ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله

حرية الرأي أو جريمة لا تغتفر ؟!
ديسمبر 15, 2020
حقائق مذهلة عن اعتناق الإسلام في البلدان الغربية
فبراير 21, 2021
حرية الرأي أو جريمة لا تغتفر ؟!
ديسمبر 15, 2020
حقائق مذهلة عن اعتناق الإسلام في البلدان الغربية
فبراير 21, 2021

صور وأوضاع :

ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله

محمد فرمان الندوي

يعيش الإنسان في هذه الدنيا ،  غافلاً عن غايته ، غير مكترث بعواقبه ، ويكون مسروراً بأعماله ونشاطاته ، ويحسب أنه يحسن إلى نفسه صنعاً ، وقيل : ” كل مجر في الخلا مسرور ” ، لكن كوارث الزمان تفضح أمره ، وتخذل شأنه ، فيكون حيراناً مشدوهاً ، ثم ينكشف أمامه أهو راكب على فرس أو على حمار ، لكن العاقل اللبيب يأخذ من الأهبة ما يكون زاداً له في المستقبل ، ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي عنهم بشره وخلقه ، فيكون هذا الرجل مجلياً في حلبة الرهان لا مصلياً ، وقديماً قال العرب : ” من مأمنه يؤتى الحذر ” .

يخادعون الله وهو خادعهم :

جاء الإسلام بالشريعة السمحة ، وهي توافق طبيعة الإنسان ، وتستوفي جميع متطلباته وأغراضه ، لكن  أولياء الشيطان ما زالوا يتربصون بها الدوائر ، وأتوا مقابل ذلك بنظم ونظرات مادية بحتة ، كانت كالسراب الخادع الذي يحسبه الظمآن ماءً ، فهذه الأيدلوجيات الغربية أمثال الاشتراكية ، والرأسمالية والنظم الاقتصادية ظهرت على منصة العالم ، وذاق الناس حلاوتها ومرارتها ، ثم برزت المدنية الحسية التي تتلخص في النفي والإنكار والاستخفاف بكل ما لا يأتي تحت الحس ولا تصدقه الحواس الظاهرة ، وهي تخضع للمظاهر والأشكال ، وكانت طبيعتها  التمتع بالملذات والمنافع ، وكانت الحضارة الرومية والحضارة الجاهلية قبل الإسلام مرآةً لهذه المدنية ، ثم نجمت على مسرح العالم المدنية العقلية التي تزن كل شيئ بالعقل والإدراك والفهم    البشري ، وأتت المدنية الإشراقية التي تركز على صفاء الروح وباطن القلب ، وإن كان ذلك على حساب النفوس والقلوب ، وكل ذلك بأسماء خادعة وعناوين معسولة .

وأخيراً ظهرت الحضارة الغربية لإسعاد البشرية ، وأحلها زعماؤها محل حضارة الإسلام ، وزعموا أنها خير بديل عن الإسلام ونظامه الشامل الكامل ، وهي تروي غليل الإنسانية ، وتشفي عليلها ، وتزيل  همومها وأحزانها ، وترفع عنها آلامها وأتراحها ، لكنها فشلت فشلاً ذريعاً ، ولم تستقر في صالح البشرية حيناً من الدهر ، فإن مؤسسيها أرادوا أن ينشئوا جنةً في الأرض ، لكنها انقلبت جحيماً ، ولا تزال تعود تبعاتها وأوضارها على الإنسانية ، وهي مكبلة بأغلالها .

