المقارنة بين كتابات محمد شبلي النعماني ومحمد حسين هيكل : دراسة تحليلية ( الحلقة الثانية الأخيرة )

مجهودات الدكتور محمد تقي الدين الهلالي في مجال الصحافة العربية ( الحلقة الثانية الأخيرة )
يونيو 2, 2021
منهج عملي لتدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها
يونيو 2, 2021
مجهودات الدكتور محمد تقي الدين الهلالي في مجال الصحافة العربية ( الحلقة الثانية الأخيرة )
يونيو 2, 2021
منهج عملي لتدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها
يونيو 2, 2021

دراسات وأبحاث :

المقارنة بين كتابات محمد شبلي النعماني

ومحمد حسين هيكل : دراسة تحليلية

( الحلقة الثانية الأخيرة )

الباحث محمد يعقوب *

نظرة على أورنك زيب عالمكير :

قام المؤرخون الإنجليز بنشر ” مظالم ” مقترضة لأورنغ زيب عالمكير نظراً لأغراض سياسية ، وافتروا قصصاً لاضطهاده ضد الهندوس ، حتى إن بعض المسلمين خضعوا لهذه الأباطيل والأساطير ، استلفت الزعيم الهندي الشيخ محمد علي جوهر عناية شبلي النعماني إلى هذا ، والتمس منه أن يكتب رداً على هذا .

فتناول شبلي النعماني هذا الجانب ، وأجاب رداً على جميع التهم الموجهة إلى أورنغ زيب إجابةً شافية ، لا شك أن هذا الكتاب لا نظير له ، قدم فيه حياته ودولته وأحواله السياسية ومصايبه في الحياة ، وهذا الكتاب قد ترجم إلى عدة لغات بالإضافة إلى اللغة الإنجليزية [1] .

سفرنامة روم ومصر والشام :

هذا الكتاب يشتمل على رحلته العلمية إلى البلاد العربية مثلاً الروم ومصر والشام ، وألف فيه عن رحلته العلمية وبحث في العلوم الدينية والتاريخية ، وبين فيه عن مشيته وإقامته في الأماكن المختلفة وذهابه إلى المكتبات بالأخص المكتبة الإسلامية الصغيرة والكبيرة إلى هناك لطلب المواد العلمية منها [2] .

نبذة عن حياة محمد حسين هيكل :

يعتبر محمد حسين هيكل أحد الأدباء الكبار في النصف الأول من القرن العشرين الذي شارك في ريادة الحياة الثقافية ، كان ذا ثقافة واسعة ، مطلعاً على الثقافة العربية والثقافة الغربية ، كانت لشخصيته جوانب عديدة ، كان أديباً وناقداً ومؤرخاً وصحافياً وسياسياً ، ولد محمد حسين هيكل ( 1888م – 1956م ) في منطقة ” دقهلية ” في قرية    ” كفر غنام ” في مصر .

كان مولده لأسرة ريفية مصرية حيث حفظ القرآن الكريم وتعلم مبادئ القراءة والكتابة ، وأتم دراسته الابتدائية في مدرسة الجمالية الابتدائية بالقاهرة سنة 1901م ، ثم انتقل إلى المدرسة الخديوية الثانوية التي حصل منها على شهادة البكالوريوس عام 1905م ، وكذلك التحق بمدرسة الحقوق التي نال درجاتها عام 1909م ، ثم رحل إلى فرنسا حيث حصل على درجة الدكتوراه في الحقوق من جامعة سوربون . ولما أنشئت جريدة أسبوعية باسم ” السياسة ” تولى هيكل رئاسة تحريرها عام 1926م ، وفي عام 1945م اختير الدكتور هيكل رئيساً لمجلس الشيوخ وعضواً في مجمع اللغة العربية سنة 1940م ، وعين عام 1941م نائباً لرئيس حزب الأحرار الدستوريين وبعد حياة طويلة من جلائل الأعمال توفي يوم السبت من جمادى الأولى 1379هـ الموافق 8 ديسمبر 1956م .

أهم أعمال محمد حسين هيكل :

له إسهامات كبيرة في ترويج اللغة العربية بين الأدباء المصريين الذين تناولوا معظم الفنون النثرية ، بدأ الدكتور محمد حسين هيكل التأليف الأدبي وإذاعة مؤلفاته منذ وقت مبكر ، واستقر في ميدان الفكر الإسلامي داعياً له يرى فيه نفسه البذر الذي ينبت ويثمر ، وكانت القصة أول ميدان يرتاده الدكتور هيكل ، ففي فرنسا ، وأثناء دراسته في باريس ، كتب رواية ” زينب ” التي تعد من أشهر أعماله الثقافية نشرها سنة 1914م ، وهذه الرواية يُعدها معظم مؤرخي الأدب الحديث أول رواية فنية في أدبنا [3] .

