مكانة القرآن الكريم في التشريع الإسلامي

المذهب الشافعي : مصادره ومراجعه
يناير 2, 2022
المذهب المالكي : مصادره ومراجعه
فبراير 7, 2022
المذهب الشافعي : مصادره ومراجعه
يناير 2, 2022
المذهب المالكي : مصادره ومراجعه
فبراير 7, 2022

الفقه الإسلامي :

مكانة القرآن الكريم في التشريع الإسلامي

الدكتور عبد الحي الحسني الندوي *

الأستاذ محمد إسماعيل الحسني §

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . . . وبعد!

فإن هذا البحث حول موضوع ” مكانة القرآن الكريم في التشريع الإسلامي ” يبين أهمية القرآن الكريم في التشريع الإسلامي ودوره في تنظيم الأحكام الشرعية ، حيث إن القرآن الكريم هو أول مصدر إسلامي يشتمل على جميع كليات الشريعة ومبادئها ومقاصدها .

فقد دل القرآن بنفسه على ذلك بقوله تعالى : ” وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ” [1] .

التشريع هو مصدر من شَرَّعَ بالتشديد بمعنى سنّ الأحكام والقواعد للناس وهو جملة الأحكام والقواعد التي سنها الله تعالى   لعباده ، والتي أنزلها على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، مما يتعلق بأحكام العقيدة ، والعبادات ، والمعاملات والأخلاق . وهذا ما يُعنَى بكلمة الدين في قول الله تعالى : ” الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ” [2] وهو الذي ما نسميه بـ ” علم الفقه ” بناحية من نواحٍ متعددة لدين الله عز وجل . فعلم الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية العملية المستنبطة أي المُستخرجة من أدلّتها التفصيلية [3] .

وإن علم الفقه من أشرف العلوم قدراً وأعظمها أجراً وأعمها نفعاً وهو طريق الخير كما نطق به الصادق المصدوق صلوات الله عليه وسلامه فقال : ” من يرد الله به خيراً يفقّهه في الدّين ” [4] . وجعل التفقّه في الدين فرض عين على كل مسلم بالغ عاقل ، فمن هنالك اهتم به علماء الإسلام بالغ الاهتمام وحثوا على المعرفة والإلمام بعلم التشريع والأحكام    الشرعية ، وإن من أسباب النجاة والسعادة في الدينا والآخرة أن يوفَّق العبدُ إلى حسن التعبد لله ، فهي الغاية من خلق الخلق كما يقول سبحانه وتعالى : ” وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ” [5] .

وهذه العبادة لا سبيل إلى تحقيقها إلا بالتعلم والتفقه في دين الله عز وجل ، ومعرفة الحلال والحرام والتمييز بين الجائز والممنوع ، إذ قد جرت العادة على ألاّ يقدم الإنسان على عمل حتى يكون على دراية وعلم بالطريقة التي يؤدى بها ذلك العمل على الوجه الصحيح ، فكيف إذا كان هذا العمل عبادةً لله يتوقف عليها فلاحه في الدينا ونجاته في الآخرة ؟

وما أجمل ما قاله الحافظ ابن حجر رحمه الله بعد ذكر الآية      ” وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا ” [6] : ” هذه الآية واضحة الدلالة في فضل العلم لأن الله تعالى لم يأمر نبيه بطلب الازدياد من شيئ إلا من العلم ، والمراد بالعلم : العلم الشرعي الذي يفيد معرفة ما يجب على المكلف من أمر دينه في عباداته ومعاملاته والعلم بالله وصفاته وما يجب له من القيام بأمره وتنزيهه عن النقائص ، ومدار ذلك على التفسير والحديث والفقه ” [7] .

وصف القرآن عن نفسه :

القرآن الكريم كتاب هداية ، يهتدي به من قرأه وحفظه وتدبر معانيه واتعظ بما فيه فتلزمه الحجة كما ورد في صحيح الحديث :         ” القرآن حجة لك أو عليك ” ، ولذا كان تدبّره واجباً حتى يفتح مغاليق القلوب وتستنير به الأفئدة ويقود الناس إلى الوقوف عند حدوده والعمل بما فيه : ” كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ ” [8] ، وقال تعالى : ” أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ” [9] ، وأيضاً قال : ” كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ” [10] .

وله من روعة التنزيل وجلال الأحكام والمواعظ ما تتصدع منه الجبال الرواسي ، ولكن الله امتن على عباده فجعل القرآن ربيع قلوبهم وجلاء بصائرهم ونور حياتهم : ” لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ” [11] ، وروي عن عليّ رضي الله عنه قال : ” أَمَا إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : ‏”‏ أَلاَ إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ ‏”‏‏ ، فَقُلْتُ مَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : ‏”‏ كِتَابُ اللَّهِ ، فِيهِ نَبَأُ مَا كَانَ قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ هُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ وَمَنِ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ هُوَ الَّذِي لاَ تَزِيغُ بِهِ الأَهْوَاءُ وَلاَ تَلْتَبِسُ بِهِ الأَلْسِنَةُ وَلاَ يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ وَلاَ يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ وَلاَ تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ هُوَ الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الْجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ حَتَّى قَالُوا ‏: “‏ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا . يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ “‏ ، مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ” [12] .

