مسؤولية الوالدين في العصر الراهن في ضوء الكتاب والسيرة النبوية

الأسلوب الفني في أمثال القرآن الكريم
يوليو 11, 2022
من مقتضيات حب النبي صلى الله عليه وسلم
أغسطس 28, 2022
الأسلوب الفني في أمثال القرآن الكريم
يوليو 11, 2022
من مقتضيات حب النبي صلى الله عليه وسلم
أغسطس 28, 2022

الدعوة الإسلامية :

مسؤولية الوالدين في العصر الراهن

في ضوء الكتاب والسيرة النبوية

د . السيد شجاع الدين عزيز القادري *

الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء وأشرف المرسلين ، وأكرم السابقين واللاحقين ، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين أجمعين .

أما بعد !

فإن هذا الموضوع موضوع مهم جداً ، تزداد أهميته في العصر الراهن الذي كثرت الجهالة العمياء فيه وعمّت الأمية ، وشاعت المنكرات بجميع أنواعها من القتل والفساد وسفك الدماء والسرقة والظلم والبغي والعدوان ، لا سيّما عقوق الوالدين وإساءة الأدب معهما وترك حرمتهما والتهاون في تعظيمهما وتوقيرهما والتكاسل في خدمتهما وإهمال أمرهما وعدم العناية بشأنهما وهضم حقوقهما وغيرها من الأعمال الشنيعة والقبائح الفظيعة .

هذه حقيقة جليّة أن الإسلام منذ أوّل يومه عني عنايةً فائقةً بتربية الأولاد الدينية وتنشئتهم الصالحة ، وحرص عليها أكثر مما حرصت الديانات الأخرى ، وأصدر أوامر مشددةً للقيام بهذه الفريضة المهمة ، وحرّض الوالدين على تزويدهم بالأخلاق الفاضلة وتحليتهم بالسجايا الكريمة ، وحمّل على كواهلهما مسئوليةً كبرى لإرشادهم وتوجيههم إلى كافة نواحي الحياة الطيبة ، وحملهما على صوغهم بالقالب الديني ، ورسم لهما معالم تربيةً دينيةً شاملةً تتكفل بالحياة الناجحة لهم في الدنيا والآخرة ، وتحافظ على سلامة العقيدة وصلاح الأعمال ، وصرّح بوظيفتهما في تربيتهم الإسلامية ، ووعدهما عليها أجراً عظيماً وجزاءً موفوراً في الآخرة ، وتوعّدهما بالعقوبة إن قصّرا في القيام بواجباتهما نحوهم ، وجعلها أفضل صدقةٍ يتصدّقها المرء ، وخير هديّة يهديها إلى أولاده ، وأعظم مِنحة يمنحها إياهم .

حينما نتصفح أوراق السيرة النبويّة الذهبيّة نجدها مملوءةً بإرشادات قيّمة وتوجيهات سنيّة للتربية الدينية والتنشئة الصالحة وأصولها الحكيمة وما يترتّب عليها من الثمرات النافعة والنتائج المفيدة في الدنيا والآخرة .

وقد وردت نصوصٌ من الكتاب والسنة تحثّ على تربيتهم الدينية وتنشِئتهم الإسلامية ، وهي فريضة على المسلمين عامة ، وخاصة على الآباء والأمهات والمعلمين والمربين والمسئولين ، وهي مسئولية مهمة جداً قد ألقيت على عواتق الوالدين لا ينبغي الغفلة عنها طرفة عين ، وهي أمانة عظيمة من الأمانات الإلهية سيسأل عنها المرء يوم القيامة . أما الآيات فقوله جل جلاله :

( يا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً ) [1] .

قد اختلفت أقوال المفسرين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أهل العلم في تفسير هذه الآية ، ومآل جميع الأقوال واحد من حيث المعنى .

فعن علي رضي الله عنه في قوله تعالى : ( قُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً ) يقول : أدبوهم وعلّموهم .

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى : ( قُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً ) يقول : اعملوا بطاعة الله ، واتقوا معاصي الله ، وأمروا أهليكم بالذكر ينجكم الله من النار .

