العناية بتصحيح عقائد المسلمين والتحذير من الفرق الضالة والطوائف المتصوفة التي حاولت النيل من الإسلام والمسلمين في كل زمان ومكان حتى يعرف المسلمون أهدافها الخبيثة ويأخذوا حذرهم من الفتن والشرور التي تثار ضدهم في مجالات الدين والسياسة والاجتماع والاقتصاد .

والصحافة لها مكانة سامية في حياة الفرد والأمة ، ولها وسائل عديدة ، ومن أشهرها وسائل الإعلام المطبوعة ووسائل الإعلام غير المطبوعة .

وسائل الإعلام المطبوعة ، وهي الصحف والجرائد والمجلات وغيرها .

ووسائل الإعلام غير المطبوعة ، وهي الوسائل المسموعة والمرئية والإلكترونية مثل المذياع والتلفاز والمواقع الإلكترونية وغيرها .

أولاً : وسائل الإعلام المطبوعة :

أما وسائل الإعلام المطبوعة فجهوده فيها كثيرة تحتوي على أكثر من ثلاث مأة مقال وبحث فيما وقفنا عليه خلال الصحف والجرائد والمجلات والكتب وبعض المواقع والشبكات العنكبوتية وغيرها ، وأما المقالات التي لم نقف عليها فهي كثيرة أيضاً .

وهذه المقالات والبحوث قد نشرت في الصحف والجرائد والمجلات المختلفة من مختلف البلاد والدول . ونشر مقالاته وبحوثه كثيرٌ من مجلات المغرب مثل ” الإيمان ” و ” العلم ” و ” دار الحديث الحسينية ”        و ” الميثاق ” و ” الحرية ” و ” دعوة الحق ” و ” لسان الدين ” و ” الإرشاد ”       و ” السفير ” و ” المغرب الجديد ” و ” الوحدة المغربية ” و ” الريف ”             و ” الإحياء ” و ” المجلة الإسلامية ” التي تصدرها الجهات المختلفة من المغرب .

ونشرت المجلات المصرية أيضاً كثيراً من مقالاته وبحوثه ، مثل    ” الفتح ” و ” المنار ” و ” الإخوان المسلمون ” و ” الهدي النبوي ” و ” التوحيد ”   و ” الشباب ” وجريدة ” المؤيد ” و ” الأزهر ” و ” الزهراء ” .

ونشرت العراق أيضاً عديداً من مقالاته وبحوثه في مجلاتها المختلفة من ” السجل ” و ” الثغر ” و ” صدى الشبان المسلمين ” و ” الهداية ” و ” الناس ” و ” الثقافة الإسلامية ” و ” الأخوة الإيمانية ” و ” كلية الآداب والعلوم ” .

ونشرت المجلات الجزائرية المختلفة أيضاً مثل : ” الجامعة العربية ” و ” الصراط السوي ” و ” البصائر ” و ” الشهاب ” و ” صحيفة السنة النبوية ” مجموعةً من مقالاته وبحوثه .

ونشرت الهند أيضاً مقالاته المختلفة وبحوثه المتنوعة في مجلاتها الشهيرة مثل ” الضياء ” و ” البعث الإسلامي ” و ” صوت الأمة ” و ” الجامعة ” التي كان يصدرها العلامة أبو الكلام آزاد رحمه الله .

ونشرت المملكة العربية السعودية أيضاً مقالاته المختلفة في مجلاتها المختلفة مثل ” صوت الحجاز ” و ” الجامعة الإسلامية ” و ” البحوث الإسلامية ” .

ونشرت أيضاً مجلات دمشق المختلفة بعضاً من مقالاته المؤثرة والبحوث النافعة في أعدادها المختلفة . مثل ” التمدن الإسلامي ”              و ” حضارة الإسلام ” وجريدة ” العلم ” .

وقام بنشر مقالاته وبحوثه العلمية بعضُ المجلات الكويتية مثل     ” الوعي الإسلامي” و ” المجتمع ” و ” البلاغ ” .

ونُشِر بعض مقالاته باللغة الألمانية في مجلتي ” دلي والت ديس إسلام ( العالم الإسلامي ) و ” بريد الشرق ” .

وهكذا نشرت مجلة ” الإصلاح ” الصادرة من أفعانستان ، ومجلة ” الجامعة الإسلامية ” الصادرة من فلسطين عديداً من مقالاته العلمية [5] .

