منهج الإمام أبي الحسن علي الندوي في إصلاح المجتمع وفي تنمية جيل جديد

عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : فضائله في مجال العلم والدين
فبراير 7, 2022
العلامة الشيخ ولي الله الدهلوي : نابغة الدهر وعبقري الزمان ( الحلقة الثانية الأخيرة )
فبراير 7, 2022
عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : فضائله في مجال العلم والدين
فبراير 7, 2022
العلامة الشيخ ولي الله الدهلوي : نابغة الدهر وعبقري الزمان ( الحلقة الثانية الأخيرة )
فبراير 7, 2022

دراسات وأبحاث :

منهج الإمام أبي الحسن علي الندوي

في إصلاح المجتمع وفي تنمية جيل جديد

إعداد : الأستاذ محمد نعمان حسن *

نقد الشيخ أبي الحسن لنظام التعليم والتربية :

من المتفق عليه بين رجال التعليم أن نهضة الأمة من جديد تكمن في نظلم التعليم والتربية على أحسن وجه ، فالأمة تحتاج إلى إعادة تشكيل هذا النظام من جديد . وما نشاهده من اعتلال لنظام التعليم السائد الذي يعود مرده برأي الشيخ أبي الحسن الندوي إلى مجموعة من الإشكالات والآثار المترتبة عليها .

منها :

الأول : جمود بعض العلماء المسلمين :

إن الجمود العقلي والركود الفكري الذي طرأ على بعض علماء مراكز العلوم الإسلامية أدى إلى وقوف نظام التعليم الإسلامي على عتبات التخلف والنزول به عن سير ركب الحضارة المتقدمة ؛ ومن أجل ذلك عجزت النظم التعليمية والتربوية الإسلامية الحافلة بالحياة والروح الصالحة للنمو والازدهار عن إقامة البرهان التي تتدفق بها ومسايرتها مع الحياة المتطورة في عصر كانت الحاجة فيه إلى ذلك أشد وأعظم من حاجة كل عصر [1] .

إن الجمود في النظام التعليمي ظهر واضحاً وجلياً في إطار القرن التاسع عشر الميلادي ” ذلك أن المنهج القديم للدراسات الإسلامية في العصور التي سبقت القرن التاسع عشر تطور بين حين وآخر ، وساير الحياة ومطالبها ، وقد كان واضعو المنهج التعليمي في تلك العصور وزعماء الحركات العلمية في العالم الإسلامي آنذاك يقومون بتعديلات مستمرة في المناهج تشهد بذكائهم واعترافهم  بالواقع ” [2] .

كان ذلك الجمود برأي الشيخ أبي الحسن الندوي أحد العوامل التي أثرت في انسياق الطبقة المثقفة من حاضر العالم الإسلامي وراء قيم ومثل وأفكار وأنظمة الحضارة الإسلامية وبعدهم عن الدين وانصرافهم عن الفكر الإسلامي .

ويعزو الشيخ أبو الحسن الندوي سبب هذا الجمود إلى طائفة من علماء التربية الإسلامية من بينهم الشيخ  نظام الدين اللكهنوي مؤسس الدرس النظامي في الهند وعلماء الأزهر في القرن الثامن عشر الميلادي في الشرق الأوسط ، وقد كان الواجب في أعناقهم قيادة الحضارة الإسلامية للإمساك بزمام المجتمع الإنساني والوقوف في وجه القضايا المستحدثة التي خلفتها الحضارة الحديثة والاكتشافات المبتكرة بدل تنكب الطريق والتخلف عن مسار الحضارة العالمية .

الثاني : استبدال نظام التعليم الغربي الحديث بنظام التعليم الإسلامي :

وقد ترتب على ذلك أن الكتب الدراسية والمناهج التعليمية بل وطرق التدريس ذاتها باتت تبذر بذور الشك والريبة في عقول المتعلمين بالنسبة لمعتقداتهم الدينية السمحة ، بدلاً من أن تدعم وتقوي الإيمان بالله سبحانه وتعالى وتنقي مشاعرهم مما يعتريها من البلبلة والتناقض . يقول الشيخ أبو الحسن الندوي : ” ووقع الشرق الإسلامي بإرادة أو بغير إرادة في حضانة التربية الغربية ، ونظمها التعليمية ، ومناهجها الفكرية ، وقيمها ومثلها العليا ، وتصورها للحياة والإنسان ، ونظرتها إلى العلوم والآداب ، كما يترامى الطفل الصغير في أحضان مرب كبير ، ويقبل نظامه التعليمي ، وبالأصح فكرته التعليمية ، بحذافيرها وعلى علاتها ” [3] .

