تطور الصحافة العربية في العالم العربي : أسبابه وأساليبه

حركة تحرير المرأة في مصر : دراسة عامة
يناير 9, 2023
العروض العربي بين الأصالة والاستعارة
يناير 9, 2023
حركة تحرير المرأة في مصر : دراسة عامة
يناير 9, 2023
العروض العربي بين الأصالة والاستعارة
يناير 9, 2023

دراسات وأبحاث :

تطور الصحافة العربية في العالم العربي : أسبابه وأساليبه

الأستاذ ملك محمد أحمد الندوي ، لكناؤ ( الهند )

نشأة الصحافة العربية في البلدان العربية :

من المعروف أن البلدان العربية وخاصةً مصر تأثرت كثيراً بالاستعمار الفرنسي لمصر الذي دام لمدة ثلاث سنوات فقط ، حينما هجم الفرنسيون على مصر في عام 1798م ، وكان هذا الفتح الفرنسي لمصر ذا فوائد جمة ، فبه فتحت أبواب الثقافة والحضارة الغربية للمصريين بصفة خاصة ، وللعرب بصفة عامة حيث انتشرت النهضة العلمية والأدبية في البلدان العربية بعد هذا الفتح ، وحينما احتل الفرنسيون مصر أدخلت معهم آلات الطباعة ، والتي عرف استخدامها المصريون في فترة بسيطة ، فبدأت بذور الصحافة تغرس في  مصر والعالم العربي ، وبعد دخول الفرنسيين بعامين صدرت أول صحيفة عربية مطبوعة في عام 1800م ، فيمكن القول : إن نشأة الصحافة العربية ما كانت إلا نتيجة اتصال العرب بالغرب عن طريق حملة نابليون بونابارت الأول ( 1769م – 1821م ) على مصر عام 1798م ، وفي عام 1800م أصدر نابليون بونابارت فرماناً بإصدار نشرة باللغة العربية ، فقام بعض القواد الفرنسيين بإصدار جريدة شبه عسكرية تحت إشراف الشيخ الخشاب ، كان اسم هذه الصحيفة  ” التنبيه [1] ” ينشرون فيها ما يجري في الدوائر الحكومية ويفرقونها على العمال ، وكان يحررها السيد إسماعيل خشاب ، فهي كالصحيفة العسكرية أو القضائية ، ولكنها اختفت بعد وقت قليل [2] .

ومن عام 1801م حتى عام 1827م لم تصدر جريدة عربية في البلدان العربية ، وقام محمد علي بإصدار جريدة باسم ” جورنال الخديوي ” سنة 1827م في مصر ، وكانت هذه الجريدة بمثابة نشرة شهرية تنقل للناس أهم الأخبار في البلاط وفي مصر ، وبعد سنة من إصدارها أي 1828م تغيّر اسمها إلى ” الوقائع المصرية ” ، وكانت بمثابة لسان حال الحكومة واستمر إصدارها طوال القرن التاسع عشر المسيحي تقريباً .

هذا ، وقد قامت الحكومة الفرنسية في شمال إفريقيا بإصدار جريدة هناك في عام 1847م ، لكي تكون وسيلةً للتفاهم بينهما وبين السكان الأصليين العربي ، وسميت هذه الجريدة باسم ” المبشر ” والتي صدرت من مدينة الجزائر ، وكانت نصف شهرية تنطق بلسان فرنسا ، وهي تعتبر ثالث جريدة عربية في العالم ، وقام رزق الله حسون الحلبي  بتأسيس صحيفة عربية باسم ” مرآة الأحوال ” في مدينة ” الآستانة ” حاضرة بني عثمان سنة 1855م ، وهو بهذا يعتبر أول عربي قام بتأسيس صحيفة عربية [3] .

