القرآن الكريم : آداب تلاوة القرآن ، والاستماع إليه ، فضل حامل القرآن وما ينبغي له من الأدب ( الحلقة الثالثة الأخيرة )

الأوبئة والأمراض في ضوء أدب القرآن والحديث
أكتوبر 20, 2020
من دلالات فتح مكة المكرمة
نوفمبر 10, 2020
الأوبئة والأمراض في ضوء أدب القرآن والحديث
أكتوبر 20, 2020
من دلالات فتح مكة المكرمة
نوفمبر 10, 2020

الدعوة الإسلامية :

القرآن الكريم :

آداب تلاوة القرآن ، والاستماع إليه ، فضل حامل القرآن وما ينبغي له من الأدب

( الحلقة الثالثة الأخيرة )

بقلم الدكتور/ غريب جمعة *

هذا موضوع ربما لا يكون جديداً على بعض القراء ، ولكننا نُذكر به ليعرف قارئ القرآن في رمضان – وغير رمضان – ما يجب عليه أن يتحلى به من الآداب الظاهرة والباطنة عند تلاوة القرآن حيث إن بعض هذه الآداب واجب لا محيد عنه والإخلال به محرم ، وبعضها مستحب لا ينبغي تركه والإخلال به نقص وسوء أدب مع كتاب الله الذي يجب علينا أن نقدره حق قدره وإليك أهم هذه الآداب .

  1. أن يقصد المرء التعبد بتلاوته والإخلاص لله تعالى فيها والرغبة في ثوابه مستحضراً في ذهنه أن الأعمال بالنيات وأن روح العبادة هو الإخلاص لله تعالى يقول سبحانه : ” وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ” ( البينة : 5 ) .
  2. أن يمتلئ القلب بالخشوع لجلال الله وبتعظيم كلامه الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم ويساعده على ذلك . أن يتمثل القارئ أنه واقف بين يدي الله تعالى يتلو عليه كتابه العظيم ، ويتكلم بما تكلم به جبريل عليه السلام مبلغاً رسالة ربه إلى أفضل رُسله ، وبما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد سماعه من أمين الوحي وبلَّغه لأصحابه بلفظه . يقول الشيخ حسنين مخلوف مفتي الديار المصرية ( الأسبق ) : فإذا استطاع التالي أن يتمثل ذلك وهو مقام العارفين لان قلبه وخشعت جوارحه واستولت على حواسه مخافة الله وخشيته وجلاله وعظمته وسلطانه وهيبته وربما غاب عن حسه ودنا حتى كان قاب قوسين من حضرة أنسه تعالى .

فعندئذ تتجلى له الأنوار وترفع له الأستار وتكشف له الأسرار وكلما رق الحجاب وسف نهل من عذب المورد وارتشف .

وإذا ضعفت قوته عن تمثل ذلك واستحضاره على وجه الكمال فليجتهد أن يقارب ويحاول ثم يحاول ( وكل من سار على الدرب وصل ) .

والخشوع عند التلاوة مقام العارفين الصادقين قال تعالى : ” اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ   هَادٍ ” وقد مرت بك هذه الآية ” ( الزمر : 23 ) .

فالتعظيم والخشية والخضوع والخشوع عند تلاوة القرآن من أوصاف المؤمنين الصادقين العارفين بجلال رب العالمين .

والغفلة والقسوة والسهو واللهو من أوصاف المعرضين الذين ضعف إيمانهم وخلت قلوبهم من حقائق معرفة الله تعالى ومعرفة كلامه .

  1. أن يتدبر معاني ما يقرأ ويفهم مقصده وحكمة تناسق كلماته وتعانق آياته وهذا هو المطلوب ، وبه تنشرح الصدور وتستنير القلوب .

فإن القرآن – كما مر بك – إنما أنزل ليُتدبر ويُتفهم وبذلك يعرف المراد منه ويدفع إلى العمل بما فيه ، وقد مر بك قوله تعالى : ” كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ” ( ص : 29 ) .

