التوجيه الإسلامي : كيف ينزل سبحانه تعالى في آخر الليل ؟

البلاغة والإعراب والبيان في القرآن الكريم ( أول سورة سبأ )
أغسطس 11, 2020
دراسة حول تفسير القرآن على مر العصور
أغسطس 11, 2020
البلاغة والإعراب والبيان في القرآن الكريم ( أول سورة سبأ )
أغسطس 11, 2020
دراسة حول تفسير القرآن على مر العصور
أغسطس 11, 2020

التوجيه الإسلامي :

كيف ينزل سبحانه تعالى في آخر الليل ؟

الأستاذ اشتياق أحمد ( بنغلاديش )

قد جاء في بعض الأحاديث أن الله تعالى ينزل في آخر الليل إلى سماء الدنيا وكيف ذلك ، وأين الله تعالى . فقد روى عبد الرزاق عَنْ عُبَيْدِ ابْنِ عُمَيْرٍ أَنَّهُ قَال : ” يَنْزِلُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى شَطْرَ اللَّيْلِ الآخِرِ فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ : مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ ؟ وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ؟ وَيَقُولُ الْمَلِكَ : سَبِّحُوا الْمَلِكَ الْقُدُّوسَ ، حَتَّى إِذَا كَانَ الْفَجْرُ صَعِدَ الرَّبُّ ، فَأَتَّبِعُ قَوْلَ الْمَلَكَ : سُبْحَانَ الْمَلِكَ الْقُدُّوسِ ، وَأَمَّا سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ سَبَقَتْ رَحْمَةُ رَبِّي غَضَبَهُ[1]  .

فيجب العلم بمكان الله تعالى قبل العلم بكيفية نزوله ، وقد اختلف العلماء في مكان استقرار الله تعالى على مذاهب ، وذلك فيما  يأتي :

المذهب الأول : قال الإمام أبو حنيفة هو في السماء ، بل فوق عرشه بلا كيفية كما يليق به . وإنه في كل مكان بصفاته ، قد جاء في الفقه الأكبر :

قَال أبو حنيفَة من قَالَ لا أعرف رَبِّي فِي السَّمَاء أوْ فِي الأَرْض فقد كفر ، وَكَذَا من قَالَ إِنَّه على الْعَرْش وَلا أدري الْعَرْش أَفِي السَّمَاء أوْ فِي الأَرْض وَالله تَعَالَى يدعى من أعلى لا من أَسْفَل لَيْسَ من وصف الربوبية والألوهية فِي شَيْئ وَعَلِيهِ مَا روى فِي الحَدِيث إن رجلاً أتى إِلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأمة سَوْدَاء فَقَالَ وَجب عَلي عتق رَقَبَة أفتجزئ هَذِه فَقَالَ لَهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمؤمنة أَنْت فَقَالَت نعم فَقَالَ أَيْن الله فَأَشَارَتْ إِلَى السَّمَاء فَقَالَ أعتقها فَإِنَّهَا مُؤمنَة[2]  .

وقال الطحاوي : والعرش والكرسي حق وهو مستغن عن العرش وما دونه مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْئ وَفَوْقَهُ وَقَدْ أَعْجَزَ عَنِ الإحاطة خلقه[3]  .

وقال أبو سعيد السجستاني : وإن أبيت أيّها المعارض أن تؤيّن اللّه تعالى وتقرّ به أنّه فوق عرشه ، دون ما سواه ، فلا ضير على من أيّنه ، إذ رسوله ونبيّه صلوات اللّه عليه وسلامه قد أيّنه فقال لِلأَمَةِ السَّوْدَاءِ : ” أَيْنَ اللَّهُ ؟ قَالَتْ : فِي السَّمَاءِ قَالَ : أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَة وَكَذَلِكَ أَيَّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَلِيلُهُ إِبْرَاهِيمُ أَنَّهُ فِي السَّمَاءِ . عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” لَمَّا أُلْقِيَ إِبْرَاهِيمُ فِي النَّارِ قَالَ : اللَّهُمَّ إِنَّكَ فِي السَّمَاءِ وَاحِدٌ ، وَأَنَا فِي الأَرْض وَاحِد أعبد[4]  .