الثالث : تكريس الاغتراب في بعض الأنظمة التعليمية العربية والإسلامية :

إن الابتعاد عن الإسلام وتراثه ، ونمطه في الحياة بحيث صار نظام التعليم الحالي هو المختبر الذي تصاغ فيه تركيبة الشباب المسلم ويجري تغذية وعيهم على أسس غربية باطلة ، يقول الشيخ أبو الحسن الندوي :    ” لقد جرف تيار التعليم الغربي الشباب الإسلامي في البلاد العربية والعجمية ( الذين كانوا زبدة أمتهم وزهرة بلادهم وغير عقليتهم إلى حد أن عقولهم أصبحت لا تستطيع أن تسيغ الإسلام الصحيح ، وأصبحوا لا يندمجون في المجتمع الإسلامي أيضاً ” [4] .

ذلك أن قصة نظام التعليم الغربي التي يبين الشيخ أبو الحسن الندوي ملامحها تتجلى في الروح المستقلة والضمير المنفرد الذي تظهر فيه عقيدة مؤلفيه ، وعقلية واضعيه ، وهو تعبير عن أفكار أهل الغرب ومجموع أقدارهم ، مما يشكل خطراً داهماً على نشء الأمة الإسلامية ” من خلال الشكوك التي يغرسها هذا النظام في أعماق وعي الفرد    المسلم ، فتنقطع صلة المسلم بماضيه ، وتواجه رغبته الفكرية لدراسة تراث آبائه بالإحباط ، وتثبط همته لتلمس جذور هذا التراث والانطلاق المبدع لإحيائه وتجديده .

الرابع : ازدواجية نظام التعليم الواحد :

إن ازدواجية نظام التعليم قسمت إلى نظامين : أحدهما إسلامي ، والآخر علماني لاديني ، وهي تقضي على النظام الواحد الذي ينبع من الروح الإسلامية ويعمل باعتباره وحدة متكاملة . يقول الشيخ أبو الحسن الندوي : ” وقد تجلى هذا الصراع وعنف واستفحل في جميع الأقطار الإسلامية والتي أخذت العلوم الغربية برمتها ، والكتب المقررة في البلاد الأجنبية أو الكتب الخالية من روح الدين ، وطبقت نظام أوربا أو بلاد أخرى في التعليم في بلادها ، أو أدخلته عليه شيئاً من التعديل [5] .

فظهرت بذلك نوعية من الازدواجية الثقافية في كل مكان من العالم الإسلامي نجمت عن نظام التعليم المزدوج الذي أوجد طبقة التعليم الإسلامي وطبقة التعليم العلماني الحديث .

من هنا وجب القضاء برأى الشيخ أبي الحسن على ازدواجية التعليم وقيام نظام التعليم الواحد الذي يضمن الرؤية الإسلامية على جزئيات الفكر التعليمي التربوي .

وضع منهج إصلاحي إسلامي :

إن الحاجة إلى وضع منهج للتعليم الإسلامي اليوم منبثقة من نفس الحاجة إلى تطبيق الشرع الإسلامي في مجتمعاتنا العربية والإسلامية ، ذلك أن مناهج التعليم الإسلامية هي التي تصوغ الفرد المسلم في قالبها وفق مبادئ وقيم الإسلام ورسالته العالمية ، فإذا أردنا أن نحافظ على شخصية وهوية الأمة الإسلامية ، فلا بدلنا من القيام بمهمة عاجلة لوضع منهاج للتعليم الإسلامي يفي بالغرض والمقصود [6] .

