قواعد في حل قضايا معاصرة بشأن الصيام

مبادئ السلم في الشريعة الإسلامية ومقاصده !
فبراير 21, 2021
القاعدة الأصولية : مفهومها ومقوماتها ومميزاتها
مايو 3, 2021
مبادئ السلم في الشريعة الإسلامية ومقاصده !
فبراير 21, 2021
القاعدة الأصولية : مفهومها ومقوماتها ومميزاتها
مايو 3, 2021

الفقه الإسلامي :

قواعد في حل قضايا معاصرة بشأن الصيام

الدكتور المفتي محمد مصطفى عبد القدوس الندوي *

هناك أصول وقواعد مهمة أساسية ذات قيمة بالغة تتفرع عليها كثير من مشكلات الصيام الجديدة ، وقضاياه المتداولة ، التي يعانيها الناس في شهر رمضان المبارك ، وها هي إليكم :

(1) الحرج مدفوع شرعاً :

ومما لا شك فيه أن جميع أحكام الإسلام تنسجم مع الفطرة الإنسانية وتوافقها ، ولا يكلف الله تعالى عباده إلا ما يطيقون تحقيقه ؛ فقال عز وجل : { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا } [ البقرة : 286 ] ، وقال في موضع : { لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا } [ البقرة : 233 ] ؛ فنرى أن الله تعالى قد راعى اليسر في تشريع الأحكام الإسلامية كل الرعاية ؛ وجعل في فطرة الإسلام وطبيعته سذاجةً وسمحةً ، وهي اليسر في العمل بالأحكام ورفعُ المشقة والحرج ما أمكن ؛ فيقول في صدد المريض والمسافر في باب الصيام : { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [ البقرة : 185 ]  . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلا غَلَبَهُ ”  . ( أخرجه البخاري في الإيمان ، باب الدين يسر ، برقم : 39 )  .   ” أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللَّهِ الحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ ” . ( أخرجه البخاري تعليقاً في الإيمان ، باب الدين يسر )  . ومعنى ” الحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ ” الأعمال المائلة عن الباطل والتي لا حرج فيها ولا تضييق .

وبالنظر إلى تلك الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة وغيرها بهذا الخصوص وضع الفقهاء قاعدة ، وهي أن ” الْحَرَجَ مَدْفُوعٌ شرعاً ” . ( كشف الأسرار شرح أصول البزدوي ، باب تقسيم الشرط : 4/202 ، شرح التلويح على التوضيح للتفتازاني ، فصل في انقطاع الحديث : 2/13 ، بدائع الصنائع : 1/246 ، الفتاوى الغياثية ، ص :    53 ، البناية للعيني : 12/320 ، ط : العلمية ) .

ودفع الحرج يكون لأجل الضرورة ، نحو الحكم بِطَهَارَة الآبَار والحياض بَعْدَ مَا نجست ، وَالْحكم بِطَهَارَة الثَّوْب النَّجس إِذا غسل فِي الإجانات ؛ فَإِن الْقيَاس يَأْبَى جَوَازه ؛ لأَن مَا يرد عَلَيْهِ النَّجَاسَة يَتَنَجَّس بملاقاته ، تَرَكْنَاهُ للضَّرُورَة المحوجة إِلَى ذَلِك لعامة النَّاس ؛ لأن الْحَرج مَدْفُوع بِالنَّصِّ . وَفِي مَوضِع الضَّرُورَة يتَحَقَّق معنى الْحَرج ؛ بما لَو أخذ فِيهِ بِالْقِيَاسِ فَكَانَ متروكاً بِالنَّصِّ ( أصول السرخسي : 2/203 ) ، كما شرع بيع السلم والاستصناع دفعاً لحاجة الناس وإفلاسهم ، ولو أُخذ بالقياس فيهما لوقعوا في الحرج العظيم الضخم ؛ لأن القياس يأبى جوازهما ؛ بما أن المبيع لايكون موجوداً عند عقدهما .

وعلى هذا أن الشرع قد عفا عما لا يمكن الاحتراز عنه للصائمين ، أي لا يفسد الصوم بما لا يمكن الاحتراز عنه ، ويفسد بما يمكن الاجتناب عنه ، كما لو كان يمشي على الطريق إذا دخل حلقه الدخان أو الغبار ، وريح العطر ، إذا وجد في حلقه ، لا يفسد الصوم ؛ لأن التحرز عنه غير ممكن . ( المحيط البرهاني : 2/384 ، الدر المنتقى بهامش مجمع الأنهر : 245 ، الدر المختار ورد المحتار : 2/395 ) . ولو أدخل حلقه الدخان متعمداً ، فسد ؛ لإمكان الاحتراز عنه ، كما أفاده العلامة علاء الدين الحصكفي والعلامة ابن عابدين الشامي بقولهما : ” ومفاده أنه لو أدخل حلقه الدخان ، أفطر ، أيّ دخان كان ، ولو عوداً أو عنبراً لو ذاكراً ، لإمكان التحرز عنه . . . وهذا يفيد أنه إذا وجد بُداً من تعاطي ما يدخل غباره في حلقه أفسد لو فعل ” .

وقالوا إذَا جُنَّ فِي بَعْضِ الشَّهْرِ ثُمَّ أَفَاقَ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ ، وَلَو استوعب الشَّهْر ثمَّ أَفَاق لا يلْزمه الْقَضَاء لأَن فِي وجوب الْقَضَاء عَلَيْهِ  حرجاً ؛ لأَن الْجُنُون الطَّوِيل قَلما يَزُول فيضاعف عَلَيْهِ الْقَضَاء فيحرج .      ( تحفة الفقهاء لأبي بكر علاء الدين السمرقندي : 1/350 ، البحر الرائق لابن نجيم المصري : 2/395 ) .