وروى ابن أبي شيبة : عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم : الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمَ الرَّحْمَان ، ارْحَمُوا من في الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ[5]  .

وروى أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاس : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أُسْرِيَ بِهِ ، مَرَّتْ بِهِ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ ، فَذَكَرَ مَعْنَاهُ ، إِلاَّ أَنَّهُ قَال : مَنْ رَبُّكِ ؟ قَالَتْ  : رَبِّي وَرَبُّكَ مَنْ فِي السَّمَاءِ . وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ : تَكَلَّمَ أَرْبَعَةٌ[6]  .

فالله تعالى فوق العرش مستقر كما يليق به لكنه في كل شيئ ومكان بصفاته وإليه أشار قوله تعالى :

( هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ )[7]  وأيضاً قال تعالى : ( وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) [8] .

المذهب الثاني : قال أهل الحديث هو استوى على العرش كما في   التنزيل : ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ )[9]  .

وأيضاً قال تعالى : ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ )[10]  . وأيضاً قال تعالى : ( اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ )[11]  . وأيضاً قال تعالى : ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )[12]  . وأيضاً قال تعالى : ( الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا )[13]  . وأيضاً قال تعالى : ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ )[14]  . وأيضاً قال تعالى : ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ )[15]  .

المذهب الثالث : قال الجهمية إن الله في كل مكان .

قال أحمد بن محمد بن حنبل : بيان ما أنكرت الجهمية أن يكون الله على العرش فقلنا : لِمَ أنكرتم أن يكون الله على العرش ، وقد قال تعالى : ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) ( طه : 5 ) ، وقال : ( خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ) ( الحديد : 4 ) . فقالوا : هو تحت الأرض السابعة . كما هو على العرش ، فهو على العرش وفي السماوات وفي الأرض وفي كل مكان ، ولا يخلو منه مكان ، ولا يكون في مكان دون مكان . وتلوا آية من القرآن : ( وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ )           ( الأنعام : 3 )[16]  .

وقال أبو الحسن الأشعري : قد قال قائلون من المعتزلة والجهمية والحرورية : إن معنى قول الله تعالى : ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) ( 5/20 ) أنه استولى وملك وقهر ، وأن الله تعالى في كل مكان ، وجحدوا أن يكون الله عز وجل مستوياً على عرشه ، كما قال أهل الحق ، وذهبوا في الاستواء إلى القدرة . وزعمت المعتزلة والحرورية والجهمية أن الله تعالى في كل مكان ، فلزمهم أنه في بطن مريم وفي الحشوش والأخلية ، وهذا خلاف الدين . تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً [17] .

فمذهب السلف : إثبات صفة العلو لله تعالى ، ثم هم على فرقتين فرقة تقول إن الله فوق العرش بلا كيفية وقال أهل الحديث بل هو مستو على العرش ، ومذهب بعض الخلف وهو إنكار علو الله تعالى على خلقه ، وقد انقسموا في هذه الصفة إلى قسمين أساسيين :

أهل الحلول والاتحاد : وهم الذين يقولون : إن الله في كل مكان ، والعياذ بالله ، وأنه يحل في كل شيئ ، وهو حقيقة كل شيئ ، وأن الكون ما هو إلا مظاهر له ، وهذا كفر صريح باتفاق فِرَقِ الْمُسْلِمِينَ ، وهذا مذهب الاتحادية والحلولية الذي أصله من المجوس والبوذيين في الهند ثُمَّ انتقل إِلَى بعض من ينتسبون إِلى الإسلام كابن عربي وابن الفارض والتلمساني وابن سبعين وأمثالهم .

والفرقة الثانية من نفاة العلو : الفلاسفة والباطنية والأشاعرة الذين ينفون عن الله جميع الجهات ويقولون : إن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته ولا قدامه ولا وراءه ، ولا عن يمينه ولا عن شماله ، فينفون جميع الجهات ، وهذا مذهب حكماء اليونان كما يسمونهم أو فلاسفة اليونان أو بعضهم . ثُمَّ قال به الباطنية وأمثالهم من الذين غلوا في النفي فيقولون : لا نقول داخل العالم ولا خارجه ، وهذا هو مذهب الأشعرية الذي ذكر في كتاب المواقف ، الكتاب المعروف الذي يُدرس الآن في الجامعات خارج المملكة عَلَى أنه كتاب العقيدة .