وفي ذلك يقول الشيخ أبو الحسن الحسني الندوي : ” إن قضية  التعليم في البلاد الإسلامية مهمة عسيرة معقدة ليست من السهولة بالمكان الذي يتصوره رجال التعليم في بلادنا ، إنه ليس مجرد تعليم العلوم والفنون ، ولغات وطنية وأجنبية ، وآداب أهلية وأوروبية ، بل هو إنشاء جيل جديد فكرياً وخلقياً ممتازة ، وهذا التعليم يتطلب منهجاً دراسياً خاصاً لا يوجد الآن كاملاً في أي بلد من بلاد الإسلام فضلاً عن بلاد الأجانب ” [7] .

فإن وضع المنهاج التعليمي المنبثق من نظام التعليم الإسلامي يعد من حاجات البلاد الإسلامية الأولى التي لا يمكن التغافل عنها أو التساهل فيها ، يقول أبو الحسن علي الندوي : ” إذا فوضع هذا المنهاج التعليمي من حاجات البلاد الإسلامية الأولى التي لا يسعها التغافل عنها ، والتساهل فيها ” [8] .

وليس من الحكمة التعليمية عند الشيخ أبي الحسن الندوي استعارة المناهج الغربية أو المزاوجة بين المنهج الإسلامي والغربي ، بل إننا في بلادنا الإسلامية في حاجة ملحة إلى إيجاد منهاج تعليمي إسلامي في الروح والوضع ، وفي السبك والترتيب ، وذلك لحل مشكلة التربية والتعليم في المجتمعات الإسلامية .

إن هذا العمل ليس بالسهل أو اليسير ، إنه مشروع ضخم يتطلب عملاً إبداعياً تجديدياً من أعمال الإصلاح التربوي . يحتاج إلى تكاتف الجهود لإنجاز مثل هذا المشروع الكبير ، يقول الشيخ أبو الحسن الندوي : ” وضع المنهاج التعليمي ، عمل شاق وواسع يأخذ وقتاً طويلاً ” [9] . ومهما كان طريقه طويلاً وشاقاً ، ومهما كانت العقبات والعراقيل التي تقف في وجه قيام هذا المشروع ، لا بد من إنجازه لأنه يمثل الحل لموجة تكريس التغريب في العالم الإسلامي ، والتي أصبحت تشكل خطراً داهماً يهدد كيان الأمة الثقافي والاجتماعي ، بل وتهدد وجوده وحياته .

إن وضع منهاج التعليم الإسلامي برأي الشيخ أبي الحسن الندوي لا يقف عند مرحلة الوضع والإيجاد ، بل ويضم إلى جنباته كذلك الأسلمة ، وهو بذلك يتعامل بفكر واع يتجاوز مرحلة الرفض للآخر لكونه آخر ، بل يتناول الأنظمة التربوية والمناهج التعليمية بثوب جديد ، سرت فيه روح الإيمان بالله والتقوى والخشية الله ، والفضيلة والإيمان بالآخرة .

أسلوب دراسة اللغة العربية للشيخ الندوي :

بدأت عملية وضع المناهج وسبك منهاج تعليمي جديد يتغلغل في أحشائه الإيمان بالله ويسيطر على جميع فروعه وجزئياته ، بجهود فردية لم تزل مستمرةً في شكل أو آخر . فقد سيطرت فكرة وضع سلسلة مقررات دراسية على الأوساط العلمية في البلاد الهندية لتسد مسد النقد والخلل الحاصل في مقررات الدرس في البلاد الهندية .

وتأتي جهود الشيخ أبي الحسن الندوي في هذا السياق ، بالرغم من دعوته التي وجهها إلى الهيئات الممثلة بالجامعات والمجامع العلمية والجمعيات للقيام بهذا العمل البنائي . لذا قد أعمل الشيخ أبو الحسن الندوي قريحته وبذل جهوده وشد مئزره منذ عهد مبكر لهذا الغرض ، وأتحفنا بمؤلفات قيمة اتخذتها كثير من الجامعات والمدارس في العالم الإسلامي لتعليم طلبتهم اللغة العربية ، ويأتي على رأس هذه المقررات التي قام الشيخ أبو الحسن الندوي بوضعها لدرس اللغة العربية :

(1) القراءة الراشدة ( ثلاثة أجزاء للمرحلة الابتدائية ) .