الأوضاع التي نشأت فيها الصحافة العربية :

إن الصحافة العربية بدأت مسيرتها عند ما كانت الدول العربية تمر بمرحلة عصيبة من تاريخها ، وكانت الدول العربية تعاني من حياة البؤس والضنك والإعسار ، وكان الجهل سائداً في جميع أنحاء الدول العربية ، ولم يتحدث واحد عن إنشاء المعاهد والكليات ونشر التعليم والثقافة ، وانقضى عصر الخلفاء ، وليس من العرب أو الترك الآن علماء في الرياضيات أو الفلك أو الموسيقي ، أو الطب وعلم النجوم والكلام والفلسفة .

في هذه الأوضاع العصيبة جاء الفرنسيون بقيادة نابليون بونا برت عام 1798م ، وأقاموا فيها حوالي ثلاث سنوات لم يهدأ في أثنائها ، ولم تستقر أقدامهم ، والحرب قائمة بينهم وبين المصريين أو العثمانيين .

يتحدث المؤرخ الدكتور شوقي ضيف ، معرباً عن هذه الأوضاع السائدة :

” في هذه الأثناء نزلت الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونا برت في مصر عام 1798م ، ومكثت نحو ثلاث سنوات كانت جميعها جهاداً عنيفاً وصراعاً مريراً قاسياً بين الشعب المصري والمعتدين ” [4] .

من المعلوم أن الحملة الفرنسية على مصر بقيادة نابليون بونا برت عام 1798م لعبت دوراً رئيسياً في النهضة العربية الحديثة ، وهي الحملة التي عرفت من خلالها البلدان العربية ولاسيما مصر فن الطباعة والصحافة العربية ، قبل هذه الحملة كانت البلدان  العربية تواجه العطل الشديد والعقم والجمود وانقطعت الصلة بينهم وبين العصر العباسي الذهبي ، ومشيراً إليها يقول الدكتور شوقي ضيف :

” وانقطعت الصلة بينهم وبين الكتب العلمية الأولى التي ألفت في العصر العباسي ، والتي ألفت في العصر القريب منهم عصر المماليك ، قلما تجد من يعرف شيئاً عن كتب الأئمة مثل الشافعي أو الفلاسفة مثل الفارابي أو المفكرين الاجتماعيين مثل ابن خلدون ، لم تعد العلوم شيئاً سوى متون مثل منهج للشيخ زكريا الأنصاري الذي جمع فيه كل مسائل الفقه الشافعي ” [5] .

أما من الناحية الأدبية والعقلية فقد كان للفرنسيين أثر كبير واضح في هذا المجال ، ومن المعلوم أن بونا برت جاء إلى مصر ، وكان معه نخبة من العلماء والخبراء والصناع البارعين المتخصصين في مختلف العلوم التاريخية والطبيعية والرياضية وغيرها ، وقام بتأسيس المعاهد الدراسية والمجامع العلمية والمعامل والمكتبات والمطابع ، وأيقظ الشعور بين المصريين بوجه خاص وبين العرب بوجه عام تجاه تقدم مستوى الحياة .

وإلى هذا يشير المستشرق الكبير جرجي زيدان قائلاً :

” نزل بونا برت مصر في أواخر القرن الثامن عشر ، فأقام جنده فيها ثلاث سنوات لم يهدأ في أثنائها بالهم ولم تستقر أقدامهم والحرب قائمة بينهم وبين المصريين أو العثمانيين ، ولكنه أتى مع حملته بحملة علمية ، فيها طائفة من العلماء والصناع اغتنموا الفراغ والقلاقل أحياناً ، وأخذوا في تأسيس المعاهد العلمية . . . وأقاموا من المصانع والمعامل للورق  والأقمشة ، وبنوا أماكن للأرصاد الفلكية والرياضيات والنقش والرسم والتصوير ” [6] .

