من أبعاد التواصل في الآداب العالمية :

تجليات التناص القرآني في روايات يوسف السباعي
نوفمبر 5, 2022
فلسفة ” الحياة والموت ” في الشعر العربي القديم
يناير 9, 2023
تجليات التناص القرآني في روايات يوسف السباعي
نوفمبر 5, 2022
فلسفة ” الحياة والموت ” في الشعر العربي القديم
يناير 9, 2023

سرديات الإسرآء بين المعري ودانتى وغوطه وإقبال

( الحلقة الأولى )

دراسات وأبحاث :

من أبعاد التواصل في الآداب العالمية :

سرديات الإسرآء بين المعري ودانتى وغوطه وإقبال

( الحلقة الأولى )

بقلم : أ . د . محمد ثناء الله الندوي *

توطئة :

انطلاقاً من تأكيد مبادئ الإسلام للعودة الإيجابية إلى الهوية الإنسانية دون تشويه للذات الفردية والانتماء الاجتماعي والبيئي والوطني تأسست الحضارة الإسلامية على مناشدة التقدم والحق والعدل بمناغمة الفطرة والعقل معاً . إن توكيد الذات الإنسانية الذى جسَّده القرآن الكريم شكلاً ومضموناً والمتمخّض عن تأسيس رؤيوي متضارب في أبعاد ميتافيزيقية وكونية منقطع القرين في تاريخ الإنسانية انعكس جزء منه في قصة الإسرآء والمعراج التي جعلت الفكر الفلسفي يقتبس من هيكلها المفاهيمي جذوات يصطلى بها تنظير مواقفي فلسفي وصوفي ، منها منظومة العقل أو اللوغوس ومنظومة الإنسان الكامل ، كما جعلت مهندسي الحروف يتخذونه قاعدة للمنطلق التعبيري حول عظمة الإنسان ، منتهجين في ذلك طرائق في التأليف والكتابة والإبداع ، حيث ارتقى التصور إلى فضاء الفكر الأرحب بمعالجة المسائل الفلسفية والصوفية والأدبية في الأدبين العربي والفارسي ، ومنهما إلى أدبيات اللغات الأوربية .

