سنة الله في الكون

تضحية شباب العرب قنطرة إلى سعادة البشرية
أكتوبر 17, 2022
جبهات الدعوة الإسلامية ومجالاتها الرئيسية
نوفمبر 5, 2022
تضحية شباب العرب قنطرة إلى سعادة البشرية
أكتوبر 17, 2022
جبهات الدعوة الإسلامية ومجالاتها الرئيسية
نوفمبر 5, 2022

التوجيه الإسلامي :

سنة الله في الكون

بقلم : سماحة الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي

تعريب : محمد فرمان الندوي

الإسلام دين غيرة وحمية ، إنه جاء بشريعة نسخت جميع الشرائع السابقة وأبطلت قوانينها ، قال تعالى : فَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّاغُوتِ وَيْؤْمِن بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ ( البقرة : 256 ) ، أكدت الآية على رفض الطاغوت ، قبل الإيمان بالله تعالى ، واعتبرت الإيمان بالله بدونه عملاً لا يعبأ به ، فعُلم أن الإيمان بالله لا يكون كاملاً ، إلا إذا كان هناك نفي ما دون الله ، فقُدم النفي في كلمة التوحيد ، ثم ورد الإثبات ، وإذا كان الإثبات غايةً ، ولم تكن الحاجة إلى النفي كانت الكلمة على هذا : الله هو الإله الواحد ، فالنفي لازم ، لأن الكلام لا يكون بدونه واضحاً ، فكانت الكلمة الطيبة كاملةً : لا إله إلا الله .

فكما كان النفي القولي لازماً للدخول في الإسلام ، كذلك يلزم النفي العملي ، معناه إذا كانت البيئة شركيةً ، وهي تضر بالعقائد كان المطلوب من صاحب الإيمان أن يكون راسخاً في إيمانه ، وإن تأزمت الأحوال والظروف ، وبالعكس من ذلك إذا لم يكن إيمان المرء راسخاً ، وهو ينصبغ في كل مجتمع يعيش فيه ، ولا يواجه الأوضاع الصعبة ، لم تكن حياته حافلةً بالمشكلات ، بل تنسجم مع حياة عامة الناس ، على كل ، فإن الإسلام يطالب من كل مسلم يعتنق بدين الإسلام أن يكون صلباً في العقائد مثل الحديد ، ولا يبالي بالظروف المضادة التي تعانيه في هذا السبيل ، لأن الله تعالى قد صرّح بذلك في سورة الكافرون : ( قُلْ يا أَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ . لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ . وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ . وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ . وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ . لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ ) ( الكافرون : 1 – 6 ) .

الإنسان مخيَّر لا مسيَّر :

خلق الله الإنسان في هذه الدنيا للعمل ، فإذا عمل في هذه الدنيا عملاً حسناً جزاه الله تعالى في الآخرة جزاءً حسناً ، يمتحن الله في الدنيا الإنسان وقوة عمله ، بحيث جعل الدنيا زينةً له ، ومعنى الزينة أن يتمتع الإنسان بشيئ ، ويعجب به ، ولم تكن هذه الزينة إلا لتوفير التسهيلات للإنسان ، ثم أمره الله تعالى أن يلاحظ رضا الله تعالى في استعمال هذه الأشياء ، ولا ينظر إلى هواه ، وجعله الله مخيَّراً في هذا الكون ، سواء مال إلى الخير أو مال إلى الشر ، ولم يضع في هذا السبيل حاجزاً ، وقال القرآن الكريم في موضع : ( وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَـآمَنَ مَن فِى ٱلأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً )     ( يونس : 99 ) ، لكنه خيَّر الإنسان ليبلوهم أيهم أحسن عملاً ، قال تعالى : ( وَلَوْ شِئْنَا َلآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَـٰكِنْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ مِنِّي َلأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) ( السجدة : 13 ) ، وقال : ( إِنَّا هَدَيْنَاهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ) ( الإنسان : 3 ) .

صرّح الله تعالى في القرآن الكريم بكل وضوح أمام الناس : إذا اخترتم الخير كانت النتيجة حسنةً ، وإذا أغواكم الشيطان ، بحيث تغافلتم عن رضا الله تعالى ، وآثرتم راحة جسدكم ، فتمتعوا في الدنيا فقط ، لأن الله خيّركم في هذه الدنيا ، وإذا لم يكن لكم خيار ، لا يكون امتحانكم ، فاستمتعوا بهذا الخيار ، فسوف تنالون جزاء أعمالكم في الآخرة ، وتخسرون فيها ، وذلك هو الخسران المبين .