(2) أصل فيما يوجب القضاء والكفارة :

والأصل أن الصائم إذا أكل أو شرب متعمّداً شيئاً مما يتغذى به ، أو يتداوى به ، أو يتلذد به ، كَالْحِنْطَةِ وَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ والأشربة ، والدواء والجماع وريق الحبيب ، يجب عليه القضاء والكفارة جميعاً . ( الفتاوى الغياثية ، ص : 51 ، الهداية 1/122 ، رد المحتار 3/387 ) .

وأصل هذا الأصل حديثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قال : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : إِنَّ الآخَرَ وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي رَمَضَانَ ، فَقَالَ : ” أَتَجِدُ مَا تُحَرِّرُ رَقَبَةً ؟ ” قَالَ : لاَ ، قَالَ : ” فَتَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ؟ ” ، قَالَ : لاَ ، قَالَ : ” أَفَتَجِدُ مَا تُطْعِمُ بِهِ سِتِّينَ مِسْكِينًا ؟ ” . ( أخرجه البخاري ، بَابُ المجَامِعِ فِي رَمَضَانَ ، هَلْ يُطْعِمُ أَهْلَهُ مِنَ الكَفَّارَةِ إِذَا كَانُوا مَحَاوِيجَ ، برقم : 1937 ) . والحديثُ القدسي رواه أبو هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الله تعالى قال :  ” يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي ” . ( أخرجه البخاري ، باب فضل الصوم ، برقم : 1894 ) . وما أخرجه مسلم عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ : ” أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ رَجُلاً أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ ، أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً ، أَوْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ ، أَوْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِيناً ” .   ( باب تغليظ تحريم الجماع في نهار ، برقم : 84 – 1111 ) . وعَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ الَّذِي أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ يَوْماً مِنْ رَمَضَانَ بِكَفَّارَةِ الظِّهَارِ . ( أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ، باب في التغليظ على من أفطر يوماً ، برقم : 8069 ) .

والكفارة تتعلق بالإفساد لهتك حرمة شهر رمضان المبارك على سبيل الكمال ؛ لأن المحرم هو الإفساد ( تبيين الحقائق : 1/328 ) ، كما قال الله تعالى : { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ } [ محمد : 33 ] ، ويتساوى فيه الجماع والأكل والشرب .

والقياس يتقاضى أيضاً أن تجب الكفارة بالأكل والشرب عامداً أيضاً كما تجب بالجماع ؛ لأن الكفارة وجبت للزجر عن إفساد صوم رمضان وهتك حرمته صيانة له في الوقت الشريف ، وفي ذلك يتساوى الجماع والأكل والشرب عمداً ؛ لأن وجود الداعي الطبيعي إلى الأكل والشرب والجماع ، هو الشهوة .

ثم الهتك لايتحقق إلا بالإفساد عامداً من جماع أو أكل أو شرب ، كما يدل عليه دلالة النص مما سبق من الأحاديث الشريفة . ثم الإفساد عامداً لا يكون جنايةً إلا إذا كان من غير عذر ولا سفر على ما نطق به الأحاديث السابقة . ثم الجناية لا تكون على وجه الكمال إلا إذا تحقق الجماع في قبل المشتهاة البالغة ، أو الأكل أو الشرب صورةً ومعنىً .

وَالصورة هي ابْتِلاعُ شَيْئ وإِيصَاله إلَى جَوْفٍ ( العناية : 2/339 ) ؛ لما روي عن عَائِشَةَ أنها قالت : قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” إِنَّمَا الإِفْطَارُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ ” . ( أخرجه أبو يعلى الموصلي في مسنده ، برقم : 4954 ) ، وَوَقَفَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي ” مُصَنَّفِهِ ” عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ .   فَقَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ وَائِلِ بْنِ دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : إنَّمَا الْوُضُوءُ مِمَّا خَرَجَ ، وَلَيْسَ مِمَّا دَخَلَ ، وَالْفِطْرُ فِي الصَّوْمِ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ . ( نصب الراية 2/254 ) . وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِه ( بَابُ الحِجَامَةِ وَالقَيْئ لِلصَّائِمِ ) تَعْلِيقاً ، فَقَالَ : وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَعِكْرِمَةُ : ” الصَّوْمُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ ” .

وَالْمَعْنَى كَوْنُهُ مِمَّا يَصْلُحُ بِهِ الْبَدَنُ مِنْ الْغِذَاءِ أَوْ دَوَاءً ( أصول السرخسي : 2/203 ) .

وعلى هذا لوحَصَلَ الْفِطْرُ بِمَا لا يُتَغَذَّى بِهِ أَوْ لا يُتَدَاوَى بِهِ عَادَةً فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ ؛ لأَنَّ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ يَسْتَدْعِي كَمَالَ الْجِنَايَةِ ، وَالْجِنَايَةُ تَتَكَامَلُ بِتَنَاوُلِ مَا يُتَغَذَّى بِهِ أَوْ يُتَدَاوَى بِهِ لانْعِدَامِ الإِمْسَاكِ صُورَةً وَمَعْنًى ، وَلا تَتَكَامَلُ الْجِنَايَةُ بِتَنَاوُلِ مَا لا يُتَغَذَّى بِهِ ، وَلا يُتَدَاوَى بِهِ ؛ لأَنَّ الإِمْسَاكَ يَنْعَدِمُ بِهِ صُورَةً لا مَعْنًى ؛ لأَنَّ الْكَفَّارَةَ مَشْرُوعَةٌ لِلزَّجْرِ ، وَالطِّبَاعُ السَّلِيمَةُ تَدْعُو إلَى تَنَاوُلِ مَا يُتَغَذَّى بِهِ وَمَا يُتَدَاوَى بِهِ ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إصْلاحِ الْبَدَنِ ؛ فَتَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى شَرْعِ الزَّاجِرِ فِيهِ . وَلا تَدْعُو الطِّبَاعُ السَّلِيمَةُ إلَى تَنَاوُلِ مَا لا يُتَغَذَّى بِهِ وَلا يُتَدَاوَى بِهِ ؛ فَلا حَاجَةَ لِشَرْعِ الزَّاجِرِ فِيهِ .            ( المبسوط للرخسي : 3/138 ) .