وأحسن ما قال في هذا الشأن أحد الدعاة الإسلاميين : ” إن قيادة الرجل الغربي للبشرية قد أوشكت على الزوال ، لا لأن الحضارة الغربية قد أفلست مادياً ، أو ضعفت من ناحية القوة الاقتصادية والعسكرية ، ولكن لأن النظام الغربي قد انتهى دوره ، لأنه لم يملك رصيداً من    القيم ، يسمح له بالقيادة ….. ولقد أدت النهضة العلمية دورها ….. وكذلك أدت الوطنية والقومية التي برزت في تلك الفترة ، والتجمعات الطائفية عامة دورها خلال هذه القرون ، ولم تعد تملك هي الأخرى رصيداً   جديداً ، ثم فشلت الأنظمة الفردية والأنظمة الجماعية في نهاية المطاف ، ولقد جاء دور الإسلام ودور الأمة في أشد الساعات حرجاً وحيرةً  واضطراباً ، جاء دور الإسلام ، الذي لا يتنكر للإبداع المادي في    الأرض ، بل ويعتبره تحت شروط خاصة عبادة لله ، وتحقيقاً لغاية الوجود الإنساني ( معالم في الطريق : 4 – 5 ) وقال فقيد الدعوة الإسلامية الأستاذ محمد الحسني رحمه الله : ” الحياة في ( الغرب )  – يا أهل  الشرق – ليست كما نتصورها في بلادنا الفقيرة الضعيفة ، إنها لا تمت إلى السعادة بصلة ، ولم تذق طعمها يوماً من الأيام ، لقد أرادوها جنةً ، فانقلبت جحيماً ، وعذاباً أليماً ، أرادوها حريةً كاملةً وانطلاقةً واسعةً ، فراحت عبوديةً خانقةً ” ( الإسلام الممتحن : 140 ) .

لعل مثلها مثل القرد الذي وردت قصته في كليلة ودمنة من باب الأسد والثور :

” زعموا أن قرداً رأى نجاراً يشق خشبةً له راكباً عليها كالأسوار على الفرس ، وأنه كلما أوتد وتداً نزع وتداً فقدَّمه ، ثم إن النجار قام لبعض أموره ، فانطلق القرد يتكلف ما ليس من صنعته ، ولا من شأنه ، فركب الخشبة ، وجعل ظهره قِبل الوتد ، فتدلى ذنبه في ذلك الشق ، وعالج الوتد لينزعه ، فلما انترع انضمت الخشبة على ذنبه ، فخرَّ مغشياً عليه ، فلم يزل على تلك  الحالة حتى جاء النجار ، فكان ما لقي القرد من صاحبه من الضرب والعذاب أشد من ذلك . فهذا مثال من تكلف من القول والفعل ما ليس من شأنه ” .

الغلبة لصاحب الحق ولو بتأخير :

يسجل تاريخ الاستعمار الأوربي كثيراً من أمثال هذه الوقائع أن القوى المادية أرادت  الاستيلاء الكامل على ذخائر البلدان ونظمها السياسية والاجتماعية ، وبذلت لذلك محاولات مكثفةً ، ومجهودات كبيرةً من تضحية النفوس والأموال ، لكن مساعيها فشلت في فترة   قليلة ، في عقد أو عقدين من الزمان ، وخرج الاستعمار مولِّياً ظهره هارباً . فهذه أفغانستان حاولت الشيوعية فرض سيطرتها ، ونفوذ هيمنتها ، وفتحت لها خزائنها ودفائنها ، لتستولي على أهاليها ، وتبذر بذور الشيوعية في وهادها ونجادها ، لكن يا لسوء هذه النظرية أنها لم تفشل في أفغانستان فقط ، بل زهقت وفشلت في جميع دوائرها السياسية ، وبدأت الدول المستعمرة بها تتحرر رويداً رويداً – هذا في جانب – .

وفي جانب آخر ، نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في إقامة مخيماتها العسكرية في أرض أفغانستان ، بعد حادث الحادي عشر من شهر سبتمبر 2001م ، وكان الحادث كاذباً مزوراً ، وككذبة بلقاء كما شهدت بذلك الوثائق الصحفية ، لكن هذه المعسكرات الحربية بدأت تتراجع عن خططها واستراتيجياتها ، وما جرى من حوارات ومباحثات بين القيادة الأمريكية وحركة الطالبان في دولة قطر لا يخفى علينا ، وقد أفادت الأنباء أخيراً أن الولايات المتحدة الأمريكية قد أغلقت عشرة مطارات عسكرية في أفغانستان .