(2) مختارات من أدب العرب ( جزءان للمرحلة المتقدمة ) [10] .

ولم تقتصر جهود الشيخ أبي الحسن الندوي على مجرد الوضع ، بل وجه تلاميذه إلى وضع المقررات الدراسية التي تلبي حاجات الدرس في المدارس العربية .

لقد فتح الشيخ أبو الحسن الندوي الباب على مصراعيه بهذه الدعوات وهذا التوجيه ، وصرح أن هناك من المواد الدراسية بحاجة إلى وضع كتب ومقررات درس جديدة ، فهل من مجيب ؟

وقد رأى الشيخ أبو الحسن الندوي أن مقررات الدرس التي وجدت بين أيدي الطلاب تفتقر الكثير من الأسس ، مما يجعلها لا تتفق مع المستوى والغرض الذي وجدت لأجله ، فكان لا بد من وضع سلسلة من المقررات التعليمية التي تحتوي على مواد في اللغة والأدب متنوعة بأسلوبه تدريجي تلائم ذوق الأجيال التي وضعت لأجلها تلك المقررات .

وقد اتبع الشيخ أبو الحسن الندوي في صياغة هذه المقررات الأمور التالية [11] :

(1) أن تكتب اللغة العربية الفصحى ، ويكون الكتاب في لغة القرآن ، وتوضع الآيات الكريمة في محالها كالفص في الخاتم .

(2) أن تكون اللغة أدبيةً عليها مسحة من جمال أدب الكتاب والسنة .

(3) تتنوع فيها الموضوعات التي تحتوي على الموضوعات العلمية والأدبية والفنية ، وعلى النثر والنظم ، كما تغطي جميع أنواع النثر من القصة والمقالة والخواطر والحوار ، وتتعدد فيها الأغراض الشعرية من الأنشودة ، والرثاء والوصف والمدح وغيرها حيث يتنشط الطالب ، ويتذوق من خلالها فنون الأدب العربي وأساليبه المتنوعة .

(4) أن تسري الروح الدينية في الكتاب بحيث لا يمكن تجريد الكتاب منها ، ويعم ذلك الدروس الدينية ودروس المعلومات الكونية والطبيعية والحيوانية والنباتية وعن الاختراعات الحديثة .

(5) استعمال الكلمات المستخدمة التي لها أصل عربي واشتقاق صحيح ، وقد عول الشيخ أبو الحسن الندوي فيها في الغالب على قرارات مجمع فؤاد الأول للغة العربية ، حتى لا يلجأ الطالب في استعمال الكلمات العجمية أو الدخيلة ، أو يكون له لسان أخرس في المناسبات العصرية .

(6) تكرار المفردات والألفاظ العربية حتى يتمرن الطالب عليها ، فتشكل بذلك مخزوناً لغوياً من تلك المفردات .

(7) محاكاة أسلوب الجيل الذي تؤلف له تلك المقررات ، بالإضافة إلى طبيعتهم ، وثقافتهم ، ودرجتهم العقلية والنفسية [12] .

ضرورة وضع مناهج التربية الإسلامية لبناء جيل مثالي لدى الشيخ الندوي :

لقد تناول الشيخ أبو الحسن الندوي الأطوار المختلفة لمراحل المنهاج التعليمي القديم ، فرآها أربعة توخوا للسهولة والتوضيح . واستخلص أحوال العلماء في الدور الأول فكانت دراسة التربية الإسلامية منحصرة في الفقه ، وأصول الفقه ، والمنطق ، والكلام ، والتصوف ، والتفسير ، والحديث ، بالإضافة لعلوم اللغة .

وأما في الدور الثاني ، فجرى تعديل طفيف ، حيث أدخل مؤلفات القاضي عضد ، المطالع والمواقف ، وكتاب مفتاح العلوم للسكاكي .

وأدخل تلاميذ الإمام التفتازاني كتاب المطول والمختصر ، والتلويح ، وشرح عقائد النسفي ، وضم المنهاج في الفترة شرح الوقاية ، وشرح ملا جامي . ولم يدخل الجديد في الدور الثالث إلا منهاج جديد في دراسة الحديث النبوي بعد ظهور ولي الله الدهلوي .