ألف كتباً عديدةً في موضوعات مختلفة من التاريخ والسيرة والنقد والصحافة وأدب الرحلة مثلاً : ومنها ” جان جاك روسو ” [4] ، و ” في أوقات الفراغ ” و ” عشرة أيام في السودان ” و ” تراجم مصرية وغربية ” و ” ولدي ” و ” ثورة الأدب ” و ” حياة محمد ” و ” في منزل الوحي ” و ” الصديق         أبو بكر ” و ” الفاروق عمر ” و ” مذكرات في السياسة المصرية ” ،             و ” هكذا خلقت ” و ” عثمان بن عفان ” و ” الشرق الجديد ” و ” قصص مصرية قصيرة ” و ” مذكرات الشباب ” و ” شرق وغرب رحلات ” وما ذلك [5] .

زينب :

رواية ” زينب ” تعد الرواية الفنية الأولى عند معظم المؤرخين في الأدب العربي ، فلقد بدأت كتابتها بباريس في أبريل سنة 1910م ، وفرغت منها في مارس سنة 1911م ، ونشرت عام 1914م ، وعنوانه الكامل هو زينب : مناظر وأخلاق ريفية ( Zaynab: Countruy Scenes and Moral ) ، ولا شك أن هذا العمل الأدبي قد جاء نتيجةً لأمرين : الأول تأثر هيكل بالأدب الفرنسي وخاصةً أدب الرومانسيين ، والثاني حنينه الشديد إلى مصر والريف المصري .

يصور محمد حسين هيكل في هذه الرواية عن حياة الريف المصري ، ويتناول العلاقات الزوجية والرومانسية التقليدية بين الرجل والمرأة والتفاعلات بين عمال القطن وأصحاب المزارع . تعتبر الرواية حدثاً مهماً في الأدب المصري حيث كانت تبرز البيئة المصرية المعاصرة بوصف تام [6] .

ويقول أيضاً في مقدمة رواية زينب : ” فلقد كنت في باريس طالب علم ، كما ذكرت من قبل يوم بدأت أكتبها ، وأستعيد مناظر ريفنا المصري جمال خضرته الناضرة ، هي ثمرة يوم الحنين للوطن وما فيه ، صوّرها قلم مقيم في باريس مملوء مع حنينه إعجاباً بباريس وبالأدب الفرنسي ” [7] .

جان جاك روسو ، حياته وكتبه :

ألف الدكتور محمد حسين هيكل كتاباً باسم ” جان جاك روسو حياته وكتبه ” في جزئين ، تحدث فيه عن حياة جان جاك روسو وتعليمه وأعماله وأفكاره الأساسية في اللغة الخالدة ، صدر الجزء الأول عام 1921م ، والجزء الثاني عام 1922م ، كما يقول : ” هذا إذن هو الدافع الذي حدا بي لبحث حياة روسو وكتبه ، ولكني فوق ما قدمت لا أدعي استطاعة القيام بهذا البحث على وجه كامل ، أولاً لأني لم أتخصص له ، وإنما هويته فأخذ مني وقتاً ومجهوداً كانا من خير الأوقات والمجهودات التي اتفقت في حياتي ، . . . ولا شك أن روسو مثل من الأمثال العليا ومظهر من مظاهر الفكر الحياة الخالدة ، فهذا هو أمام أهل عصره متشرد وضيع محكوم عليه بالبؤس وبفساد الخلق وبالأمراض التي لا تنفك تعكر صفو الحياة ” [8] .

تناول هيكل فيه جان جاك روسو المذهبي والاجتماعي والثقافي وطريقته الشرقية واضطرابه نفساني بقاب الجنون [9] .

في أوقات الفراغ :

هذا الكتاب يعد من أهم كتب محمد حسين هيكل ، وألفه عام 1925م ، حاول فيه أن يبين رسائله الأدبية والتاريخية والأخلاقية والفلسفية ، وقد جعلت هذه الرسائل ثمرةً ناضجةً لأوقات فراغه ، وهذا الكتاب مقسم إلى ثلاث مجموعات ، وتتناول المجموعة الأولى مباحث قيمةً في النقد ، ويذكر هيكل في المجموعة الثانية بعض الشئون المصرية بمناسبة كشف مقبرة توت عنخ آمون ، وأما في المجموعة الثالثة فيوصف عن خواطر في التاريخ والأدب .