ويؤيد هذا الاتجاه ما وقع من هزيمة نكراء للرئيس دونالد ترامب وفوز الرئيس المرشح جوزف بايدن بأغلبية ساحقة ، في الانتخابات الحالية في أمريكا ، وقد نشر الإعلام العالمي أن ترامب قد روَّج اتجاه العنصرية في الولايات المتحدة الأمريكية ، وأحدث بوناً شاسعاً بين البيض والسود ، وأصدر بيانات ممزوجةً بالعنف والشدة ، ولا يزال يوجِّه التهم إلى لجنة الانتخابات ، لكن نتائج أصوات ولاية بنسلوانيا وجورجيا قد أثبتت أغلبية جوزف بائيدن ، ويرجى أنه يتقلد منصب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية في يناير عام 2021م .

وقد نقلت وسائل الإعلام أنباءً عن الصراع بين آذربائيجان وآرمينيا في ناغوري قرة باغ ، ولا شك أن هذه المنطقة المتنازع عليها كانت لآذربائيجان ، سيطرت عليها قوات آرمينيا ، وما زالت الجيوش الأرمينية والآذرية تتصارعان في هذا الأمر ، وأخيراً تم الاتفاق على تسليم  هذه المنطقة إلى آذربائيجان ، وهو دليل على أن الفوز والفتح يأتي لصاحب الحق لازماً ، ولو بتأخير .

محاولات المكر والدهاء كنسج العنكبوت :

من سنن الله في الأرض أن كل من مكر مكراً أو نسج خيوط المكر والدهاء لغيره كان عرضةً لها ، ووقع في حبالها ، إما عاجلاً أو آجلاً ، أراد قابيل استفضال نفسه على هابيل ، فلحق به العار والشنار إلى قيام الساعة ، وسار موسى عليه السلام بقومه بني إسرائيل ، وتبعه فرعون بخيله ورجله ، وأراد أن يسومهم سوء العذاب ، ويقتل أيديهم وأرجلهم من خلاف ، لكن أمر الله كان قدراً مقدرواً ، فنجا موسى عليه السلام بقومه ، وهلك فرعون في بحر القلزم مع جيشه العرمرم ، وجعله الله نكال الآخرة والأولى ، خرج أبو جهل في غزوة بدر ، وهو يتغطرس ويتجبر ، ويعتقد أن هذه المرحلة حاسمة للقضاء على دعوة رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، لكنه قُتل بيد غلامين صغيرين معاذ بن عفراء ومعوذ بن عفراء رضي الله عنهما ، مع سبعين رجلاً من صناديد قريش .

وقد نقل أصحاب السير والتراجم عن الصحابي الجليل المبشَّر بالجنة سعيد بن زيد رضي الله عنه ، وكان مستجاب الدعوات ، مرةً ادعت امرأة تدعى أروى بن أوس أنه ظلمها واعتدى على ملكها ، فأبى سعيد ذلك عن نفسه ، وأراد أن تظهر براءته من هذا الفعل أمام    المسلمين ، فدعا الله عز وجل ، وقال : اللهم إن كانت علي كاذبةً فأعم بصرها ، واقتلها في أرضها ، وأظهر لي نوراً مبيناً للمسلمين ، فشاء الله عز وجل أن تموت تلك المرأة بوقوعها في حفرة من أرضها بينما هي    تمشي في أرضها ، وأما موت سعيد بن زيد فكان في واحد وخمسين للهجرة ، وعمره حينها بضعة وسبعون عاماً ( متفق عليه ) .

وقد شهد القرآن الكريم بهذه الحقيقة الناصعة بقول الله تعالى : وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى ٱلأُمَمِ فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً . ٱسْتِكْبَاراً فِى ٱلأَرْضِ وَمَكْرَ ٱلسَّيِّئِ وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ آلأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَحْوِيلاً ( فاطر : 42 – 43 ) .