اليهود في القرآن وفي عالم اليوم : مقارنة من أرض الواقع

دور خريجي دار العلوم لندوة العلماء في اللسانيات العربية ( الحلقة الأولى )
أكتوبر 12, 2021
نظرة على مصادر المـذهب الحنـفي ومراجعه
نوفمبر 3, 2021
دور خريجي دار العلوم لندوة العلماء في اللسانيات العربية ( الحلقة الأولى )
أكتوبر 12, 2021
نظرة على مصادر المـذهب الحنـفي ومراجعه
نوفمبر 3, 2021

دراسات وأبحاث :

اليهود في القرآن وفي عالم اليوم : مقارنة من أرض الواقع

الباحث محمد سنان بي النوراني *

إن لليهود في سجلات التاريخ وصفحاته ، تاريخَ غدر وخيانة ونقض عهود ومواثيق وسفك دماء وهتك أعراض ، بدءً من عهد أوائل الأنبياء والمرسلين إلى بني إسرائيل عبر عهود موسى وعيسى ومحمد عليه وعليهم السلام حتى اليوم . وتتجلى هذه الحقيقة في أحسن رينقها وأتمه من القرآن الكريم والسيرة النبوية . ولقد فسر القرآن الكريم أخلاق اليهود وأوصافهم وأحداثهم في كثير من صفحاته . وفيها ما يكفى الناس لأَن يتقوا اليهود ويحذروهم .

فقد ذكر الله تعالى عن اليهود في سورة البقرة ما يقرب من مأة آية ليعرفهم المؤمنون فيحذروهم كما أطال الحديث عن المنافقين . ولكن خطر النفاق وإِن جلّ فهو ضئيل بالنسبة لخطر اليهود ، وكيف لا واليهود لعنهم الله هم الذين أضلوا المنافقين والمشركين على حد سواء ، ولذلك سماهم الله – تبارك وتعالى – شياطين فقال تعالى في حديثه عن المنافقين : ( وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ ءَامَنُوا قَالُوا ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوا إِلَى شَيَاطِينِهِم قَالُوا إِنَّا مَعَكُم إِنَّمَا نَحنُ مُستَهزِئُونَ ) ( البقرة : 14 ) .

فإنما أطال الله الكلام عنهم ليعرفهم المسلمون كغيرهم من الناس على حد سواء فيحذروهم ويبتعدوا عنهم ويتقوا شرهم . فإِنَّ اليهود لا تنحصر عداوتهم في المسلمين فقط ، بل هم يعادون النصارى كالمسلمين ، ويعاونون سائر الناس . وسبب ذلك اعتقادهم من أن أنفسهم أفضل أجناس الكون البشري ، وأنهم الجنس السامي ، الجنس الراقي ، أبناء الله المصطفون ، يجب أَن يكون الناس جميعاً عبيداً لهم .

يلاحظ بالذكر أن يهود اليوم يجتمع فيهم كل ما ذكر القرآن من بشاعة أوصافهم ورذالة أخلاقهم . ولتبيين ذلك دعنا نقارن بين يهود اليوم ومن وصفهم القرآن .

نقض العهد والميثاق :

كانت اليهود في صدر الإسلام يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم ، وكانوا يلبسون الحق بالباطل ، وكانوا يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه ، وكانوا يتمنون أَن يُردوا بعد إسلامهم كافرين ، وكانوا يكرهون للمسلمين الخير ، وكانوا يخادعون الذين أمنوا فإذا لقوهم قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض ، حذر بعضهم بعضاً من إطلاع المسلمين على علمهم بصدق النبي صلى الله عليه وسلم وصحة رسالته ، وكانوا يعادون المسلمين ، وكانوا يتربصون بهم السوء ، وكانوا لعنهم الله يزعمون أَنَّهم وحدهم هم المهتدون وغيرهم من الناس ضالون ، وكانوا لعنهم الله يكرهون جبريل عليه السلام لأَنَّه هو الذي حمل الوحي إلى محمد صلى الله عليه وسلم دونهم ، وكانوا مصدر إيحاء وتوجيه للمنافقين كما كانوا دائماً مصدر تشجيع للمشركين .