الأساليب الأدبية عند تطور الصحافة العربية :

لو أمعنا النظر في أساليب الكتابة القديمة وخصوصاً في الأساليب السائدة في القرن الأول الهجري لوجدنا أن أسلوبين متغايرين كانا سائدين : أحدهما فني يغلب عليه السجع ، وذلك كان منحصراً إلى حد بعيد على الشؤون الدينية والأخلاقية ، وثانيهما طبيعي مطلق من قيود السجع ، وكان شائعاً في المعاملات العامة من سياسية وإدارية ، ولكن بحول العصر العباسي بدأت أوضاع الأساليب الأدبية تتغير وتتحول بل تتحرر من قيود السجع ، وبرز أسلوب التوازن والترسل في الكتابة الأدبية كما نرى في كتابات الجاحظ ومعاصريه ، وفي كتاباتهم تسود الأناقة الفنية بدون أن يتقيد بسجع أو محسنات بديعية ، ولكن هذه الأوضاع لم تستمر إلى مدة طويلة ، ولم نكد نصل إلى منتصف القرن الرابع للهجرة حتى طغى السجع والتأنق البديعي على أساليب الكتابة الأدبية ، وازداد هذا الطغيان مع مرور الأيام كما يتجلى ذلك في أساليب ابن العميد والقاضي الفاضل ومن تابعهما من الكتاب العرب الآخرين .

والجدير بالذكر أن الكتاب القدماء من أهل القرنين الرابع والخامس كانوا مع تأنقهم البديعي يهتمون بالحفاظ على متانة اللغة والعبارة وجزالة الأسلوب ، ولكن مع مرور الزمن دخلت بذور الفساد في الكتابة الأدبية ، ولم نكد ندخل في العهد العثماني حتى نجد الكتابة الأدبية فارغةً من القيم الأدبية الرفيعة والإنسانية العالية والمعاني القيمة ، وما زالت الأوضاع كذلك حتى تفاقم أمرها في القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر للميلاد حين حبط الإنشاء الأدبي إلى الحضيض الأسفل ، وارتدى الملابس البالية من الغثاثة والركاكة .

ويتبلور هذا النوع من الأسلوب الأدبي أكثر وضوحاً مما أشار إليه الأستاذ شوقي ضيف فيقول :

” وكان الأزهريون إلى قريب من عصرنا يحفظون ما يسمى مجموع المتون ، وهو مجموع يحصي كل أنواع العلم العربي ويحيله جملاً مبهمةً في شعر أو نثر للحفظ والتسميع ، وكان العلماء شعروا بأنه لم يعد هناك شيئ يقال : علم حقيقي ، فهم الواحد منهم أن يتناول المتن الذي لخص فيه العلم أو بعبارة أخرى أو بعبارة أدق لغز ليحله ، وقد يكتب في الحل شرحاً مبهماً ، ليس في كثير من الأمر خيراً من المتن ، فيعمد عالم آخر إلى حل الشرح بشرح ثان يسمونه حاشية ، ويتبين لعالم ثالث أو    رابع أن شرح الشرح ليس كافياً ، فيعمد إلى التعليق عليه بما يسمى تقريراً ” [7] .

على كل حال ، شعر بعض الأدباء والكتاب المهتمين باللغة العربية في العصر الحديث بالقلق بهذا النوع من الأساليب ، فدعوا إلى إصلاح اللغة ونبذ الألفاظ والعبارات الفارغة من المعاني القيمة والمثل العليا وإلى الرجوع إلى المناهج التي اختطها الأئمة السابقون في نهج البلاغة وأقوال الجاحظ ورسائل ابن المعتز والخوارزمي والزمخشري وبديع الزمان والحريري وأمثالهم ، واتجهوا إلى التجديد في أساليب الكتابة ، فتمكنوا من إحياء اللغة العربية ورفع المستوى الإنشائي وحمايتها من التكلف البديعي وإسفاف العامية وركاكة العجمة ولو كان تدريجياً ، ويرجع الفضل في ذلك أسياسياً إلى عاملين رئيسين : (1) المدارس         (2) ونشوء الصحافة .