وقال قتادة : تأمرهم بطاعة الله ، وتنهاهم عن معصية الله ، وأن تقوم عليهم بأمر الله ، وتأمرهم به وتساعدهم عليه ، فإذا رأيت لله معصية ردعتهم عنها وزجرتهم عنها [2] .

وقال – جل جلاله – آمراً نبيه صلى الله عليه وسلم : ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلاَةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا ) [3] .

ومدح سيدنا إسماعيل عليه الصلاة والسلام فقال : ( وَٱذْكُرْ فِى ٱلْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ ٱلْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً . وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِٱلصَّـلوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً ) [4] .

حينما نطالع القرآن الكريم نجد فيه عدداً من القصص والحكايات التي تحمل بين جنبيها عدة عبر وعِظات يتعظ بها المتعظون ، ويعتبر بها المعتبرون ، فمن بين تلك القصص الرائعة قصة سيدنا إسماعيل عليه الصلاة والسلام ، وهي تدل على كمال طاعته لأبيه وانقياده لأمره واستسلامه لحكمه بدون أدنى تأمل ورويّة ، حينما بلغ أشده واستوى ، وصلح ليكون مساعداً  له ، رأى أبوه رؤياً أنه يذبح نجله فيها ، فلما قصّها عليه وسأله : ما رأيك في هذا ؟ فأسرع فيما طلب منه فقال : ( يا أَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّابِرِينَ ) [5] ، فعرض نفسه امتثالاً لأمر الله وبارّاً بأبيه ، فافتداه الله جلّ وعلا جزاءاً بصدق نيتهما وحسن طويتهما وإخلاصهما واستسلامهما لأمره وخضوعهما لحكمه ، فقال جل وعلا حاكياً عما جرى بينهما من المكالمة فقال : ( فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْىَ قَالَ يٰبُنَىَّ إِنِّيۤ أَرَىٰ فِى ٱلْمَنَامِ أَنِّى أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّابِرِينَ . فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ . وَنَادَيْنَاهُ أَن يٰإِبْرَاهِيمُ . قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَآ إِنَّا كَذٰلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ . إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْبَلاَءُ   ٱلْمُبِينُ . وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ) [6] .

لم يطلب الإسلام مجرّد التربية من الآباء والأمهات ، ولم يحمّلهم المسؤولية بدون أن يرشدهم إلى الوسائل ، ويأخذ بأيديهم إلى أقوم الطريق ، بل وضع لهم في تربية الأولاد وتنشئتهم منهاجاً كاملاً ودستوراً شاملاً يبتدئ قبل الولادة ، ويصاحب الولد في طفولته وصباه ، ومراهقته وشبابه ، وشيخوخته وهرمه ، ثم يحدِّد العلاقة فيما بين الوالدين والولد بعد أن يصبح بالغاً مكلفاً ورجلاً كاملاً وإنساناً عاقلاً وشاباً سويّاً أو فتاةً راشدةً .

وقد ألقى النبي صلى الله عليه وسلم مسؤولية تربية الأبناء على عواتق الوالدين وأرشدهم إليها بقوله : ” أدّبوا أولادكم على ثلاث خصال : حبّ نبيكم ، وحبّ أهل بيته ، وقراءة القرآن ، فإن حملة القرآن في ظل الله يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله مع أنبياء الله وأصفيائه ” [7] .

الآباء مسؤولون عن أهليهم وأولادهم كمسؤوليتهم عن أنفسهم فعل الحسنات وترك السيئات ، وحب الطاعات وبغض المنكرات ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ألا كلكم راعٍ ، وكلكم مسئولٌ عن رعيّته ، فالأمير الذي على الناس راعٍ ، وهو مسئولٌ عن رعيّته ، والرجل راعٍ على أهل بيته ، وهو مسئولٌ عنهم ، والمرأة راعيةٌ على بيت بعلها وولده ، وهي مسئولةٌ عنهم ، والعبد راعٍ على مال سيّده ، وهو مسئولٌ عنه ، ألا فكلكم راعٍ ، وكلكم مسئولٌ عن رعيّته ” [8] ، فأوجب الإسلام عليهم واجبات دينية نحو تربية الأولاد ، وجعلها مسؤوليةً كبيرةً على كواهلهم ، فمن الواجبات المهمة التي ألزمها عليهم فهي تتلخص فيما يأتي :

