الزيادة على النص : قواعدها وضوابطها

نظرة على الحيوانات من حيث حِلّها وحرمتها وتذكيتها
مارس 1, 2020
الحقيقة في خطاب الأصوليين
يوليو 25, 2020
نظرة على الحيوانات من حيث حِلّها وحرمتها وتذكيتها
مارس 1, 2020
الحقيقة في خطاب الأصوليين
يوليو 25, 2020

الفقه الإسلامي :

نظرة على الحيوانات من حيث حِلّها وحرمتها وتذكيتها

د . خورشيد أشرف إقبال الندوي

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا المبعوث رحمة للعالمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، وبعد !

فالقاعدة الشرعية التي تحكم التعامل مع كل ما سخره الله لنا وأوجده هي أن الأصل فيه الإباحة ؛ لقوله تعالى : ( وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) [ الجاثية : 13 ] ، إلا ما ورد نص على تحريمه مثل النجس ، وما اختلط بنجس والضار والمسكر ، وكل ما تأنفه النفس السوية ، ولا تسطيبه من الأوساخ والقاذورات ، قال تعالى : ( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتِ ) [ المائدة : 4 ] . ويقول تعالى في صفة نبيه صلى الله عليه وسلم : ( وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ) [ الأعراف : 157 ] .

أولاً : الحيوانات التي يحل أكلها :

  • ما لا خلاف في إباحته وهي :
  • الشياه ، ( الغنم والماعز ) ، والجمال والبقر والجاموس ، بدليل قوله تعالى : ( أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ ) [ المائدة : 1 ] ، وسائر الحيوانات البرية غير المفترسة ، سواء كانت مدجنة كالغزلان والبقر الوحشي ، أو غير مدجنة كالقنفذ والخلد والدواجن من الطيور ، كالحمام والدجاج والديك الرومي والبط ، وسائر الطيور غير الجارحة كالعصافير وما إلى ذلك ، إذا ذكيت ذكاة شرعية ، بذبح أو نحر أو عقر أو صيد .
  • السمك والجراد ، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم : أحلت لنا ميتتان ودمان : الحوت والجراد ، الكبد والطحال ” [1] .
  • وما ذكي من المنخنقة والموقوذة والتمردية والنطيحة وما أكل السبع ، إذا أدرك وفيه حياة فذبح قبل موته يدخل في الجواز ، بدليل قوله تعالى : ( إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ ) [ المائدة : 3 ] .
  • ما اضطر المسلم إلى أكله خشية الموت جوعًا ، فيأكل بقد الضرورة ، بدليل قوله تعالى : ( فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) [ المائدة : 3 ] ، وقوله تعالى : ( وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ) [ الأنعام : 119 ] ، وقوله تعالى : ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) [ البقرة : 173 ] .
  • جميع ما في الذبيحة يحل أكله ، ويجوز أكل الجنين إذا تبين أنه لحم ؛ بدليل قوله صلى الله عليه وسلم : ” ذكاة الجنين ذكاة أمه ” [2] ، أما إذا خرج حيًّا ، فيجب أن يذكى .
  • ذبايح الكتابيين ، أي : اليهود والنصارى ؛ بدليل قوله تعالى : ( وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ ) [ المائدة : 5 ] ، ما لم تكن محرمة لعينها ، كالخنزير ، أو وصفها ، كالميتة ، أو لقصور في تذكيتها الشرعية ؛ لأنها في حكم الميتة .
  • ما ذهب الجمهور إلى إباحته وهي :
  • جميع حيوانات الماء ، بدليل قوله تعالى : ( أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ ) [ المائدة : 96 ] ، قول النبي صلى الله عليه وسلم – وقد سئل عن      البحر – : ” هو الطهور ماؤه الحل ميتته ” [3] ، وله صلى الله عليه وسلم : ” أحلت لنا ميتتان ودمان : الحوت والجراد ، الكبد والطحال” ، أباحها الجمهور ، وحرم الحنفية ما سوى السمك ، والسمك الطافي ، وحرم الحنابلة كلب البحر ، وخنزير البحر .
  • الضب ؛ حيث روى ابن عمر رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الضب فقال : ” لا آكله ولا أحرمه ” . وبدليل أكل  بعض الصحابة الضب على مائدة الرسول صلى الله عليه وسلم [4] .
  • الخيل ، أباحها الجمهور ، وكره ذلك الإمام أبو حنيفة وبعض المالكية ؛ بدليل حديث جابر : ” ذبحنا يوم خيبر الخيل والبغال والحمير ، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البغال والحمير ، ولم ينهنا عن الخيل ” [5] .
  • الأرنب ، أباحها الجمهور وكرهها الحنفية ، بدليل حديث أنس بن مالك أنه صاد أرنبًا ؛ فأتى بها أبا طلحة ؛ فذبحها ، وبعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بوركها ، وفخذها ، فأتى بها النبي صلى الله عليه وسلم فقبلها ” [6] .
  • الحيوانات البرمائية ، كالتمساح ، والضفدع ، والسلحفاة ، وكلب البحر ، والسرطان ، والقندس ، وأمثالها ، بعضهم حرمها وبعضهم أباحها [7] .