وقال العلامة ابن عابدين الشامي معزياً إلى المحيط : ” الأصل أن الكفارة تجب متى أفطر بما يتغذى به ” . وقال في تفسير ” مَا يُتَغَذَّى بِهِ ” : ” وَيَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِمَا يَتَغَذَّى بِهِ مَا يَكُونُ فِيهِ صَلاحُ الْبَدَنِ بِأَنْ كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ عَادَةً عَلَى قَصْدِ التَّغَذِّي أَوْ التَّدَاوِي أَوْ التَّلَذُّذِ ” . ( رد المحتار : 2/410 ) .

والحاصل كما اتضح من ذلك كله أن علة الكفارة هي : جناية الإفساد عامداً على وجه الكمال ، التي يستلزم هتك حرمة شهر رمضان المبارك الفضيل . فعلى هذا : إِذَا أَفْطَرَ الرَّجُلُ مُتَعَمِّداً فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بِأَكْلٍ ، أَوْ شُرْبٍ ، أَوْ جِمَاعٍ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ مَكَانَهُ وَكَفَّارَةُ الظِّهَارِ . وكفارة الظهار هي : أَنْ يَعْتِقَ رَقَبَةً ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ ، فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ ، أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِيناً ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ ، أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ ، أَوْ شَعِيرٍ . ( موطأ مالك برواية محمد بن الحسن الشيباني ، بَابُ مَنْ أَفْطَرَ مُتَعَمِّداً فِي رَمَضَانَ ، رقم : 349 ) .

(3) ضوابط في سقوط الكفارة :

هناك تذكر أصول وأمور توجب سقوط الكفارة عمن أفسد الصوم في شهر رمضان ، وهي على ما يأتي :

الأول : وجود شبهة في وجوب الكفارة ؛ لأن كفارة الفطر في رمضان تسقطها الشبهة ، وبعبارة أخرى أن الكفارة تندفع بالشبهة كما تندرئ بها الحدود . وذكر ملك العلماء العلامة الكأساني أصلاً في صدده ، وهو يقول : ” وَالأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الشُّبْهَةَ إذَا اسْتَنَدَتْ إلَى صُورَةِ دَلِيلٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَلِيلاً فِي الْحَقِيقَةِ بَلْ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ اُعْتُبِرَتْ فِي مَنْعِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَإِلا فَلا ” . ( بدائع الصنائع : 2/100 ) . ولذا لا تجب بالإفطار مع النسيان والخطأ ، وبإفساد صوم مختلف في صحته ( الأشباه والنظائر لابن نجيم المصري : 1/130 ) ، وفي حال مباح ، كذلك لا تجب بوجود سبب مبيح للإفطار ولو بعد إفساد الصوم عمداً .

وَمن ذلك : صُورَةُ السَّفَرِ لأَنَّهُ مُرَخِّصٌ أَوْ مُبِيحٌ فِي الْجُمْلَةِ ، وهي تحدث شبهة في وجوب الكفارة على من أفطر في السفر الشرعي   متعمداً ، مثل : لَوْ كَانَ مُقِيماً فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ ثُمَّ سَافَرَ لا يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ تَرْجِيحاً لِجَانِبِ الإِقَامَةِ فَهَذَا أَوْلى إلا أَنَّهُ إذَا أَفْطَرَ لا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِقِيَامِ شُبْهَةِ الْمُبِيحِ ( البحر الرائق2 : /312 ) . وقال قاضيخان : والأصل عندنا أنه صار في آخر النهار على صفة لو كان عليها في أول النهار ، يباح له الإفطار ، وتسقط عنه الكفارة . ( الخانية بهامش الهندية : 1/ 215 – 216 ) . وَكَذَا لَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ الصَّوْمَ لَيْلاً وَأَصْبَحَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُضَ عَزِيمَتَهُ قَبْلَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَصْبَحَ صَائِماً لا يَحِلُّ فِطْرُهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ ، وَلَوْ أَفْطَرَ ، لا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ . ( البحر الرائق : 2/312 ) .

ومن ذلك : صدور الإفطار خطأً ؛ لأن الله تعالى قد تجاوز عن المسلمين الخطأ والنسيان ، كما ورد في الحديث الصحيح أن أَبِا ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” إِنَّ اللَّهَ قَدْ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ ، وَالنِّسْيَانَ ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ ” . ( ابن ماجة في الطلاق ، بَابُ طَلاقِ الْمُكْرَهِ وَالنَّاسِي ، برقم : 2043 ، وابن حبان في صحيحه ، برقم : 7219 ، والحاكم في المستدرك في الطلاق ، برقم : 2801 ، وقال : هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ ، ووافقه الحافظ الذهبي ) ؛ لأجل ذلك لا تجب الكفارة على من أفطر مخطئاً لا قصداً . والْمُخْطِئُ هُوَ أَنْ يَكُونَ ذَاكِراً لِلصَّوْمِ غَيْرَ قَاصِدٍ لِلأكل والشُّرْبِ ، كَمَا إذَا مضغت المرأة لقمة للصبي الصغير وَهي ذَاكِرة لِلصَّوْمِ ، فسبقت اللقمة إلى حلقها ، أو تَمَضْمَضَ رجل وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلصَّوْمِ فَسَبَقَ الْمَاءُ إلَى حَلْقِهِ ووصل جوفه ، فعليهما القضاء دون  الكفارة ؛ لأنه لا تجب الكفارة إلا إذا وجد الإفطار قصداً ، وهو مفقود هناك ؛ لأنه مخطئ ، ولا كفارة عليه ؛ لعدم قصد الإفساد منه . ( الخانية بهامش الهندية : 1/208 ، رد المحتار : 2/401 ) .