كما يقول محمد حسين هيكل : ” هذه مجموعة رسائل نُشرت أكثرها في الصحف والمجلات ، وكلها ثمرات لأوقات فراغي ، كتبت على إثر مطالعات أو مشاهدات في هذه الأوقات وما أثارته هذه المطالعات من تفكير خاص ، ولقد رتبت في هذه المجموعة ترتيباً نظمت مع الرسائل الخاصة بموضوع واحد ، بعضها أثر بعض من غير مراعاة لتاريخ نشرها ولا للصحيفة التي نشرت فيها ، فبدأت بالنقد” [10] .

عشرة أيام في السودان :

تناول الدكتور محمد حسين هيكل فيه مجموعة ملاحظات ومعلومات عن رحلته إلى بلد السودان أخرجه عام 1926م ، كما أنه يقول في مقدمة هذا الكتاب : ” ليس في هذا الكتاب شيئ أكثر من ما يكمن أن يشتمل على عنوانه ” ، وجمع هيكل فيه عن رحلته القصيرة بالسودان ، ومع ذلك بين فيه الوقوف هناك عشرة أيام ، وذكر فيه عن بلد السودان وحكومة السودان ، وتحدث فيه عدة مباحث منها : سفره من مصر إلى الخرطوم ، ونظرته على ” الخرطوم ” والوقوف هناك ، وعودته من هناك ومشاركته في حفلة السودان وسكونته في ” جبل الأولياء ” ، ويمكننا أن نقول : إنه تناول فيه عن رحلته الكاملة إلى السودان [11] .

تراجم مصرية وغربية :

ينقل لنا الأديب الكبير محمد حسين هيكل بأسلوبه المميز ، صورةً حيةً ونابضةً عن الحياة السياسية المصرية في العصر المعاصر ، وفي ذلك الوقت كتب عدة تراجم لأعلام المصريين والغربيين الذين صنعوا في التاريخ ، ويشتمل على نوعين من التراجم ، ونشرت عام 1929م .

فأما النوع الأول فيتناول فيه تراجم مصرية لرجال في الفترة من عهد” الخديوي إسماعيل ” إلى زمن ” عبد الخالق ثروت ” ، كان لهم أثر كبير في تشكيل الوعي المصري ، أما سائر التراجم المصرية فنشرت في  ” السياسة الأسبوعية ” حين كانت تنشر فيها فصول رجال التاريخ الحديث في مصر .

وكما قد ربط الكاتب سير هؤلاء الكبار مثل مصطفى كامل وقاسم أمين وسيرة كليوباترة الملكة الشهيرة .

فأما النوع الثاني من الكتاب فيتناول فيه ترجمة بيتهوفن وتينن وشكسبير ، وشبلي من كبار رجال الغرب ، وهؤلاء إنما ترجمت لهم لمناسبات خاصة .

فإن كلمة ” تراجم ” تقتضي تناول جوانب حياة المترجم بدقيق وتوسع أكثر مما عالجت [12] .

ولدي :

احتل الدكتور محمد حسين هيكل مكاناً خاصاً في الرحلات والأسفار ، وألف كتاباً شاملاً في هذا الفن ، قدم تصويراً بارعاً مميزاً عن أدباء الجيل ورجال الفكر في أسلوب رقيق جذاب ، وألقى الضوء فيه على رحلته إلى البلاد والأماكن المختلفة حيث رحل في حياته ما بين الثقافية والدينية والسياسية والترفيهية ، ويعد هذا الكتاب ثمرةً من ثمارها في مؤلفاته ، وهو قد ذكر فيه بالتفصيل عن رحلته إلى أماكن شتى في أوربا ، هي الرحلات التي قام بها للتسلية عن نفسه وعن زوجته في شهور الصيف من سنة 1926م إلى سنة 1928م ، ونراه يصف وصفاً بارعاً مصايف سويسرا ، ويقارن مقارنة طريقة بين باريس الحديثة وباريس القديمة أيام دراسته بها ، كما ألفه في عواطف تذكارية لابنه المتوفى عام 1925م [13] .