نية الإنسان وعاطفته :

ينظر الله تعالى إلى نيات العباد وقلوبهم ، فإنهم يقومون تارةً بأعمال دينية يرضاها الله تعالى ، كما ورد في الحديث أن رجلاً سقى كلباً فغفر الله له ، رغم أن سقي الماء للكلب شيئ هيِّن ، لكن العاطفة التي تكمن وراء هذا العمل أحبها الله تعالى ، والله سبحانه إذا رضي شيئاً أحبه وأعطى جزاءه ، كما أدخل الله الجنة رجلاً على مجرد سقي الكلب الماء ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلاً رأى كلباً يأكل الثرى من العطش ، فأخذ الرجل خفه ، فجعل يغرف له به ، حتى أرواه ، فشكر الله له فأدخله الجنة [1] ، فاتضح منه أن عمل الإنسان أحياناً يبلغ درجةً ، يغفر الله فيها خطاياه ، ويكرمه بفضله وكرمه ، ويستمر ذلك ، ولا يشعر الإنسان بأن أي عمل من أعماله كان محبوباً عند الله ، فهذه الدنيا دار الامتحان ، فلا يظهر الله هذه الأمور فيها واضحةً ، بل يخفيها عن أعين الناس .

المخلوقات الهادفة :

لم يخلق الله تعالى أي شيئ في الدنيا عبثاً ، بل جعل له غايةً ، فيبقى ذلك الشيئ وفق نظام الله تعالى ، كذلك لم يُخلق الإنسان سُدىً ، بل كان لخلقه غاية ، وبما أن الإنس والجن يبتليهما الله تعالى ، فجعل الجنة أو النار نهايةً لهما ، أما المخلوقات الأخرى فلها غايات خلقها ، فهي تبقى إلى ما شاء الله أن تبقى ، ثم تموت أو تنتهي ، وقد خلق الله الحيوانات لصالح الإنسان ، فإذا انتهت حاجة الإنسان إليها ماتت الحيوانات ، لكن الإنس والجن هما خلقان مخيَّران ، إما يدخلهما الله تعالى الجنة أم يدخلهما النار ، وجعل لهما دار الآخرة ، كما جعل الحياة الدنيا مزرعة الآخرة ، حيث يصل إليها الإنسان بأعماله ، فيعامل الله فيها وفق أعماله ، فيخلد فيها ، إما في النار أو في الجنة ، فليس هناك للإقامة والمكوث سوى هذين الموضعين .

غاية بعثة الأنبياء :

نبَّه الله تعالى الإنسان على إصلاح الحياة الأخروية مراراً وتكراراً ، وكلما ضلَّ الإنسان الصراط المستقيم أو نسي غايته وتغافل عن سبب وجوده في هذه الدنيا ، بعث الله الأنبياء والرسل ، وإذا فشت المعاصي والمنكرات في المجتمع ، وتجاوز الناس الحدود التي رسمها الله تعالى لهم ، واشتغلوا بأعمال تثير غضب الله تعالى ، ونظراً إلى إهاناتهم يعتقد كل من رآهم أنهم يستحقون العذاب الإلهي، وهم في حاجة إلى زجر وتنبيه من الله تعالى بعث الله تعالى في هذه الأحوال الحرجة نبياً أو رسولاً ، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ، أنه ما جاءنا من بشير ولا نذير .

وكان في علم الله تعالى من قبل أن من لم يكتب له الإيمان لا يؤمن بعد إتمام الحجة من الله تعالى ، لكن الله يرتب نظامه وفقاً للظاهر ، فأرسل الرسل ، وقد أفنوا أعمارهم في هداية قومهم ، فلما تحقق أنهم لا يؤمنون نزل عليهم عذاب الله تعالى .

خصائص البعثة المحمدية :

تمتاز هذه الأمة من بين سائر الأمم بأن عذاب الله لا يأتي عليها جماعياً ، لكن الله نبَّه الأمة في مواضع كثيرة من القرآن أن عذاب الله نزل على الأمم السابقة ، وكلما فسدت أحوال الأمة نزل عليهم العذاب ، فإذا لم تؤمن الأمة بنبيها ، ولم تعمل بشريعتها ، نزل عليهم العذاب ، وقد عرف الله طبايع هذه الأمة أن هؤلاء يؤمنون ، ولا يبلغون في العصيان إلى   حد ، بلغ إليه قوم ثمود الذي سخروا من ناقة الله تعالى ، ولا يسلكون مسلك الأمم والشعوب التي رفضت كل معجزة من معجزات الله ، وتغلغل فيها العناد والكفر ، حتى قتلت أنبياء الله ، فأنزل الله عليهم العذاب .