ومن ذلك : لَوْ ذَرَعَهُ الْقَيْئ فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يُفْطِرُ فَأَكَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مُتَعَمِّداً ، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ ، لأَنَّ الشُّبْهَةَ هَهُنَا اسْتَنَدَتْ إلَى مَا هُوَ دَلِيلٌ فِي الظَّاهِرِ لِوُجُودِ الْمُضَادِّ لِلصَّوْمِ فِي الظَّاهِرِ وَهُوَ الْقَيْئ ؛ لأَنَّهُ لا يَخْلُو عَنْ عَوْدِ بَعْضِهِ مِنْ الْفَمِ إلَى الْجَوْفِ ، فَكَانَتْ الشُّبْهَةُ فِي مَوْضِعِ الاشْتِبَاهِ فَاعْتُبِرَتْ . قَالَ مُحَمَّدٌ : إلا أَنْ يَكُونَ بَلَغَهُ ، أَيْ : بَلَغَهُ الْخَبَرُ أَنَّ أَكْلَ النَّاسِي وَالْقَيْءَ لا يُفْطِرَانِ ، فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ لأَنَّهُ ظَنَّ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الاشْتِبَاهِ فَلا يُعْتَبَرُ . وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ بَلَغَهُ الْخَبَرُ وَعَلِمَ أَنَّ صَوْمَهُ لَمْ يَفْسُدْ أَوْ لَمْ يَبْلُغْهُ وَلَمْ يَعْلَمْ . ( بدائع الصنائع : 2/100 ) .

ومن ذلك : لَو أفطر فِي رَمَضَان عَامِداً ثمَّ أصابه عذر فِي يَوْمه من مرض اَوْ غَيره مِمَّا أباح الله بِهِ الإفطار ؛ فإن الْكَفَّارَة تسْقط عَنهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إلا الْقَضَاء ( النتف في الفتاوى للسغدي : 1/143 ) .

ومن ذلك اختلاف فقيه مجتهد صاحب مذهب ُتَّبع معمول به ، مثل : أكل رجل أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ نَاسِياً ، فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ أفسد صومه ، فأكل متعمداً ، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ ؛ لما فيه خلاف الإمام مالك ؛ فإنه قَالَ بِفَسَادِ الصَّوْمِ بِالأَكْلِ نَاسِياً ، وهو المذهب عند المالكية . ( المدونة ، المعتكف يقبل أو يباشر أو يلمس : 1/291 ، الكافي في فقه أهل المدينة لابن عبد البر المالكي ، باب ما يحرم على الصائم ويفسد صومه : 1/243 ، الدر المختار مع الرد : 2/402 ) . وبهذا السبب نشأت شُّبْهَة هَهُنَا اسْتَنَدَتْ إلَى مَا هُوَ دَلِيلٌ فِي الظَّاهِرِ لِوُجُودِ الْمُضَادِّ لِلصَّوْمِ فِي الظَّاهِرِ وَهُوَ الأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالْجِمَاعُ . وعلى ذلك : لو أصبح غير ناوٍ للصوم حتى طلعت الشمس ، ثم أكل عمداً ولو بعد النية قبل زوال الشمس ، فعليه القضاء دون الكفارة ؛ لشبهة خلاف للإمام الشافعي ؛ لأنه لا بدّ أن تكون نية الصوم قبل الفجر عنده ، فلم يصح الصوم حسب مذهبه . ( مختصر المزني ، باب النية في الصوم : 8/152 ) . وقال العلامة ابن عابدين  الشامي : ” ( قَوْلُهُ : لِشُبْهَةِ خِلافِ الشَّافِعِيِّ ) فَإِنَّ الصَّوْمَ لا يَصِحُّ عِنْدَهُ بِنِيَّةِ النَّهَارِ كَمَا لا يَصِحُّ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ . وَهَذَا تَعْلِيلٌ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ دُونَ الْكَفَّارَةِ إذَا أَكَلَ بَعْدَ النِّيَّةِ ” . ( رد المحتار : 2/413 ) .