والمذهب الراجح هو المذهب الأول لأن ذلك يليق بشأنه . لأن الأدلة السمعية ، والعقلية ، والفطرية تدل من أن الله تعالى فوق السماوات والعرش مستو كما يليق بشأنه بلا كيفية . وهو موجود في كل شيئ بصفاته وعلمه وقدرته وأمره .

كيفية نزوله تعالى :

في بعض الرواية جاء أن الله تعالى ينزل إلى سماء الدنيا في آخر الليل أو نصف الليل كما روي عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، قَال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم : ” إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ ، فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا نَهَارَهَا ، فَإِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ فِيهَا لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى سَمَاءِ   الدُّنْيَا ، فَيَقُولُ : أَلا مِنْ مُسْتَغْفِرٍ لِي فَأَغْفِرَ لَهُ أَلا مُسْتَرْزِقٌ فَأَرْزُقَهُ أَلا مُبْتَلًى فَأُعَافِيَهُ أَلا كَذَا أَلا كَذَا ، حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ [18] .

وأيضاً روي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال : ” يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ ، فَيَقُولُ : مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ؟ ( حكم الألباني ) : صحيح [19] .

فقال المحدثون في تشريحه كما قال ابن فورك : والنزول إذا أضيف جميع ذلك إلى الأجسام التى يجوز عليها الحركة والنقلة التى هى تفريغ مكان وشغل غيره ، فإذا أضيف ذلك إلى من لا يليق به الانتقال والحركة كان تأويل ذلك على حسب ما يليق بنعته وصفته عزَّ وجلَّ . فمن ذلك لفظة النزول فى اللغة مستعملة على معانٍ مختلفة ، فمنها النزول بمعنى الانتقال والتحويل كقوله : ( وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً طَهُوراً )                ( الفرقان : 48 ) ، ومنها النزول بمعنى الإعلام كقوله : ( نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ ) ( الشعراء : 193 ) ، أى أعلم به الروحُ الأمين محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) . ومنها النزول بمعنى القول في قوله تعالى : ( سَأُنزِلُ مِثْلَ مَآ أَنَزلَ ٱللَّهُ ) ( الأنعام : 93 ) ، أي سأقول مثل ما قال ، ومنها النزول بمعنى الإقبال على الشيئ ، ومنها النزول بمعنى نزول الحكم ، وكل ذلك متعارف عند أهل اللغة ، وإذا كانت هذه اللفظة مشتركة المعنى فينبغي حمل ما وصف به الرب تعالى من النزول على ما يليق به من بعض هذه المعانى . إما أن يراد به إقباله على أهل الأرض بالرحمة والتنبيه الذى يلقى في قلوب أهل الخير منهم ، والزواجر التي تزعجهم إلى الإقبال على  الطاعة ، ويحتمل أن يكون ذلك فعلا يظهر بأمره ، فيضاف إليه ، كما يقال : نادى الأمير في البلد ، وإنما أمر بذلك ، وإذا احتمل ذلك في اللغة لم ينكر أن يكون لله ملائكة يأمرهم بالنزول إلى السماء الدنيا بهذا النداء والدعاء ، فيضاف إلى الله . وقد روي هذا التأويل في بعض طرق هذا الحديث ، روى النسائى ، عن أبي هريرة ، وأبي سعيد الخدرى يقولان : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يمهل حتى يمضى شطر الليل الأول ، ثم يأمر مناديًا ينادى يقول : هل من داع يستجاب له ، هل من مستغفر يغفر له ، هل من سائل يعطي ) . وقد سئل الأوزاعى عن معنى هذا الحديث ، فقال : يفعل الله ما يشاء . وقد روى حبيب ، عن مالك ، أنه قال في هذا الحديث : ينزل أمره ورحمته .