سنة الله تعالى :

هذه سنة الله في الأرض أنه لا يرسل العذاب دفعةً واحدةً ، بل يرسل إنذارات وتنبيهات ، ليتنبه الناس ، ويرجعوا من غفلتهم ، وغاية العذاب الأدنى أن الناس إذا لم ينتهوا عن غيهم يبتلون بالعذاب الأكبر ، وهذه رحمة الله وفضله أنه ينبه الناس ، كما أن ولي الطفل يضربه ضرباً خفيفاً إذا رأى منه شيئاً ، لئلا يعود إلى الخطأ ، ولا يتأثر بأي عادة قبيحة ، كذلك ينزل الله على عباده المصايب ليتيقظوا من غفلتهم ، ويسددوا خطاهم ، وتحسن عاقبتهم .

وأحياناً تأتي المصايب على الإنسان لرفع درجاته في الآخرة ، ويكرم الإنسان فيها بجزاء أعماله ، فيتمنى أنه لو كانت له في الدنيا مصايب كثيرة ، لوجد جزاءها هنا ، وكلما ابتُلي المشايخ والربانيون بالمصايب شكروا الله عز وجل ، ولا يعتبرونه عقاباً ، بل يتصورون أن الله أحبهم ، فأنزل عليهم هذه المصيبية لترتفع درجاتهم في الآخرة ، لكن لا مجال للإنكار في أن بعض المصايب تكون عقاباً ، وتنبيهاً من الله ، فليفكر الإنسان في أعماله ، ويحاسبها ، وقد رأينا بعض الناس ذوي حساسية بالغة ، بحيث ينسبون كل مصيبة إلى ذنوبهم ، فيندمون ، ويتوبون إلى الله ، فلا بد للإنسان من أن يحذر من الذنوب ، لأنه لا يعلم أن أي ذنب يكون مبعث غضب الله تعالى .

وتارةً يكون عذاب الله على أمر يكون تافهاً وهيِّناً ، لكن يثير سخط الله تعالى ، فينزل العذاب عاجلاً ، ويعاقَب الإنسان ، كما يتضح من قصة صاحب الجنتين ، أنه تكلم بجملة غير مناسبة ، فابتلي بعقاب عظيم ، بحيث أحيط بثمره ، وتحولت جنته المتدلية بالثمار إلى رماد في دقائق وثوان ، فثبت منه أن الإنسان إذا لم يكن حذراً في شأن الله ، أو علَّق تعليقاً يثير غضب الله ، أخذه الله أخذ عزيز مقتدر ، لكن لا يكون هذا العقاب على الذنوب العامة ، فإن مؤاخذتها تكون في الآخرة ، وينال الإنسان عقوباتها فيها ، فالعقاب السريع لا يترتب إلا على الذنوب التي تكون إساءةً في شأن الله تعالى أو كبراً وإهانةً له .

أنواع المصايب :

المصايب التي يُبتلى بها الإنسان في هذه الدنيا هي تنبيهات وإنذارات من الله تعالى ، وقال العلماء : إن للمصايب ثلاثة أنواع : إما تكون تنبيهاً ، أو تكون عذاباً ، أو تكون رفعاً لدرجة الإنسان ، ويمرض الإنسان مرضاً ، فيزداد أجره ، وقد جاء في الحديث : عن جابر رضي الله عنه ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطي أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت لو قُطعت في الدنيا بالمقاريض [2] ، وتارةً تنزل العقوبات على الإنسان تنبيهاً له ، ويذكره الله تعالى بأن ما يعمل لا يوافق مرضاته ، ويمكن أن تنزل عليه مصايب أخرى .

أما ما نزل على فرعون من عقوبات فإنها كانت من باب التنبيه والإنذار ، وقد أرسل الله عليه أنواعاً من المصايب : الضفدع الذي يثب في كل مكان ، ويدخل في الطعام ، وكأس الماء كذلك ، حتى عجز آل فرعون منه ، كذلك الدم سال في كل مكان ، والقمل ، أخبر الله آل فرعون بأن هذا من أنواع العذاب ، وهي مصايب صغيرة نزلت ليتنبه الإنسان من غفلته ، ويؤمن بالله إيماناً كاملاً ، لكن فرعون كلما عجز وانزعج من هذه المصيبة طلب من موسى عليه السلام أن يدعو له ، فيؤمن بالله ، لكن إذا انكشفت المصيبة رجع إلى كبره وخيلائه ، فنزلت عليه سبعة أنواع من المصايب .


[1] صحيح البخاري ، كتاب الوضوء ، باب إذا شرب الكلب في إناء أحدكم ، رقم الحديث : 173 .

[2] سنن الترمذي : 2396 .