(1) حسن اختيار الزوجة :

الزوجة هي التي ستصير أماً ، فتقع أولاً على عاتقها مسؤولية تربية الأولاد ، فإن صلحت صلحت تربيتهم وحسن تأديبهم ، وكذلك حسن انتخاب الأم مما يحقق لهم الخير والنجاح ، ويجنبهم السخرية وسوء العشرة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” تنكح النساء لأربع : لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها ، فاظفر بذات الدين ، تربت يداك ” [9] .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لا تزوّجـوا النساء لحسـنهن فعسى حسنهنّ أن يرديهنّ ، ولا تزوّجوهنّ لأموالهنّ فعسى أموالهنّ أن تطغيهنّ ، ولكن تزوّجوهنّ على الدين ، ولأمةٌ خرماء سوداء ذات دينٍ أفضل ” [10] .

هذا الحديث يدل بكل وضوح وصراحة على أن المرء ينبغي له أن يراعي في اختيار المرأة المخطوبة هذه الصفة ، وهي تحليها بالديانة والأمانة والعفة والحشمة والصلاح وتخلقها بمكارم الأخلاق وحميد الخصال وكريم السجايا . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” اختاروا لنطفكم المواضع الصالحة ” [11] .

هذا الحديث أيضاً يرشد المرء إلى اختيار امرأة ذات دين وصلاح لتنجب له ذريةً طيبةً صالحةً ، فإن حسن اختيار الزوجة ليس حقاً محضاً للزوج ، بل هو حق الولد أيضاً ، لأن الأم إذا كانت صالحةً ذات دين تمكنت من الإشراف على تربيته الدينية وتنشئته الصالحة ، واستطاعت على حسن تأديبه وصوغه بالقالب الديني ، وقد اعتبرت المرأة الصالحة أفضل متاعٍ من أمتعة الدنيا ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” إنما الدنيا متاعٌ ، وليس من متاع الدنيا شيئ أفضل من المرأة الصالحة ” [12] ، وعدّت خير زادٍ يتزوّده المؤمن ، وأكثر فائدة يستغلّ بها بعد تقوى الله عزّ وجلّ ، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيراً له من زوجةٍ صالحةٍ ، إن أمرها أطاعته ، وإن نظر إليها سرّته ، وإن أقسم عليها أبرّته ، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله ” [13] .

ولهذه المصلحة نهى القرآن الكريم عن تزوّج الفتيات المشركات فقال جلّ وعلا : ( وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ) [14] ، وسبب ذلك النهي أنهم يحملون على أفعال يستوجبون بها النار ، كما قال تعالى : ( أُوْلَـٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ وَٱللَّهُ يَدْعُوۤ إِلَى ٱلْجَنَّةِ وَٱلْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ) [15] .

وروي عن عمر رضي الله عنه أن رجلاً جاء إليه بابنه فقال : ” إن ابني هذا يعقّني ، فقال عمر رضي الله عنه للابن : أما تخاف الله في عقوق والدك ؟ فإن من حق الوالد كذا ، ومن حق الوالد كذا ، فقال الابن : يا أمير المؤمنين ! أما للابن على والده حقٌّ ؟ قال : نعم ، حقه عليه أن يستنجب أمه ، يعني لا يتزوّج امرأةً دنيئةً لكيلا يكون للابن تعييرٌ بها ، قال : ويحسن اسمه ، ويعلّمه الكتاب ، فقال الابن : فوالله ! ما استنجب أمي ، وما هي إلا سنديّة اشتراها بأربع مأة درهم ، ولا حسّن اسمي ، سمّاني جعلا – ذكر الخفاش – ولا علّمني من كتاب الله آيةً واحدةً ، فالتفت عمر رضي الله عنه إلى الأب ، وقال : تقول : ابني يعقّني ، فقد عققته قبل أن يعقّك ، قم عني ” [16] .