لقد تحوّلت قصة الإسرآء والمعراج المشار إليها في القرآن الكريم  ( سورة الإسراء وسورة النجم ) والمذكورة بتفاصيل في الصحاح الستة وسواها إلى بنية فنية للسرديات الأدبية في العالم بداية من ” رسالة الغفران ” للشاعر والفيلسوف أبي العلاء المعري ( 363 – 449هـ/ 973 – 1057م ) الذي جاء سرده الإسرائي رداً على رسالة ابن القارح الحلبي ( 962 – 1030م ) أجابه فيها على بعض القضايا يتمظهر سجلاً لثقافته الغزيرة وإحاطته الواسعة لعلوم عصره الأدبية منها واللغوية . أما قصص المعراج في الأدب الفارسي عديدة ، منها : ” سِيَر العباد إلى المعاد ” للحكيم السنائي الغزنوي ( ت 545هـ/1150م ) و ” رسالة الطير ” لحجةالإسلام أبي حامد محمد بن محمد الغَزَّالي ( 450 – 505هـ/1058 – 1111م ) ، ومنظومة     ” منطق الطير ” للمتصوّف الفارسي الشهير فريد الدين العطار ( 545 – 627هـ/1150 – 1229م ) المبنية على  المزدوج/ المثنوي في قالب شعري قصصي ، التى تعد من أعظم الآثار في الأدب الصوفي ( إذ بلغت نحو4650 بيتاً ، وكان قد نظمها سنة 583هـ/1187م ) . ولعل فيما يدل على مصطلح المثنوي أنه بني على المقابلة الثنائية شكلاً ومعنىً ؛ في الإيمان والاعتقاد بالجنة والنار ، والليل والنهار . ‏والعطار تأثر على نحو كبير برسالة الطير لكل من ابن سينا والغزالي ، في الوقت الذي اتفق فيه مع رسالتي ( الغفران والتوابع والزوابع ) في منطلق الرحلة ، وهو المنطلق الذي قامت عليه قصة المعراج النبوي في استصحاب هادٍ ومرشد .‏ وإذا كان ابن سينا قد عبَر جبالاً ثمانيةً لمقابلة الملك فإن الأودية والطرق عند الغزالي والسنائي والعطار سبعة ، وهي ترمز إلى المقامات السبعة في التصوف ، وطرقها .‏ وكان العطار قد نظم الرحلة على ألسنة طيور حقيقية كالهدهد والنَّهْس والصقر وغيرها ؛ ولم يختر إلا طيراً خرافياً واحداً هو  ( السِّيْمُرغ ) ورمز فيه إلى ملك قوي ، وهو عند الإيرانيين بمنزلة العنقاء عند العرب . الغزالي استخدم العنقاء في ” رسالة الطير ” استخداماً رمزياً في الوقت الذي استعمل مصطلح ( الطيور ) للدلالة الرمزية على المتصوفة وطرقهم ومذاهبهم .‏ والأودية السبعة هي : الطلب والعشق والمعرفة والاستغناء والتوحيد والحَيْرة وأخيراً وادي الفقر والغناء كناية عن السموات السبع في قصة المعراج النبوي ، على حين ترمز إلى المقامات السبعة عند أهل التصوف كمراحل لتصفية أرواحهم ليحظوا في نهاية المطاف بعد اجتياز الوادي السابع ( الفقر والغناء ) بالحَضْرة الإلهية ؛ علماً أن الهُدْهُد يرمز إلى جبريل ، والسيمرغ يرمز إلى ملك قوي صابر يتجلى في المرآة عن توحده مع الله . فهو يمثل الطيور الثلاثين التي سلكت الأودية السبعة ووصلت إلى جبل ( قاف ) وحظيت بالوصول إلى الحضرة الإلهية .‏ والسالك من المتصوفة – الطيور – يصمم على قطع الأودية ؛ مهما كانت صعوبتها ووعورتها ، لأن اليأس لا يتسرب إلى نفوس المؤمنين ، لينتهي به المطاف في مقام الشهود إلى التجلي والاتحاد .

كما لا يقلّ ولوع الشرق غير العربي بالإسرائيليات ، فشعر محمد إقبال ( 1938 – 1877 ) ، وهو صاحب أكبر مدرسة شعرية في شبه القارة الهندية ، وديوانه ” جاويد نامه ” من أنفس الدواوين التى تؤرخ لهذه الظاهرة في سياق عالمي ، إذ أنه بارى به دانتي ( 1265 – 1321 ) في كوميديته المشهورة . والحوار الذي بدأه يوهان فلفانج فون غوته ( 1749 – 1832 ) بين الغرب والشرق في ديوانه الغربي – الشرقي ( West-Östlicher Diwan ) المفعم بالرموز والصور الشرقية والأفكار الغربية ، رد عليه محمد إقبال في ديوانه بيام مشرق ( رسالة المشرق ) . وقد أحال إقبال في أعماله الشعرية والفلسفية إلى عدد من الشعراء والفلاسفة ، منهم المعري وابن عربي ، وهو معجب أشد الإعجاب بجلال الدين الرومي الذي يذكره بـ ” المرشد الرومي ” ، وتتجلى أهمية السرديات الإسرائيلية في شعر إقبال في سياقها العالمي لمجاراته مع دانتى وغوطه ، وتفوقه عليهما بحكم ثقافته التي جمعت بين أصالة الوعى والعبقرية الفنية والتعددية اللغوية . ومن بين القواسم المشتركة بين ” رسالة الخلود ” و ” رسالة الغفرانِ ” محاكمةُ الزنادقة ، فإذا كان المعري قد حاكم بشاراً وأمثاله فإن محمد إقبال حاكم ثلاثة من الزنادقة حين وصل إلى فلك المشتري وهم المنصور الحلاج ، والشاعر الهندي أسد الله غالب ( 1797 – 1869م ) وشاعرة المذهب البابي في إيران قُرّة العين الطاهرة ( 1817 – 1852م ) التي أُعدمت سنة 1852م لاعتناقها هذا المذهب . أما التقاؤهما بالمعراج النبوي فتمثّل بعدم الرضا بهذا العالم والتوجه إلى الذات الإلهية . وهي الفكرة التي يلتقي فيها الصوفي الكبير محيي الدين محمد بن علي بن محمد بن عربي ( 560 – 638هـ/1164 – 1240م ) ، ولا سيما في كتابه المعروف ( الإسراء إلى مقام الأسرى ) .