وسار الدور الرابع ( الدرس النظامي ) الذي قام بتأسيسه الشيخ نظام الدين ، فلم يناهضه منهاج آخر ، وبقي يحتفظ بوجوده في ساحة الدرس في الديار الهندية [13] .

من هنا يمكن القول إن منهاج التعليم القديم مر بمراحل النشوء والارتقاء ، والتطوير والتغيير إلى عهد ( المنهاج النظامي ) المطبق في أكثر المدارس العربية ، والذي جمد جموداً لا حراك فيه . ولم يكن المنهاج النظامي منزهاً عن النقائص ومواطن الضعف كلياً ، فقد كانت عدة من نواحيه تحتاج إلى الإصلاح والنقد والتنقيح من الناحية الفنية . والواقع أن سلف الأمة كما يبين الشيخ أبو الحسن الندوي الذين قادوا نظام التعليم في الديار الهندية ، وكانوا مسؤولين عنه ، أثبتوا واقعيتهم وإدراكهم لمقتضيات العصر وتفطنهم .

من هنا كانت سهام النقد التي وجهها الشيخ أبو الحسن الندوي إلى كتب ومقررات المناهج التربوية الإسلامية بجرأة ، لها الأثر الواضح في إبراز مواطن الضعف الكثيرة ، وجوانب النقص العظيمة التي اشتملت عليها تلك المقررات وتلك المناهج ، مما يسهم في توجيه الأنظار إليها ، والتأسيس لفكر نظري يقوم على مراجعة شاملة وأحداث فكرجديد يجمع بين محاسن القديم والجديد .

المقرر للتربية الإسلامية المقترحة :

كان النقد المقدم من الشيخ أبي الحسن الندوي إلى مناهج ومقررات التربية الإسلامية في الديار الهندية ، بسبب ذلك الجمود العقلي والركود الفكري الذي طرأ على مراكز العلوم الإسلامية ومناهجها ، إيذاناً ببدء مرحلة جديدة ، تقوم على تقديم تصور واضح ، عرض من خلاله إيجاد منهاج ومقرر إسلامي تربوي جديد ، ينال القبول والرضى في مدارس الهند العربية .

تصور يؤمن بأن ” العلوم الإسلامية علوم حية نامية ، وأن منهاج الدرس الإسلامي خاضع لقاموس التغير والتجدد ، فيجب أن يتناوله الإصلاح والتجديد في كل عصر ومصر وأن يزاد فيه ويحذف منه بحسب تطورات العصر وحاجات المسلمين وأحوالهم ” [14] .

وقد كان الشيخ أبو الحسن الندوي ينظر إلى هذه المهمة العلمية بقداسية ، لما لها من خطر وأثر في حياة المسلمين وفي مستقبل التعليم الديني ، ومن غير الممكن أن يضطلع بالقيام بها نفر أو فرد من المسلمين مهما أوتي من قوة وأمانة ، بل لا بد برأيه ” أن تتألف لها لجان من العلماء والمعلمين الكبار وأصحاب المعاهد الجليلة ، وأن يبذلوا في سبيلها .

ومن بين هذه المصنفات والمقررات التعليمية الإسلامية التي أتحفها الشيخ أبو الحسن علي الندوي للأطفال . وهي :

قصص النبيين للأطفال :

مجموعة قصصية . تبدأ بأبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام وتنهى بسيدنا محمد عليه السلام . وهو عمل جليل قدمه الشيخ أبو الحسن الندوي مساهمة منه في إيجاد النشأ الإسلامي بواسطة المقرر التعليمي . وقد وضعه الشيخ أبو الحسن الندوي بأسلوب سهل يوافق سن المرحلة الابتدائية وذوقها ، وحاكى فيه أسلوب الأطفال وطبيعتهم ، فلجأ في كثير من مواضع المقرر الى تكرار الكلمات والجمل ، واستخدام الألفاظ بسهولة ، وبسط القصة . فعرضه بأسلوب شائق ، واضح ميسر ، يستساغ كغذاء تعليمي إسلامي من تلك الطبقة .

