ما هو المعيار في تعيين النصاب للزكاة ؟ ( الحلقة الأولى )

العملة الرقمية البيتكوين في ميزان الشريعة الإسلامية
مارس 3, 2024
الوقف الإسلامي لبنة صلبة في البناء الحضاري الإنساني ( الحلقة الثانية الأخيرة )
أبريل 27, 2024
العملة الرقمية البيتكوين في ميزان الشريعة الإسلامية
مارس 3, 2024
الوقف الإسلامي لبنة صلبة في البناء الحضاري الإنساني ( الحلقة الثانية الأخيرة )
أبريل 27, 2024

الفقه الإسلامي :
ما هو المعيار في تعيين النصاب للزكاة ؟
( الحلقة الأولى )
د . محمد مصطفى عبد القدوس الندوي 
ومن المعلوم أن الشريعة الإسلامية المطهرة لم تترك تقدير نصاب الزكاة للإنسان ؛ بل قررته بنفسها ، وهذا النصاب هو الفارق بين الفقير والغني ، واستحقاق الزكاة والحرمان منها ، ثم أموال الزكاة منها ما يقضي حاجة الإنسان مباشرةً ، مثل : الحيوانات وغيرها ، ومنها ما لا يفي بحاجته أصالةً ؛ بل يؤدي إلى تحقيق الحوائج الإنسانية كذريعة من الذرائع ، مثل : الذهب والفضة ، وهذان ثمنان خلقة ، ووسيلتان لمبادلة الأموال بين الناس ، ولهما مكانة مرموقة في قلوبهم ، وأهمية عظيمة في أوساطهم ، ويحمل قدرهما وقوتهما الشرائية قيمةً ووزناً كبيراً في جنس الخير والأموال .
وقرر رسول الله صلى الله عليه وسلم نصاب الذهب والفضة ويشهد التاريخ الإسلامي المشرق أن قوتهما الشرائية وقدرهما لم يتفاوتا كبيراً في العهد النبوي المنير وبعده إلى مدة طويلة ؛ لكن في العصر الحاضر ، الذي نعيش فيه اليوم ، ويعتبر زمان الرقي والازدهار في مجالات الحياة المختلفة ، قد وقع تفاوت فاحش فيهما ، وتغير عظيم بالنسبة للمالية والقيمة ، لا نسبة بينهما ولا علاقة ؛ بل الحقيقة بينهما بُعد المشرق والمغرب ، ومن هناك ينشأ سؤالان مهمان شرعاً ، وهما :
(1) ومن الظاهر أن نصاب الذهب والفضة منصوص عليه ، فمن ملك قدره من أحدهما وجب عليه زكاته ؛ لكن السؤال المهمّ ، أيّهما يُعتبر معياراً لتقدير النصاب في أموال التجارة والأوراق النقدية في زماننا ؟ كمثالٍ : رجل يملك أوراقاً نقديةً يمكن بها شراء الفضة قدر نصابها ؛ ولكن لا يمكن شراء الذهب بها قدر نصابه ، فهل تجب الزكاة على مثل هذا الشخص أم لا ؟ كذلك هل يحل له أخذ الزكاة أم يحرم منها ؟
(2) وجاء في كتب الحنفية الفقهية أنه من ملك قدراً من الذهب وقدراً من الفضة ، لا ينفرد كل واحد منهما بالنصاب الكامل ؛ بل يبلغ مجموعهما إليه بعد الضم ؛ فصرحوا بوجوب الزكاة عليه ، إلا أن الإمام أبا حنيفة رحمه الله اعتبر القيمة ، والصاحبين رحمهما الله اعتبرا ضم الأجزاء ، يعني : أن كل قدر من الذهب والفضة يكمل نسبة بقية النصاب للآخر لوجوب الزكاة ، مثلاً : إن كان لأحد ربع نصاب الذهب ( خمسة مثاقيل ) وثلثان وربع من نصاب الفضة ( مائة وخمسون درهماً ) تجب عليه الزكاة . وفي العصر الراهن يمكن وجوب الزكاة في تولة من الذهب وتولة من الفضة ، ولا تجب في سبع تولات ذهب إذا كان بمفرده ، فهل يصح أن يختار قول الصاحبين في هذه الصورة ؟ يعني ضم النصابين بالأجزاء لا بالقيمة ، كما هو مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله .
ضم الذهب إلى الفضة وعكسه في تكميل النصاب :
إذا كان عند أحد – الذهب والفضة – جميعاً ، فلم يكن كل واحد منهما نصاباً كاملاً على حدةٍ ، بأن كان له عشرة مثاقيل ومائة درهم مثلاً ؛ فإنه يضم أحدهما إلى الآخر في حق تكميل النصاب عند الحنفية والمالكية ، وهو رواية عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله – كما نقلها الخرقي عنه – وقول الحسن وقتادة والثوري والأوزاعي رحمهم الله وسائر أصحاب الرأي . وذهب الشافعية والإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في رواية وابن أبي ليلى ، والحسن بن صالح ، وشريك ، وأبو عبيد ، وأبو ثور رحمهم الله إلى أنه لا يضم أحدهما إلى الآخر ؛ فلا تجب الزكاة في أحدهما حتى يكمل وحده نصاباً .
استدل الشافعية ومن معهم من العلماء بعموم قوله عليه الصلاة والسلام : ” ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة ” . ولأنهما جنسان فلا يضم أحدهما للآخر في تكميل النصاب ، كالسوائم عند اختلاف الجنس ، وهما مختلفان لاختلافهما صورةً ومعنىً ، أما الصورة ظاهر ، وأما المعنى فلأنه يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلاً ، وصار كالإبل مع الغنم .
واحتج الجمهور بما روي عن بكير بن عبد الله بن الأشج رضي الله عنه أنه قال : ” مضت السنة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بضم الذهب إلى الفضة ، والفضة إلى الذهب في إخراج الزكاة ” .
ولأنهما مالان متحدان في المعنى الذي تعلق به وجوب الزكاة فيهما ، وهو الإعداد للتجارة بأصل الخلقة والثمنية ، فكانا في حكم الزكاة كجنس واحد ، ولهذا اتفق الواجب فيهما وهو ربع العشر عن كل حال ، وإنما يتفق الواجب عند اتحاد المال .
ولأن نفعهما واحد ، والمقصود منهما متحد ؛ فإنهما قيم المتلفات وأروش الجنايات .
ولا شك أن الذهب والفضة يختلفان صورةً ، ولكن لا يضر اختلاف الصورة ولا يعتبر كعروض التجارة إذا اتحدا معنىً ، ولهذا يكمل نصاب كل واحد منهما بعروض التجارة ، بخلاف البقر مع الإبل ؛ لأن الزكاة تعلقت بهما باعتبار العين ، والأعيان مختلفة حقيقة ، أي : صورةً ومعنىً ، فتعذر تكميل نصاب أحدهما بالآخر .
وأما الحديث الذي استدل به الشافعية ، فيمكن أن يقال : فلما جاء عمل الصحابة رضي الله عنهم بضم الذهب إلى الفضة ، والفضةِ إلى الذهب في تكميل النصاب صريحاً ، خص حديث ” ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة ” ، فلم يبق على عمومه ، ومثل عمل الصحابة رضي الله عنهم في حكم الرفع .
دراسة القولين أي الضم بالأجزاء والقيمة :
القائلون بالضم اختلفوا في كيفية الضم ؛ فذهب الإمام مالك والأوزاعي ، وأبو يوسف ، ومحمد وأحمد رحمهم الله في رواية إلى أن ضم الذهب إلى الفضة ، والفضة إلى الذهب في تكميل النصاب يكون بالأجزاء ، وهو رواية عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله أيضا كما جاء في ” نوادر هشام ” .
وذهب الإمام أبوحنيفة رحمه الله إلى أنه يضم أحدهما إلى الآخر باعتبار القيمة .
وإنما تظهر ثمرة الاختلاف فيما إذا كانت قيمة أحدهما لجودته وصياغته أكثر من وزنه بأن كان له مائة درهم وخمسة مثاقيل قيمتها مائة درهم ، فعند الإمام أبي حنيفة رحمه الله تقوّم الدنانير بخلاف جنسها دراهم ، وتضم إلى الدراهم فيكمل نصاب الدراهم من حيث القيمة فتجب الزكاة . وعندهما تضم باعتبار الأجزاء ، فلا يكمل النصاب ؛ لأنه لا يملك إلا نصف نصاب الفضة وربع نصاب الذهب ، فلم يملك إلا ثلاثة أرباع النصاب ، فلا يجب عليه شيئ .