تتصدّر سرديات دانتى وغوطه الإسرائيلية الشهيرة ( الكوميديا الإلهية وفاوست ) في سياق الاستلهام من الثقافة العربية والإسلامية . يكاد يتفق مؤرخو الآداب العالمية على أن دانتى أليجيري ( 1265 – 1321 ) أكبر شاعر في العصور الوسطى [1] . بدأ حياته الشعرية مقلداً للتروبادور الذين انتقل شعرهم إلى إيطاليا من إسبانيا وفرنسا ، ومعروف ما تأثروا به من شعريات الموشحات والأزجال في الأندلس . واشتهر دانتى بعمله                ” الكوميديا الإلهية ” الذي يتمثل ثمرة للتطور الفكري والسياسي والفني للمؤلف ، بل سجلا لثقافة العصور الوسطى بأسرها ، وصلة الوصل بينها وبين ثقافة عصور النهضة التي صاغت خوارزميات التطور الأدبي لإيطاليا وأوربا الغربية بكاملها . والكتاب في أجزائه الثلاثة ( الجحيم والبرزخ والفردوس ) عمل موسوعي يمثل الشاعر والفيلسوف والعالم والسياسي والكاتب الاجتماعي المجتمعين في شخصية دانتى ، والمحللين لأسرار اللاهوت والملكوت والجبروت والناسوت . وهو خلاصة تجربة شاملة وعميقة لخيط حياتي إبداعي طويل يضمن فيه ثقافة العصر وعلومه وقضايا الإنسان والفن والكلمة .

البحث عن سرديات الإسرآء والمعراج في الآداب العالمية مرتبط أساساً بتحليل ظاهرة الاستلهام الفكري والشعري والأدبي ، أو ظاهرة قيام شاعر ، يكتب بلغة أخرى ، باستعارة فكرة ما أو موضوع ما أو حكاية ما عن شاعرٍ آخر يكتب بلغة أخرى ، سبق له أن عالج تلك الفكرة أو ذلك الموضوع أو تلك الحكاية في شعره . إنها ظاهرة قديمة قدم الإنتاج الفكري الإنساني . معروف أن مساءلات السياق والإحالة حظيت بأهمية كبيرة في جميع الأزمنة ، ولكنها تعاود جدلها بقوة وحيوية بالغتين في زماننا المعولم الذى يبدئ جدية في الخوض في الحوار بين الثقافات بمبادئ لا تخلو من النفسية القروسطية المريضة وبالتالي محتاجة إلى التقويم .

قصة الإسراء والمعراج في الإسلام :