ثانيًا : الحيوانات التي يحرم أكلها :

  • ما لا خلاف في تحريمه :
  • وهو ما جاء في قوله تعالى : ( قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) [ الأنعام : 145 ] ، وقوله تعالى : ( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) [ البقرة : 173 ] ، قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) [ المائدة : 3 ] .
  • الميتة : هي الحيوان الذي مات حتف أنفه ، من غير ذكاة ، ويعتبر في حكم الميتة ما قطع من البهيمة قبل ذبحها ، أو بعد ذبحها ، قبل أن تستقر ، بدليل قوله تعالى : ( فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا ) [ الحج :  36 ] ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ” ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميت ” [8] .
  • الدم المسفوح : هو الدم المراق من الحيوان ، نتيجة ذبحه أو جرحه .
  • وما أهل لغير الله به : هو الحيوان الذي ذبح وذكر عليه اسم غير اسم الله تبارك وتعالى ، كأسماء الأصنام الطواغيت .
  • المنخنقة : هي البهيمة التي تموت بالخنق بفعلها أو بفعل غيرها .
  • الموقوذة : هي البهيمة التي تموت نتيجة الضرب ، أو بحديدة ، أو برصاص أو بحجر ، أو بغير ذلك مما يقتل مثله ، ما عدا الصيد الذي يضرب بسهم أو رصاص أو نحوهما ، بنية الصيد .
  • المتردية : هي الحيوان الذي يسقط من مكان عال ، أو تقطع في حفر أو نحوها ؛ فيموت .
  • النطيحة : هي الحيوان الذي يموت بسبب النطح .
  • وما أكل السبع : وهو الحيوان الذي افترسه السبع أو طير جارح ، غير الصيد .
  • وما ذبح على النصب : تقرب به لغير الله تبارك وتعالى ، كذبائح المشركين ، واللادينين ، والعلمانيين ، والملحدين ، والمجوس ، والمرتدين ، وسائر الكفار من غير الكتابيين [9] .
  • وما تحقق فيه الضرر لآكله ، بدليل قوله تعالى : ( وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ) [ النساء : 29 ] ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ” لا ضرر ولا ضرار ” [10] ، وتحريم أكل اللحم في كل ما تقدم يشمل جميع أجزاء الحيوان ، ومشتقاته ، بما في ذلك الدهن والشحم والعظم .
  • ما ذهب الجمهور إلى تحريمه :
  • البغال والحمر الأهلية ، بدليل ما روي عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – : ” أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر منادياً فنادى : إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية ؛ فإنها رجس ” ، فاكفأوا القدور وإنها لتفور باللحم ” [11] ، وحديث جابر : ” ذبحنا يوم خيبر الخيل والبغال والحمير ؛ فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البغال والحمير ، ولم ينهنا عن الخيل ” [12] .
  • كل ذي ناب من السباع كالأسد ، والفهد والثعلب والذئب والدب ، والكلب ، والهر ، محرمة عند الجمهور ، وأكلها مكروه عند الإمام مالك .
  • كل ذي مخلب من الطير ، وهي الطيور الجارحة ، بدليل أنه صلى الله عليه وسلم ” نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع ، وكل ذي مخلب من الطير ” [13] ، كالصقر ، والعقاب ، والنسر ، والباشق ،  والشاهين ، وأمثالها .
  • الهوام كالفأر ، والعقرب ، والخنافس ، محرمة عند الجمهور ، وكرهها الإمام مالك والأوزاعي ، والفيل محرم عند الجمهور ، وأباحه بعض الفقهاء .