وكيفية التدبر أن يشغل قلبه بمعنى ما يتلوه فيعرف معنى كل آية ويتأمل الأوامر والنواهي فإن كان مقصراً في بعضها استغفر ربه وإذا مر بآية رحمة استبشر وسأل وإذا مر بآية عذاب أشفق وتعوذ أو آية تنزيه لله نزه وعظم أودعاء تضرع وطلب .

يقول العارف بالله إبراهيم الخواص : ” دواء القلب خمسة أشياء : قراءة القرآن بالتدبر ، وخلاء البطن ، وقيام الليل ، والتضرع عند السحر ، ومجالسة الصالحين ” .

  1. الترتيل والتؤدة والتمهل في القراءة لأن ذلك أعون على التدبر كما تقدم وأقرب إلى الإجلال والتوقير وأشد تأثيراً في القلب .

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لاَ تَنْثِرُوهُ نَثْرَ الدَّقْل ( أردأ التمر ) وَلاَ تَهُذوهُ هَذي الشِّعْرِ ، قِفُوا عِنْدَ عَجَائِبِهِ ، وَحَرِّكُوا بِهِ الْقُلُوبَ ، وَلاَ يَكُن هَمَّ أَحَدِكُمْ آخرُ السُّورَة ” .

يقول الإمام النووي – رحمه الله – : ” اتفقوا على كراهة الإفراط في الإسراع ولا بأس بالإسراع غير المفرط وهو الذي لا تختل به أحكام التجويد ويستحب تحسين الصوت بلا تكلف قدر المستطاع مع مراعاة الحدود المرسومة ” .

  1. إجتناب ما يتنافى مع جلال القرآن والإخلال بالمقصود من تلاوته مثل : اللهو واللغو والضحك واللفظ والحديث والعبث بالأيدي ونحوها ومد البصر إلى ما يلهي ويشتت الفكر أثناء التلاوة إلا لضرورة .
  2. أن يستقبل القارئ القبلة قدر المستطاع وأن يكون على طهارة ( بعض الأئمة يبيح مس المصحف للمحدث حدثاً أصغر ) متخشعاً بسكينة ووقار حَسن الجلسة نظيف الثياب طيب الرائحة وأن يستعمل السواك في بداية قراءته تعظيماً وتطهيراً .
  3. أن لا يقرأ القرآن إلا في الأماكن النظيفة المحترمة لا في الحمامات ولا الحشوش ومحال اللهو والمحرمات وعلى قارعة الطريق والأسواق ولا يسأل به الناس وأن يستفتح قراءته بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم .
  4. أن تكون التلاوة متصلة الآيات بحيث لا يترك القارئ قراءة بعض الآيات إذا كان في جمع من الناس لأن بها ما يصدع قلوب السامعين من الوعيد والترهيب وكأنه أحرص على مشاعرهم من منزل القرآن جل جلاله نعوذ بالله من ذلك .

هذه كلمة موجزة عن آداب القرآن ومن رغب المزيد فليرجع إلى   رسالة : النصائح الدينية للإمام عبد الله بن علوي الحضرمي رحمه الله .

آداب الاستماع إلى القرآن :

إذا كان لتلاوة القرآن آداب ينبغي أن يتحلى بها قارئ القرآن فإن للاستماع آداباً أيضاً ينبغي أن يتحلى بها المستمع ونحن نذكر أهمها حتى نصحب القرآن بما ينبغي له من الأدب والتعظيم تلاوةً كانت أو استماعاً .

  1. التأدب بما أدبنا الله تعالى به عند الاستماع إلى القرآن في قوله تعالى : ” وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون ” ( الأعراف : 204 ) .