وإذا ألقينا النظر في عناوين هذه المقالات والبحوث وجدنا أنها تتناول الموضوعات المختلفة والجوانب المتنوعة من القرآن والحديث والفقه والأدب واللغة والنقد والرد والدعوة إلى الله تعالى والسياسة والاستعمار والرحلة وغيرها . وهذه المقالات مليئة بالفكرة العميقة والمعلومات الكثيرة والفوائد الجمة والاستدلالات النافعة التي تمتاز في كتاباته .

ويتبيّن من مقالاته الكثيرة المنشورة في المجلات المختلفة أن علاقته مع أصحاب المجلات ومديريها كانت قويةً ، ويبعث مقالاته وبحوثه   إليهم ، فينشرونها في جرائدهم ومجلاتهم بدون مماطلة وتسويف ، وربما يلتمسون منه أن يشارك في تحرير المقالات فيتشرف بقبول هذه الدعوة ، ويرسل إبداعاته إليهم ؛ ليستفيد من تلك المقالات القراء والباحثون ، ويعرفوا ما فيها من المحتويات والمشتملات ، ويزدادوا علماً ومعرفةً ، وخير مثال على ذلك ما كتبه الإمام حسن البنّا – رحمه الله – إليه .

ولما بلغ الدكتور الهلالي مكانةً ساميةً في الصحافة العربية واشتهر بين الأوساط العلمية والأدبية ، وعرف الإمام حسن البنا – رحمه الله – هذه الشخصية بمقالاته وبحوثه ، فاغتنم هذه الفرصة لدعوته مكاتباً في صحيفته ” الإخوان المسلمون ” فكتب إليه :

” إن صحيفتنا ” الإخوان المسلمون ” بلغت من الرواج والانتشار ولله الحمد إلى أن صارت في مقدمة الصحف اليومية التي تصدر في القاهرة ، ولنا مكاتبون في جميع أنحاء العالم إلا في المغرب ، فليس لنا مكاتب يبعث لنا بأخبار إخواننا المسلمين في هذا القطر المهم ، فأرجو من فضلك أن ترشدنا إلى مكاتب تختاره لنا ، وتخبرنا بما يطلب من المكافأة وإن سمحت لك صحتك بأن تكون أنت بنفسك ذلك المكاتب فهو أحب إلينا ” [6] .

فأجاب هذه الدعوة وتشرف بقبولها بلا أجر ، وكتب عدة مقالات باسم مستعار ، ولكن لم يبق هذا الأمر سراً ، بل ظهر وعلم به الاستعمار الإسباني والسلطات البريطانية ، ومنعته من الكتابة فيها ؛ لأنها كانت تكشف جرائمهم ومكائدهم .

والجدير بالذكر أن الدكتور الهلالي كتب عديداً من المقالات باسم مستعار لمصلحة أو لسبب مثل أبي مرثد البصري . وكذلك إذا كان يريد ألا يظهر اسمه ، فكان يكتب عبارةً ” السمو والمجد للمغرب ” . ولم أجد غير هذا الاسم والعبارة ، ولا يستبعد أنه استعمل اسماً أو لقباً آخر في بعض مقالاته وبحوثه .

وأما سبب كتابته بعض المقالات باسم مستعار فكان هذا من باب الحيطة والحذر من شر الاستعمار ؛ لأن الامتيازات التي حصل عليها البريطانيون على المستعمرين الإسبانيين والفرنسيين في المغرب تقضي على الفريقين بأمور ، ومنها : أن يكون للبريطانيين في كل مدينة من كبريات مدن المغرب مكتب بريد لا يدخل تحت مراقبة المستعمرين . ومن هذه المكاتب مكتب بريد تطوان الذي كان يعمل فيها مغاربة ، وهم رعايا للإسبانيين بحكم الاستعمار ، وقد أكّد عليهم الإسبانيون بالرهبة والرغبة ألا يروا رسالة فيها مساس بالإسبانيين إلا أطلعوهم عليها ، فكانوا يطلعونهم على تلك المقالات قبل إرسالها [7] ، فاضطر الدكتور الهلالي إلى كتابة بعض المقالات باسم مستعار ، ولكن اكتشف هذا الأمر .