حياة محمد :

كان محمد حسين هيكل واحداً من مؤلفي السيرة الذين جعلوا مجالاً فيها ، ويعد كتاب ” حياة محمد ” من أبرز الكتب التي كُتبت في العصر الحديث ، وأنه كتب هذا الكتاب في الردّ على المستشرقين الحاقدين الذين حاولوا أن يشوهوا سمعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومسّ الكاتب فيه حياة الرسول الكاملة من ولادته إلى وفاته ، ومع ذلك بين في بداية الكتاب جغرافية العرب وأوضاعهم الاجتماعية والسياسية والفكرية زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويتناول الكتاب بالمجادلة المنطقية آراء الكتاب الغربيين والمستشرقين ، وعلى الأخص المتعصبين منهم ضد الإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم ، رد عليها بالحجة البالغة ، ولقد تناول هيكل بالنقد والتمحيص ما كتبه هؤلاء المستشرقون والكتاب الغربيون الحاقدون من مطاعن على نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم ، وفند آراءهم المزعومة للوصول إلى الحقيقة العلمية وحدها غير مشوبة بشائبة ، فلقد كتب هيكل حياة محمد بالطريقة العلمية الحديثة ، وبأسلوب عصري ، ولم يتقيد بنهج الكتاب القديمة وأساليبها [14] .

الفاروق عمر بن الخطاب :

هذا الكتاب يتعلق بسيرة الخليفة الثاني عمر الفاروق رضي الله عنه ويشتمل هذا على جزئين ، تناول الكاتب فيه نبذةً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق رضي الله عنه وفتوحات عصرهما ، وكتب عن الحروب والثورات والقتال وفتح الإمبراطورية الإسلامية في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه مثل فتح العراق والشام وفارس ومصر وفتح القادسية والمداين وفتح البلدان الإسلامية في عصره وغيرها .

وذكر في الجزء الثاني من الكتاب عدل عمر رضي الله عنه ودعمه للفقراء والمساكين ، كما ذكر عن جنود الإسلام والمجاعة والوباء ونظام الأرض وشهادته وتفكيره [15] .

الصديق أبو بكر :

توجه محمد حسين هيكل إلى سيرة الخليفة الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، قد جال خطر في ذهنه منذ زمن أن يقوم بدراسات في التاريخ الإسلامي ، فقد تناول فيه حياة أبي بكر الصديق رضي الله عنه بالتفصيل ، تضمن هذا الكتاب من مولده إلى وفاته ، بالإضافة إلى طفولته وشبابه وأخلاقه وغزواته وفتوحاته وحكومته ونظام سياسته وما إلى ذلك [16] .

عثمان بن عفان :

هذا الكتاب يتعلق بسيرة عثمان بن عفان رضي الله عنه ، نشر هذا الكتاب سنة 1945م ، ويعد من أهم الكتب التاريخية الإسلامية ، ومن يقرأ ويدرس فلا بد له أن يتأثر به ، لأن فيه تصويراً تاريخياً فنياً عن حياة الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه ، تناول فيه حياة عثمان رضي الله عنه من ولادته إلى شهادته ، كما تحدث فيه عن حروبه وفتوحاته ونظام حكومته [17] .

هكذا خُلقت :

هذه الرواية بشكل قصة طويلة نشرها الدكتور هيكل بعد رواية ” زينب ” ، وهذه رواية واقعية تركتها بين يدي الكاتب امرأة غربية غامضة ، وهذا ممتع سردي للمؤلف والقارئ ، وكتب هيكل الرواية الأولى والأشهر ” زينب ” ثم عاد في أواخر أيام من حياته ليكتب رواية       ” هكذا خُلقت ” حينما جالت هذه الفكرة في ذهنه ، ونقرأ في هذه الرواية عن المرأة المصرية في منتصف القرن العشرين من خلال قصة امرأة قاهرية متأثرة على وضعها الاجتماعي وحبها ، وينتشل هيكل فكرته بقوة ومهارة فائقة .

وقد ناقش هيكل فيها قضية حرية المرأة ، وكما يقدم قضايا ما زالت موضع الاهتمام حتى اليوم ، التي تتصل بحياة المرأة في المجتمع مثل ظلم البشير وحرية المرأة وحرية الجسم والحجاب والسفور أو التعليم والتربية أولاد المرأة ومشاركة المرأة في الحياة العلمية وغيرها [18] .