ونلاحظ هنا أن الأمر بالاستماع وليس بالسمع لأن الاستماع أخص من السمع لأنه يكون بقصد ونية أو توجيه الأذن إلى الكلام لإدراكه أما السمع فيحصل ولو بغير قصد ، وأمر بالإنصات أيضاً وهو السكوت للاستماع حتى لا يكون هناك شاغل عن الإحاطة بكل ما يُقرأ .

وما يفعله بعض الناس في المحافل التي يقرأ فيها القرآن كالمآتم والاجتماعات الهامة وغيرها من ترك الاستماع والإشتغال بالأحاديث المختلفة فمكروه كراهة شديدة .

ويبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ثواب الاستماع فعن ابن عباس رضي الله عنهما : ” من استمع إلى آية من كتاب الله كانت له نوراً ”      ( رواه الدارمي ) .

  1. أن يتمثل السامع أنه : إنما يسمع نفس الألفاظ التي سمعها الرسول الكريم بأُذنه الشريفة من جبريل عليه السلام وأن يعرف أن ذلك من أوصاف المؤمنين الصادقين العارفين بجلال رب العالمين .
  2. الانتباه والتيقظ لما يسمع ليتمكن من التدبر والتأمل فيفوز بالرحمة والإنعام كما ذكر سبحانه في الآية الكريمة .

ولا يليق أن يسمع المرء وهو يغالب النوم أو وهو غير ملتفت إلى ما يسمع لأنه يصير كالمُعرِض عن كتاب الله واللاهي عنه . – نعوذ بالله أن نكون من هؤلاء – .

  1. أن يُقلع المستمع عن التدخين ونحوه أثناء مجلس القرآن فإن المقام مقام عبادة لله تعالى بتلاوة كلامه وسماعه والتدبر في معانيه ومقاصده ومقام تعلم وتفهم لأوامره ونواهيه .

ننبه إلى أنه يجب اجتناب التدخين عند سماع القرآن من المذياع إذ لا فرق في حالة سماعه من القارئ في المجلس أو من المذياع فالمتلو في الحالين قرآن وهو المقصود بالإجلال والتعظيم .

فكيف يعرض العبد عن سيده ومولاه ويتشاغل بشهوة دنيوية سرعان ما ينتهي أمرها ويبقى أثرها وضررها .

وإذا كان الناس يوقر بعضهم بعضاً عندما يتحدثون فيقبلون على بعض سامعين منصتين . ألا يكون من الأدب مع الله تعالى والتوقير له جل جلاله أن لا يتلهى العبد بالحديث مع غيره عند تلاوة كلامه وسماع خطابه وأن لا يدخن في حضرة كتابه .

والله الذي أنزل القرآن أكبر من كل كبير وأعظم من كل عظيم .

والعجب كل العجب من أناس يخشون الناس ولا يخشون رب الناس ويتأدبون مع الخلق ويسيئون الأدب مع الخالق تبارك وتعالى .

وتأمل ما جاء في الإحياء للإمام الغزالي . يقول الله تعالى : ” يا عبدي يقعد إليك بعض إخوانك فتقبل عليه بكل وجهك وتصغي إلى حديثه بكل قلبك فإذا تكلم متكلم أو شغلك شاغل عن حديثه أومأت ( أشرت ) إليه أن كُفّ . وها أنذا مقبل عليك ومحدثك وأنت معرض بقلبك عني ! أفتجعلني أهون عندك من بعض إخوانك ؟! ” .

وإذا كانت مجالس القرآن مجالس ذكر لله وموضع تنزل رحمات  الله ، ومهبط الملائكة فكيف ننفر الملائكة بالمكروهات الحسية والمعنوية كرائحة الدخان ولهو الحديث وهزل القول وسيئ العمل .

لقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكل ثوماً أوبصلاً أن لا يقرب المسجد ما بقيت فيه رائحته لكي لا تتأذى الملائكة والدخان مثلهما بل أشد بل أشد في كراهة الرائحة والتنفير . وربما نكون قد أطلنا في الحديث عن التدخين في مجلس القرآن وذلك بسبب تفشي هذه العادة كالوباء .