صفة واحدة من هذه الصفات القبيحة تكفي الناس من أَن يتقوهم ويخالفوهم وأن لا يوثق بهم . ولقد اجتمعت برمتها في يهود اليوم كما لا يخفى على أحد له أدنى وعي بما يجري في أرض فلسطين حالياً وما جرت فيها خلال القرن الأخير ، من قتلات وحشية وفوضيات بربرية واحتلال ظالم عن غير حق ، ونقض جميع العهود ومخالفة جميع القوانين العالمية ومحاولة استئصال المسلمين .

واضح أن عصارة أوصاف اليهود المذكورة أعلاه الغدر والخيانة ونقض العهود والمواثيق . كان اليهود في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه حيناً بعد آخر ، وقد تكرر في سورة البقرة تذكيرهم بهذا الغدر والمكر ، وتذكيرهم بنقض عهد الله من بعد ميثاقه وتكرر ذمهم على ذلك في سورة البقرة أربع مرات .

فأولاً : قال تعالى : ( وَإِذ أَخَذنَا مِيثَاقَكُم وَرَفَعنَا فَوقَكُمُ الطٌّورَ خُذُوا مَا ءَاتَينَاكُم بِقُوَّةٍ, وَاذكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ . ثُمَّ تَوَلَّيتُم مِن بَعدِ ذَلِكَ فَلَولاَ فَضلُ اللَّهِ عَلَيكُم وَرَحمَتُهُ لَكُنتُم مِنَ الخَاسِرِينَ ) ( البقرة : 63 – 64 ) . وقد ورد في تفسير هذه الآية أَنَّ موسى عليه السلام لَمَّا رجع من عند ربه بالألواح قال لهم : إِنَّ فيها كتاب الله فقالوا : لن نأخذ بقولك حتى نرى الله جهرة ، فيقول هذا كتابي فخذوه فأخذتهم الصاعقة فماتوا ثم أحياهم ، ثم قال لهم بعد  ذلك : خذوا كتاب ربكم فأبوا فرفع فوقهم الجبل جبل الطور ، وقيل  لهم : خذوا الكتاب وإِلاَّ طرحناه إليكم فأخذوه ثم نبذوه وراء ظهورهم فلم يعملوا به ولذلك قال تعالى : ( ثُمَّ تَوَلَّيتُم مِن بَعدِ ذَلِكَ ) ، أي ثم أعرضتم عن الميثاق والوفاء به .

ثانياً : قال تعالى : ( وَإِذ أَخَذنَا مِيثَاقَكُم وَرَفَعنَا فَوقَكُمُ الطٌّورَ خُذُوا مَا ءَاتَينَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسمَعُوا قَالُوا سَمِعنَا وَعَصَينَا ) (البقرة : 93 ) . فقد صدق لسان قيلهم الخبيث لسان حالهم السيّئ .

ثالثاً : قال تعالى : ( وَإِذ أَخَذنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسرَائِيلَ لاَ تَعبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالوَالِدَينِ إِحسَانًا وَذِي القُربَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسنًا وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيتُم إِلاَّ قَلِيلاً مِنكُم وَأَنتُم مُعرِضُونَ ) ( البقرة : 83 ) .

أخذ الله الميثاق على بني إسرائيل أَن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً وذلك أعظم الحقوق على الإطلاق ، وثنى بحق الوالدين والأقربين ، وثلث بحق المجتمع كله في إحسانه بعضه إلى بعض ليعشوا في سلم وسلام وأمن وأمان ، ومع أَنَّ الوفاء بهذا العهد واحترام هذا الميثاق فيه خير كثير لهم إِن قام به في الدنيا والآخرة على حد سواء ، إِلاَّ أَنَّ اليهود هم اليهود فقد نقضوا عهد الله من بعد ميثاقه ونبذوه وراء ظهورهم ، ولذلك قال تعالى لهم : ( ثُمَّ تَوَلَّيتُم إِلاَّ قَلِيلاً مِنكُم وَأَنتُم مُعرِضُونَ ) .