ومن ذلك : الصور التي يلزم فيها الكفارة بإفساد الصوم ، استفتى فيها المبتلى به مفتياً مؤهلاً معتمداً ، فأفتى له بالفطر ، ثم أكل وأفسد الصوم ، فتسقط الكفارة عنه ؛ فقال قاضي خان متحدثاً عن أسباب توجب القضاء والكفارة : ” وكذا الَّذِي اكْتَحَلَ أَوْ دَهَنَ نَفْسَهُ أَوْ شَارِبَهُ ثُمَّ أَكَلَ مُتَعَمِّداً ، عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إلا إذَا كَانَ جَاهِلاً فاستفتى ، فَأُفْتِيَ لَهُ بِالْفِطْرِ ، فحينئذ لا يلزمه الكفارة ” . ( الخانية بهامش الهندية : 1/208 ) . وكذلك إِنْ احْتَجَمَ فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يُفْطِرُهُ فَأَكَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مُتَعَمِّداً ، إنْ اسْتَفْتَى فَقِيهاً فَأَفْتَاهُ بِأَنَّهُ قَدْ أَفْطَرَ فَلا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لأَنَّ الْعَامِّيَّ يَلْزَمُهُ تَقْلِيدُ الْعَالِمِ فَكَانَتْ الشُّبْهَةُ مُسْتَنِدَةً إلَى صُورَةِ دَلِيلٍ ، وَإِنْ بَلَغَهُ خَبَرُ الْحِجَامَةِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ” أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ ” ؟ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لأَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ وَاجِبُ الْعَمَلِ بِهِ فِي الأَصْلِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً . وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْعَامِّيِّ الاسْتِفْتَاءُ مِنْ الْمُفْتِي لا الْعَمَلُ بِظَوَاهِرِ الأَحَادِيثِ ، لأَنَّ الْحَدِيثَ قَدْ يَكُونُ مَنْسُوخاً وَقَدْ يَكُونُ ظَاهِرُهُ مَتْرُوكاً ، فَلا يَصِيرُ ذَلِكَ شُبْهَةً ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَفْتِ فَقِيهاً وَلا بَلَغَهُ الْخَبَرُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ لأَنَّ الْحِجَامَةَ لا تُنَافِي رُكْنَ الصَّوْمِ فِي الظَّاهِرِ وَهُوَ الإِمْسَاكُ عَنْ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ ، فَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الشُّبْهَةُ مُسْتَنِدَةً إلَى دَلِيلٍ أَصْلاً . وَلَوْ لَمَسَ امْرَأَةً بِشَهْوَةٍ أَوْ قَبَّلَهَا أَوْ ضَاجَعَهَا وَلَمْ يُنْزِلْ فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يُفْطِرُهُ فَأَكَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مُتَعَمِّداً فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لأَنَّ ذَلِكَ لا يُنَافِي رُكْنَ الصَّوْمِ فِي الظَّاهِرِ ، فَكَانَ ظَنُّهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَكَانَ مُلْحَقاً بِالْعَدَمِ إلا إذَا تَأَوَّلَ حَدِيثاً أَوْ اسْتَفْتَى فَقِيهاً فَأَفْطَرَ عَلَى ذَلِكَ فَلا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ أَخْطَأَ الْفَقِيهُ وَلَمْ يَثْبُتْ الْحَدِيثُ لأَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ وَالْفَتْوَى يَصِيرُ شُبْهَةً . وَلَوْ اغْتَابَ إنْسَاناً فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يُفْطِرُهُ ثُمَّ أَكَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مُتَعَمِّداً فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ، وَإِنْ اسْتَفْتَى فَقِيهاً أَوْ تَأَوَّلَ حَدِيثاً لأَنَّهُ لا يُعْتَدُّ بِفَتْوَى الْفَقِيهِ وَلا بِتَأْوِيلِهِ الْحَدِيثَ هَهُنَا ؛ لأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لا يُشْتَبَهُ عَلَى مَنْ لَهُ سِمَةٌ مِنْ الْفِقْهِ وَهُوَ لا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الْمَرْوِيِّ    ” الْغِيبَةُ تُفْطِرُ الصَّائِمَ ” حَقِيقَةَ الإِفْطَارِ فَلَمْ يَصِرْ ذَلِكَ شُبْهَةً . ( بدائع الصنائع : 2/100 ) .

والثاني : سقوط الكفارة بقصور الجناية ؛ فلا تجب الكفارة بأكل وشرب ما لا يتغذى به ، ولا يتداوى به ، ولا يتلذذ به ، ولا يتناول عادةً ، كالحصاة ، والتراب ، والحديد ، والدم ونحوها ؛ بل يجب القضاء فقط ؛ لأنه لم يوجد الإفطار كاملاً ، وهو الأكل والشرب صورةً ومعنىً ، وبهما تتحقق الجناية كاملاً . ( الخانية : 1/208 ، بدائع الصنائع : 2/99 ، وحاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ، ص : 368 ، ورد المحتار : 2/410 ) . وقال ابن نجيم المصري : ” وَأَمَّا إذَا ابْتَلَعَ مَا لا يُتَغَذَّى بِهِ ، وَلا يُتَدَاوَى بِهِ كَالْحَصَاةِ وَالْحَدِيدِ فَلِوُجُودِ صُورَةِ الْفِطْرِ ، وَلا كَفَّارَةَ لِعَدَمِ مَعْنَاهُ ، وَهُوَ إيصَالُ مَا فِيهِ نَفْعُ الْبَدَنِ إلَى الْجَوْفِ فَقَصُرَتْ الْجِنَايَةُ ، وَهِيَ لا تَجِبُ إلا بِكَمَالِهَا فَانْتَفَتْ ” . ( البحر الرائق : 2/277 ) .

نعم ! إن تعود أحد من الناس بأكل التراب ، ويتلذذ به ، وكذلك إن لم يتعود به إلا أكله مرةً أخرى لأجل المعصية وهو الإفطار عمداً ، فعليه القضاء والكفارة زجراً له ، كما قال في البحر الرائق عن القنية : ” أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى بِتُرَابٍ أَوْ مَدَرٍ لأَجْلٍ الْمَعْصِيَةِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ زَجْراً لَهُ وَكَتَبَ غَيْرُهُ نَعَمْ الْفَتْوَى عَلَى ذَلِكَ وَبِهِ أَفْتَى أَئِمَّةُ الأَمْصَارِ ، . . . وَهُوَ لا يَتَأَتَّى فِي الْحَصَاةِ وَكَذَا كُلُّ مَا لا يُتَغَذَّى بِهِ ، وَلا يُتَدَاوَى بِهِ كَالْحَجَرِ وَالتُّرَابِ وَالدَّقِيقِ عَلَى الأَصَحِّ وَالأُرْزِ وَالْعَجِينِ وَالْمِلْحِ إلا إذَا اعْتَادَ أَكْلَهُ ” . ( البحر الرائق : 2/275 ، أنظر أيضاً : الدر المختار ورد المحتار : 2/407 ) .