الإسراء والمعراج رحلة تلاحقت فيها أبعاد الناسوت مع أقرانها في الجبروت والملكوت واللاهوت ، هي رحلة خاصة أكرم الله بها رسوله سيدنا محمد بن عبد الله الأمين ( صلى الله عليه وسلم ) . الإسراء في الإسلام تعبير عن توجه نبينا ليلاً من مكة المكرمة إلى بيت المقدس ، حسبما ورد في الآية الأولى من سورة الإسراء : ( سُبْحانَ الذي أسْرَى بعَبْده ليْلاً ، مِنَ المسجِدِ الأقْصى الذي بَارَكْنَا حَولَهُ ، مِنْ آياتنا ، إنَّه هُو السَّميع البَصير ) ، بينما المعراج يعني صعود النبي من بيت المقدس إلى السماوات العلى وما فوقها ، ورجوعه منها إلى بيت المقدس ، ثم عودته إلى مكة المكرمة من ليلته تلك قبل الفجر . ووردت الإشارة إلى المعراج في الآيات 1 – 18 من سورة النجم ، بقوله تعالى : ( والنَّجْمِ إذا هَوى ، ما ضلَّ صاحبُكم وما غَوى ، وما ينطقُ عَن الهَوى ، إنْ هو إلا وَحيٌ يُوحى ) إلى قوله تعالى : ( وهو بالأفق الأعلى ، ثم دَنا فتدلّى ، فكان قابَ قوسين أو أدنى ، فأوحى إلى عبده ما أوَحى ، ما كذَب الفؤادُ ما رأى ) ، ثم قال تعالى : ( وَلَقدْ رآه نَزْلةً اُخرى ، عِنْد سِدْرة المُنْتَهَى ، عِندْها جَنَّةُ المأوى ، إذ يَغْشَ السِّدْرة ما يَغشْ ، ما زاغَ البصرُ وما طَغَى ، لَقَد رَأَى مِن آَيات ربّه الكُبْرى ) . الإسراء والمعراج من المعجزات المحمدية التي دلت على نبوَّته ، وصدق رسالته . وتتلخص القصة بأن النبي صلى الله عليه وسلم عرج إلى السماوات السبع يصحبه جبريل عليه السلام هادياً ومرشداً . وقد رأى النبي في السماء الأولى ( آدم ) وفي الثانية ( يحيى وعيسى ) وفي الثالثة ( يوسف ) وفي الرابعة ( إدريس ) وفي الخامسة ( هارون ) وفي السادسة ( موسى ) وفي السابعة ( إبراهيم ) – عليهم صلوات الله أجمعين – . وكان ( صلى الله عليه وسلم ) قد رأى في كل سماء أشياء تأسس في ضوئها جملة من الأوامر والنواهي . ومن ثم انتهت رحلة المعراج إلى سِدْرة المنتهى وفق قوله تعالى : ” لَقَد رَأَى مِن آَيات ربّه الكُبْرى ” [2] .

