موئل الإنسانية وأمة المستقبل
أكتوبر 20, 2020(3) الأستاذ السيد هلال أحمد القادري في ذمة الله تعالى
أكتوبر 20, 2020التوجيه الإسلامي :
البلاغة والإعراب والبيان في القرآن الكريم
( أول سورتي الصافات وص )
بقلم : معالي الشيخ الدكتور راشد عبد الله الفرحان *
سميت لورود كلمة الصافات في أول السورة .
إنه سبحانه بدأ في أول هذه السورة بالتوحيد ، كما ختم السورة المتقدمة بذكر المعاد .
5 ( رَّبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ ٱلْمَشَارِقِ ) .
ٱلْمَشَارِقِ :
جاء في سورة الرحمن ( رَبُّ ٱلْمَشْرِقَيْنِ ) ، وفي سورة المعارج جمعه ، وأفرده في سورة المزمل ، قال يحيى الأنصاري : جاء القرآن على أساليب العرب في الكلام وفنونه من الإجمال والتفصيل والذكر والحذف ، والجمع والتثنية والإفراد ، باعتبارات مختلفة ، فأفرد وأجمل وفصل .
12 ( بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخُرُونَ ) .
عَجِبْتَ :
في قراءة حمزة والكسائي عجبتُ بالضم ، على حذف : قل يا محمد عجبتُ .
49 ( كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ ) .
البلاغة – التشبيه المرسل :
شبههن ببيض النعام تلتها النعامة بالريش من الريح والغبار ، فلونه أبيض في صفرة ، والعرب تشبه المرأة الحسناء في بياضها وحسن لونها ببيضة النعامة .
65 ( طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ ٱلشَّيَاطِينِ ) .
البلاغة – الاستعارة :
استعير لما طلع من شجرة الزقوم التي في النار من حملها لطلع النخلة ، ثم جاء التشبيه التمثيلي برؤوس الشياطين ، دلالة على تناهيه في الكراهية وقبح المنظر .
67 ( ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ ) .
ثُمَّ :
سر العطف بـ ثم ، سر دقيق لطيف يعني التراخي بوجهين ، الأول : إنهم يملأون البطون من شجر الزقوم ، وهو حار يحرق البطون ، ثم يسقون ما هو أحر ، وهو الشرب المشوب بالحميم ، الثاني : أنه ذكر الطعام بتلك الكراهية والبشاعة ، ثم ذكر الشراب بما هو أكره وأبشع ، فجاء بـ ( ثُمَّ ) للدلالة على التراخي للشراب عن حال الطعام .
78 ( وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى ٱلآخِرِينَ ) .
أي تركنا له من بعده عليه ذكراً جميلاً ، وأثنينا عليه في أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ومعنى تركنا أبقينا .
79 ( سَلاَمٌ عَلَىٰ نُوحٍ فِى ٱلْعَالَمِينَ ) .
كأنه قال وتركنا عليه التسليم في الآخرين ، ثم فسر ذلك بقوله ( سَلاَمٌ عَلَىٰ نُوحٍ فِى ٱلْعَالَمِينَ ) ، جاءت هذه الآية في قصة إبراهيم وموسى وهارون وإل ياسين ، أما الثلاثة الآخرين لوط ويونس وإلياس ، لم تأت آية مثلهم ، وهو محل سؤال ؟ ( سَلاَمٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ . سَلاَمٌ عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَارُونَ ) .
والجواب : أن السلام على جميع المرسلين وارد ، وما تقدم خصوص ، أعقبه في آخر السورة عموم ، بقوله تعالى ( وَسَلاَمٌ عَلَىٰ ٱلْمُرْسَلِينَ ) الآية 181 ، عموم بعد خصوص .
88 ( فَنَظَرَ نَظْرَةً فِى ٱلنُّجُومِ ) .
89 ( فَقَالَ إِنِّى سَقِيمٌ ) .
فِي النُّجُومِ :
لم يقل إلى النجوم مع أن النظر يتعدى بـ ( إلى ) مثل ( انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ ) ، والجواب : أن النظر هنا ليس نظر العين فقط ، وإنما بمعنى الفكر ، وهو يتعدى بـ ( في ) مثل ( أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ فِى مَلَكُوتِ ٱلسَّمَاوَاتِ ) ، والمعنى فكر في علم النجوم ، وقوله لهم ( إِنِّى سَقِيمٌ ) معناه يجوز لي التخلف عنكم لأني مريض .
96 ( وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ) .
استفهام إنكاري يوجهه إبراهيم عليه السلام إليهم منكراً عليهم عبادة أصنام ينحتونها بأيديهم ، وكأنه يقول لهم : أيسوغ في قضية العقل أن تعبدوا الأصنام التي تنحتونها بأيديكم وتتركوا عبادة الله الذي خلقكم وخلقها وهي حجارة ، وهذا هو التفسير الصحيح الذي يساير نصوص القرآن ، ولا يجافيها أن نقدر ( ما ) اسماً موصولاً واقعاً على الأصنام المنحوتة ويكون التقدير ( أتعبدون هذه الأصنام التي تنحتونها بأيديكم ، والله خلقكم وخلقها ) .
أما ما ذهب إليه بعض المفسرين بجعل ( ما ) مصدراً أي الله خلقكم وخلق أعمالكم فلا يصح تفسيراً للآية إذ لو كان إبراهيم يقصد ذلك المعنى لقامت الحجة عليه ، وما استطاع أن يرد عليهم [1] .
101 ( فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ ) .