  1. قد يُعجب القارئ بصوته ويفتنُّ في النغم والتلحين ويخرج به عن سنن الترتيل وقواعد التجويد ويعيد الآية عند استحسان المستمعين للنغمة وطلبهم الإعادة .

فعلى السامع الخاشع أن لا يستخفه الطرف لا من معاني القرآن بل من حسن التوقيع وموسيقى الشيطان وأفانين الألحان ! فيصيح في نهاية الآيات بكلمات الاستحسان والثناء على القارئ والدعاء له وطلب الإعادة منه .

وكثيراً ما يكون ذلك في بيوت الله التي شرفها الله تعالى بإضافتها إليه ، وجعل لها حرمة وللدخول والمكث فيها آداباً وسنناً فكيف نرجو ثواب الله تعالى ونحن على مثل تلك الحال ؟ من حركات طائشة وكلمات مرذولة وصياح وضوضاء وتجاوز في القراءة للحدود المرسومة المروية عن القدوة وأئمة الهدى ؟

لقد فات هؤلاء جميعاً قوله تبارك وتعالى : ” إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُون ” ( الأنفال :   2 ) .

أي يلقون إليها الأسماع في إصغاء وخشوع وأدب وخضوع وصمت وادكار وتفكر واعتبار مؤمنين أن ما يسمعونه هو كلام رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين .

وبعد ! فالمؤمنون حقاً عند تلاوة القرآن قد خفتت أصواتهم لرهبته ووجفت قلوبهم من خشيته وذرفت عيونهم من مخافته وأقبلوا على ربهم تائبين ومن ذنوبهم مستغفرين وفي رضاه طامعين ومن غضبه وجلين .

جعلني الله وإياك أخي القارئ من هؤلاء .

فضل حامل القرآن وما ينبغي له من الأدب :

يظهر فضل حامل القرآن على غيره ممن ليس في جوفه شيئ من القرآن لأن حامل القرآن مملوء بالخير مغمور بالإحسان .

أما من لا يحفظ شيئاً من القرآن فهو كالبيت الخرب كما بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إن الذي ليس في جوفه شيئ من القرآن كالبيت الخرب ” . أي كالبيت الخالي من الخير ومن السكان . ( رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ) .

ولنتدبر معًا قوله تعالى : ” إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ ” ( فاطر : 29 ) .

والمعنى :

إن الذين يواظبون على تلاوة القرآن الكريم ويعملون بما فيه من فرائض كإقام الصلاة المفروضة في أوقاتها مع كمال أركانها وشروطها والخشوع فيها والإنفاق مما أعطاهم الله تعالى من فضله ليلاً ونهاراً سراً وعلانيةً هؤلاء يطلبون ثواباً من الله على طاعتهم لا بد من حصوله لذلك قال بعدها : ” لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُغَفُورٌشَكُورٌ ” ( فاطر : 30 ) .

أي ليوفيهم الله ثواب ما عملوا ويضاعف لهم بزيادات لم تخطر لهم إنه غفور لذنوبهم شكور لطاعتهم وللقليل من أعمالهم .

قال مطرِّف بن عبد الله بن الشّخِّير : هذه آية القراء .

وعن علي رضي الله عنه ” حملة القرآن في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله ” . ( أخرجه الديلمي ) .

ويبين رسول الله صلى الله عليه وسلم  أن الماهر بالقرآن أي الذي يجيد تلاوة القرآن ويتقن قراءته مع الملائكة السفرة الكرام في منازلهم في الآخرة . فعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران ” . ( رواه البخاري ومسلم ) .