ثالثًا : أسرار تذكية الحيوانات :

يراد بالتذكية ذبح الحيوانات التي يحل أكلها بالطريقة   الشرعية ، وهي من الأمور التعبدية عند المسلمين ، وتتم بإحدى الطرق الشرعية التالية :

  • الذبح : وهو قطع الحلقوم والمريئ والودجين ، ويغلب استعماله في الغنم والبقر والطيور ، ويجوز في غيرهما .
  • النحر : وهو الطعن في اللبة ( المنحر ) إلى مبدأ الصدر ، ويغلب استعماله في الإبل ويجوز في البقر .
  • العقر : وهو جرح الحيوان غير المقدور عليه ، سواء الوحشي المباح صيده ، أو المتوحش من الحيوانات المستأنسة ، بدليل ما رواه رافع بن خديج – رضي الله عنه – قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فَنَدَّ بعير ، وكان في القوم خيل يسيرة ، فطلبوه فأعياهم ، فأهوى إليه رجل بسهمه فحبسه الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ” إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش ، فما غلبكم منها فاصنعوا به هكذا ” [14] .

ويستحب معاملة الحيوان قبل ذبحه وفي أثناء الذبح معاملة حسنة ، فلا يسلخ ولا يقطع أي جزء من أجزائه قبل الذبح ، ولا يعذب ، ولا يذبح بشفرة غير حادة ، ولا تحد الشفرة أمامه ، ولا يذبح أمام حيوان آخر ؛ فإذا حصل شيئ من هذا كانت الذبيحة حلالاً ، وإن أثم الذابح ، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم : ” إن الله كتب الإحسان على كل شيئ ؛ فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ، وليحد أحدكم شفرته ، وليرح ذبيحته ” [15] ، ويشترط أن يكون الذبح بآلة حادة ، ولا يجوز الذبح بالسن والظفر وسائر العظام ، أو بآلة لا حد لها ، ويشترط أن يكون الذابح عاقلاً مميزًا ، مسلمًا كان أو كتابيًّا .

اتفق الفقهاء على مشروعية التسمية على الذبيحة ، عند نية ذبحها وهي قول الذابح : ” باسم الله والله أكبر ” ، ويجزئ ذكر اسم الله بأي صيغة كانت ، كالتسبيح والتحميد ، ويجوز أكل ذبيحة من ترك التسمية ناسياً .

ولا يجوز للمسلم أن يذكر اسم صنم أو عظيم أو ملك أو ولي على أي حيوان يذبح ، وينبغي أن يكون الحيوان المراد أكله سليمًا خاليًّا من الأمراض المعدية ، ومما يغير اللحم تغييراً يضر بأكله .

والأصل في الذبح عند المسلمين أن يكون بدون تدويخ للحيوان ؛ لأن المسلمين يرون أن طريقة الذبح الإسلامية هي الأمثل ، رحمة بالحيوان وإحسانًا لذبحته ، وتقليلاً من معاناته .

وقد عنى الإسلام بوضع الأحكام الشرعية التي تنظم عملية الذبح للحيوانات ، التي يحل أكل لحومها ؛ لما لعملية الذبح من تأثير كبير على صحة وسلامة هذه اللحوم ، وما ينتج عن ذلك من تأثير كبير على صحة الإنسان ، ولقد حققت الشريعة الإسلامية سبقًا حضاريًّا بفرض الذكاة الشرعية على ما يحل أكله من الحيوانات ( كالأنعام والإبل والماشية ) ، وبوضع العديد من الآداب والأحكام الشرعية أثناء عملية الذبح .

فمن ذلك ضرورة التقيد بالذكاة الشرعية ، وهي ذبح الحيوان أو نحره ، بقطع حلقومه ( مجرى النفس ) أومريئه ( مجرى الطعام والشراب من الحلق ) ، ويطبق ذلك على كل حيوان أكله حلال ما عدا السمك والجراد ، وتكمن أهمية الذكاة في تسهيل خروج وتدفق الدم من داخل جسم الحيوان ، حيث يحمل الدم داخل الجسم العديد من المركبات السامة ، مثل المركبات النيتروجينية ( اليوريا وحمض البول والأمونيا ) وغاز ثاني أكسيد الكربون ، بالإضافة إلى أنه ناقل لبعض السموم من الأمعاء إلى الكبد ، والتي قد يؤدي تناولها إلى الأضرار بصحة الإنسان وتسبب الأمراض له .

وينبغي أن يذكر المسلم اسم الله سبحانه وتعالى على الحيوان المراد تذكيته ؛ لقوله تعالى : ( كُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ ) [ الأنعام : 188 ] ، وقوله جل علا : ( وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ )        [ الأنعام : 121 ] .

وأن تكون الأداة المستخدمة في ذبح الحيوان حادة حتى تتم عملية الذبح بسرعة وسهولة ، ولكي تقل معاناة الحيوان أثناء الذبح ، ويعد هذا الأمر سبقًا علميًّا آخر في مجال التعامل مع الحيوان والرفق به وعدم تعذيبه ، قال صلى الله عليه وسلم : ” إن الله كتب الإحسان على كل شيئ فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته ” [16] .