(2) حسن اختيار البعل :

كما أن الولد في أمس حاجة إلى حسن اختيار الأم ، فإن من حقه أن يكون له أب صالح يؤدبه ، ويحسن تأديبه ، ويشرف على تربيته الإسلامية ، ويتعهده بالتوجيه والإرشاد إلى ما فيه صلاحه ، وهنا تقع المسؤولية على أولياء المرأة ومسئوليها أن لا يزوّجوها لأيّ خاطب شاءوا طمعاً في كسب الحطام الفاني ، قال الله تعالى : ( وَلاَ تُنْكِحُواْ ٱلْمُشِرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُواْ ) [17] ، فيجب عليهم أن يتأمّلوا في أمرها ، ويمعنوا النظر في شأنها ، ويعملوا الفكر والرويّة في اختيار بعل لها ، خصوصاً في زمن كثرت فيه التيارات المنحرفة والأفكار الفاسدة والشعارات الهدّامة ، فلذا أرشد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن يكون الخاطب ذا خُلُق وديانة وموصوفاً بصدق وأمانة بقوله : ” إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوّجوه ، إلا تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ عريضٌ ” [18] ، فيجب على المرأة أن لا توافق على الزواج إلا إذا وجدت خاطبها ذا ديانة وكفاءة لها ، كما قال بريدة رضي الله عنه : جاءت فتاةٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أبي زوّجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته ، قال : فجعل الأمر إليها ، فقالت : قد أجزت ما صنع أبي ، ولكن أردت أن تعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيئ ” [19] .

يتضح من هذا أن المرأة أثبت لها الشرع الخيار في انتخاب البعل ، وليس لآبائها ومسئوليها أيّ حقّ في تزويجها الإجباري لمن شاءوا .

(3) حسن اختيار الاسم :

مما يجب على الوالد من الحقوق نحو ولده : أن يحسن اسمه ، ويحسن تأديبه ، ويحسن مرضعه ، ويعلّمه القرآن ، ويعلّمه الكتابة والسباحة والرماية ، ويزوّجه إذا أدرك ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” حق الولد على والده : أن يحسّن اسمه ، ويزوّجه إذا أدرك ، ويعلمه الكتاب ” [20] ، فيسمّيه باسم يفتخر به ، ويكون له سبباً للكرامة والقدسية ، ولا يسمّيه بأسماء تكون له سبباً للعار والمنقصة .

(4) توفير قوت حلال :

مما يجب على الوالد من الحقوق نحو ولده أن لا يُطعمه إلا قوتاً حلالاً طيّباً ، لأن اللحم النابت من السحت فالنار أولى به ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” كل جسد نبت من سُحت فالنار أولى به ” [21] ، فعليه أن يكدح ويجدّ لطلب القوت الحلال ليهيئ له من مطعم وملبس ومسكن من مال طيب ، ويحسن الرعاية على أهله ، لأن طلب الحلال فريضة على كل مسلم ، ويحاول لتحقيق هذه الأغراض المنشودة ليشرف على عائلته ، ويسعى في إطعامهم من رزق حلال طيب ، ويسعى في طلب المال بكسب يديه للتوسعة على الأسرة حتى يحسن رعايتها وبناءها ، وفي التوسعة على الأبناء حفظ لهم من الانحراف والفسق ، وحفظ لآبائهم من العقوق ، فالفقر يدعو إلى الفسوق ، والتقصير يدعو إلى العقوق ، والسعي في الكسب من أجل رعاية الأسرة أمر محمود ، فالقوت الحلال الطيب له تأثير عظيم في تربية الأولاد وتنشئتهم منذ نعومة أظفارهم .

(5) التربية الإيمانية :

مما يجب على الوالد من الحقوق نحو ولده أن تكون تربية الأولاد على أسس قويمة ودعائم سليمة من تعليم العقيدة الصحيحة الثابتة بالكتاب والسنة ، وتمرينهم على التكاليف الشرعية والآداب الإسلامية والأخلاق الحسنة ، وغرس بذور الشهامة والشجاعة والأمانة والصدق والعفاف في قلوبهم ، وتدريبهم على القيام بواجباتهم من العبادات ، ورعاية الصحة والاهتمام بشؤون النظافة والطهارة ، وتعليمهم شيئاً من واجباتهم الاجتماعية والثقافية ، وتحذيرهم التيّارات الفاسدة والتقاليد الكاسدة والمبادئ الهدّامة والشعارات المستوردة والرواجات المذمومة ؛ وتركيز عنايتهم على الحفاظ على أوقاتهم الغالية من الضياع والعبث والفوضى .