لا خلاف بين العلماء في أن الرحلة حدثت في مكة المكرمة قبل الهجرة ، واختلفت الآراء في اليوم والشهر والعام : 17 ربيع الأول قبل عام من الهجرة ( ابن سعد عن الواقدي ) ، 27 ربيع الأول قبل عام من الهجرة   ( إبراهيم بن إسحاق الحربي ) ، قبل 18 شهر من الهجرة ( مسلم بن   قتيبة ) ، 7 ربيع الأول قبل عام من الهجرة ( عمرو بن شعيب عن عمرو بن العاص ) ، 16 أو 17 أشهر قبل الهجرة ( سدي ) ، شهر رجب ( ابن قتيبة الدينوري ، ابن عبد البر ، الرافعي ، النووي ، عبد الغني المقدسي والزرقاني ) ، وترجح الآراء القائلة بوقوعها في ربيع الأول قبل عام أو سنة ونصف سنة ، أو في رجب ، فهي وقعت قبل عام وسبعة أشهر من الهجرة [3] . وردت القصة في الصحاح مثل البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة ، ورواها عدد كبير من الصحابة : 45 صحابياً كما يخبر الزرقاني ، أهمهم أبو ذر ومالك بن صعصعة وأنس بن مالك وعبد الله بن عباس وأبو هريرة وجابر بن عبد الله وعبد الله بن مسعود . وصرح مالك بن صعصعة وأبو ذر أنهما سمعا القصة من النبي صلى الله عليه وسلم [4] . ورواية مالك بن صعصعة تضيف تفاصيل أخرى مثل وقوعها بين النوم واليقظة في الحطيم أو الحجر ، ووصف البراق وسواها . واختلفت الآراء في تفاصيل المعراج التي وردت في كتب مثل تفسير ابن أبي حاتم وتفسير ابن جرير الطبري ودلائل النبوة للبيهقي ومؤلفات ابن عساكر ، والحاكم ، لأن عجائبها من مرويات أبي جعفر الرازي وأبي هارون العبدي وخالد بن يزيد بن مالك . الأول ثقة ولكنه لا يتحرى في رواية الأحاديث الضعيفة ، أما الثاني والثالث فهما من القصاص الكذابين [5] ، كما اختلفت الآراء في من رآه النبي صلى الله عليه وسلم في سدرة المنتهى عندما كان قاب قوسين أو أدنى : هل رأى الله تعالى شأنه ، أو رأى جبريل عليه السلام ، وفوق ذلك كله : هل كان المعراج جسمانياً أو روحانياً ؟ بينما تثبت رواية البخاري عبد الله عباس كون القصة مشاهدة عين ، تثبت رواية أنس بن مالك أنها وقعت بين النوم واليقظة . ذكر ابن هشام والطبري وابن إسحاق أن المعراج من الرؤيا الصادقة لدى عائشة ومعاوية رضى الله عنهما [6] . وذكر القاضي عياض أن الإسراء كان في اليقظة في رأي ابن عباس وجابر وأنس وحذيفة وأبي هريرة ومالك بن صعصعة وأبي حبة البدري وابن مسعود وضحاك وسعيد ابن جبير وقتادة وسعيد بن المسيب وابن شهاب الزهري وإبراهيم النخعي ومسروق ومجاهد وعكرمة وابن جريج وابن زيد وحسن ، إضافة مدلول قول عائشة ، والطبري وابن حنبل [7] . يقول العلامة الشاه ولي الله الدهلوي : وأسرى به إلى المسجد الأقصى ثم إلى سدرة المنتهى وإلى ما شاء ، وكل ذلك بجسده في اليقظة ، وذلك في موطن هو برزخ بين المثال والشهادة جامع لأحكامهما ، فظهر على الجسد أحكام الروح ، وتمثل الروح والمعاني الروحية أجساداً ” [8] .

وهناك مرويات ابن أبي حاتم ( 854 – 938م ) وابن جرير الطبري ( 839 – 928م ) وأبي بكر البيهقي ( 994 – 1066م ) وعبيد الضرير     ( 845 – 926هـ ) [9] ، إضافة المرويات الصوفية الإسرآئية أبي يزيد البسطامي ( 804 – 874م ) والشيخ الأكبر محي الدين ابن عربي ( 1065 – 1240م ) ، وأبي القاسم القشيري ( 376 – 465هـ/986 – 1074م ) وسواهم . والإسرآئيات الأدبية لدى ابن شهيد الإشبيلي ( 382 – 426هـ/1035م ) وأبي العلاء المعري ( 973 – 1057م ) كل هذا يشكل بنية السرديات الإسرآئية في تاريخ الإسلام العربي . أما التاريخ الإسلامي خارج العروبة فهناك إسرآئيات هامة مثل إسرآئيات عمر الخيام ( 1048 – 1131م ) وحافظ الشيرازي ( ت 585هـ/1390م ) وابن الفارض ( 1181 – 1234م ) وجلال الدين الرومي ( 1207 – 1273م ) وشاعر الإسلام والشرق العلامة محمد إقبال ( 1877 – 1938م ) .

