الأوبئة والأمراض في ضوء أدب القرآن والحديث

القرآن الكريم : وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم للقرآن ، بعض أوصاف القرآن للقرآن ( الحلقة الثانية )
أكتوبر 20, 2020
القرآن الكريم : آداب تلاوة القرآن ، والاستماع إليه ، فضل حامل القرآن وما ينبغي له من الأدب ( الحلقة الثالثة الأخيرة )
نوفمبر 10, 2020
القرآن الكريم : وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم للقرآن ، بعض أوصاف القرآن للقرآن ( الحلقة الثانية )
أكتوبر 20, 2020
القرآن الكريم : آداب تلاوة القرآن ، والاستماع إليه ، فضل حامل القرآن وما ينبغي له من الأدب ( الحلقة الثالثة الأخيرة )
نوفمبر 10, 2020

 

الأوبئة والأمراض في ضوء أدب القرآن والحديث

الأستاذ محمد رفيع الدين حنيف *

أثبت تطور العلم الحديث وتفشي الطب أهمية نصايح القرآن والأحاديث النبوية الشريفة للمساعدة على وقف انتشار الأوبئة الفتاكة ، والحد من العدوى ، بل يشير هذان المصدران الأساسيان إلى استخدام الحجر الصحي ، والنظافة الشخصية كوسائل لمحاربة الأمراض والأوبئة الفتاكة في التاريخ الإسلامي .

انتشار وباء فيروس كورونا اليوم في العالم كله ، اضطر إلى معرفة أصل الإجراءات التي اتبعتها جميع الدول في العالم بأسره للوقاية من هذا المرض المؤدي إلى الهلاك ، والتخفيف من حد انتشاره ، وأصل طرق تجنب العدوى واستخدام الحجر الصحي ، والنظافة الشخصية للحد منها ، وهذه هي الوسائل والإجراءات التي نجدها في أدب القرآن والحديث والتعاليم الإسلامية في التاريخ الإسلامي خاصة في عصر النبي محمد صلى الله عليه وسلم والصحابة بأنهم اتبعوها .

هذه أهم الوسائل التي أمرت باتباعها منظمة الصحة العالمية ، واختارتها دول العالم .

  1. التباعد الاجتماعي : يعني إلغاء الأنشطة التي من شأنها تكوين مجموعات مزدحمة في نطاق محدد .
  2. الحجر الصحي : يعني عزل الشخص الذي قد يكون على اتصال بأمراض معدية .
  3. اهتمام النظافة بأمكنة الأوبئة .

وبهذه يمكن تقليل فترة العزلة احتمالية انتقال المرض إلى  الآخرين .

الأوبئة والأمراض المعدية ، وأدب القرآن والحديث :

وأصاب أول طاعون بني إسرائيل ، بعد عصيانهم أوامر الله وتبديل كلماته ، ويؤكده ما جاء في سورة البقرة : ” فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ ٱلَّذِى قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ ” ، وهو ما فسره الطبري بقوله : ” أهلكهم الطاعون ” .

وقد انتشر وباء الطاعون في حياة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في فارس سنة 6هـ ، وسُمّي باسم ملكها شيرويه ، ثم وقع طاعون           ” عمواس ” ، سنة 18هـ ، وسُمي بهذا الاسم نسبةً إلى قرية فلسطينية تقع على بعد نحو 28/ كم ، جنوب شرق يافا ، وهدمها الاحتلال الإسرائيلي عام 1967م ، وقال بشأنه ” الطبري ” في كتابه ” تاريخ الطبري ” : إنه كان فناء للناس ، إذ مات بسببه 25 ألفاً ، وكان من بينهم الصحابي أبو عبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة ويزيد بن أبي سفيان ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم .

وذكر ابن عساكر في كتابه ” تاريخ دمشق ” نقلاً عن أيوب السختياني ، بشأن أشد الطواعين فتكاً ، فقال : ” لم يكن طاعون أشد من ثلاثة طواعين : طاعون ازدجرد ( وهو ملك فارسي توفي 651م ) ، وطاعون عمواس ، والطاعون الجارف .