وقال العلامة ابن عابدين الشامي في شرح ” مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى ” :       ” مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى إلَخْ ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ بِالْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَلَوْ حَصَلَ فَاصِلٌ بِأَيَّامٍ وَأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْمَعْصِيَةَ وَهِيَ الإِفْطَارُ لا تَجِبُ ” .     ( رد المحتار : 2/407 ) .

والثالث : سقوط الكفارة بالإكراه والاضطرار إلى الإفطار ، كما إذا لدغته حيّة ، فأفطر بشرب الدواء ، إن كان ذلك ينفعه فلا بأس به ، هكذا صرح به الفقهاء . ( الخانية بهامش الهندية : 1/202 ) . كذلك لا تجب الكفارة إذا أكره الصائم على الإفطار ، مثلاً : قيل للصائم : إن لم تفطر أقتلك ، وفي يده سيف أو بندوق أو نحو ذاك من آلات مهلكة فتاكة ، فأفطر مكرهاً وقلبه لايرضى به ؛ لأن الشريعة الإسلامية المطهرة قد تجاوزت عن المضطر المكَره في الأحكام ورفعت عنه المعصية ووِزرَها ولو كانت خطيرةً كبيرةً ، كما نطق به القرآن الكريم في مواضع ، حيث استثنى المضطر ممن حرم عليهم من أعمال وأشياء محرمة ؛ فقال الله تعالى : { فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } . [ البقرة : 173 ، أنظر أيضاً : المائدة : 3 ، الأنعام : 145 ، النحل : 115 ] . وروي عن أَبِي هُرَيْرَةَ أنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” إِنَّ اللَّهَ يُجَاوِزُ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسُهَا وَمَا أُكْرِهُوا عَلَيْهِ إِلا أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِهِ وَيَعْمَلُوا بِهِ ” .( أخرجه ابن ماجة في الطلاق ، بَابُ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ وَالنَّاسِي ، برقم : 2044 ،  والدارقطني في النذور ، برقم : 4352 ، والبيهقي في السنن الكبرى ، برقم : 20014) . وفي رواية صحيحة أخرى في سنن ابن ماجة ( الطلاق ، بَابُ طَلاقِ الْمُكْرَهِ وَالنَّاسِي ، رقم : 2043 ) ، وصحيح ابن حبان ( رقم : 7219 ) ، والمستدرك للحاكم في الطلاق ( رقم : 2801 ) : ” وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ ” . وعلى هذا قال الفقهاء : وَلو أَكَلَ مُكْرَهاً فسد صومه ، وعليه القضاء دون الكفارة    ( الخانية بهامش الهندية : 1/202 ) ؛ لأن الجناية انتقصت بسبب الإكراه لأجل المكرَه مفقود القصد في الإفطار في الحقيقة .

(4) ضوابط فيما يفسد الصوم وما لا يفسده :

(1) وإن استعمل شيئاً في الجسد ما سوى المنافذ الفطرية ، ووجد طعمه في حلقه ، لا يفسد صومه ؛ لأن الموجود في حلقه هو أثر الشيئ لا عينه ، والصوم يفسد بدخول العين لابأثره ، كمثالٍ : دهن رأسه أو أعضاءه ، فتشرب فيه ، أو اكتحل عينه ، ثم وجد في حلقه طعمه ، لا يفسد به الصوم ؛ لأن الداخل من غير المنافذ الفطرية هو الأثر دون العين . ( بدائع الصنائع : 2/93 ، ط : نعيميه ديوبند ، الهند ) . وعلل العلامة ابن عابدين الشامي عدم الفساد معزياً إلى النهر بقوله : ” قَالَ فِي النَّهْرِ ؛ لأَنَّ الْمَوْجُودَ فِي حَلْقِهِ أَثَرٌ دَاخِلٌ مِنْ الْمَسَامِّ الَّذِي هُوَ خَلَلُ الْبَدَنِ وَالْمُفْطِرُ إنَّمَا هُوَ الدَّاخِلُ مِنْ الْمَنَافِذِ للاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ مَنْ اغْتَسَلَ فِي مَاءٍ فَوَجَدَ بَرْدَهُ فِي بَاطِنِهِ أَنَّهُ لا يُفْطِرُ ” . ( رد المحتار : 3/395 – 396 ) .

(2) الصوم هو ترك الأكل والشرب والجماع من الصبح الصادق إلى غروب الشمس بنية قربة من أهله . والمراد بترك الأكل إدخال شيئ بطنه أعم من كونه مأكولاً أو غير مأكولٍ . ( كنز الدقائق والبحر الرائق : 2/259 ، الجوهرة النيرة : 1/135 ، اللباب : 1/163 ، 165 ، رد المحتار : 3/371 ) .

ظهر من ذلك أن الصوم يفسد بإدخال شيئ من أهله بطنه عمداً ، سواءً كان يصلح بدنه ، أو لا ، وأما فساد الصوم بوصول شيئ إلى الدماغ ؛ فإن بين الدماغ والجوف منفذاً ، فما وصل إلى الدماغ وصل إلى الجوف . ( البحر الرائق : 2/259 ) .

الإفطار على نوعين : الأول : صورةً ، والثاني معنىً .