وقد سئل بعض العلماء عن حديث النزول ، فقال : تفسيره قول إبراهيم حين أفل النجم : ( لاۤ أُحِبُّ ٱلآفِلِينَ ) ( الأنعام : 76 ) فطلب ربا لا يجوز عليه الانتقال والحركات ، ولا يتعاقب عليه النزول[20]  .

وقال بدر الدين العيني : قد روى فِي ذَلِك خمس رِوَايَات . أَصَحهَا : مَا صَححهُ التِّرْمِذِيّ ، الرِّوَايَة الثَّانِيَة : هِيَ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ : عَن أبي هُرَيْرَة : أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَال : ينزل الله إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا كل لَيْلَة حِين يمْضِي ثلث اللَّيْل الأول ، الرِّوَايَة الثَّالِثَة : حِين يبْقى نصف اللَّيْل الآخر . الرِّوَايَة الرَّابِعَة : التَّقْيِيد بالشطر أَو الثُّلُث الأَخير إِمَّا على الشَّك أَو وُقُوع هَذَا مرّة وَهَذَا مرّة ، وَهِي رِوَايَة سعيد . الرِّوَايَة الْخَامِسَة : التقييد بِمُضِيِّ نصف اللَّيْل أَو ثلثه ، وَهِي رِوَايَة عبيد الله بن عمر عَن سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة : ( إِذا مضى نصف اللَّيْل أَو ثلث اللَّيْل ) .

فأما رِوَايَة من لم يعين الْوَقْت فَلا تعَارض بَينهَا وَبَين من عين ، وَأما من عين الْوَقْت وَاخْتلفت ظواهر رواياتهم فقد صَار بعض الْعلمَاء إِلَى التَّرْجِيح ، كالترمذي على مَا ذكرنَا ، إلاّ أَنه عبر بالأصح ، فَلا يَقْتَضِي تَضْعِيف غير تِلْكَ الرِّوَايَة لما تَقْتَضِيه صِيغَة : أفعل ، من الاشْتِرَاك . وَأما القَاضِي عِيَاض فَعبر فِي التَّرْجِيح بِالصَّحِيحِ ، فَاقْتضى ضعف الرِّوَايَة الأُخْرَى ، رده النَّوَوِيّ بِأَن مُسلماً رَوَاهَا فِي صَحِيحه بِإِسْنَاد لا يطعن فِيهِ عَن صحابيين ، فَكيف يضعفها ؟ وَإِذا أمكن الجمع وَلَو على وَجه فَلا يُصَار إِلَى التَّضْعِيف . وَقَالَ النَّوَوِيّ : وَيحْتَمل أَن يكون النَّبِي ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ، أعلم بِأحد الأَمريْنِ فِي وَقت فَأخْبر بِهِ ، ثمَّ أعلم بِالآخرِ فِي وَقت آخر فَأعْلم بِهِ ، وَسمع أَبُو هُرَيْرَة ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ، الْخَبَرَيْنِ فنقلهما جَمِيعًا ، وَسمع أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ، خبر الثُّلُث الأول فَقَط ، فأخبر به مَعَ أبي هُرَيْرَة كَمَا رَوَاهُ مُسلم فِي الرِّوَايَة الأَخِيرَة ، وَهَذَا ظَاهر .