وقد كتب الدكتور الهلالي كثيراً عن الاستعمار وعمّا قام به أهله من الاعتداءات والظلم على الدول المستعمَرة والمحتلة وأهلها ، في زمن استولى فيه الاستعمار بجميع شروره ومفاسده . وكتب ضد كل من الاستعمار الفرنسي والإسباني والبريطاني والألماني والإسرائيلي وغيرها . وكانت تخاف من كتاباته السلطات الاستعمارية ، وحاولوا المنع بالكتابة والقبض مرات ، وحدّدت له قيوداً وضوابط يكتب في ضوئها . ومنها : أنه لا يكتب إلا بإذن من السلطات البريطانية والفرنسية . وعيّنت هذه السلطات الجواسيس له ، ولكن الهلالي لم يُلق بالاً لهذه الأحوال ، وكان لا يزال يبعث مقالاته إلى الجرائد المختلفة مثل صحيفة ” الحرية ”  و ” الفتح ” وغيرهما بالبريد . والموظفون في البريد البريطاني كانوا   مغاربة ، وهم تحت الإسبانيين ، ويطلعونهم على كلّ رسالة أو مقالة فيها مساس بالمستعمرين فيعثرون عليها ، ويفرضون الغرامات على تلك الصحف أو يحكمون لها بالوقف أو الوقت الموقت .

واجه الدكتور الهلالي هذه الأحوال الصعبة والفتن المستمرة التي يثيرها أعداؤه من الاستعمار والحسّاد ، ولم يلق بالاً لهذه الأخطار بل تحمّل كل ما لاقاه في هذا الطريق ، وخرج من مكائد المستعمِرين الظالمين ومكرِ أعدائه الحاسدين بتوفيق من الله تعالى وفضله ، وكشف مؤامراتهم وسياستهم ، وكتب كثيراً على هذا الموضوع ، ونشرها في المجلات المختلفة .

إنشاء مجلة ” لسان الدين ” :

ومن أهم أعماله الصحفية أنه أسّس مجلةً اسمها ” لسان الدين ” على اسم محمد بن الخطيب الغرناطي الفيلسوف المتوفى سنة 776هـ الموافق سنة 1365هـ – 1946م ، تقديراً للجهود التي بذلها الخطيب في العلوم المختلفة من الفقه والتاريخ والسياسة والفلسفة والطب ، فقد أبدى إعجابه وشغف به حتى ذكر اختصار رسالته الشهيرة المخطوطة ذات القيمة ” مقنعة السائل عن المرض الهائل ” بعنوان ” أصغر تأليف ابن الخطيب ” الذي يبحث عن مرض الطاعون ووبائه في الجزئين الأول والثاني من المجلة المذكورة ، إفادةً للقراء الكرام [8] ، وقد نشر العدد الأول منها في شهر شعبان ما يوافق شهر يوليو من السنة المذكورة .

وكانت هذه المجلة مجلة علمية أدبية وثقافية وسياسية ، وتصدر مرةً في الشهر ، وكان الدكتور الهلالي مديراً للتحرير لهذه المجلة ، وتلميذه أحمد بن عبد السلام مديراً مسؤولاً ، وكانت افتتاحيتها ذات أهمية بالغة ، مشتملة على الموضوعات المختلفة من الدين والأدب والثقافة والسياسة ، والقضايا العصرية التي كانت تنجم بين المسلمين وغيرهم ، ويحلّل هذه الموضوعات والقضايا تحليلاً جامعاً شاملاً ويعرض الحلول في أسلوب علمي ، وكانت له ملكة خاصة في تصوير الأحوال والأحداث والوقائع ، ويقوم بترتيب المجلة وإعدادها . وكانت افتتاحيته تُعدّ نموذجاً صالحاً للأدب الإسلامي ، ودليلاً واضحاً للوقائع والأحداث التي تحدث في ذلك الزمن .

قد وصف الدكتور الهلالي في افتتاحية العدد الأول ( شعبان 1366هـ – يوليو 1946م ) من مجلة ” لسان الدين ” أحوال الأمة المغربية في الأمية والجهل والابتعاد عن العلم والمعرفة في عبارة بليغة بقوله :

” فإن الأمم كبارها وصغارها قطعت في ميدان العلوم والأعمال أشواطاً بعيدةً ، ولا تزال جادةً مجتهدةً كادّةً كادحةً لا تعرف الكلل ولا الملل إلا هذه الأمة المغربية ” [9] .

أما الأهداف التي تهدف المجلة إليها فهي عديدة . ومنها بيان العقيدة الصحيحة من الكتاب والسنة ، والتحذير من الشرك والبدع ، وبيان التربية الإسلامية والإصلاح في التعليم ، ودراسة المجتمع الإسلامي وأحوال المسلمين في العالم الإسلامي كله ، وكشف طرق مواجهة الأخطار والتحديات ، والاهتمام باللغة العربية والدفاع عنها ، وإحياء التراث الإسلامي وغيرها التي تتبيّن لكل من قرأ المجلة بإمعان وتدبر ، وفكّر في موضوعاتها ومحتوياتها .