الإمبراطورية الإسلامية والأماكن المقدسة :

يعد هذا الكتاب من أهم كتب محمد حسين هيكل في التاريخ الإسلامي ، ويكتسب هذا الكتاب أهميةً إضافيةً ، ويتناول فيه الموضوعات الخاصة ، ويبحث فيه قضايا إسلاميةً مختلفةً ، هي أسباب قوة الإمبراطورية الإسلامية ، ونظام الحكم والدولة في الإسلام ونظام الاجتماعية في الإسلام ، كما يبحث فيه عن الإسلام وحرية العقيدة وحرية الرأي ، ويبحث فيه أيضاً عن الحياة الاقتصادية لأمة بأسرها ، ونظام الديمقراطية في الفكرة الذاتية ، وسلط الضوء على الأماكن المقدسة الإسلامية وغير الإسلامية في منطقة الشرق [19] .

قصص مصرية :

يعد محمد حسين هيكل من كتاب القصاصين [20] ، وألف مجموعةً من القصص القصيرة ، لكي يبين لنا بعض الوقائع المتنوعة التي تتعلق بالمجتمع المصري من الناحية السياسية والثقافية والاقتصادية المصرية ، واستطاع من خلال ذلك أن يحدد اتجاهات للأدب القومي ، وقلب هيكل الماضي بنا كيفما شاء وينقل بقلمه بالنقد والتمحيص لإيجاد الحق وإحقاقه ، فنشعر وكأنك تصاحب هؤلاء حين يكشف بقلمه عن شعراء هذه الأمة فتشعر وكأنهم أنبياء ، ثم ما تلبث أن تقع المادة على أيديهم فيجرهم هذا عن طريق الحق ، استمتع بقراءة كتاب قصص مصرية للكتاب محمد حسين هيكل [21] .

أعمال محمد شبلي النعماني ومحمد هيكل : دراسة ومقارنة :

قد نرى من الكلمات المذكورة أعلاه ، أن العلامة محمد شبلي النعماني كان هندياً وعجمياً ، ومن جهة أخرى كان محمد حسين هيكل هو مصرياً وعربياً ، وتلقى هيكل الابتدائية والثانوية في القاهرة في مدرسة ” الجمالية ” ومدرسة ” الخديوية الثانوية ” ، بعد ذلك دخل في مدرسة الحقوق في القاهرة ، ثم سافر إلى فرنسا لتحصيل الدكتوراه في الحقوق من جامعة السوربون . ومن ناحية أخرى ، تعلم العلامة شبلي التعليم الابتدائي في المدرسة العربية في قريته ” أعظم جراه ” ، ثم رحل إلى لكناؤ ، ولاهور ، ورامفور ، وسهارنفور وغير ذلك للتعليم الأعلى . وأما العلامة شبلي فدرس القانون أيضاً ولكن أنه لم يصل إلى الدكتوراه .

وكان العلامة شبلي يجيد اللغة الفارسية والأردية والعربية ، ولكن هيكل لم يتقن إلا ثلاث لغات : اللغة العربية والإنجليزية والفرنسية ، أما الهند كان من العسير لأي رجل أن يحصل على التعليم الديني في ذلك العهد ، أما مصر ، ففيها توجد جميع التسهيلات الدراسية لأن الأزهر كان يعتبر مركزاً تعليمياً آنذاك [22] .

وإذا ألقينا نظرةً في وظائفه وجدنا أن الكاتبين اشتغلا بوظيفة المحاماة ، ولكن في دولة مختلفة [23] .

تشرف هيكل بأداء فريضة الحج وتشرف العلامة شبلي بهذه الفريضة أيضاً [24] .

عُين هيكل أستاذاً في مدرسة الحقوق في مصر ، كما تولى العلامة شبلي منصب التدريس في جامعة علي جراه الإسلامية في ولاية أترابراديش في الهند [25] .

يعتبر محمد حسين هيكل أديباً أريباً ومؤرخاً إسلامياً ، كما كان شبلي أديباً شهيراً ومؤرخاً إسلامياً أيضاً ، الفرق بينهما أن شبلي كان شاعراً كبيراً ، ولكن هيكل لم يكن شاعراً .

يُعرف محمد حسين هيكل سياسياً كبيراً في سماء مصر ، وعُين وزيراً للدولة ، ثم وزيراً للمعارف ، ورئيساً لحزب الأحرار الدستوريين ، ورئيس التحرير لجريدة ” السياسة ” ، ولكن شبلي لم يكتسب سمعةً بارزةً في السياسة بل أنه كان يتأثر بها واكتفى بكتابة المقالات عن السياسة الهندية فحسب [26] .

