القرآن الكريم : وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم للقرآن ، بعض أوصاف القرآن للقرآن ( الحلقة الثانية )

الهجرة النبوية : رسالة الوسطية والتسامح
سبتمبر 15, 2020
الأوبئة والأمراض في ضوء أدب القرآن والحديث
أكتوبر 20, 2020
الهجرة النبوية : رسالة الوسطية والتسامح
سبتمبر 15, 2020
الأوبئة والأمراض في ضوء أدب القرآن والحديث
أكتوبر 20, 2020

 

القرآن الكريم :

وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم للقرآن ، بعض أوصاف القرآن للقرآن

( الحلقة الثانية )

بقلم الدكتور/ غريب جمعة *

ذكرنا في الكلمة السابقة الحديث الأول الذي يتضمن بعض ما وصف به رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن ، وفي هذه المرة نذكر الحديث الثاني لضيفنا ( القراء الكرام ) أوصافاً جديدةً إلى ما سبق ، تكشف عن عظمة هذا الكتاب وعموم الرحمة به وضمان سعادة الدارين لمن تمسك به واتبع هداه .

عن الحارث الأعور رضي الله عنه قال : مررت في المسجد فإذا الناس يخوضون في الأحاديث .

فدخلت على علي رضي الله عنه فقلت : يا أمير المؤمنين ! ألا ترى الناس قد خاضوا في الأحاديث . قال : وقد فعلوها ؟ قلت نعم . قال : أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” إنها ستكون فتنة ” ، فقلت فما المخرج منها يا رسول الله ؟ قال : ” كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل ، من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله ، وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم ، هو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ولا يشبع منه العلماء ، ولا يخلق على كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه هو الذي لم تنته الجن إذا سمعته حتى قالوا :” إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ، يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ ” من قال به صدق ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل ومن دعى إليه هدي إلى صراط مستقيم ” . خذها إليك يا أعور . ( رواه الترمذي ) .

  • قوله : ” فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم ” :

يريد أن القرآن الكريم يتضمن ثلاثة جوانب تدور عليها أمور الناس – أحدها : أنباء الغيب عن الأمم السابقة والرسالات المتقدمة وقد جاء القرآن فيها بفصل الخطاب وكان كثيراً منها قد حرفت أوطمست معالمها أوأخفاه أهل الكتاب عن الناس فلم يعد يعلمه إلا القليل .

– الثاني : أخبار الغيب المستقبلة عما يأتي من أحداث ووقائع أوعما سوف يحدث أويستحدثه الناس أويكشفوه ، وقد جاء القرآن بأخبار كثيرة تحققت بعد عصر نزوله وأشار إلى أمور ومكتشفات وسنن وآفاق ما يزال الناس يطلعون عليها جيلاً بعد جيل .

– الثالث : أحكام القرآن وتعاليمه التي هي دستور الأمه وقوانينها الكاملة التي لوساروا عليها حقاً لاستقرت أمورهم وسعدت حياتهم .

  • قوله : ” هوالفصل ليس بالهزل ” :

أي الحكم الفرق بين الهدى والضلال .

  • قوله : ” من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله ” :

حوادث التاريخ شاهد بذلك لمن تتبع سير الطغاة وأخبار الجبابرة وعواقب الانحراف عن تعاليم القرآن فإن نهايتهم كانت دائماً خذلاناً أوهلاكاً أوضياعاً ومن أصابته القوارع ( الضربات المهلكة ) وجعله الله عبرة ومثلاً للآخرين .

  • قوله : ” ولا تزيغ به الأهواء ” :

أي لا تميل به ولا تستطيع أن تجرفه بتياراتها مهما عنفت واشتدت بل تزول بعد حين ، ويبقى هو ثابتاً شامخاً لا يتزلزل . ” فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ” ( الرعد : 17 ) .

  • قوله : ” ولا تلتبس به الألسنة ” :

من قولهم : التبست به الخيل أي لحقته والمراد أن عبارات القرآن وتراكيبه هي نسيجة وحدها تراها متميزة عن سائر الكلام أي مهما بلغ من القوة والفصاحة فلا يمكن لأي لسان أو لأي كلام أن يلتبس بها أو يلحقه ، وإنك لتدرك جمال اللفظ القرآني بين سواه من الألفاظ حتى لتحسه الدر بين الحصى .

  • قوله : ” ولا يشبع منه العلماء ” :

من خصائص القرآن أنه كلما زدته نظراً زادك علماً وازددت به شغفاً وكلما أصفيته حبك وأقبلت عليه بقلبك ووجهت إليه ثاقب نظرك فتح الله عليك فتوحاً وكشف لك من أسرار الفهم والعلم ما تقر به عينك وتهيم به روحك ، ولذلك كان يدأب العلماء عليه في إقبال وشغف فلا يشبعون منه ولا يملون دراسته ، لأنهم ذاقوه فعرفوه ، وفي ذلك يقول بعض العلماء : ” إن القرآن الكريم قد جاء على نحو عجيب يجعله آيةً ومدداً للبليغ في بلاغته ، وللحكيم في حكمته ، وللفيلسوف في فلسفته ، وللاجتماعي في اجتماعه وللمقنن في تقنينه وللسياسي في سياسته وللحاكم في حكومته وللزراعي في زراعته وللمهندس وللعامل . . . كل واحد من هؤلاء يجد فيه ما يدل على تفوقه غير العادي وما يشبع نهمه العلمي .