أما الفنون الصحفية فهي تشتمل على الافتتاحية والمقال والتراجم والدرس لتعليم اللغة الإنكليزية والخبر والتقرير والإعلان وغيرها كما يوجد في كثير من المجلات العربية والأجنبية .

والجدير بالذكر أن الهلالي كان يقوم بإعداد هذه المجلة بنفسه ويكتب الافتتاحية وغيرها من المقالات والبحوث ، فيختار أبدع العناوين لها ، وينقل أيضاً بعض المباحث المهمة من كتبه ، وكذلك يختار عديداً من المقالات الرائعة للكُتّاب الكبار ، كما يرسل بعض الكتّاب مقالاتهم وبحوثهم إليه لينشرها فيها ، فينشرها بالملاحظات والتعليقات ، وربما ينشرها بغيرها مع الاحتفاظ بالأصول والقواعد التي يختارها لهذه المجلة .

فجملة القول أن هذه المجلة مجلة علمية وأدبية تركت أثراً ملحوظاً في تاريخ الصحافة المغربية خاصةً وفي تاريخ الصحافة العالمية والدولية عامةً . وهي تقطع شوطاً بعيداً من التقدم والازدهار إن تيسّر لها الإصدار والاستمرار ، وبقيت في آفاق الصحافة العربية .

علاقته بالمجلات الهندية :

وللهند دور كبير في الصحافة العربية ، وقد نشرت ولا تزال تنشر كثيراً من المجلات والدوريات التي تحمل في طياتها المقالات النافعة والبحوث المفيدة ، وللهلالي مساهمة مشكورة في تطوير الصحافة العربية الهندية بمقالاته وبحوثه التي كانت تشتمل على الدراسات الإسلامية والأدبية .

ولا يخفى على من له إلمام بالصحافة العربية في الهند وتاريخه أن مجلة ” الضياء ” الصادرة من دار العلوم ندوة العلماء برئاسة تحرير الشيخ مسعود الندوي تحت إشراف الأديبين الكبيرين – السيد سليمان الندوي والأستاذ محمد تقي الدين الهلالي – كانت مجلةً علميةً دينيةً وأدبيةً . وكانت هذه المجلة تمتاز بأصالة البحث وجودتها ، ودقة المعلومات . ولها دور بارز في توطيد العلاقات بين مسلمي البلدان العربية والهندية . ولها منزلة رفيعة بين الأوساط العلمية والأدبية ، وكانت رائدةً حقاً في الصحافة العربية في شبه القارة الهندية ؛ لأنّ أحوال اللغة العربية في ذلك الوقت كانت سيئةً جداً ، ومصابةً بالجمود والركود ، وظهرت المجلة في هذه الظروف كنعمة كبيرة من الله تعالى التي كانت تحمل في طياتها العلم والمعرفة ، ويغتبط عليها العرب لمحتوياتها وبحوثها وفصاحتها وما إلى ذلك .

يقول الأستاذ محمد أيوب تاج الدين الندوي عن هذه المجلة :

” وهي عبارة عن مجموعة علم جم ، وأدب بارع ، ومعرفة واسعة . وكانت طيلة الأبحاث ، وفصيحة العبارة ، وواضحة النهج ، وعنواناً من عناوين العروبة الناهضة ” [10] .

ويذكر الشيخ سعيد الأعظمي الندوي أنّ لهذه المجلة كانت تأثيراً كبيراً في البلدان العربية ، والفضل في تعريفها وتوسيع نطاق قرّائها يرجع إلى الأستاذ الهلالي فقال :

” وقد كان لعلاقة العلامة بهذه المجلة تأثير كبير في ازدهارها واتساع نطاق قرائها في مراكز العلم والثقافة في البلدان العربية ، ولذلك فإنها لم يستمر لمدة أطول في أداء رسالتها بعد مغادرة الدكتور محمد تقي الدين الهلالي ندوة العلماء إلى بلاده ، ومما يعلم أن مدة إقامته في دار العلوم أربع سنوات كما أن عمر المجلة لم يمتد أكثر من أربع سنوات ولو أنها لم تحتجب إلا بعده بمدة ” [11] .