والصورة هي : ابْتِلاعُ شَيْئ وإدخاله في جوف من منفذ الفم قصداً       ( العناية : 2/339 ، بدائع الصنائع : 2/93 ، 99 ، 100 ، رد المحتار : 3/368 ) ؛ لما روي عن عَائِشَةَ رضي الله عنها أنها قالت : قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” إِنَّمَا الإِفْطَارُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ ” . ( أخرجه أبو يعلى الموصلي في مسنده ، برقم : 4954 ) ، وَوَقَفَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي      ” مُصَنَّفِهِ ” عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ . فَقَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ وَائِلِ بْنِ دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : إنَّمَا الْوُضُوءُ مِمَّا خَرَجَ ، وَلَيْسَ مِمَّا دَخَلَ ، وَالْفِطْرُ فِي الصَّوْمِ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ ( نصب الراية : 2/254 ) . وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِه ( بَابُ الحِجَامَةِ وَالقَيْئ لِلصَّائِمِ ) تَعْلِيقاً ، فَقَالَ : وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَعِكْرِمَةُ : ” الصَّوْمُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ ” .

وَالْمَعْنَى كَوْنُهُ مِمَّا يَصْلُحُ بِهِ الْبَدَنُ ويتقوى أو يتلذذ به من المأكولات والمشروبات . ( أصول السرخسي : 2/203 ، بدائع الصنائع : 2/93 ، 99 ، 100 ، رد المحتار : 3/368 ) .

وإن تحقق كلاهما فسد الصوم ووجب القضاء والكفارة جميعاً ، وإن وجد الإفطار الصوري يفسد الصوم ويجب القضاء دون الكفارة لعدم وجود معناه . ويقول ملك العلماء الكأساني : ” وَلَوْ أَكَلَ مَا لا يُتَغَذَّى بِهِ وَلا يُتَدَاوَى : كَالْحَصَاةِ ، وَالنَّوَاةِ ، وَالتُّرَابِ ، وَغَيْرِهَا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ . . . هَذَا إفْطَارٌ صُورَةً لا مَعْنىً . ( بدائع الصنائع : 2/255 ، أنظر أيضاً : البحر الرائق : 2/277 ) .

(3) ويشترط لفساد الصوم في الإفطار الصوري أن ما يدخل في الجوف أن يستقر فيه إذا كان الشيئ المتجاوز للحلقوم عبر الفم جامداً ؛ فيقول العلامة ابن عايدين الشامي : ” أَنَّ مَا دَخَلَ فِي الْجَوْفِ إنْ غَابَ فِيهِ فَسَدَ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالاسْتِقْرَارِ وَإِنْ لَمْ يَغِبْ بَلْ بَقِيَ طَرَفٌ مِنْهُ فِي الْخَارِجِ أَوْ كَانَ مُتَّصِلاً بِشَيْئ خَارِجٍ لا يَفْسُدُ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِهِ ” . ( رد المحتار : 3/368 ) .

فالحنفية اشترطوا لتحقق الفطر بعد الدخول في الجوف : الاستقرار ، ويقصدون بالاستقرار : الانفصال الكامل عن الخارج ، كما يفيده قول المحقق ابن عابدين الشامي السابق آنفاً .

وعند المالكية يفسد الصوم بتحقق وصول شيئ إلى الحلق ، والاستقرار داخل الجوف ليس بشرط ؛ فيقول الزرقاني المالكي :           ” والمذهب أن الفطر يتحقق بوصوله إلى الحلق ” . ( شرح الزرقاني : 2/204 ) . كذلك الشافعية والحنابلة لم يشترطوا الاستقرار في الجوف أيضاً مثل المالكية ، فيقول الإمام النووي : ” قَالَ الشَّافِعِيُّ والأصحاب رحمهم الله إذا ابتلع الصائم ما لا يُؤْكَلُ فِي الْعَادَةِ كَدِرْهَمٍ وَدِينَارٍ أَوْ تُرَابٍ أَوْ حَصَاةٍ أَوْ حَشِيشاً أَوْ نَاراً أَوْ حَدِيداً أَوْ خَيْطاً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ أَفْطَرَ بِلا خِلافٍ عِنْدَنَا ” . المجموع شرح المهذب : 6/317 ، أنظر أيضاً : روضة الطالبين : 2/358 ) .

وسوّى الحنابلة بين المتحلل وغيره ، فقال ابن قدامة : ” يفطر بكل ما أدخله إلى جوفه . ( المغني لابن قدامة : 4/335 ) . ويقول البهوتي عادّاً لما يترتب عليه الفطر : ” ( أَوْ أَدْخَلَ إلَى جَوْفِهِ شَيْئًا ) مِنْ كُلِّ مَحَلٍّ يَنْفُذُ إلَى مَعِدَتِهِ ( مُطْلَقاً ) أَيْ : سَوَاءٌ كَانَ يَنْمَاعُ وَيُغَذِّي أَوْ لا ، كَحَصَاةٍ وَقِطْعَةِ حَدِيدٍ وَرَصَاصٍ ، وَنَحْوِهِمَا وَلَوْ طَرَفَ سِكِّينٍ مِنْ فِعْلِهِ أَوْ فِعْلِ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ فَسَدَ صَوْمُهُ ” . ( شرح منتهى الإرادات : 1/448 ) .

فبناءً على شرط الاستقرار في الجوف عند الحنفية وعدمه عند غيرهم من المالكية والشافعية والحنابلة : يتفرع أن المسبار النافذ من المرئ إلى المعدة ، والذي بقي طرفه الأعلى خارج الفم لا يضر الصوم ولا يفسده عند الحنفية خلافاً للجمهور ( المالكية والشافعية والحنابلة ) ، فيفسد الصوم عندهم ، وإذا كان إدخاله إلى المرئ يتم بطلاء ظاهره بمرهمٍ ميسّر لدخوله يفسد الصوم باتفاقهم ، وعلماً بأنه يترتب عليه الفطر عند الحنفية بالطلاء لا بالمسبار ذاته .