القرآن الكريم والتشريع :

القرآن كتاب إعجاز يتحدى بفصاحته وبلاغته فصاحة العرب وبلاغتهم ، وإنه لم يأت ليكون فقط كتاب إعجاز وتحدّ في فصاحته وبلاغته وأسلوبه ومعانيه ولكنه بجانب التحدي والإعجاز يهتم اهتماماً بالغاً بتقرير أصول الدين ، وفي قمتها الإيمان بوحدة الخالق الأعظم والبعد عن إثم الشرك وانحطاطه ويهتم بالحث على الإيمان بالرسول واتباعه ، قام ببيان أسس الإسلام كالإيمان بالملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر والصلاة والصيام والحج والزكاة ويتخذ القرآن عناية تامة بالحديث عن مكارم الأخلاق واتباع أسمى الفضائل .

والقرآن الكريم ، من بين ما أنزل الله تعالى من عنده لهداية الإنسانية ، مصدر وحيد في الأرض يصح أن ينسب بكل ثقة واطمئنان إلى الله سبحانه وتعالى من حيث صحتُه وموضوعاتُه وإعجازُه في أسلوبه ومعانيه عدا أن يكون محفوظاً من زيادات وألاعيب أيدي المتمردين والمدّعين بأنهم أهل الكتاب السماوي . وبهذا أصبح المصدرَ الأولَ والأصيل للتشريع الإسلامي وما عداه من المصادر الإسلامية المتفق عليها والمختلف فيها إنما هي مصادر تابعة له وثانوية ، أو مصادر مجازية أخذت روحها التشريعية من القرآن الكريم نفسه ، لأنها في ثبوت حجيتها محتاجة للقرآن ومتوقفة عليه .

التشريع القرآني مفصلاً ومجملاً :

التشريع القرآني ينقسم إلى قسمين : مفصل ومجمل .

وقد ورد التشريع المفصل في الأمور التي يمكن أن تكون مثارَ صراع على مر التاريخ ، وكان الهدف القرآني من تفصيلها وضع حد لهذا الصراع ، وذلك كأمور المال وأمور المرأة ففصّل القرآن مسائل المواريث ومسائل الدَّين تفصيلاً لا يدع أي صراع ولا خلاف بين المؤمنين كما ورد في الكلام الإلهي عن مسألة الميراث :

” وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۚ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ  وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم ۚ مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ ۚ فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِن ذَٰلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ ۚ وَصِيَّةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ ” [13] .

وورد في أمر الدَّين :

” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ” [14] .

وأما التشريع المجمل فقد ورد كثير من الأمور في القرآن الكريم وفصّل الرسول صلى الله عليه وسلم عنها في عهده كلما دعت الحاجة إلى تفصيلها ، ومن الأمور التي وردت مجملةً وفصّلها الرسول صلى الله عليه وسلم مسائل الصلاة والزكاة والحج فقد وردت مجملةً فصلى الرسول أمام أصحابه وقال لهم : ” صلوا كما رأيتموني أصلي ” ، وحدّد الأشياء التي تجب فيها الزكاة وأنصبتُها الواجبة تفصيلاً لما ورد في القرآن من فرضية الزكاة ، وحجَّ بالناس وقال لهم : ” خذوا عني مناسككم ” . وتفصيل الرسول لهذه التعليمات المجملة كان تابعاً لقوله تعالى : ” وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ” [15] .

فيتّضح أن بعض الأشياء وأحكامها وردت مفصلةً في القرآن ووردت أخرى فيه مجملة وفصّلها الرسول صلى الله عليه وسلم بأقواله أو أفعاله أو إقراره ، فأما ما جاء من الأحكام مفصلةً فهي تلك الأمور التي تتناسب مع كل زمان ومكان مثل مسائل المواريث ومسائل الدَّين وأمثالهما ، وأما ما ورد فيه مجملةً وفصّلها الرسول صلى الله عليه وسلم فهي الأشياء التي يتغير حكمها بتغير الزمان والمكان في حين ، والحاجة أو الضرورة حسب العرف والعادة تدعو إلى تغير حكمها في حين آخر ، فأجمل الشارع في ذكر أحكام تلك المسائل بدون تفصيل ، والمصادر الثانوية من المصادر التشريعية تبين وتفصل ما أبهم القرآن حسب الزمان والمكان والحال .