رابعاً : قال تعالى : ( وَإِذ أَخَذنَا مِيثَاقَكُم لاَ تَسفِكُونَ دِمَاءَكُم وَلاَ تُخرِجُونَ أَنفُسَكُم مِن دِيَارِكُم ثُمَّ أَقرَرتُم وَأَنتُم تَشهَدُونَ . ثُمَّ أَنتُم هَؤُلاَءِ تَقتُلُونَ أَنفُسَكُم وَتُخرِجُونَ فَرِيقًا مِنكُم مِن دِيَارِهِم تَظَاهَرُونَ عَلَيهِم بِالإِثمِ وَالعُدوَانِ وَإِن يَأتُوكُم أُسَارَى تُفَادُوهُم وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيكُم إِخرَاجُهُم أَفَتُؤمِنُونَ بِبَعضِ الكِتَابِ وَتَكفُرُونَ بِبَعضٍ، فَمَا جَزَاءُ مَن يَفعَلُ ذَلِكَ مِنكُم إِلاَّ خِزيٌ فِي الحَيَاةِ الدٌّنيَا وَيَومَ القِيَامَةِ يُرَدٌّونَ إِلَى أَشَدِّ العَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعمَلُونَ )   ( البقرة : 84 – 85 ) .

وكانت قبائل من اليهود هاجرت إلى المدينة منتظرةً بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان أهل المدينة الأوس والخزرج فنزلت عليهم فرق اليهود الثلاث : بنو قريظة ، وبنو قينقاع ، وبنو النضير ، فحالفت كل فرقة من اليهود فرقة من أهل المدينة . فكان بنو قينقاع ونبو النضير حلفاء الخزرج ، وكان بنو قريظة حلفاء الأوس ، فكانت الحرب إذا نشبت بينهم قاتل كل فريق مع حلفائه ، فيقتل اليهودي أعداءه وقد يقتل اليهودي اليهودي من الفريق الآخر ، وهذا حرام عليهم بنص ميثاق الله معهم ، وكانوا يخرجونهم من ديارهم إذا غلب فريقهم وينهبون أموالهم ويأخذون سباياهم ، وهذا حرام عليهم بنص ميثاق الله معهم ، ثم إذا وضعت الحرب أوزارها فادوا الأسارى ، وفكوا أسر المأسورين من اليهود من هنا أو هناك عندهم أو عند حلفائهم على السواء ، وذلك عملاً بحكم التوراة . فعملوا بالأخير وتركوا الأولين ومن ثم يأتيهم الإنكار المتضمن للتوبيخ ( أَفَتُؤمِنُونَ بِبَعضِ الكِتَابِ ) وهو فداء الأسرى ( وَتَكفُرُونَ بِبَعضٍ ) وهو القتل والإخراج .

( فَمَا جَزَاءُ مَن يَفعَلُ ذَلِكَ مِنكُم إِلاَّ خِزيٌ فِي الحَيَاةِ الدٌّنيَا ) وقد وقع ذلك فأخذهم الله وسلط رسوله عليهم ، فقتل من قتل منهم وسبى من سبى منهم ، وأجلى من أجلى ( وَيَومَ القِيَامَةِ يُرَدٌّونَ إِلَى أَشَدِّ العَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ, عَمَّا تَعمَلُونَ ) (البقرة : 85 ) .

ثم بين سبحانه السبب في نقضهم العهد وإيمانهم بما يشتهون وكفرهم بما يكرهون فقال تعالى : ( أُولَئِكَ الَّذِينَ اشتَرَوُا الحَيَاةَ الدٌّنيَا بِالآخِرَةِ ) ( البقرة : 86 ) .

وفي كتب السير أنه صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة جمع الله به شمل الأوس والخزرج بعد فرقة ، وألف بينهم بعد عداوة ، فآمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وعزروه ونصروه . وكانت فيها الفرق اليهودية الثلاث بنو النضير ونبو قينقاع ونبو قريظة فرفع صلى الله عليه وسلم راية السلام من أول ساعة وطئت فيها قدمه المدينة وأعلنها     صريحة : ” أَيٌّهَا النَّاسُ أَفشُوا السَّلاَمَ وَأَطعِمُوا الطَّعَامَ وَصَلٌّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلاَمٍ ” .

وبدأ هو صلى الله عليه وسلم بنفسه في إرساء قواعد السلام بالمدينة فصالح اليهود على أَن يجاوره في أمن وأمان وسلام . وأعلن عليه السلام ” ( لَكُم دِينُكُم وَلِيَ دِينِ ) ( الكافرون : 6 ) ، وطلب من جميع أهل المدينة أَن يكونوا جميعاً يداً واحدةً على من أراد المدينة بسوء ، وظل النبي صلى الله عليه وسلم وفياً لهم حتى غلبتهم طبيعتهم والطبع دائماً يغلب التطبع ، فنقضوا عهدهم فسلط الله رسوله عليهم فأجلى من أجلى منهم وقتل من قتل منهم .