الإيجاز – حَلِيمٍ :
هذا إيجاز قصر ، فقد انطوت البشارة على أن الولد غلام ذكر وأنه يبلغ الحلم ، والراجح هو إسماعيل ، وجاء في الحجر والذاريات بـ ( عَلِيمٍ ) ثم إنه تمام قصة إبراهيم قال : ( وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ ) .
147 ( وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ) .
أو :
( أو ) للشك ولكنها للمخاطبين يرونهم مأة ألف في أعينهم أو يرونهم أكثر من ذلك ، إذ الشك على الله محال .
177 ( فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَآءَ صَبَاحُ ٱلْمُنْذَرِينَ ) .
البلاغة استعارة ومجاز :
في الآية استعارة مكنية شبه العذاب بجيش يهجم على قوم ، وهم في ديارهم بغتة ، وكثيراً نسمع أن الغارات في الصباح الباكر في الأغلب ، وهو مجاز مرسل ، أطلق فيه الزمان وأريد ما وقع فيه .
سورة ص
سميت لورود كلمة ص في أول السورة .
لما ختم الله سبحانه سورة الصافات بذكر القرآن والرسول وإنكار الكفار لما دعاهم إليه افتتح هذه السورة بالقرآن ذي الذكر والرد على الكفار أيضاً .
3 ( كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَواْ وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ ) .
لاَتَ :
لات : كلمتان ، لا النافية ، وتاء لتأنيث الكلمة كما في ( ثمة ) ، وإنما وجب تحريكها لالتقاء الساكنين ، والواو واو الحال ، ولات حرف نفي يعمل عمل ليس ، واسمه محذوف تقديره الحين ، وحين المذكور خبر لات .
4 ( وَعَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُم مٌّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ ) .
وَقَالَ – فَقَالَ :
جاء في سورة ق ( بَلْ عَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُمْ مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ ) ، وذلك أن في ق أشد اتصالاً من ص فناسب الفاء ( فَقَالَ ) أي اتصالاً لفظياً ومعنوياً ، إذ قالوا هذا شيئ عجيب ، أما هنا في ص فاتصاله معنوي فقط ، عجبوا من مجيئ المنذر وقالوا ساحر كذاب .
8 ( أَأُنزِلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بْل هُمْ فِى شَكٍّ مِّن ذِكْرِى بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ ) .
أَأُنزِلَ – أَأُلْقِيَ :
جاء في سورة القمر ( أَأُلْقِىَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ ) ، هنا في ص حكاية عن كفار قريش ، فناسب التعبير به لوقوعه إنكاراً لما قرأه عليهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وأما ما في سورة القمر حكاية عن قوم صالح ، وكانت الأنبياء تلقى إليهم صحف مكتوبة فناسب ذلك .
12 ( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وفِرْعَوْنُ ذُو ٱلأَوْتَادِ ) .
البلاغة :
الاستعارة المكنية في قوله ( وفِرْعَوْنُ ذُو ٱلأَوْتَادِ ) ، شبه هنا فرعون في ثبات ملكه ورسوخ سلطانه ، ببيت ثابت أقيم عماده وثبتت أوتاده .
21 ( وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ ٱلْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُواْ ٱلْمِحْرَابَ ) .
22 ( إِذْ دَخَلُواْ عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُواْ لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَٱحْكُمْ بَيْنَنَا بِٱلْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ وَٱهْدِنَآ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلصِّرَاطِ ) .
23 ( إِنَّ هَذَآ أَخِى لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِىَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِى فِى ٱلْخِطَابِ ) .
نَبَأُ ٱلْخَصْمِ – تَسَوَّرُواْ :
الخصم واحد وتسوروا جمع ، والخصم يعتبر به عن الواحد والاثنين والجماعة ، وفي الآية التي بعدها يفسره ( خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ ) ، والبغي لا يكون إلا لأكثر من واحد .
تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً :
نقل بعض المفسرين عن الإخباريين قصةً مختلفةً بشأن نبي الله داود ، بأن : التسع والتسعون امرأة ، وأن الخصمين ملكان ، فلا يليق أن ينسب إلى نبي الله شيئ من تلك التهم المأخوذة من الإسرائيليات ممن يكذبون على أنبياء الله ، ومنهم داود وسليمان ، التي لم يرد فيه حديث صحيح .
الرأي الصحيح :
والصحيح كما وردت على ظاهرها في الآية شريكان في الغنم اعتدى أحدهما على الآخر وتحاكما إلى داود عليه السلام .
45 ( وَٱذْكُرْ عِبَادَنَآ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِى ٱلأَيْدِى وَٱلأَبْصَارِ ) .
البلاغة في المجاز المرسل :
ذكر الأيدي مجاز مرسل عن القوة ، والأبصار جمع بصر بمعنى بصيرة وهو مجاز .
64 ( إِنَّ ذٰلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ ٱلنَّارِ ) .
البلاغة – التشبيه :
شبه تقاولهم وما يجري بينهم من السؤال والجواب بما يجري بين المتخاصمين .
75 ( قَالَ يا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْعَالِينَ ) .
البلاغة في التغليب :
بيدي : تغليب لليدين على غيرها حتى قيل : عمل القلب عملت يداك ، نصف الله بما وصف به نفسه ونقول : الكيف مجهول والإيمان به واجب ، وننزهه ربنا عن التشبيه أو التعطيل .
* وزير الأوقاف والشئون الإسلامية في دولة الكويت سابقاً .
[1] راجع هداية البيان ، ص : 339 ( راشد الفرحان ) .