ودفع تفشي الطاعون والأوبئة في عصر الدولة الأموية ودولة المماليك ، المسلمين إلى اتباع وسائل وقاية متعددة ، وهو ما ذكره أكثر من 70 مؤلفاً متعلقاً بالأوبئة والأمراض في التاريخ الإسلامي ، منذ القرن الحادي عشر الهجري وما قبله ، مثل كتاب ” الطواعين ” لابن أبي الدنيا .

وصايا أدب الحديث والقرآن :

(ألف) الحجر الصحي أو التباعد الاجتماعي :

يشير إلى اتباع الحجر الصحي أو التباعد الاجتماعي أدب الحديث والقرآن للوقاية من مثل هذه الأوبئة والأمراض .

هناك نذكر بعض الأوبئة ، وعمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه اتباعاً بأدب القرآن والحديث ، أنهم ترجحوا عند ذلك بمثل هذه الاحتياطات والحيطة والحذر لمنع انتشار مثل هذه الأوبئة قبل أربعة عشر قرناً لما لم يتطور الطب ، ولم يتقدم العلم الحديث .

  1. رواه البخاري في صحيحه ، عندما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الطاعون فقال : ” الطاعون رجس أُرسل على طائفة من بني إسرائيل ، أو على من كان قبلكم ، فإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه ، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه .

ويقودنا هذا الحديث إلى تعاليم النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومبادئه فيما يخص العزل الصحي والحجر المنزلي ، إذ منع الناس من الدخول إلى البلدة المصابة بالطاعون ، ومنع كذلك أهل تلك البلدة من الخروج منها ، وكان حكم الفرار من الزحف من كبائر الذنوب ، فيما جعل للصابر فيها أجر الشهيد ، وقال في حديث آخر رواه أحمد : ” الفارّ من الطاعون كالفارّ من الزحف ، والصابر فيه كالصابر في الزحف ” .

  1. روى البخاري في صحيحه : ” حين وقع الوباء بأرض الشام خرج الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إليها ، وعندما وصل إلى أطرافها التقى أمراء الأجناد أبا عبيدة بن الجراح وأصحابه ، فأخبروه أن الوباء قد وقع بأرض الشام ، فاستشار المهاجرين الأولين والأنصار ومشيخة قريش في الدخول إلى الشام ، فاختلفوا بين رأيين ، إذ قال فريق منهم : قد خرجتَ لأمر ، ولا نرى أن ترجع عنه ، بينما رأى الفريق الآخر أن لا يُقدِم بقية الناس وأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا الوباء ” .
  2. وكان قرار عمر بن الخطاب رضي الله عنه عدم الدخول إلى الشام ، ” فقال أبو عبيدة بن الجراح : أفراراً من قدر الله ؟ فقال عمر : لو غيرُك قالها يا أبا عبيدة ! نعم ، نفرُّ من قدر الله إلى قدر الله ، فجاء عبد الرحمن بن عوف فقال : إن عندي في هذا علماً ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه ، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه ) ، قال : فحمد الله عمر ثم    انصرف ، كما جاء في صحيح مسلم .

وتدل هذه الحوادث التاريخية على أهمية العزل والحجر عند انتشار الأوبئة ، إذ يتجلى إعجاز أدب القرآن والحديث النبوي في منع الشخص المقيم بأرض الوباء والخروج منها وإن كان غير مصاب ، فإن منع الناس من الدخول إلى أرض الوباء قد يكون أمراً واضحاً ومفهوماً ، ولكن العكس كان أمراً غير واضح ، ولم تعرف الأسباب إلا في العصور المتأخرة مع تقدم العلم والطب الذي أثبت أن الشخص السليم في منطقة الوباء قد يكون حاملاً للميكروب ، وكثير من الأوبئة يصيب عديداً من الناس ، ولكن ليس كل من دخل جسمه الميكروب يصبح مريضاً ، وفق تفسير للدكتور محمد علي البار .

وقد تصيب أمراض ” الحمى الشوكية وحمى التيفود والزحار والباسيلي والسل والكوليرا والطاعون ” أشخاصاً عديدين دون أن يبدو على أيّ منهم علامات المرض ، بل ويبدو الشخص وافر الصحة سليم الجسم ، ومع ذلك فهو ينقل المرض إلى غيره من الأصحاء ، كما أن هناك أيضاً فترة الحضانة التي تسبق ظهور الأعراض منذ دخول الميكروب وتكاثره حتى يبلغ أشده ، وهي الفترة التي لا يبدو على الشخص أنه يعاني أي مرض .