تحتل قصة الإسراء والمعراج أهمية دينية في الإسلام ، لأنها تبين قدسية المسجد الحرام ، والمسجد الأقصى ، لانبعاث الأنبياء منهما ، مع الصلة الوثيقة بينهما ، ولأنها فرضت فيها الصلاة على المسلمين . وفحوى القصة أن جبريل عليه السلام أيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بهذه الرحلة ، وجهَّزه لذلك ، وقدَّم له البُراق ( وقد وصف بأنه دابة بيضاء ) فركبه ، ورافقه جبريل في رحلته ، حتى وصلا إلى بيت المقدس ، وهناك صلى النبي ركعتين إماماً بالأنبياء ، ثم جيئ بالمعراج ( وهي آلة العروج ) فارتقاه النبي إلى السموات السبع ، حيث استقبلته الملائكة ، والتقى عدداً من الأنبياء ، إلى أن وصل إلى سِدْرةِ المنتهى ، ” وهي التي ينتهي إليها ما يعرج من الأرض فيقبض منها ، وينتهي إليها ما يهبط من فوقها فيقبض منها ” . ( كما جاء في صحيح مسلم ) ، ثم وقف جبريل في مكانه ، وارتقى النبي حتى سمع كلام الله تعالى مباشرةً ، وأوحى إليه ما أوحى ، وتلقى أمر الله سبحانه وتعالى بفريضة الصلاة ، مما يبين أهمية الصلاة في الدين . ورأى النبي في هذه الرحلة الجنة والنار والعرش .

وفي الصباح أخبر النبي صلى الله عليه وسلم قريشاً بما جرى ، فدُهشوا لذلك ، وطلبوا منه وصف بيت المقدس وأبرز معالمه ، فأظهر الله سبحانه له تلك المدينة ، فعرّفها ، ووصف المسجد الأقصى بدقة ، فلم يعترض عليه أحد ممن كان يأتيهما في طريقه إلى الشام ، ويعرفهما حق المعرفة ، وأخبرهم عن بعض القوافل التي رآها ، وما جرى لبعض إبلها ، وموعد قدومها ، فكان كما قال . ومع ذلك فقد كذبه نفر من أهل مكة ، وتشكك آخرون في الأمر ، وازداد المؤمنون إيماناً ، وأقسم      أبو بكر رضي الله عنه على صدق النبي بما أخبر به ، فلقب بالصِّدِّيق .

( للبحث صلة )


* رئيس القسم العربي ، جامعة علي كره ، أترابراديش ، 202002 ، الهند ، Email: sanaullahnadawi@gmail.com

[1] راجع كتابينا :The Arab Legacy in Latin Europe (Aligarh: Samia Publications, 2003), The Arab-Romance Parnassus (Aligarh: Muslim University Press, 2004)

[2] النجم : الآية 18 .

[3] أنظر الزرقاني ( أبو عبد الله محمد بن عبد الباقي بن يوسف بن أحمد بن شهاب الدين بن محمد الزرقاني المالكي ، المتوفى : 1122هـ ) : شرح المواهب اللدنية بالمنح المحمدية للشيخ أحمد بن محمد القسطلاني ( بيروت : دار الكتب العلمية الطبعة : الأولى 1417هـ – 1996م ، 1/355 – 358 ، العيني ( بدر الدين أبو محمد محمود بن أحمد العيني ) : عمدة القاري في شرح البخاري ( دار الكتب العلمية : 1421هـ/2001م ) ، 3/681 ، 8/80 .

[4] سر سيد أحمد خان : مقالات ، تحقيق محمد إسماعيل باني بتي ،  ص 617 – 690 .

[5] سليمان الندوي : سيرة النبي ( أعظم كره : دار المصنفين ، 1974 ، 3/419 .

[6] الطبري ( أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري المتوفّى سنة 310 هـ ) : جامع البيان في تفسير القرآن ( بيروت : دار الفكر ، 1978 ) ، 15/1 – 51 .

[7] القاضي عياض ( القاضي عياض ، أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي المالكي ( ت 544هـ ) : الشفاء بتعريف حقوق المصطفى ( بيروت : دار الفكر ، 1423هـ/2002م ) ، ص 85 – 86 .

[8] الشاه ولي الله بن عبد الرحيم الدهلوي ( ت 1762م ) : حجة الله البالغة ( دلهي : 1286هـ – 1869م ) ، باب الإسراء ، ص 387 .

[9] أنظر : عبيد الضرير : كتاب نزهة الناظرين في تفسير آيات من كتاب رب العالمين           ( القاهرة ، 1317هـ ) ، ونجم الدين الغيطي : كتاب المعراج الكبير ( القاهرة : 1324هـ ) .