قام محمد حسين هيكل وشبلي النعماني بمجهودات كبيرة في مجال التأليف ، وألفا كتباً شاملةً قيمةً تتعلق بالشخصيات الإسلامية والتاريخية ، وهذه الكنوز الأدبية التي تركها الكاتبان تعتبر مصدراً ومرجعاً للفنون الإسلامية والتاريخية ، وكان الكاتبان ، وكان أسلوبهما متيناً خالياً من السجع والتكلف .

كتب محمد حسين هيكل عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلّم وعن سيرة عمر الفاروق رضي الله عنه وعن حياة أبي بكر رضي الله عنه وعثمان بن عفان رضي الله عنه ، ولكن اكتفى شبلي النعماني بسيرة النبي صلى الله عليه وسلّم وسيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه [27] .

وكتب محمد حسين هيكل روايةً باسم ” زينب ” ، وهذه الرواية تعتبر أول رواية فنية باللغة العربية ، ثم ” هكذا خلقت ” في نفس الفن ، ولكن لم يتناول شبلي النعماني موضوع الرواية قط ، وبعد ذلك مال محمد حسين هيكل إلى كتابة ” في أوقات الفراغ ” وتناول فيه مباحث قيمة في النقد ، وبحث فيه عن قاسم أمين ودعوته إلى تحرير المرأة ، ووصف أثناء تعليمه بفرنسا ، ولكن لم يتناول شبلي النعماني هذه الموضوعات [28] .

كتب محمد حسين هيكل عن ” جان جاك روسو حياته وكتبه ” والسياسة المصرية والإمبراطورية الإسلامية والأماكن الإسلامية ، وقام بترجمة بعض قصص أوربية وبعض أعلام الغربيين والمصريين ، ولكن شبلي لم يتناول كما تناول نظيره المصري [29] .

تناول محمد حسين هيكل موضوع الأدب والنقد في اللغة    العربية ، ولكن لم يكتب شبلي النعماني إلا ” شعر العجم ” في المجال الأدب النقد ، وهو في الحقيقة تاريخ للشعر الفارسي [30] .

أدب الرحلات :

نال محمد حسين هيكل مكاناً بارزاً في أدب الرحلة ، لأنه كتب بعض الكتب في اللغة العربية في هذا المجال مثل ” في منزل الوحي ” الذي يتعلق برحلته إلى الحجاز ، و ” عشرة أيام في السودان ” يشتمل على رحلته إلى السودان ، وكتاب ” شرق وغرب رحلات ” يحتوي على رحلاته إلى الشرق والغرب ، ولكن كتب شبلي النعماني كتاباً في اللغة الأردية في أدب الرحلة باسم ” سفر نامة روم ومصر وشام ” الذي يتعلق برحلته إلى روم ومصر والشام [31] .

كما كتب شبلي النعماني الكتب القيمة في اللغة الأردية متناولاً فيه موضوع السيرة والتاريخ الإسلامي والفلسفة الإسلامية والنقد الأردي والدراسة المقارنة بين الشاعرين ، ولكن لم يكتب محمد حسين هيكل في هذا المجال ، بل إنه كَرَّس نفسه للأدب [32] .

على كل حال ، كلا الكاتبين تناولا الفنون الأدبية والإسلامية وحاولا لإبراز الجوانب المهمة حسب المستطاع .

خاتمة البحث :

يتضح لنا من المناقشة السابقة أنه على الرغم من وجود العديد من أوجه التشابه في الأفكار والمقاربات بين محمد شبلي النعماني ومحمد حسين هيكل ، إلا أن هناك جوانب عديدة بينهما تختلف فيما بينها . والدراسة المقارنة لها أهميتها الخاصة في العصر الحديث وتساعدنا على فهم أفكار ووجهات نظر الكاتبين . عملهم الضخم وموضوعهم المشترك دراسة شاملة وموضوعية يرغب هذا الباحث في تنفيذها .

يُعد محمد حسين هيكل وشبلي النعماني من أبرز الكتّاب والمؤرخين الذين استيقظوا مبكراً للخطر الصليبي من قبل المستشرقين ضد الإسلام والمسلمين في شكل كتاباتهم ، وكانا قلقين جداً بتعبيرهما المشوه للإسلام لأجل مكائدها ومؤامراتهما ضد الإسلام والمسلمين ، فلم يكن بدّ لهما أن يردا عليهما بأسلوب علمي ويقدما الصورة الصحيحة للدين الإسلامي .