مما يجب على الوالد من الحقوق نحو ولده أن يعتني بتربيته الإسلامية ، ويزوّده بشرائع دينية ليعرف بها الحلال من الحرام ، ويتمكّن من تمييز الطيب من الخبيث ، ويحافظ عليه دينه وكرامته ، فيسلكه بها مسالك الصلحاء ، ويقبل على الله تعالى ، فإن التربية الإسلامية الحسنة هي التي تزيّن الأبناء بالمحاسن والفواضل ، وتزوّدهم بالفضائل ، وتجنبهم من الوقوع في الرذائل ، وتلقنهم العبادات الخالصة ، وتحليهم بالآداب الدينية والقِيم الإسلامية   كلها ، فمن التعليم الديني قوله صلى الله عليه وسلم : ” مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر ، وفرّقوا بينهم في المضاجع ” [22] .

فكان الصحابة رضي الله عنهم يصوّمون صبيانهم تعويداً لهم على محبة الدين وشرائع الإسلام ليسهل عليهم امتثال الأوامر واجتناب النواهي وفعل الخيرات وترك المنكرات عند المراهقة والشباب .

وعن الربيع بنت معوّذ قالت : ” أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار : من أصبح مفطراً ، فليتمّ بقيّة يومه ، ومن أصبح فليصم ، قالت : فكنا نصومه بعد ، ونصوّم صبياننا ، ونجعل لهم اللعبة من العهن ، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار ” [23] .

ونحن في عصرنا هذا نمنحهم الجوالات والأجهزة الإلكترونية لتسليتهم ، لا لأجل صومهم ، فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه ، ومن تركه سدى فقد أساء إليه غاية الإساءة ، ومعظم الأولاد إنما جاء عقوقهم وفسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم وعدم مبالاتهم في شأنهم وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه ، فأضاعوهم صغاراً ، فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كباراً .

ندعو الله سبحانه وتعالى أن يتقبل جهود الآباء والأمهات المبذولة نحو تربية أولادهم ، ويهب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين ويجعلنا للمتقين إماماً .

وصلى الله وسلم على خير خلقه سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين .

* رئيس القسم العربي بكلية النساء الجامعية ، الجامعة العثمانية ، حيدرآباد – الهند .

[1] سورة التحريم : 6 .

[2] راجع تفسير ابن كثير ، 4/399 .

[3] سورة طه : 132 .

[4] سورة مريم : 54 – 55 .

[5] سورة الصافات : 102 .

[6] سورة الصافات : 102 – 107 .

[7] راجع كشف الخفاء للعجلوني ، 1/76 ( 174 ) .

[8] راجع صحيح مسلم ، كتاب الإمارة ، رقم الحديث : 1829 .

[9] راجع سنن ابن ماجة ، باب تزويج ذات الدين ، رقم الحديث : 1858 .

[10] راجع سنن ابن ماجة ، باب تزويج ذات الدين ، رقم الحديث : 1859 .

[11] راجع سنن الدار قطني ، باب تزويج ذات الدين ، رقم الحديث : 3744 .

[12] راجع سنن ابن ماجة ، باب أفضل النساء ، رقم الحديث : 1855 .

[13] راجع سنن ابن ماجة ، باب أفضل النساء ، رقم الحديث : 1857 .

[14] سورة البقرة : 221 .

[15] سورة البقرة : 221 .

[16] راجع تنبيه الغافلين للسمرقندي ، ص 46 ، باب حق الولد على الوالد .

[17] سورة البقرة : 221 .

[18] راجع سنن ابن ماجة ، باب الأكفاء ، رقم الحديث : 1967 .

[19] راجع سنن ابن ماجة ، باب من زوّج ابنته و هي كارهة ، رقم الحديث : 1874 .

[20] راجع جامع الأحاديث للسيوطي ، رقم الحديث : 11285 .

[21] راجع كشف الخفاء للعجلوني ، 2/176 ، رقم الحديث : 1976 .

[22] راجع سنن أبي داود ، رقم الحديث : 495 .

[23] راجع صحيح البخاري ، رقم الحديث : 1960 .