حقاً إنه ” تنزيلٌ من حكيم حميد ” ( فصلت : 42 ) .

(7) يقول الله تبارك وتعالى : ” اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ” ( الزمر : 23 ) .

والمعنى : الله نزل أحسن الحديث وهو القرآن لما فيه من الخيرات والبركات والمنافع العامة والخاصة وهو كتاب يشبه بعضه بعضاً في جمال النظم وحسن الإحكام والإعجاز وقوة المعاني والمباني وبلوغ أرقى درجات البلاغة . وتثنى فيه القصص وتتكرر فيه المواعظ والأحكام من أوامر ونواه ووعد ووعيد ، وتقشعر من عظمة آياته وأمثاله ومواعظه جلود الخائفين من الله ثم تسكن وتطمئن الجلود والقلوب عند سماع آيات الرحمة . ذلك القرآن الذي هذه صفته هو هداية الله يهدي به من يشاء هدايته وتوفيقه للإيمان ومن يخذله الله عن الإيمان بالقرآن من الفساق والعصاة والفجار فلا رشد له من بعد الله .

عن ابن عباس : إن قوماً من الصحابة قالوا : يا رسول الله حدثنا بأحاديث حسان فنزل قوله تعالى : ” الله نزل أحسن الحديث ” .

(8) يقول الله تبارك وتعالى : ” وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاء مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ . صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ( الشورى : 52 – 53 ) .

والمعنى : وكما أوحينا إلى الأنبياء قبلك يا محمد أوحينا إليك هذا القرآن الذي هو من أمر الله عز وجل وهو بمثابة الروح التي تحيي النفوس وتنيرها بعد ظلامها وجهالتها ، وهو مبدأ الحضارة والتقدم والعلم والحد الفاصل بين عهدين ، عهد الأُمية والجهالة والفوضى ، وعهد العلم والمعرفة والنظام . فالروح في هذه الآية هو القرآن الكريم سماه الله روحاً لأنه يُحيي البشر والعالم كما يَحيا الجسد بالروح فهذا أعلى التشبيه ، وقوله من أمرنا أي واحد من أمورنا أو كلامنا . وإنزال القرآن على قلب النبي صلى الله عليه وسلم دليل على مقدار النعمة ، فأنت أيها النبي رجل أُمي لا تقرأ ولا تكتب ، ولم تكن قبل القرآن المُنزل عليك تعرف ما القرآن وما معنى الإيمان ولا تفاصيل الشرايع ولكن جعلنا هذا القرآن الذي أوحيناه إليك ضياءاً ونوراً ونهدي به من نشاء هدايته أي نرشده لأنه النور الذي يهدي به الناس في ظلمات الحياة ، والضمير في جعلناه عائد على القرآن ولا شك .

وإنك أيها الرسول لترشد الناس إلى طريق مستقيم ومنهاج  قويم فقوله تعالى ” صراط مستقيم ” يعني صراط شرع الله ورحمته وطريق الله الذي له ملك السموات والأرض وربهما المتصرف فيهما والحاكم الذي لا معقب لحكمه .

والأمور كلها صائرة على الدوام إلى الله تعالى وليس لأحد غيره فيحكم بقضائه العدل . وهذا وعد للمتقين ووعيد للكافرين والظالمين وتقريع لمن في ذهنه أن شيئاً من الأمور إلى البشر .

قال سهل بن أبي الجعد : احترق مصحف فلم يبق منه إلا قوله تعالى : ” أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ” .

(9) يقول الله تعالى : ” لَوأَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون ” ( الحشر : 21 ) .

والمعنى : للقرآن عظمته البالغة ومواعظه المؤثرة ، فلو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته مع كونه بالغ الصلابة في غاية الخشوع والخضوع والانقياد لأمر الله ، يكاد يشّقق من خوف الله وخشية عذابه .

وهذه الأمثال المذكورة نضربها للناس جميعاً لعلهم يتفكرون فيما يجب عليهم التفكر فيه ويتعظون بالمواعظ . وهذه موعظة بالغة للإنسان وذم لأخلاقه في غفلته وإعراضه عن داعية الله تعالى مع وجود الأوصاف لله التي توجب لمخلوقاته هذه الخشية .  وعظمة القرآن إنما هي من عظمة صفات منزله جلاله .

( للبحث صلة )

* القاهرة ، جمهورية مصر العربية .