وإذا كان لحامل القرآن أي حافظه أوحافظ بعضه الملازم لتلاوته مع التدبر لآياته والعمل بأحكامه والتأدب بآدابه هذه المنزله فينبغي عليه أن يتأدب بجملة من الآداب منها :

  1. عن عبد الله بن مسعود قال : ينبغي لحامل القرآن أن يُعرف بليله إذ الناس نائمون ، وبنهاره إذ الناس مفطرون ، وبحزنه إذ الناس يفرحون ( الفرح الذي يدعو إلى الأشر والبطر ) ، وببكائه إذ الناس يضحكون ( الضحك الذي يدل على اللهو والغفلة ) ، وبخشوعه إذ الناس يختالون .
  2. عن الفضيل ابن عياض قال : حامل القرآن حامل راية الإسلام ينبغي أن لا يلهو مع من يلهو ولا يسهو مع من يسهو ولا يلغو مع من يلغو تعظيماً لحق القرآن .
  3. قال الإمام النووي كلمات تكتب بماء الذهب وهي : من آداب حامل القرآن أن يكون على أكمل الأحوال وأكرم الشمائل يرفع نفسه عن كل ما نهى عنه القرآن ، إجلالاً للقرآن وأن يكون مصوناً عن دنيء الاكتساب ، شريف النفس ، مرتفعاً عن الجبابرة والجفاة من أهل الدنيا متواضعاً للصالحين وأهل الخير والمساكين . ( يراجع كتاب الإمام النووي التبيان في آداب حملة القرآن ) .
  4. قال الإمام الحداد الحضرمي سالف الذكر في نصائحه : ” ينبغي لقارئ القرآن : أن يعرف للقرآن حقه وما يجب له من الاحترام والتعظيم . . ! وما يتعين عليه من الأخذ به والعمل بما فيه . وما أرشد إليه من جميل الأوصاف وكريم الاخلاق وصالح الأعمال . وهذا وإن كان مطلوباً من عامة المسلمين فهو على قارئ القرآن أوجب وآكد وهو به أجدر وأولى ، لفضله وفضل ما معه من كتاب الله وبياناته وحججه ” .
  5. على حامل القرآن أن يعلم أن هذا الفضل إنما هو للذي يعمل به فيأتمر بأوامره وينتهي بنواهيه ويقف عند حدوده . وأما من لا يعمل به فلا نصيب له في هذا الفضل وقد وردت في ذلك أخبار كثيرة منها :

عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله قال : ” اقْرَأ الْقُرْآنَ مَا نَهَاكَ ، فَإِذَا لَمْ يَنْهَكَ فَلَسْتَ تَقْرَأُهُ ” ( رَوَاهُ الدَّيْلَمِيُّ فِي مُسْنَدِ   الْفِرْدَوْسِ ) .

يعني بسبب مخالفته له وعمله على خلاف ما يدعو إليه .

وفي بعض الآثار أن قارئ القرآن إذا ركب المعاصي فيناديه القرآن في جوفه : أين زواجري أين قوارعي أين مواعظي ؟

أما من أحسن صحبة القرآن فإن القرآن يأتي يوم القيامة شفيعاً له طالباً من مولاه تكريمه .

عن أبي هريرة مرفوعاً : ” يَجِيئ صاحِبُ القُرآنِ يومَ القِيامةِ ، فيقولُ القرآنُ : يا رَب حله ، فيَلْبسُ تاجَ الكرامةِ ، ثُم يقولُ : يا ربِّ زِدْه ، فيَلبسُ حُلَّةَ الكرامةِ ، ثُم يقولُ  : يا ربِّ ارْضَ عَنه ، فيَرضَى عنه ، فيُقالُ لهُ : اقْرأْ ، وارْقَ ، ويُزادُ بِكُلِّ آيةٍ حسنةً ” ( أخرجه الترمذي ) .

وفي حديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم : قال : ” يقال لصاحب القرآن : اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ ، كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا ، فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا ” ( رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح ) .

نسأل الله أن يجعلنا جميعاً من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته . ( ربنا تقبل منا ، إنك أنت السميع العليم ) .

* القاهرة ، جمهورية مصر العربية .