البلاغة والإعراب والبيان في القرآن الكريم ( أول سورة سبأ )

ردود على أسئلة وجهت إلى سعادة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي
يوليو 25, 2020
التوجيه الإسلامي : كيف ينزل سبحانه تعالى في آخر الليل ؟
أغسطس 11, 2020
ردود على أسئلة وجهت إلى سعادة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي
يوليو 25, 2020
التوجيه الإسلامي : كيف ينزل سبحانه تعالى في آخر الليل ؟
أغسطس 11, 2020

التوجيه الإسلامي :

البلاغة والإعراب والبيان في القرآن الكريم

( أول سورة سبأ )

بقلم : معالي الشيخ الدكتور راشد عبد الله الفرحان *

سميت بذلك لورود قصة سبأ في هذه السورة .

لما ختم الله سبحانه الأحزاب ببيان الغرض في التكاليف وأنه سبحانه يجزي المحسن بإحسانه والمسيئ بإساءته ، افتتح هذه السورة بالحد على نعمته وكمال قدرته .

2 ( يَعْلَمُ مَا يَلْجُ فِى ٱلأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ ٱلرَّحِيمُ ٱلْغَفُورُ ) .

العموم والخصوص :

هنا عكس الآيات السابقة ، وذلك لأن هنا الرحمة شملتهم جميعاً فقدمها ، والمغفرة تخص بعضاً ، فقدم العموم على الخصوص ، لأن المغفرة تخص المكلفين ، كما جاء في البرهان للسيوطي .

7 ( وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ ) .

الإعراب :

إذا طرف متضمن معنى الشرط في محل نصب متعلق بمضمون معنى في خلق جديد ، ( لَفِى ) اللام المزحلقة للتوكيد في ( خَلْقٍ ) متعلق بخبر إن .

8 ( أَفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ بَلِ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ فِى ٱلْعَذَابِ وَٱلضَّلاَلِ ٱلْبَعِيدِ ) .

ختم الآية :

الذين لا يؤمنون في الآخرة في العذاب النفسي في الدنيا ، والضلال البعيد عن الحق في الدنيا ، وفيه إسناد مجازي لأن البعيد صفة الضال إذا بعد عن الجادة ، وكلما ازداد بعداً كان ضلاله أكثر .

9 ( أَفَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ ٱلأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ إِنَّ فِى ذٰلِكَ َلآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ   مُّنِيبٍ ) .

وجاء في الآية 19 ( فَقَالُواْ رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِى ذٰلِكَ َلآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ) .

لآيَةً لِّكُلِّ – لآيَاتٍ لِّكُلِّ :

في الآية الأولى إشارة إلى إحياء الموتى فناسب التوحيد ، والثانية : إشارة إلى قبيلة سبأ التي تفرقت في البلاد فصارت فرقاً فناسب الجمع .

15 ( لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِى مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَٱشْكُرُواْ لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ) .

آية :

وحَّد الآية مع أن الجنتين آيتان ، وذلك لتماثلهما في الدلالة ، واتحاد جهتهما كقوله تعالى وجعلنا ابن مريم وأمه آية .

24 ( قُلْ مَن يَرْزُقُكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ قُلِ ٱللَّهُ وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِى ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ) .

البلاغة – وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ :

اللف والنشر في قوله ( وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِى ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ) أو هنا بمعنى الواو ، ومعنى الآية : وإنا لضالون أو مهتدون ، وإنكم أيضاً لضالون أو مهتدون ، قال الإمام ابن كثير : ” هنا من باب اللف والنشر ، أي واحد من الفريقين مبطل ، والآخر محق لا سبيل إلى أن تكونوا أنه ونحن على الهدى أو على الضلال ، بل واحد منا مصيب ، ونحن قد أقمنا البرهان على التوحيد ، فدل على بطلان ما أنتم عليه ” .

فائدة في حروف الجر بالآية :

صاحب الحق كأنه مستعل على فرس جواد يركض به حيث شاء ( لَعَلَىٰ هُدًى ) .

وصاحب الباطل كأنه منغمس في ظلام مرتبك فيه لا يدري أين يتجه ولذلك قال ( فِى ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ) .

41 ( قَالُواْ سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ٱلْجِنَّ أَكْـثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ ) .

بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ٱلْجِنَّ :

هذا جواب الملائكة حين يقرع الله المشركين يوم القيامة على رؤس الأشهاد فيسأل الملائكة الذين كان المشركون يزعمون أنهم يعبدون الملائكة ، فيقول الملائكة ، ( قَالُواْ سُبْحَانَكَ ) فيه استفهام تقرير وتوبيخ للمشركين .

كَيْفَ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ٱلْجِنَّ :

إنه وإن كانت الآية تتحدث عن المشركين أيام الجاهلية ، وإصرارهم على عبادة الأوثان بعد إذ جاءهم الإسلام مما جعل معظم المفسرين يقولون بالمقصود بالجن الشياطين ، لأنهم كانوا يتصورون الكفار بصور خيالية ويقولون لهم : هذه هي الملائكة فاعبدوها ، ولكن هذا لا يمنع أن يطال معنى الآية بعض الناس في العصر الحاضر ممن يعبدون الشياطين بطرق مختلفة ، بالرقص والغناء والدعارة والكفر وسب الأديان وما إلى ذلك مما يقال وينشر .

أما عبادة الآخرين للجن فتبدأ بالعقد مع الشيطان وهو المدخل لهم الذي يسخر الجن لطاعتهم فيكونوا أولياء لهم ، كما ذكر الله سبحانه سورة الأنعام ( وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ ٱلإِنْسِ رَبَّنَا ٱسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَآ أَجَلَنَا ٱلَّذِيۤ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ ٱلنَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَآ ) 128 .

43 ( وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُواْ مَا هَـٰذَا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُكُمْ وَقَالُواْ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ إِفْكٌ مُّفْتَرًى وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ) .

البلاغة في التكرير في قالوا :

كرر الفعل قالوا ، والتصريح بذكر الكفرة ، وما في اللامين من الإشارة إلى القائلين والمقول فيه ، وما في ( لما ) من المسارعة إلى البت بهذا القول الباطل ، إنكار عظيم له وتعجب بليغ ، منه ، وذلك للدلالة على مدى السخط عليهم .

52 ( وَقَالُوۤاْ آمَنَّا بِهِ وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ ) .

البلاغة – التمثيل :

التناوش معناه التناول ، وهو تمثيل حالهم في الآخرة بعد ما فات عنهم الإيمان بحال من يريد أن يتناول الشيئ بعد أن بعد عنه وفات في الاستحالة .

*  وزير الأوقاف والشئون الإسلامية في دولة الكويت سابقاً .