وأخيراً وصلنا إلى هذه النتائج بعد دراسة مقارنة أن كتابات محمد شبلي النعماني ومحمد حسين هيكل حول السيرة والتاريخ الإسلامي صورة متوازنة ، من حيث العرض والأسلوب ، والمواد والغايات .

* باحث الدكتوراه ، قسم اللغة العربية ، جامعة علي جراه الإسلامية ، علي جراه ، الهند . Email : yeaqubar341@gmail.com

[1] شبلي النعماني ، أورنگ زيب پر ایک نظر ، ص : 24 – 97 .

[2] شبلي النعماني ، سفرنامة روم ، مصر والشام ، المقدمة .

[3] أنيس المقدسي ، الفنون الأدبية وأعلامها في النهضة العربية الحديثة ، ص : 341 – 342 ، وحمدي سكوت ، قاموس الأدب العربي الحديث ، إعداد وتحرير ، ص : 488 .

[4] خير الدين الزركلي ، الأعلام ، الجزء السادس ، ص : 107 .

[5] محمد واضح رشيد الحسني ، أعلام الأدب العربي في العصر الحديث ، ص : 129 – 130 .

[6] David Semah (1974), Four Egyptian Literary Critics, E.J Brill, Leiden, Netherlands.

[7] محمد واضح رشيد الحسني ، أعلام الأدب العربي في العصر الحديث ، ص : 7 – 12 .

[8] الدكتور محمد حسين هيكل ، جان جاك روسو حياته وكتبه ، ص : 13 – 15 .

[9] المرجع نفسه ، ص : 21 .

[10] الدكتور شوقي ضيف ، الأدب العربي المعاصر في مصر ، ص : 271 – 272 .

[11] محمد حسين هيكل ، عشرة أيام في السودان ، المقدمة ، ص : 6 ، 9 ، 43 ، 54 ، 94 و70 .

[12] محمد حسين هيكل ، تراجم مصرية وغربية ، المقدمة ، ص : 9 – 13 ، وأحمد حسين هيكل ، رائد الدفاع عن السيرة النبوية ، ص : 73 .

[13] أنيس المقدسي ، الفنون الأدبية وأعلامها في النهضة العربية والحديثة ، ص : 241 – 242 ، وخير الدين الزركلي ، الأعلام ، الجزء السادس ، ص : 108 .

[14] محمد حسين هيكل ، حياة محمد ، المقدمة ، ومحمد رجب البيومي ، النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين ، الجزء الأول ، ص : 491 ، والدكتور فؤاد صالح السيد ، أعلام القرن العشرين في العالمين العربي والإسلامي ، الجزء الثاني ، ص : 143 ، ومحمود عبد الحليم ، الإخوان المسلمين أجداث صنعت التاريخ ، الجزء الأول ص : 301 – 302 .

[15] محمد حسين هيكل ، الفاروق عمر بن الخطاب ، الطبيعة الحادية عشرة ، دار المعارف ، القاهرة ، سنة 1945م ، المقدمة ، ص : 14 ، 15 و 17 ، ج/1 ، ص : 35 ، 38 ، 45 ، 136 و 265 ، ج/2 ، ص : 21 و 275 .

[16] محمد حسين هيكل ، الصديق أبو بكر ، المقدمة ، ص : 12 ،13 و 16 .

[17] محمد حسين هيكل ، عثمان بن عفان ، ص : 7 ، 11 ، 13 و 40 .

[18] محمد حسين هيكل ، هكذا خٌلقت ، المقدمة ، وأنيس المقدسي ، الفنون الأدبية وأعلامها في النهضة العربية الحديثة ، ص : 342 – 345 .

[19] محمد حسين هيكل ، الإمبراطورية الإسلامية والأماكن ، المقدمة ، ص : 9 ، 33 ،    49 ، 52 و 95 .

[20] مجلة العاصمة ، ص : 7 – 11 ، 13 و 40 .

[21] محمد حسين هيكل ، قصص ، ص : 12 ، 24 و 64 .