والجدير بالذكر أن الهلالي انخرط في سلك المدرسين بدار العلوم لندوة العلماء في أول سنة 1349هـ ، وبقي في شعبان سنة 1352هـ ، وكانت المجلة قد بدأ صدورها في محرم سنة 1351هـ ، واستمر صدورها إلى أربع سنوات .

وكان للهلالي مساهمة فعالة في إعداد هذه المجلة من حيث إنه كان يسعى لتحسينها ورفع مستواها ، ويقوم بتصحيح بعض المقالات والبحوث التي تأتي للنشر في المجلة مع الإشراف عليها ، ولم يكتف   بهذا ، بل نشر فيها نحو ست وعشرين ( 26 ) مقالة في الموضوعات المختلفة أكثرها حول التعليم والتربية ، كما قام بتربية مجموعة من الكتاب والصحفيين الذين أحرزوا سمعةً طيبةً وشهرةً فائقةً في الأدب العربي والصحافة العربية ، وكتبوا الكثير من المقالات والبحوث ، وقاموا بخدمات جليلة في هذا الفن . وكفى بهم شرفاً وفضلاً أن الهند تفتخر بهم أمثال : الشيخ مسعود الندوي ، والشيخ أبي الحسن الندوي ، والشيخ محمد ناظم الندوي ، والدكتور وصي الله عباس المكي ، والدكتور رضاء الله المباركفوري ، والشيخ سعيد الأعظمي رئيس التحرير لمجلة ” البعث الإسلامي ” وغيرهم .

وبعد مغادرته الهند لم يقطع صلته بها وبمجلاتها الشهيرة التي تصدرها المدارس العربية المختلفة . فقد نشرت هذه المجلات عدداً كبيراً من مقالاته العلمية وبحوثه النافعة . مثلاً : نشرت مجلة ” البعث الإسلامي ” الصادرة عن ندوة العلماء لكناؤ نحو اثنتين وعشرين ( 22 ) مقالة ، ومجلة ” صوت الأمة ” الصادرة عن الجامعة السلفية ببنارس ، نحو أربع وخمسين ( 54 ) مقالة ، ومجلة ” الجامعة ” التي كان يصدرها الزعيم الهندي الكبير مولانا أبو الكلام آزاد – رحمه الله – ثلاث مقالات ( 3 ) في أخبار البربر وأحوالهم ولغتهم .

( للبحث صلة )

* الجامعة الملية الإسلامية ، نيو دلهي ، ( الهند ) .

[1] سبيل الرشاد في هدي خير العباد ، تحقيق : أبو عبيدة مشهور حسن آل سلمان ، الدار الأثرية ، الأردن ، الطبعة الأولى : ١٤٢٧هـ – ٢٠٠٦م ، 1/104 .

[2] خليل صابات ، الصحافة رسالة واستعداد وفن وعلم ، دار المعارف ، مصر ، 1959م ، ص : 13 .

[3] الجوهري ، إسماعيل بن حماد ، الصحاح ، دار المعرفة ، الطبعة الأولى : 1426هـ –  2005م ، ص : 851 .

[4] إبراهيم مصطفى وآخرون ، المعجم الوسيط ، مكتبة الشروق الدولية ، الطبعة الرابعة : 1425هـ – 2004م ، ص : 2/508 .

[5] انظر : سبيل الرشاد في هدي خير العباد للهلالي ، 1/103 .

[6] الهلالي ، الدعوة إلى الله في أقطار مختلفة ، دار الطباعة الحديثة ، الدار البيضاء ،  المغرب ، ص : 83 .

[7] نفس المصدر والصفحة .

[8] انظر : أصغر تأليف ابن الخطيب ، المنشور في العددين الأول والثاني من المجلد الأول من مجلة لسان الدين ، شعبان 1366هـ – يوليو 1946م ورمضان 1365هـ – أغسطس 1946م ، المملكة المغربية .

[9] الهلالي : افتتاحية ، لسان الدين ، ع 1 ، م 1 ، شعبان 1366هـ – يوليو 1946م ، المملكة المغربية ، ص : 2 .

[10] الندوي ، د . أيوب تاج الدين : الصحافة العربية في الهند ، دار الهجرة جامو وكشمير ، الطبعة الأولى : 1418هـ – 1997م ، ص : 87 .

[11]. الأعظمي : سعيد ، العلامة تقي الدين الهلالي ، البعث الإسلامي ، ع 5 ، ج 32 . محرم الحرام 1408هـ ، دار العلوم ندوة العلماء ، لكناؤ ، ص : 85 .