وفي الحث على إراحة الحيوان قبل ذبحه حكمة جليلة أظهرتها الدراسات العلمية الحديثة ؛ إذ أن إراحة الحيوان قبل الذبح أمر ضروري للحصول على لحم ذي طعم مستساغ ، حيث يتحول الجلايكوجين الموجود في العضلات بعد ذبح الحيوان إلى حامض اللاكتيك ( حامض اللبن ) والذي يقوم بدور حافظ للحم ، وكذلك يعمل على تطرية اللحم ، حيث يقوم هذا الحامض خلال فترة تعليق الحيوان بتغيير طبيعة البتروتين في اللحم ، مما يعمل على تطريته ، وفي حال تعرض الحيوان للإجهاد قبل الذبح ، فإن ذلك سيؤدي إلى استنفاد كمية الجلايكوجين ، ومن ثم تكون حامض اللاكتيك بدرجة كبيرة ، فلا تتم عملية التطرية بشكل جيد .

ولقد ثبت علميًّا أن جسم الميتة في الحيوانات يحتبس فيه الدم بكل رواسبه وسمومه ، وقد يتخلل جميع الأنسجة اللحمية ، وتبدأ السموم عملها في كل خلايا الجسم ، فتكتسب الميتة اللون الداكن ، وتمتلئ الأوردة السطحية بالدماء ، وتتوقف الدورة الدموية دون أن   يتسرب ، حتى ولو كان قدر ضئيل من تلك الدماء إلى خارج الجسم ، وتصبح الميتة بذلك كلها بؤرة فاسدة للأمراض ، ومجمعًا خبيثًا للميكروبات ، ويبدأ التعفن في عمله فيها ، ويعم أثره في اللحم لونًا وطعمًا ورائحة ، فالميتة ليست من الطيبات ، قال تعالى : ( وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ) [ المائدة : 4 ] .

كما أن الميتة يفقد لحمها كل قيمة ؛ لأن إنزيمات التحلل تبدأ عملها في الخلايا ، فتفقدها كل قيمة غذائية .

وعلى أي حال فإن المسلمين يمتنعون تمامًا – وقبل معرفة هذه الحقائق – عن أكل لحم الميتة ؛ اتباعًا لأوامر الخالق في كتابه الكريم ؛ لأنهم يؤمنون أن ما جاء في هذا القرآن إنما هو الحق المطلق ، الذي لا يتغير ولا يتبدل ، يقول الله تعالى : ( وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) [ يونس : 37 ] .

رابعًا : شبهة تعذيب الحيوان :

ظهرت شبهات وافتراءات في بعض البلدان غير الإسلامية ، لقيام المسلمين بذبح الأغنام ، متهمة إياهم بالوحشية والهمجية ، وحين سئل الدكتور : ( جون هنوفر لارسن ) : إذا قمنا بذبح الحيوان وقطع أوردته وبعد أن يسيل الدم منه فهل يشعر الحيوان بالألم من جراء ذلك ؟

الجواب بسيط : . . . اضغط على أي شخص أمامك في هذا المكان ( ويشير إلى مكان ذبح الشاة ) تجده قد أغمي عليه لحظات ، وقد اكتشف العلم أن مراكز الإحساس بالألم تتعطل إذا توقف ضخ الدماء عنها لمدة ثلاث ثوان فقط ؛ لأنها بحاجة إلى وجود الأوكسجين في الدم باستمرار .

فقيل له : كيف تقول يا دكتور ! إن هذا الحيوان لا يحس بالألم مع أننا نراه يرفس ويتحرك ويتلوى ويتخبط ؟