وعلى هذا لو كان له مائة درهم وعشرة مثاقيل ذهب قيمتها مائة وأربعون درهماً ، تضم باعتبار القيمة عند الإمام أبي حنيفة رحمه الله ، فتبلغ مائتين وأربعين درهماً ، فتجب فيها ستة دراهم ، وعندهما تضم باعتبار الأجزاء ، فيكون نصف نصاب الذهب ونصف نصاب الفضة ، فيكون باجتماعهما نصاب كامل ، فتجب في نصف كل واحد منهما ربع عشرة .
وأما إذا كان وزنهما وقيمتهما سواء فلا تظهر ثمرة الاختلاف ؛ بل يضم أحدهما إلى الآخر بالإجماع ، كذلك إذا كان له مائة درهم وخمسة مثاقيل ذهب قيمتها خمسون درهماً ، لا تجب الزكاة فيهما بالإجماع ؛ لأن النصاب لم يكمل بالضم ، لا باعتبار القيمة و لا باعتبار الأجزاء .
وأجمعوا على أنه لا تعتبر القيمة في الذهب والفضة عند الانفراد في حق تكميل النصاب .
دليل الضم بالأجزاء :
استدل القائلون بالضم بالأجزاء بأن القيمة في الذهب والفضة ساقطة الاعتبار شرعاً ، لأن سائر الأشياء تُقوّم بهما ، وإنما المعتبر فيهما الوزن والقدر دون القيمة ، فلا تجب الزكاة في مصوغ وزنه أقل من مائتين وقيمته فوقهما .
ولأن كل واحد منهما لا تعتبر قيمته في وجوب الزكاة إذا كان منفرداً ، فلا تعتبر إذا كان عند المالك مضموماً .
دليل الضم بالقيمة :
واحتج الإمام أبو حنيفة رحمه الله بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” فإذا بلغ قيمة الذهب مأتي درهم ففي كل أربعين درهماً درهم” . ولأنهما عينان وجب ضم أحدهما إلى الآخر لإيجاب الزكاة .
فكان الضم باعتبار القيمة كعروض التجارة ، وهذا لأن كمال النصاب لا يتحقق إلا عند اتحاد الجنس ، ولا اتحاد إلا باعتبار صفة المالية دون العين ؛ فإن الأموال أجناس بأعيانها ، جنس واحد باعتبار صفة المالية فيها ، فتتحقق المجانسة باعتبار صفة المالية – وهي القيمة – دون الصورة فيضم بها .
ثم عند الإمام أبي حنيفة رحمه الله يعتبر في التقويم منفعة للفقراء كما هو أصله في باب الزكاة ، حتى روي عنه أنه قال : ” إذا كان لرجل مائة وخمسة وتسعون درهماً وديناراً يساوي خمسة دراهم أنه تجب الزكاة ، وذلك بأن تقوّم الفضة بالذهب ، كل خمسة منها بدينار .
نظرة على أدلة الفريقين :
وإذا ألقينا النظر على وجهتي الفريقين بدا لنا أن القائلين بالضم بالأجزاء اعتبروا الوزن حالة الاجتماع قياساً على حالة الانفراد واعتباراً لحالة الاجتماع بحالة الانفراد . والفريق الثاني الذين على رأسهم الإمام أبوحنيفة رحمه الله ؛ فإنه فرق بين حالة الانفراد وحالة الاجتماع . أي إذا اجتمع الذهب والفضة في تكميل النصاب .
وأما الحديث الذي استدل به الإمام أبو حنيفة رحمه الله ، يعارضه حديث نصاب الذهب – عشرين مثقالاً – ؛ لأنه جاء في الحديث المستدل به : ” فإذا بلغ قيمة الذهب مائتي درهم إلخ ” ، معناه أنه بلغت قيمته مائتي درهم فوجبت فيه الزكاة ، سواء كان أقل من عشرين مثقالاً أو مساويةً لها أو أكثر منها ، فينهدم نصاب الذهب المقرر المجمع عند الفقهاء – أئمة المذاهب الأربعة وأتباعهم على وجه الخصوص – إلا شرذمة منهم ، ولم يبق معناه إلا مهملاً ، فكيف يتخذه الإمام أبو حنيفة رحمه الله دليلاً على مدعاه ، وهو قائل أيضاً بأن نصاب الذهب عشرون مثقالاً ، ولا تعتبر القيمة عند الانفراد في حق تكميل النصاب .