(ب) النظافة الشخصية :

ولا شك أن النظافة الشخصية من الأساسيات التي تحدّ انتشار أي وباء ، وهي ما أوصى به منظمة الصحة العالمية من أجل التخلص من فيروس كورونا ، والحد من العدوى ، لكن النبي محمداً صلى الله عليه وسلم كان أوصى بها سابقاً ، وجعلها أساساً للطهارة وأداء العبادات ، فلا يجوز أن تصلي دون وضوء .

وفي هذا السياق ، سلّط عديد من الصحف الأجنبية الضوء على تعاليم النبي محمد عليه الصلاة والسلام فيما يخص النظافة ، إذ كتبت مجلة نيوزويك الأمريكية ، حول وصاياه بالحجر الصحي ، واستشهدت بإرشاداته حول النظافة .

وقالت المجلة في تقريرها الذي نُشر تحت عنوان ” هل يمكن لقوة الصلاة وحدها وقف وباء مثل كورونا ؟ حتى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم كان له رأي آخر ” ، إن خبراء ومختصي المناعة ، يوصون بالحفاظ على النظافة والحجر أو العزل عن الآخرين ، باعتبارها أكثر الإجراءات فاعليةً لاحتواء كورونا ، أو منع انتشار الأمراض المعدية  عموماً .

وأشار التقرير إلى وصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالنظافة والحجر خلال انتشار الوباء ، قبل أكثر من 1400عام ، منوهةً بأهمية نصيحته لمنع تطور مرض كورونا ، رغم أنه لم يكن خبيراً في الأمراض القاتلة .

ويحثّ كثير من الأحاديث النبوية الصحيحة على النظافة ، إذ اعتبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن ” النظافة من الإيمان ” ، وقال في حديث آخر : ” إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً ، فإنه لا يدري أين باتت يده ” ، في إشارة منه إلى ضرورة غسل اليدين بعد الاستيقاظ من النوم ، بالإضافة إلى قوله : ” بركة الطعام الوضوء قبله ، والوضوء بعده ” .

خلاصة القول :

إن الأوبئة والأمراض المعدية التي عمت وانتشرت قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وبعده إلى يومنا هذا ، فقد يشيرنا ويهدينا أدب القرآن والحديث النبوي الشريف إلى اختيار وسائل ، واتباع سبل وطرق يمكن بها الوقاية من التفشي لمثل هذه الأمراض الفتاكة .

نجد في أدب القرآن والحديث النبوي الشريف توجيهات إلى منع مثل هذه الأمراض والأوبئة الطاعون وكورنا وغيرها ، فقد أوصانا أدب القرآن والحديث بأن نتنحى ونبتعد عن الجمع الحاشد ، والتجمع   الكبير ، ونقيد أنفسنا عن لقاء الناس ، فبهذا يمكن تقليل الخطر لانتشار الأوبئة ، كما يوصيان إلى اختيار النظافة ، بالوضوء ،    والصلاة ، واختيار الطهارة في كل أمر من الأمور بحيث يحث أدب الحديث النبوي بأن الطهارة نصف الإيمان ، هكذا حرض على طهارة الأجسام والأعضاء ، ونظافة الأمكنة ، والبيوت ومرافق الحياة وغيرها ، لكي نقلل إمكانيات انتشار مثل هذه الأمراض .

المصادر والمراجع :

  1. البير كامي ، الطاعون ، وزارة الثقافة والإرشاد العمومي المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر .
  2. الإمام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد المنبجي ، كتاب الطاعون وأحكامه ، دراسة وتحقيق ، عبد المنعم غانم عز الدين ، جامعة أم درمان الإسلامية ، دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع .
  3. الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ، بذل الماعون في فصل الطاعون ، دار العاصمة ، بيروت .
  4. اشلدون واتس ، الأوبئة والتاريخ ، المرض ، والقوة والامبريالية ، الجزيرة ، القاهرة .
  5. هاني الراهب ، الوباء رواية ، منشورات دار الآداب ، بيروت .

* رفيق التصنيف : دار الدعوة والإرشاد ، يوسف غورهن ، حيدرآباد .