فابتسم الدكتور وقال : هذا سببه أن الجهاز العصبي لا يزال حيًّا وما تزال فيه حيوية ، ولم يفقد منه غير وعيه فقط ، وفي هذه الحالة ما دمنا لم نقطع العنق فإننا لم نعتد على الجهاز العصبي فتعطل الحياة الموجودة فيه ، لكن الذي يحدث في عملية الذبح ( أي بطريقة المسلمين ) أن يبدأ الجهاز العصبي بإرسال إشارات من المخ إلى القلب ، طالبًا منه إمداده بالدماء ؛ لأنها لم تصل إليه ، وكأنه ينادي : لقد انقطعت عني الدماء . . . أرسل إلينا دمًا أيها القلب ؟ يا عضلات ! أمدي القلب الدماء ، أيها الجسم ! أخرج الدماء فإن المخ في خطر ، عندها تقوم العضلات بالضغط فوراً ويحدث تحرك سريع للأحشاء والعضلات الداخلية والخارجية ، فتضغط بشدة ، وتقذف بكل ما فيها من دماء وتضخها إلى القلب ، ثم يقوم القلب بدورة بالإسراع في دقاته بعد أن يمتلئ بالدماء  تمامًا ، فيقوم بإرسالها مباشرة إلى المخ ، ولكنها بطبيعة الحال ، وتخرج للخارج ، ولا تصل إليه ، فتجد الحيوان يتلوى ، وإذا به يضخ الدماء باستمرار ، حتى يتصفى جسم هذا الحيوان تمامًا من الدماء ، وبذلك يتخلص جسم هذا الحيوان أكبر بيئة خصبة لنمو الجراثيم ، وأخطر مادة على الإنسان .

فقيل له : تقصد أن الحيوان المذبوح يفقد الحياة خلال ثوان فقط إذا ذبح بالطريقة الصحيحة ، وأن ما نراه في الحيوان من رفس وتشنج وما شابه ذلك ، هي من مؤثرات بقاء الحياة في الجهاز العصبي ، ولا يشعر الحيوان المذبوح بها على الإطلاق .

فأجاب : نعم ، هذا صحيح .

لقد وردت كل هذه الأسرار الطبية والحكم الصحية في طيات القرآن المجيد ، الذي ( لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) [ فصلت : 42 ] ، ما من خير إلا دل عليه ، وما من شر إلا وحذر   منه .

[1]  رواه ابن ماجة في كتاب الأطعمة باب الكبد والطحال برقم 3314 ، وأحمد برقم 5723 .

[2] رواه الترمذي في كتاب الأطعمة باب ما جاء في ذكاة الجنين برقم 1476 ، وأبو داود برقم 2828 ، وابن ماجة برقم 3199 ، وأحمد برقم 10950 .

[3] رواه مالك في المؤطأ في باب الطهور برقم 45 ، وأبو داود برقم 83 ، والترمذي برقم 69 ، وابن ماجة برقم  386 .

[4] رواه الترمذي في باب ما جاء في أكل الضب برقم 1790 ، وانظر تحفة الأحوذي للمباركفوري 5 / 402 .

[5] رواه أبو داود في كتاب الأطعمة ، باب في أكل لحوم الخيل ، برقم 3295 ، وأحمد برقم 14373 .

[6] رواه البخاري في كتاب الهدية وفضلها ، باب قبول هدية الصيد ، برقم 2284 ، ومسلم كتاب الصيد والذبائح ، باب إباحة الأرنب ، برقم 3611 .

[7] انظر تحفة الأحوذي للمباركفوري 1/ 189 .

[8] رواه الترمذي في كتاب الصيد عن رسول الله ، باب ما قطع من الحي فهو ميت ، برقم 1400 ، ورواه ابن ماجة في كتاب الصيد ، باب ما  قطع من البهيمة وهي حية ، برقم  3207 .

[9] بدليل قوله صلى الله عليه وسلم : ” إنكم إذا نزلتم بفارس من النبط ، فإذا اشتريتم لحمًا فإن كان من يهودي أو نصراني فكلوه ، وإن كان من ذبيح مجوس فلا تأكلوه ” ، رواه الإمام أحمد .

[10] مستدرك الحاكم ، كتاب البيوع ، برقم 2345 ، وابن ماجة في كتاب الأحكام ، باب من بنى في حقه ما يضر بجاره ، برقم 2340 .

[11] رواه البخاري في كتاب المغازي ، باب غزوة خيبر برقم 3963 .

[12] سنن أبي داود ، كتاب الأطعمة ، باب في كراهية التقذر للطعام 3789 ، وسنن الدارقطني في كتاب الأشربة وغيرها ، باب الصيد والذبائح والأطعمة ، وغير ذلك ، برقم 69 .

[13] رواه البخاري في كتاب الذبائح والصيد ، باب أكل كل ذي ناب من السباع ، برقم   5104 ، ورواه مسلم في كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان ، باب أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير ، برقم 3574 .

[14] رواه البخاري في كتاب الشركة ، باب قسمة الغنم 5203 .

[15] سنن ابن ماجة ، كتاب الذبائح ، باب إذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة 2170 ، والترمذي في كتاب الديات باب ما جاء في دية الجنين 1409 .

[16] رواه مسلم في كتاب الصيد والذبائح . . ، باب الأمر بإحسان الذبح والقتل . . . ، برقم 3615 .