قطعية الثبوت والدلالة :

إن نصوص القرآن كلها قطعية الثبوت لا ريب في صحتها لوصولها إلينا بطريق التواتر ولقوله تعالى : ” إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ” [16] إلا أن دلالة هذه النصوص على الأحكام ليست دائماً قطعيةً ، وإنما قد تكون قطعيةً إذا لم يحتمل النص إلا تفسيراً واحداً كما نجد في أغلب آيات المواريث ، وقد تكون ظنيةً لاحتمال النص أكثر من تفسير واحد كقوله تعالى : ” فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ” [17] فقد عدّها زيد بن ثابت آيةً مطلقةً وقيّدها بعدم وجود الزوج أو الزوجة فإذا وجد الزوج أو الزوجة مع الأبوين فإن للأم الثلث الباقي بعد نصيب أحد الزوجين ، فدلالة النص القرآني على الحكم هنا دلالة ظنية عامةً تحتاج إلى الحديث أو الاجتهاد لتحديدها .

ويمكن أن يكون النص القرآني ظني الدلالة إذا احتمل أكثر من معنى واحد وفيه مجال لترجيح بعض المعاني على بعض كلفظ قرؤ في قوله تعالى : ” وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ” [18] فإنه يحتمل أن يكون المراد به الحيض والطهر ولهذا اختلف الفقهاء في عدة المطلقة ، أهي ثلاثة أطهار أم ثلاث حيضات ؟ فكل منهم رجح رأيه بوجوه من أوجه الترجيح كما هو مبسوط في كتب الفقه .

هناك آيات كريمة تحدد عقوبة السارق وعقوبة الزاني ، وتحديد الحكم في هذه الآيات قاطع فهل ننفذ هذه العقوبة عند حدوث السرقة أو الزنا ؟ إننا لا نستطيع تطبيق هذا الحكم إلا بعد التـأكيد من شروط دقيقة مثل النصاب في السرقة وعدم الشبهة وعدم الحاجة الماسة . . . وهذا التطبيق مرتبط باستيفاء هذه الشروط .

الخاتمة :

يتبين من خلال هذا البحث ما للقرآن الكريم من أهمية عظمى في التشريع الإسلامي ، وهو أصل الدين ومصدر التشريع الأول ومنبع الصراط المستقيم ومعجزة النبي صلى الله عليه وسلم العظمى وآياته الباقية على وجه الدهر . وهذه المرتبة حددتها آيات القرآن الكريم نفسها ونصوص السنة المطهرة ، وإجماع الأمة ، وكذلك المنطق المعقول .

فيحسن الختام بقول الله تبارك وتعالى بعد حديثه عن التوراة وأهلها : ” وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ” ، وفي آية أخرى : ” وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ” ، وبعد الكلام عن الإنجيل قال :    ” وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ” . فعلى كل مسلم أن يعرف حقه ، وأن يراعي حرمته ويتلو كتاب الله تعالى آناء الليل وآناء النهار ويتفكر في تشريعه ويتدبر في أحكامه .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .

المصادر والمراجع :

  1. القرآن الكريم .
  2. صحيح البخاري .
  3. صحيح مسلم .
  4. إعلام الموقعين عن رب العالمين ، لابن قيم الجوزية .
  5. كيف نتعامل مع القرآن العظيم ، ليوسف القرضاوي .
  6. تاريخ التشريع الإسلامي وتاريخ النظم القضائية في الإسلام ، للدكتور أحمد شبلي .
  7. التسهيل في فقه العبادات على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ، لوحدة البحث العلمي ، إدارة الإفتاء ، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت .

* الأستاذ المساعد ، كلية الدراسات العربية والإسلامية ، جامعة هلال بي . يس . عبد الرحمن ، تشنّائ ، تاملنادو ، الهند hainadwi@gmail.com

  • الأستاذ المساعد ، قسم اللغة العربية ، كلية جمال محمد التابعة بجامعة بهارتيداسن ، ترتشي ، تاملنادو ، الهند avoorismail@gmail.com

[1] سورة المائدة : 48 .

[2] سورة المائدة : 3 .

[3] قواعد القفه ، محمد عميم الإحسان ، ص 414 .

[4] رواه البخاري ومسلم .

[5] سورة الذاريات : 56 .

[6] سورة طه : 114 .

[7] فتح الباري لابن حجر ( 1/ 141 ) .

[8] سورة ص : 29 .

[9] سورة محمد : 24 .

[10] سورة إبراهيم : 1 .

[11] سورة الحشر : 21 .

[12] جامع الترمذي : 3153 .

[13] سورة النساء : 12 .

[14] سورة البقرة : 282 .

[15] سورة النحل : 44 .

[16] سورة الحجر : 9 .

[17] سورة النساء : 11 .

[18] سورة البقرة : 228 .