كما كانوا ينقضون العهد والميثاق في صدر الإسلام ، ما زالوا يغدرون ويمكرون وينقضون عهدهم في عصر عيسى عليه السلام وقصصها أفظع وأبشع تستحيي من سمعها العجماوات ! دعاهم نبيهم إلى عبادة الله وحده . يقول تعالى : ( لَقَد كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ المَسِيحُ ابنُ مَريَمَ وَقَالَ المَسِيحُ يَا بَنِي إِسرَائِيلَ اعبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُم إِنَّهُ مَن يُشرِك بِاللَّهِ فَقَد حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الجَنَّةَ وَمَأوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن أَنصَارٍ ) ( المائدة : 72 ) . ثم مكروه وحاولوا قتله فمكر الله فما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم . والكتاب المقدس  ” إنجيل ” المحرف أيضاً يطيل الكلام في غدر اليهود ونقضهم الميثاق مراراً وتكراراً بالإضافة إلى أنه يقرر ويؤكد بأن اليهود هم الذين قتلوا عيسى بالمكر والخيانة ( وموقف القرآن أنهم ما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه   لهم ) في آيات 1 – 56 من الفصل/الأصحاح السابع  ، إنجيل متى ، العهد الجديد ، الكتاب المقدس .

يهود اليوم :

يمكن القول من أرض الواقع : إن اليهود ما زالت ولا تزال تغدر العالم كله وتمكر بالمجتمع العالمي كافةً بنقض جميع القوانين العالمية وجميع العهود . وذلك لا يخفى على من له أدنى وعي بتاريخ دولة إسرائيل منذ استقلالها سنة 1948م . فقد تعرضت سياسات حكومة إسرائيل لانتقادات للقضايا المتعلقة بالمستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية  ، ومعاملتها للعرب الفلسطينيين  ، وسلوك قوات الدفاع الإسرائيلية خلال النزاعات والحصار المفروض على قطاع غزة ، للأراضي الفلسطينية . كما تم انتقاد قضايا تاريخية أخرى ذات عواقب مستمرة ، بما في ذلك : رفض السماح للاجئين الفلسطينيين بعد الحرب بالعودة إلى ديارهم ، والاحتلال المطول للأراضي المكتسبة في الحرب وبناء المستوطنات فيها . وتم أيضاً التشكيك في مكانة إسرائيل كديمقراطية تمثيلية لأن سكان إسرائيل في الأراضي المحتلة يُسمح لهم بالتصويت في الانتخابات الإسرائيلية بينما لا يُسمح للسكان الفلسطينيين . ومصدر آخر للنقد هو الاحتكاك الناتج عن قضية التحويل بين الحاخامات الأرثوذكسية في إسرائيل والشرايح غير الأرثوذكسية في الشتات  اليهودي  . وقبل أيام ، رأى العالم برمته بربريتهم ووحشيتهم من الاحتلال الظالم ونقض اتفاق وقف إطلاق النار . ( أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنهُم ) ( البقرة : 100 ) .

كأنهم في غفلة عن حقيقة بينة ، هي أَنَّ المسلمين وإِن تفرقوا في الظاهر فهم متحدون في الباطن لأَنَّهم أصحاب عقيدة واحدة يعبدون رباً واحداً ، يستقبلون قبلةً واحدةً ، ويتحاكمون إلى شريعة واحدة ، ومن كان كذلك سهل عليهم الاجتماع بعد التفرق ، بخلاف أعداء الله اليهود وحلفائهم الذين اجتمعت أبدانهم وتفرقت قلوبهم فكانوا كما وصفهم الله تعالى : ( تَحسَبُهُم جَمِيعًا وَقُلُوبُهُم شَتَّى ) ( الحشر : 14 ) .

ليس بعيداً يوم رجوع عزة الإسلام ويوم هوان أهل الطغيان . والله المستعان ومنه الفتوحات .

* باحث في قسم الدراسات القرآنية ، الأكاديمية العالمية للبحوث في العلوم المتقدمة ، مدينة المعرفة ، كالكوت ، ولاية كيرالا ، جمهورية الهند .