فبقيت قضية الضم بالأجزاء أو القيمة قياسية مجتهداً فيها ؛ فيمكن أن يقال استفادة من اختلاف الفقهاء ، تخفيفاً على الناس وتيسيراً عليهم ودفع الحرج عنهم ؛ فيناسب نظراً إلى الأوضاع الراهنة ، – وهي ما وقع من تفاوت فاحش بين قيمة الذهب والفضة لا نسبة بينهما ، وذلك لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ؛ بل لم يعرفه الناس فيما بعد إلى مدة طويلة – أن يؤخذ قول الصاحبين ، وهو الضم بالأجزاء في حق تكميل النصاب ، وبه قال الإمام مالك والأوزاعي ، وأحمد في رواية ، والإمام أبوحنيفة رحمهم الله ، أيضاً في رواية .
ما هو الأصل في التقويم في زكاة التجارة والعملات ؟
الذي يقوّم من العروض هو ما يُراد بيعه دون ما لا يعد للبيع ، واتفق جمهور الفقهاء على وجوب الزكاة في عروض التجارة ، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى : ( يا أيُّها الّذِينَ اٰمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ ) [ البقرة : 167 ] ، وبقوله عز وجل : ( يا أيُّها الّذِينَ اٰمَنُوا أَنْفِقُوا مِمّا رَزَقْنَاكُمْ ) [ البقرة : 254 ] ، وبحديث سمرة رضي الله عنه : ” كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعد للبيع ” . وقال حماس : مرّ عمر رضي الله عنه ، فقال : ” أدّ زكاة مالك ” ، فقلت : مالي إلا جعاب وأدم ، فقال : ” قوّمها ثم أدّ زكاتها ” .
كذلك الأوراق النقدية التي هي ذريعة للبيع والشراء ، ومبادلة المال بين الناس ، ففي كم قدر منها تجب الزكاة ؟ ثم أي من الذهب والفضة يكون معياراً لتقدير النصاب فيها وفي أموال التجارة الأخرى عن طريق التقويم ؟ فيه خلاف بين الفقهاء ، فمجوع أقوالهم ثلاثة : الأول : يقوّم بما هو أنفع للفقراء ، والثاني : الخيار ، والثالث : التقويم بما اشتراه من ذهب أو فضة .
القول الأول : أي التقويم بما هو أنفع للفقراء من الذهب أو الفضة في إيجاب الزكاة ، حتى إذا بلغ بالتقويم بأحدهما نصاباً ولم يبلغ بالآخر ، قوّم بما بلغ نصاباً ، ولو كان بالتقويم بكل واحد منهما يبلغ نصاباً ، فيقوّم بما هو أنفع للفقراء من حيث الرواج ، وإن كان في الرواج سواء يتخيّر المالك .
هذا قول الإمام أبي حنيفة رحمه الله المعروف ، وإحدى الروايتين عن الإمام محمد رحمه الله ، ومذهب الحنابلة ، فقال العلامة ابن قدامة رحمه الله :
” إذا حال الحول على العروض وقيمتها بالفضة نصاب ، ولا تبلغ نصاباً بالذهب قوّمناها بالفضة ؛ ليحصل للفقراء منها حظ ، ولو كانت قيمتها بالفضة دون النصاب وبالذهب تبلغ نصاباً ، قوّمناها بالذهب ؛ لتجب الزكاة فيها ، ولا فرق بين أن يكون اشتراها بذهب أو فضة أو عروض ” .
لأن في التقويم منفعةً للفقراء ؛ بما أن الدراهم والدنانير وإن كانا في الثمنية والتقويم بهما سواء ؛ لكنا رجّحنا أحدهما بمرجّح وهو النظر للفقراء ، والأخذ بالاحتياط أولى ، ألا ترى أنه لو كان بالتقويم بأحدهما يتم النصاب وبالآخر لا ، فإنه يقوّم بما يتم به النصاب نظراً للفقراء واحتياطاً ، كذا هذا .