وعند إنعام النظر في ثنايا هذا المقرر يلاحظ أنه قد احتوى على توجيهات رقيقة وإيضاحات كاشفة لمرامي القصة وحوادثها ومواقفها ، ومن تعليقات في ثنايا القصة ، ولكنها توحي بحقائق إيمانية ذات خطر ، حين تستقر في قلوب الصغار أو الكبار ” [15] .

قصص من التاريخ الإسلامي للأطفال :

استحوذ أدب الأطفال على تفكير الشيخ أبي الحسن الندوي ، لذا كان لا بد من إيجاد مقرر دراسي إضافي ، يتلاءم مستوى عقول الأحداث والأطفال ، يُعد مدرسة يتعلمون فيها المبادئ والأخلاق الفاضلة ، والدوافع النبيلة ، والمشاعر الكريمة الرقيقة . وقد اتفقت كلمة علماء التربية والنفس على أن القصص الشائقة الموجهة الهادفة ، من أقوى وسائل التربية والصياغة الخلقية ، والمبدئية ، والدينية .

وقد راعى الشيخ أبو الحسن الندوي في تقديمه للمعلومات طبيعية ومستوى وثقافة تلك النخبة من المتعلمين ، فكان يسر العبارة ، وجمال    التركيب ، والتعبير ، وسلاسة معلومات ، وقوة الأفكار ، الميزة الرئيسية التي وسمت بها تلك القصص .

وعند إنعام النظر في هذه السلسلة من القصص ، يلحظ الباحث مدى فائدة وتأثير هذه السلسلة في تعليم الأطفال وفي تربيتهم الإسلامية ، وفي تقديم التوجيه الديني المناسب لتلك الناشئة .

سيرة خاتم النبيين :

أثبتت التجارب أن السيرة النبوية إذا وجدت طريقاً إلى قلوب الجيل في سن مبكرة ، فإنها تأتي بالعجائب ، وتجعله مؤمناً صادقاً ، صحيح العقيدة ، نبيل الخلق ، داعية مخلصاً ، قائماً ” بنشر الإسلام .

وبناءً على ذلك فقد وضع الشيخ أبو الحسن الندوي لطلاب المرحلة الابتدائية مقرراً تعليمياً يلبي الحاجات التربوية المنشودة ، وقد وسمه الشيخ أبو الحسن الندوي ( سيرة خاتم النبيين ) ختم فيه سلسلة قصص الأنبياء . ولم يتقيد فيه بما التزمه من التزامات في الأجزاء الأولى من قصص النبيين للأطفال [16] .

إذا هبت ريح الإيمان :

لقد بدا للشيخ أبي الحسن الندوي أن يضع مؤلفاً ومقرراً دراسياً موسعاً ، يمكن القول أنه مقرر إضافي يتم توجيه الطالب إليه ضمن إطار الإرشاد إلى مطالعة موسعة إضافية ، يقوم على تزويد الطالب بمجموعة من القيم المتدفقة المتمثلة على أرض الواقع ، نموذج عملي يحتذي به في الأعمال ، والأخلاق ، والشجاعة ، واليقين ، والعفة ، والأمانة ،    والإيثار ، وهضم النفس ، وروح التطوع والاحتساب ، والتواضع ، وكبر النفس وسمو النظر ، والعدل والرحمة ، والمحبة والوفاء .

هذا المقرر ( إذا هبت ريح الإيمان ) يتعلق بسيرة الإمام السيد أحمد ابن عرفان الشهيد ، الذي يعد أنموذج الخلفاء الراشدين في القرن الثالث عشر الهجري ، على أرض الهند . وتقديم هذه السيرة على شكل مقرر تعليمي يستند إلى تصور واضح عند الشيخ أبي الحسن الندوي مفاده أنه لابد من إبراز تاريخ الإسلام الناصع وأئمته ورجال العلم .