وَقد اخْتلف العلماء فِي قَوْله : ( يَنزِلُ ٱللَّهُ ) ، فَسئلَ أَبُو حنيفَة فَقَالَ : بِلا كَيفَ ، وَقَالَ حَمَّاد بن زيد : نُزُوله إقباله . قَالَ الشَّافِعِي : الأَصْل كتاب أَو سنة أَو قَول بعض أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو إِجْمَاع النَّاس فالنُّزُول انْتِقَال الْجِسْم من فَوق إِلَى تَحت ، ومنزه عَن ذَلِك ، فَمَا ورد من ذَلِك فَهُوَ من المتشابهات ، فَالْعُلَمَاء فِيهِ على قسمَيْنِ : الأول : المفوضة : يُؤمنُونَ بهَا ويفوضون تَأْوِيلهَا إِلَى الله ، مَعَ الْجَزْم بتنزيهه عَن صِفَات النُّقْصَان . وَالثَّانِي : المؤولة : يؤولون بهَا على مَا يَلِيق بِهِ بِحَسب المواطن ، فأولوا بِأَن معنى : ينزل الله : ينزل أمره أَو مَلَائكَته ، وَبِأَنَّهُ اسْتِعَارَة ، وَمَعْنَاهُ : التلطف بالداعين والإجابة لَهُم وَنَحْو ذَلِك ، وَقَالَ الْخطابِيّ : هَذَا الحَدِيث من أَحَادِيث الصِّفَات ، مَذْهَب السّلف فِيهِ الإِيمَان بهَا وإجراؤها على ظَاهرهَا وَنفي الْكَيْفِيَّة عَنهُ : لَيْسَ كمثله شَيْئ وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير ، وَقَالَ القَاضِي الْبَيْضَاوِيّ ، لما ثَبت بالقواطع الْعَقْلِيَّة أَنه منزه عَن الجسمية والتحيز امْتنع عَلَيْهِ النُّزُول على معنى الانْتِقَال من مَوضِع أَعلَى إِلَى مَا هُوَ أَخفض مِنْهُ ، فَالْمُرَاد دنو رَحمته[21]  .

فالحاصل أن نزوله تعالى مستعمل مجازاً في الأحاديث فمراده نزول أمره ورحمته كما لا يخفى .

[1] عبد الرزاق ، المصنف ، ( بيروت : المكتب الإسلامي ، 1403هـ ) ، رقم الحديث : 2898 .

[2] أبو حنيفة ، الفقه الأكبر ، ( الإمارات العربية : مكتبة الفرقان ، 1999م ) ، ص 135 .

[3] الطحاوي ، تخريج عقيدة الطحاوية ، ( بيروت : المكتب الإسلامي ، 1414هـ ) ، ص 56 .

[4] أبو سعيد السجستاني ، نقض الإمام أبي سعيد على المرسي ، ( مكتبة الرشد :      1998م ) ، ج 1 ، ص 490 .

[5] ابن أبي شيبة ، المصنف ، ( د . ت ) ، رقم الحديث : 25864 .

[6] أحمد ، المسند ، ( بيروت : عالم الكتب ، 1998م ) ، رقم الحديث : 2824 .

[7] القرآن الكريم ، الحديد ، الآية : 3 .

[8] القرآن الكريم ، البقرة ، الآية : 115 .

[9] القرآن الكريم ، الأعراف ، الآية : 54 .

[10] القرآن الكريم ، يونس ، الآية : 3 .

[11] القرآن الكريم ، الرعد ، الآية : 2 .

[12] القرآن الكريم ، طه ، الآية : 5 .

[13] القرآن الكريم ، الفرقان ، الآية : 59 .

[14] القرآن الكريم ، السجدة ، الآية : 4 .

[15] القرآن الكريم ، الحديد ، الآية : 4 .

[16] أحمد بن محمد بن حنبل ، الرد على الجهمية والزنادقة ، ( د . ت ) ، ص 142 .

[17] أبو الحسن الأشعري ، الإبانة عن أصول الدين ، ( القاهرة : دار الأنصار ، 1379هـ ) ، ص 109 .

[18] ابن ماجة ، السنن ، ( د . ت ) ، رقم الحديث : 1388 .

[19] أبو داود ،  السنن ، ( بيروت : المكتبة العصرية ، د . ت ) ، رقم الحديث : 1315 ،    مسلم ،  المسند ، ( بيروت : دار إحياء التراث العربي ) ، رقم الحديث : 758 . البخاري ، الجامع ، ( دار طوق النجاة ، 1422هـ ) ، رقم الحديث : 1145 .

[20] ابن بطال ، شرح البخاري ، ( الرياض : مكتبة الرشد ، 2003م ) ، ج 3 ، ص 140 .

[21] بدر الدين العيني ، عمدة القاري ، ( د . ت ) ، ج 7 ، ص 198 – 201 .