[22] حمدي السكوت ، قاموس الأدب العربي الحديث ، إعداد وتحرير : ص : 488 ، الدكتور جمال الدين الفاروقي ، وعبد الرحمن محمد الأدرشيري ، وعبد الرحمن المنغادي ، أعلام الأدب العربي في الهند ، ص : 186 ، ومجلة البعث الإسلامي ، ع/8 ، ج/60 ، يناير 2015م ، ص : 44 ، وصباح الدين عبد الرحمن ، مولانا شبلي النعماني پرایک نظر ( باللغة الأردية ) ، ص : 7 ، وسيد سليمان ، حياة شبلي ، ص : 14 ، 17 ، 78 ، 90 ، 91 ، ومحمد أكرم الندوي ، شبلي النعماني علامة الهند الأديب والمؤرخ الناقد الأريب ، ص : 28 – 29 .

[23] الدكتور شوقي ضيف ، الأدب العربي المعاصر في مصر ، ص : 271 ، وسيد سليمان الندوي ، حياة شبلي ، ص : 14 ، 16 و 17 .

[24] الدكتور جمال الدين الفاروقي وعبد الرحمن محمد الأدرشيري وعبد الرحمن المنغادي ، الأعلام الأدب العربي في الهند ، مكتبة الهدي ، ص : 185 ، والدكتور محمد حسين هيكل ، في منزل الوحي ، ص : 7 – 9 .

[25] الدكتور فؤاد صالح السيد ، أعلام القرن العشرين في العالمين العربي والإسلامي ، ج/2 ، ص : 143 ، وسيد سليمان الندوي ، حياة شبلي ، ص : 122 – 124 .

[26] حمدي السكوت ، قاموس الأدب العربي الحديث ، إعداد وتحرير : ص : 488 – 489 ، ومجلة الهند ، ج/3 ، الأعداد : 1 – 4 ، يناير – ديسمبر ، 2014م ، ص : 27 ، 31 ، وصباح الدين عبد الرحمن ، مولانا شبلي النعماني پرایک نظر ( باللغة الأردية ) ، ص : 62 ، 84 ، وعبد الرحمن الرافعي ، في أعقاب الثورة المصرية ثورة 1919م ، الجزء الثالث ، ص ، 63 ، 68 ، 142 ، 155 ، والجزء الثاني ، ص : 164 .

[27] حمدي السكوت ، قاموس الأدب العربي الحديث ، إعداد وتحرير ، ص : 488 ، والدكتور محمد رجب البيومي ، النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين ، عميد كلية اللغة العربية بالمنصورة ، الجزء الأول ، ص : 496 ، ومجلة الهند : ج/3 ، الأعداد 1   – 4 ، يناير – ديسمبر 2014م ، ص : 51 ، 328 .

[28] شوقي ضيف ، الأدب العربي المعاصر في مصر ، ص : 271 ، 274 ، ومحمد حسين هيكل ، هكذا خلقت ، المقدمة ، ص : 7 – 8 .

[29] الدكتور محمد رجب البيومي ، النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين ، عميد كلية اللغة العربية بالمنصورة ، الجزء الأول ، ص : 498 ، ومحمد حسين هيكل ، مذكرات السياسية المصرية ، المقدمة ، ص : 7 – 8 ، ومجمد حسين هيكل ، الإمبراطورية الإسلامية والأماكن المقدسة ، ص : 95 ، ومحمد حسين هيكل ، قصص مصرية ، ص : 12 ، ومحمد حسين هيكل ، تراجم مصرية غربية ، المقدمة ، ص : 9 – 10 ، ومحمد حسين هيكل ، مذكرات الشباب ، المقدمة ، أحمد محمد حسين هيكل   المحامي ، ص : 1 .

[30] محمد حسين هيكل ثورة الأدب ، المقدمة ، ص : 10 – 11 ، مجلة الهند : ج/3 ،   الأعداد : 1 – 4 ، يناير – ديسمبر 2014م ، ص : 61 .

[31] محمد حسين هيكل ، في منزل الوحي ، المقدمة ، ص : 6 – 7 ، ومحمد حسين هيكل ، ولدي ، ص : 205 – 206 ، ومحمد حسين هيكل ، عشرة أيام في السودان ، ص : 43 – 45 ، ومحمد حسين هيكل ، شرق وغرب رحلات ، المقدمة ، بقلم حافظ محمود ،       ص : 5 ، ومحمد حسين هيكل ، مذكرات الشباب ، ص : 9 – 10 ، وشبلي النعماني ، سفر نامة روم ومصر وشام ، ص : 17 – 18 .

[32] مجلة الهند : ج/3 ، الأعداد : 1 – 4 ، يناير – ديسمبر 2014م ، ص : 272 .