إسلاميات :

كتاب ديني وضعه الشيخ أبو الحسن الندوي لقسم الدراسات الدينية في الجامعة الإسلامية بعليكراه ، لمرحلة الليسانس ( بكالوريوس ) المرحلة الجامعية الأولى . يشتمل على بيان العقائد الإسلامية ، والأحكام الضرورية ، ومعلومات مبدئية عن السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي . وقد كان ذلك في عام 1938م إثر إعلان رئيس قسم الدراسات الدينية بالجامعة الإسلامية عن حاجة القسم لمقرر دراسي يعطى لطلاب المرحلة الجامعية الأولى . وقد لاقى الكتاب قبولاً من قبل المسؤولين عن البرنامج الدراسي ولا يزال الكتاب يدرس في الجامعة [17] .

الخاتمة :

خلف الإمام أبو الحسن علي الحسني الندوي مكتبةً قيمةً زاخرةً ، ودراسات في قضايا الفكر التعليمي الإسلامي والتربية الإسلامية ، وحلولاً ناجعةً لقضايا الفكر التعليمي ، وأنموذجاً في التعليمي الإسلامي البناء ، يعد منهاجاً تعليمياً إسلامياً حديثاً ، يجمع بين دفتيه أصالة الماضي وحيوية الحاضر .

هذا ولم يقف الشيخ أبو الحسن الندوي في مسيرته التعليمية على المنهاج التعليمي القديم ، بل كان يرى أن هذا المنهاج أحوج ما يكون إلى مسايرة النشوء والارتقاء الطبعي المألوف لبناء جيل مثالي ، وحاجات الأمة ومقتضياتها الجديدة ، وإذ كان الوضع يحكم بأن تأخير دقيقة واحدة سوف يلحق الضرر بالقرون والأجيال اللاحقة .

لقد أبرز الإمام أبو الحسن في العصر الحاضر في نواحي التربية والتعليم إصلاح الأمة الإسلامية ، بما وضعه من مبادئ وآراء تربوية وتعليمية قيمة تتعلق بقضايا العصر المطروحة على مائدة الفكر الإنساني .

* أستاذ مساعد قسم علوم القرآن والدراسات الإسلامية ،الجامعة الإسلامية العالمية  شيتاغونغ ، البريد الإلكتروني : numanhasan2000@gmail.com

[1] الندوي ، محمد الرابع ، التربية والمجتمع ، ص : 54 .

[2] الندوي ، أبو الحسن ، ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ، ص : 208 .

[3] الندوي ، أبو الحسن ، في مسيرة الحياة ، م 3 ، ص : 67 .

[4] الندوي ، أبو الحسن ، ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ، ص : 40 .

[5] الندوي ، أبو الحسن ، نحو التربية الإسلامية الحرة ، ص : 19 .

[6] الندوي ، محمد الرابع ، التربية والمجتمع ، ص : 30 .

[7] الندوي ، أبو الحسن ، نحو التربية الإسلامية الحرة ، ص : 19 .

[8] الندوي ، أبو الحسن ، كيف توجه المعارف إلى البلاد الإسلامية ، ص : 32 .

[9] الندوي ، أبو الحسن ، نحو التربية الإسلامية الحرة ، ص : 21 .

[10] القرضاوي ، يوسف ، الشيخ أبو الحسن الندوي كما عرفته ، ص : 55 .

[11] الندوي ، أبو الحسن ، القراءة الراشدة ، ( باكستان ، مكتبة البشري ، ط 3 ،  2018م ) ، ص : 28 .

[12] أزادي ، أبو الكلام ، نظريات الندوي في تعليم اللغة ، ( داكا ، مكتبة الأزهر ، ط 1 ، 2009م ) ، ص : 50 .

[13] القرضاوي ، يوسف ، الشيخ أبو الحسن الندوي كما عرفته ، ص : 128 .

[14] القرضاوي ، يوسف ، الشيخ أبو الحسن الندوي كما عرفته ، ص : 55 .

[15] الندوي ، أبو الحسن ، قصص النبيين للأطفال ، ( باكستان ، مكتبة البشري ، ط 4 ، 2012م ) ، ص : 43 .

[16] القرضاوي ، يوسف ، الشيخ أبو الحسن الندوي كما عرفته ، ص : 128 .

[17] القرضاوي ، يوسف ، الشيخ أبو الحسن الندوي كما عرفته ، ص : 54 .