ولأن المال كان في يد المالك وانتفع به في ابتداء الحول من حيث التجارة ، فيجب اعتبار منفعة الفقراء عند التقويم لأداء الزكاة ، تسوية بين المالك والفقراء ؛ لأن الزكاة وجبت على وجه يعتدل النظر من الجانبين فيها .
والقول الثاني : الخيار للمالك في الذهب والفضة ، إن شاء قوّم بالدراهم ، وإن شاء قوّم بالدنانير ،كما قال الإمام محمد رحمه الله في كتابه ” الأصل ” ولم يحك فيه خلافاً ، وهذا رواية عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله أيضاً ؛ لأن الثمنين في تقدير قيم الأشياء بها سواء . ولأن أموال التجارة تحتاج إلى التقويم في إيجاب الزكاة ، فيقوّم إما بالذهب أو الفضة كضمان المتلفات .
ولكن هذا التخيير يتقيد بما إذا كان التقويم بكل منهما لا يتفاوت ، كما هو مذكور في كتاب الأصل . وقال ملك العلماء العلامة الكأساني : ” ومشايخنا حملوا رواية كتاب الزكاة على ما إذا كان لا يتفاوت النفع في حق الفقراء بالتقويم بأيهما كان ، كان جمعاً بين الروايتين ” .
والقول الثالث : التقويم بما اشتراه من ذهب أو فضة أو نقد البلد ، وهو قول الشافعية والصاحبين من الحنفية ، فيقول العلامة الشيرازي رحمه الله : ” إذا حال الحول على عرض التجارة وجب تقويمه لإخراج الزكاة ، فإن اشتراه بنصاب من الأثمان قوّم به ؛ لأنه فرغ لما اشترى به فوجب التقويم به ، وإن اشتراه بعرض للقنية قوّم بنقد البلد ؛ لأنه لا يمكن تقويمه بأصله ، فوجب تقويمه بنقد البلد ؛ فإن كان في البلد نقدان قوّم بأكثرهما معاملة ، وإن كانا متساويين نظرت : فإن كان بأحدهما يبلغ نصاباً وبالآخر لا يبلغ نصاباً ، قوّم بما يبلغ به ؛ لأنه قد وجد نصاباً تتعلق به الزكاة فوجب التقديم به ، وإن كان يبلغ بكل واحد منهما نصاباً ففيه أربعة أوجه : أحدها : أنه يقوّم بما شاء منهما ، وهو قول أبي إسحاق وهو الأظهر ؛ لأنه لا مزيّة لأحدهما على الآخر فخيّر بينهما ” .
وقال ملك العلماء العلامة الكأساني : ” وعن أبي يوسف رحمه الله : أنه يقوّمها بما اشتراها به ، فإن اشتراها بالدراهم قوّمها بالدراهم ، وإن اشتراها بالدنانير قومّها بالدنانير ، وإن اشتراها بغيرهما من العروض أو لم يكن اشتراها بأن كان وهب له فقبله ينوي به التجارة قوّمها بالنقد الغالب في ذلك الموضع .
وعند محمد رحمه الله بالنقد الغالب على كل حال .
وجه قول محمد رحمه الله : أن التقويم في حق الله تعالى يعتبر بالتقويم في حق العباد ، ثم إذا وقعت الحاجة إلى تقويم شيئ من حقوق العباد كالمغصوب والمستهلك ، يقوّم بالنقد الغالب في البلدة ، كذا هذا .
وجه قول أبي يوسف رحمه الله : أن المشترى بدل ، وحكم البدل يعتبر بأصله ، فإذا كان مشترى بأحد النقدين فتقويمه بما هو أصله أولى ” .
دراسة الأقوال الثلاثة :
وإذا درسنا هذه الأقوال الثلاثة في التقويم من الذهب أو الفضة أو بكليهما في زكاة أموال التجارة والعملات الورقية ، ظهر لنا أن لكل واحد منها دليلاً عقلياً قياسياً كما لا يخفى على المحققين من أرباب العلم .
ثم انقسم العلماء المعاصرون إلى رأيين : أحدهما : هو اتخاذ الفضة معياراً لتقدير النصاب في أموال التجارة والعملات الورقية . والرأي الثاني : هو اتخاذ الذهب معياراً في التقويم في زكاة أموال التجارة والعملات الورقية وجعله أصلاً للنصاب الشرعي فيها .
( للبحث صلة )