بعض النواحي البلاغية في شعر عمر أبو ريشة

المسجد الأقصى وبيت المقدس
يوليو 31, 2021
قصيدة / حول خليل الله إبراهيم عليه السلام
يوليو 11, 2022
المسجد الأقصى وبيت المقدس
يوليو 31, 2021
قصيدة / حول خليل الله إبراهيم عليه السلام
يوليو 11, 2022

من رجال الشعر والأدب :

بعض النواحي البلاغية في شعر عمر أبو ريشة

الأستاذ سعيد المرتضى سعدي *

عمر بن شافع بن مصطفى ، أبو ريشة ، المعروف بـ – عمر أبو ريشة ، اسمٌ تلألأ في سماء الأدب العربي الحديث . . . اسمٌ يُفتخر به على من عاصره من الشعراء والأدباء ، كان من كبار شعراء وأدباء العصر الحديث ، وله قلم سيّال في ديوان الشعر العربي ، وقدم راسخة في الأدب العربي ، فكان شاعر القومية والوطنية ، شاعر الحب والوجدان ، شاعر السياسة الجريئة ، شاعر الكلمة الأنوف ، وهو الإنسان الشاعر الأديب الدبلوماسي الذي سرى في دمه وخاطره المحبة والعاطفة للوطن وللإنسان عامةً وللتاريخ السوري والعربي خاصةً ، وعبر في أعماله  وشعره بأرقى وأبدع الصور والكلمات والمعاني .

إنه وُلد سنة 1910م في منبج بسوريا ، وهي البلدة التي أنجبتْ الشاعر البحتري ، والشاعر أبا فراس الحمداني ، وُلد في عائلة ينحدر أعضاؤه من الموالي من آل حيار ، وهم من الفضول انتساباً إلى فضل بن رببيعة من طيء .

اضطرّ الشاعر في آخر حياته على التقاعد بأمراض في القلب ، فلزم الفراش على أثرها لمدة سبعة أشهر في مستشفى الملك فيصل بالرياض ، حتى مات عام 1990م ، ودفن في حلب .

وللشاعر عمر أبو ريشة مؤلفات كثيرة ودواوين جمة ، كلُّها معروفة ومقبولة لدى الجميع ، شهد بها التاريخ الأدبي وازدهرت بها المكاتب العربية ، ومن أشهرها : ديوان شعر ، ديوان من عمر أبو ريشة ، ديوان مختارات ، ديوان من وحي المرأة ، ديوان بالإنجليزية بعنوان            ” ROVING ALONG ” وغيرها .

وحياة الشاعر العملية مشحونة بمناصب رائعة وأوسمة فخرية ، وانتُخِبَ عضواً مراسلاً لمجمع اللغة العربية في دمشق ، وعُيِّن عضواً في الأكاديمية البرازيلية للآداب كاريوكا ، وعُيِّن عضواً للمجمع الهندي للثقافة العالمية ، ومنحتْه الجامعة العالمية بالتعاون مع الطاولة المستديرة لجامعة الآداب في العالم في توكسون أريزونا ، ونال وِسام الاستحقاق اللبناني من الدرجة الأولى من الرئيس اللبناني إلياس الهراوي .

ديوان أبو ريشة مليئ بالقصائد التي تحمل الصور الفنية والبلاغية ما يجمع إلى ملاحة اللفظ وفصاحته وطرافة المعنى وجماله وما يشهد ببراعة الشاعر وفطنته ، وبرهافة حسَّه ولطافته ، ووجدنا في صفحات ديوانه كثيراً من الأمثال التي تؤمي إلى الفن البلاغي من التشبيه والاستعارة والكناية والاستطراد والطباق والمقابلة والمبالغة والجناس وغير ذلك ، ونأتي بذكر أهمها :

التشبيه :

نجد في ديوانه أن الشاعر شبّه بلاد الأمة العربية بالضأن الذي يتقلب على يد جزار خوفاً ، وهو يقطعه ويقسّمه ولا يستطيع منعه ، كذلك الأعداء من مشارق الأرض ومغاربها تكالبوا على بلاد الأمة العربية وهجموها وخربوها ، فأنشد الشاعر :

وطـــن أذاب عــلـــى هـــواه شــبابـه  وحباه بالمأثور من أشـــعــاره

المجد يخجل أن يجيل الطرف في ما هدّم الجبناء من أسواره

فـــــكـــــأنــــه مــــن نـــيلـــه لـفراته حـــمـــلٌ تــجاذبـه يدا جزاره [1]

وفي الأبيات التالية وصف الشاعر للمعركة براعة التصوير وحسن الصياغة وجمال النغم ، وشبَّه بأنواع الصور في المعركة كأنه رآها  بالعين :

فـــتــلاحم الــجـيشان فاندلع  اللــــظــــى والـهول أرعْد

هــــــذا يـــــــفـــــرّ وذا يــــكـــر  وذا يكبُّ وذاك يصعدْ

والموت يأكلُ كل ما تلقّمه يدُ الـــطعن الـــمــــسدّدْ [2]

وفي هذه الأبيات التالية صوَّر الشاعر الأصدقاء بعد غياب صديقهم وهم ما يزالون يتلاقون على جلسات خلا مكانه فيها ، لكن حضوره في نفوسهم يجعلهم يظنون أنه ربما يأتي عن قريب فيتركون له مكاناً فارغاً ليجلس به ، وعند العودة إلى الواقع تذكر أن هذا الصديق قد فارق الحياة ولا عودة له على الإطلاق ، فإن ذلك يبعث في نفوسهم الألم والحزن والتحسر على فراقه ، فأتى الشاعر بتلك الصورة المؤلمة :