ويظهر بالتأمل أن المذهب الحنفي في هذه المسألة راجح بما يؤيده ما رُوي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” إِنَّمَا الإِفْطَارُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ ” . ( أخرجه أبو يعلى الموصلي في مسنده ، برقم : 4954 ) ، وَوَقَفَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي ” مُصَنَّفِهِ ” عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ . فَقَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ وَائِلِ بْنِ دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : إنَّمَا الْوُضُوءُ مِمَّا خَرَجَ ، وَلَيْسَ مِمَّا دَخَلَ ، وَالْفِطْرُ فِي الصَّوْمِ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ . ( نصب الراية : 2/254 ) . وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِه ( بَابُ الحِجَامَةِ وَالقَيْئ لِلصَّائِمِ ) تَعْلِيقاً ، فَقَالَ : وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَعِكْرِمَةُ : ” الصَّوْمُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ ” . والإفطار مما دخل لا يتم ولا يطلق عليه ” الفطر ” إلا إذا استقر في الجوف وغاب فيه ، وإن كان يبقى طرف منه في الخارج أو كان متصلاً بشيئ خارج لا يطلق عليه ” الفطر ” لعدم استقراره ، كما يفهم ذلك حسب ما عرف به الناس .

(5) مشابهة الصائم :

يجب على من أفطر خطأً ، أو عمداً في رمضان ، أو يوم الشك ثم تبين أنه رمضان ، أن يمسك نفسه من تناول المفطرات من الأكل والشرب والجماع بقية يومه كالصائمين مشابهةً لهم واحتراماً لصوم شهر رمضان المبارك الفضيل ، وإبقاءً لحرمته وقدسيته ؛ لما أمرنا بذلك ومنعنا من انتهاك حرمة الصيام وشهر رمضان المكرم ، ويستثنى من هذا الحكم : المريضُ ، والمسافر ، والحائض ، والنفساء ، فيباح لهم أن يتناولوا المفطرات ( رد المحتار : 2/407 ، الخانية بهامش الهندية : 1/218 ) ، لا على أعين الناس ولا على رؤوس الأشهاد على الطرق والشوارع ؛ بل ينبغي أن يكونوا في بيوتهم في زاوية من زواياها ، إلا أن المريض قد صحّ ، والمسافر أصبح مقيماً ، والحائض والنفساء قد انقطع دمهما وطهرتا وهم غير صائمين ، فيلزم عليهم أن يقضوا بقية يومهم أيضاً كمن أفطر خطأً أو عمداً كالصائم ، لزوال الأعذار التي أباحت لهم تناول المفطرات .

(6) الاحتياط :

متى شك في صحة الصوم وفساده ، ينبغي أن يعمل بالاحتياط ، كمثالٍ : من اشتبه عليه بقاء الليل وطلوع الفجر لايأكل السحر عملاً بالاحتياط ، كذلك إن شك في بقاء النهار وغروب الشمس ، فلا يفطر عملاً به ، حتى استيقن أو يغلب الظن غروبها ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” إِنَّ الْحَلالَ بَيِّنٌ ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ ، وَعِرْضِهِ ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ ” . ( أخرجه مسلم في المساقات والمزارعات ، باب أخذ الحلال وترك الشبهات ، برقم : 107 – 1599 ، والبخاري في الإيمان ، باب فضل من استبرأ لدينه ، برقم : 52 ) . وعَنْ أَبِي الحَوْرَاءِ السَّعْدِيِّ ، قَالَ : قُلْتُ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ : مَا حَفِظْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لا يَرِيبُكَ ، فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ ، وَإِنَّ الكَذِبَ رِيبَةٌ ” . ( أخرجه الترمذي في أبواب صفة القيامة ، برقم : 2518 ، وقال : هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ ، والبخاري عن حَسَّان بْن أَبِي سِنَانٍ ، في البيوع ، بَابُ تَفْسِيرِ المُشَبَّهَاتِ : 1/275 ، ط : الهند ، والنسأئي برقم : 5711 ، وابن حبان في صحيحه ، برقم : 722 ، والحاكم في المستدرك ، برقم : 2169 ، وقال : هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ ، ووافقه الحافظ الذهبي ) .

وعلى هذا كره ذوق شيئ ومضغه بلا عذرٍ ؛ لما فيه من تعريض الصوم للفساد ( كنز الدقائق والبحر الرائق : 2/279 ، الدر المختار ورد المحتار : 3/416 ) ، ووضع الفقهاء أصلاً في العبادات ، فقالوا : ” الأخذ في العبادات بالاحتياط أصل ” ( البناية للعيني : 3/126 ، 4/155 ) . ونقله الفقيه السرخسي عن الإمام أبي حنيفة أنه قال : ” الأخذ بالاحتياط في العبادات أصل ” .   ( المبسوط للسرخسي : 1/246 ، اقتداء المسافر بالمقيم ) . وقال في المحيط البرهاني ( 1/268 ، الفصل التاسع في النفاس ) :           ” الاحتياط في العبادات واجب ” . وقال الزيلعي : ” الاحتياط في العبادات الإيجاب ” . ( تبيين الحقائق : 1/262 ) . وأتى العلامة ابن عابدين الشامي بعدهم ، وأمعن النظر في الحديثين السابقين وأقوال الفقهاء العظام الكرام وقال في الآخر كأصل في الفقه الإسلامي : ” الأخذ بالاحتياط في باب العبادات واجب ” . ( رد المحتار : 2/366 ) .

* عميد كلية البحث والتحقيق والإفتاء بجامعة العلوم غرها – غجرات .