وقد لعبت الصحافة في ذلك دوراً رئيسياً في تحسين أوضاع اللغة العربية : ” كانت الصحافة وسيلةً لإدخال الفكر مع اللغة في دور من الديمقراطية ، والذين رصدوا هذا التحويل في اللغة في الغرب قالوا : إن لغةً خاصةً قبل ظهور الصحافة كانت تنتج وتكتب وتقرأ ولا تفهم إلا من الخاصة فقط ، لكن عند ما ظهرت الصحافة كانت مؤسسات ، جانب منها بلا شك وطني وخيري ، لكن كان منها أيضاً جانب تجاري ، والجانب التجاري يسعى إلى أن يظفر بأكبر عدد من القراء ، من أجل هذا كان لابد أن تتحول اللغة بحيث يفهمها ويحبها ويقبل عليها هذا العدد الكبير من القراء ” [8] .

بدأت الصحافة مسيرتها هزيلةً ضعيفة اللغة مع ميل إلى تسجيع العبارة ، كما جاء في العدد الأول من الوقائع المصرية :

” الحمد لله بارئ الأمم ، والسلام على سيد العرب والعجم ، أما بعد : فإن تحريم الأمور الواقعة مع اجتماع بني آدم ، المتدبجين في صحيفة هذا العالم ، ومن ائتلافهم وحركاتهم وسكونهم ومعاملاتهم ، ومعاشراتهم التي حصلت من احتياج بعضهم بعضاً ، هي نتيجة الانتباه والتبصير بالتدبير والإتقان ، وإظهار الغيرة العمومية وسبب فعال منه يطلعون على كيفية الحال والزمان ” [9] .

هكذا بدأت الصحافة العربية مسيرتها ، ولكن لم تلبث أن تغيرت أساليبها وتطورت لغتها ، فبدأ الصحفي يعالج موضوعه معالجة المصور يرسم ما يؤيد تصويره حتى يبرز لعين الناظر صحيحاً سليماً ، وتقدمت الصحافة بتقدم العالم العربي عمرانياً ، وبتزايد احتكاكه بالعالم الخارجي ، حتى صار الجمهور يعتمد عليها للاطلاع على الأخبار والحصول على المعلومات العامة ، وذلك بدوره كان حافزاً للصحفيين على إرضاء الجمهور بتقديم الأخبار والمعلومات له في شكل سهل مستساغ .

يقول المؤرخ الدكتور شوقي ضيف : ” فملأت الصحافة فيه هذا الفراغ ، ووصلته بالآداب الغربية وما فيها من دراسات في شئون الحياة وحقائق العلوم والمذاهب الفلسفية ، وأخذ يعبر هذا الأدب عن حاجاتنا في موضع الحاجات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وكل ما أردناه من إصلاح في الدين وغير الدين ، بل لقد أوجد لنا صوراً أدبيةً جديدةً لم يكن لنا بها عهد، من مثل المقالة والقصة ” [10] .


[1] أديب مروه ، الصحافة العربية : نشأتها وتطورها ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، 1961م ، ص 142 .

[2] الدكتور أحمد هيكل ، تطور الأدب الحديث في مصر ، دار المعارف ، 1994م ، ص 25 – 26 .

[3] أحمد حسن الزيات ، تاريخ الأدب العربي ، دار المعرفة ، بيروت ، 1993م ، ص 315 – 316 .

[4] الدكتور شوقي ضيف ، الأدب العربي المعاصر في مصر ، دار المعارف ، القاهرة ، 1961م ، ص 12 .

[5] الدكتور شوقي ضيف ، الأدب العربي المعاصر في مصر ، دار المعارف ، القاهرة ، 1961م ، ص 19 .

[6] جرجي زيدان ، تاريخ آداب اللغة العربية ، ج 4 ، ص 371 .

[7] نفس المصدر .

[8] الدكتور حسن محمد توفيق ظاظا ، ماذا يريد التربويون من الإعلاميين ، ج 2 ، مكتبة التربية العربي لدول الخليج ، المملكة العربية السعودية ، 1984م ، ص  78 .

[9] الوقائع المصرية ، العدد1 ، 1828م ، نقلاً عن الاتجاهات الأدبية في العالم العربي الحديث لأنيس المقدسي ، دار العلم للملايين ، بيروت ، 1967م ، ص 449 .

[10] الدكتور شوقي ضيف ، الأدب العربي المعاصر في مصر ، دار المعارف ، القاهرة ، 1961م ، ص 36 .