إنـــــمــــا لـــم تــــزل رفـــاق لـيـاليه   كراماً على عـهـوده ووداده

تــجـمع الكأس شملهم فيخلون   فــــراغ اتــــكـــائـه واستناده

كلما مرَّ ذكره قلبوا الكأس   على الأرض حسرة لافتقاده

ومن أروع لوحات الشاعر تصويره مشهد الغروب ، تتجلى روعة غروب الشمس وإبداع الخالق في ذلك ، فنحن – بشر – في هذه اللوحة أمام شمس تموت فيكون مأتمها الحزين عويلاً في الآفاق ، وأما الشفق ولونه الأحمر فهو دمٌ يعصب ذوائب الروابي المحزونة ، وهذا التشبيه الرائع يوجد في الأبيات التالية :

مأتم الشمس ضج في كبد الأفق  وأهــــــوى بـــــطـــعــــنـة نجـلاء

عـــصــبـت أرؤس الروابي الحزاني  بعصاب من جامدات الدماء

فأطلّـــت مــن خــدرها غــــادة الليل  وتاهت في ميــــســة الــخـيلاء

وأكبـت تــــحـــــل ذاك الـعـــصـاب         الأرجـوانـي بـاليـد الـسمــراء

وذؤابـات شــعـــــرها تـــــــتــــــرامــى في فـسيـح الآفـاق و الأرجـاء

وعـــــيــــــون الــــسمـــــاء ترنو إليهـا مـن شـقــوق المـلاءة الـسوداء

فــــإذا الــــكـــون لـجـة مـن جـلال          فـجـــرتــهـا أنـامـل الظـلـمـاء [3]

والاستعارة :

ومن السلسلة الفنية نجد الاستعارة في شعر أبو ريشة ، إذ أنه وصف الجبل بصفات إنسانية وهو من الطبيعة الصامتة ، وصوَّر الشاعر ارتفاعه وعلوه عن سطح الأرض بإنسان يغفو وقد وضع رأسه في أحضان النجم ، وهذه الصورة تدل على شموخ الجبل ورفعته ، فوصف الشاعر هكذا :

مـعاذ خـلال الكبر ما كنت حاقداً  ولا غاضبـاً إن عـاب مـسراي عـائـب

فـكـم جـبل يغفـو على الـنجـم خـــده  و أذيــــــالــــه لـــلـســـائـــمـات مـلاعـب

نـظـرت إلى الـدنيـا فلـم ألـف عنـــدها  كـبيـراً أداري أو صـغـــيـراً أعـاتــب [4]

وصوَّر الشاعر نهر النيل بإنسان قد تزوج ، وكان في هذه الليلة محتضناً عروسه ، وتأتي هذه الصورة توظيفاً لأساطير الفراعنة القدماء ، فكانوا يخشون غرق المدينة ويظنون أن الغرق يأتي من النهر فهو    غاضب ، فيزفون إليه فتاة جميلة ليهدأ ، فأنشد الشاعر :

ليلة نام النيل مفترا  محتضنا حسناءه البكر

الموت كان يشكل هاجساً لدى الشاعر أبو ريشة ، وقد صوَّره في أشكال عدة تمثيلات بالمنهزم والمنتصر والرضا به وعدم الخوف منه ، وصور الموت بإنسان له علاقة بالشعر وتجدد بينهما موعد ، فيذهب للقائه بكل حفاوة ، وقال الشاعر :

بــــيــــنــــي وبــيــن الموت ميعاد أحـــــــــث لـــــــــــــه ركــــــــــــابــي

فقلت لها : خلّي سبيلي فإنني أرى الموت لا تخفى عليه دروبي [5]

وصف الشاعر بصور معركة بدر بشكل عام هائل ، ووصف وفاة الرسول – صلى الله عليه وعلي آله وسلم – حينما ودَّع العالم الدنيا بصورة جيدة ، فإذا كانت الأرض والسماء تتغرد وتتغنى في المولد الشريف من قبلُ ، فأتى بصور مقابلة شعرية بأن تكون الأرض والسماء عيوناً تذرف دموعات حارةً لوفاة سيد الأنبياء صلى الله عليه وعلى آله وسلم ! وصور صورة المسجد الباكي بكاء اليتيم اللطيم !

كل حي رهن الفناء وتبقى آية الله فوق طــوق الـفناء

يا نجي الخلود تـــلـــك سرايا ك عــلـــى كــل ربوة غناء

حملت صبوة الشآم وفــضتـ……..  ها أريجاً على فم الزوراء

وشجتها غرناطة فشفت منـ……..  ها فؤاد الصبية الحسناء

وهكذا وصف شاعرنا أبو ريشة ، فأبدع وتمكن من التشبيه والكناية والاستعارة في شعره !!

* جامعة شيتا غونغ ، بنغلاديش ،smsadi09@gmail.com

[1] حمأة الضيم ، ديوان عمر أبو ريشة ، دار العودة ، بيروت ، 1971م ، ص 16 .

[2] المرجع نفسه ، جان دارك ، ص 170 .

[3] المرجع نفسه ، شاعر وشاعر ، ص 576 .

[4] جبل ، ديوان عمر أبو ريشة ، دار العودة ، بيروت ، 1971م ، ص190 .

[5]  المرجع نفسه ، فدائي ، ص 28 .