القرآن الكريم ورسالته الخالدة من خلال أسمائه : دراسة انتقائية

تحديات المسلمين في مجتمع المهجر ومعالجتها من منظور إسلامي
مارس 15, 2022
رمضان – مدرسة تربية وتزكية
أبريل 20, 2022
تحديات المسلمين في مجتمع المهجر ومعالجتها من منظور إسلامي
مارس 15, 2022
رمضان – مدرسة تربية وتزكية
أبريل 20, 2022

الدعوة الإسلامية :

القرآن الكريم ورسالته الخالدة من خلال أسمائه :

دراسة انتقائية

د . محمد رئيس الدين عالم *

إن القرآن الكريم هو كتاب هذه الأمة ، ورائدها الناصح ، ومدرستها التي تلقت فيها دروس حياتها ، ربَّى الله بها الجماعة المسلمة الأولى التي أقامت المنهج الرباني في الأرض ، أراد الله بهذا القرآن أن يكون الرائد الحي لقيادة أجيال هذه الأمة وتربيتها لدور القيادة الراشدة الذي وعدها به كلما اهتدت بهديه . إنه ليس مجرد كلام يُتلى ، ولكنه دستور شامل كامل ، دستور للتربية والحياة العملية ، لأنه تضمن عرض تجارب البشرية على الأمة المسلمة ، وتجارب الدعوة الإيمانية في الأرض من لدن آدم عليه السلام ، وقدمها زاداً للأمة في جميع أجيالها ، كي تكون على بينة من طريقها ، فهو مرآة مرفوعة لها بيد الله تعالى لترى صورتها فيها .  إن هذا القرآن يجب أن يقرأ وأن يتلقى بوعي ، وأن يتدبر على أنه توجيهات حية تنزل اليوم ليعالج القضايا المعاصرة ، ولينير الطريق إلى المستقبل ، لا على أنه كلام جميل يرتل ، أو على أنه سجل لحقيقة مضت ولن تعود ! وحين نقرؤه بهذا الوعي سنجد عنده ما نريد ، وسنجد به عجائب لا تخطر على البال الساهي ، سنجد كلماته وتوجيهاته حية تنبض وتتحرك وتشير إلى معالم الطريق ، وتقول لنا : هذا فافعلوه ، وهذا فلا تفعلوه ، وهذا عدو لكم ، وهذا صديق لكم ، وسنجد فيه عندئذ متاعا وحياة ، وسندرك معنى قوله تعالى : ” يا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ ” ( الأنفال : 24 ) فهو دعوة للحياة الدائمة المتجددة ، لا لحياة تاريخية محدودة في صفحة عابرة من صفحات التاريخ [1] .

القرآن الكريم كائن متحرك ، يعمل ويتحرك في وقائع الجماعة المسلمة ، فيدفع الواقعة ويقربها ، ويدفع الجماعة ويوجهها ، فهو في عمل دائب وفي حركة دائبة ، إنه في ميدان المعركة وفي ميدان الحياة ، وهو العنصر المحرك الدافع في الميدان ، ونحن أحوج ما نكون إلى الإحساس بالقرآن على هذا النحو وإلى رؤيته كائناً حياً متحركاً دافعاً ، فقد انفصل القرآن الكريم في حسنا عن واقعه التاريخي الحي ، ولم يعد هو الأمر اليومي للمسلم المجند ، غاب القرآن الكريم عن حسنا أو نام ، ودرجنا على تلقيه على أنه أنغام نطرب لها ، أو نقرؤه أوراداً تنشئ في القلب حالة من الوجد أو الراحة ، المطلوب مع ذلك أن ينشئ فينا وعياً وحياةً ، وأن يراه المسلم في ميدان معاركه ، وأن يتوجه إليه المسلم ليسمع منه ماذا ينبغي أن يعمل فيما يحيط به اليوم من أحداث ومشكلات في الحياة ، فهو دستور تصوره وتفكيره وحياته وتحركاته بلا انقطاع [2] .

إن القرآن الكريم جاء مؤثراً لا متأثراً ، وفاعلاً لا منفعلاً ، جاء فصحح العقائد الباطلة السائدة ، وصوَّب المفاهيم الخاطئة المسيطرة ، وأبطل التقاليد الظالمة ، وألغى الأوضاع الفاسدة ، وحمل على الأباطيل المتوارثة حملة لا نظير لها ، و ردَّ على الجاحدين من المشركين وأهل الكتاب ، وبيَّن أنهم حرفوا وبدلوا وكتبوا الكتب بأيديهم ثم قالوا :     ” هَـٰذَا مِنْ عِنْدِ ٱللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً ” ووضح أنه جاء مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه ( المائدة : 48 ) [3] .

لقد جاء هذا الكتاب لهداية أمة رائدة وشاهدة على الأمم ، وجاء لها بكليات تشريعية وتهذيبية ، ليكون وعيها لدينها سهلاً عليها ، وليمكن تواتر الدين ، وليكون لعلماء الدين مزية الاستنباط ولا يجوز تعميم ما قصد منه الخصوص ، ولا إطلاق ما قصد منه التقييد ، لأن ذلك قد يفضي إلى التخطيط في المراد ، أو إلى إبطاله من أصله ، كما فعل ذلك الخوارج الذين طبقوا آيات الوعيد النازلة في المشركين فوضعوها على المسلمين ، فجاؤا ببدعة التكفير بالذنب ، حتى قال بعضهم لعلي يوم التحكيم : ” إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ ” ( الأنعام : 57 ) . فقال علي رضي الله عنه : ” هذه كلمة حق أريد بها الباطل ” [4] .

إن القرآن الكريم جاء بهدايات تامة كاملة تفي بحاجات البشر في كل عصر ومصر ، وفاءاً لا تظفر به في أي شرح آخر ، ويتجلى ذلك في حقائقه الضخمة ومقاصده النبيلة الكثيرة التي سنشير إلى مواردها في القرآن الكريم ، إن من طبيعة القرآن الكريم ورسالته ارتباط عالم الغيب فيه بعالم الشهادة ، واتصال حقائق الكون والحياة والإنسان بحقيقة الألوهية ، واتصال الحياة الدنيا بالآخرة في أسلوب تتعذر مجاراته أو تقليده ، فعندما يكون التركيز على تعريف الناس بربهم الحق تتجلى هذه الحقيقة الكبيرة في آثار القدرة الإلهية الفاعلة في الكون والحياة والإنسان في عالم الغيب والشهادة ، سواء ، وعندما يكون التركيز على التعريف بحقيقة الكون ، تتجلى العلاقة بين حقيقة الألوهية ، وبالكون والأحياء وبعالم الغيب وعالم الشهادة ، وعندما يكون التركيز على الدار الآخرة تذكر الحياة الدنيا وترتبطان بالله وبسائر الحقائق الأخرى . إنه يحافظ على إعطاء كل جانب مساحته التي تساوي وزنه الحقيقي في ميدان الله . . . وتشغل حقيقة عالم الغيب مساحة بارزة ، ثم تنال حقيقة الإنسان وحقيقة الكون وحقيقة الحياة أنصبة متناسقة تناسق هذه الحقائق في عالم الواقع [5] .

فالقرآن الكريم بخصائصه الموضوعية والتعبيرية بهذا الكمال في تناسقه ، وفي العقيدة التي جاء بها ، وفي النظام الذي يتضمن    قواعده ، وبهذا الكمال في تصوير حقيقة الألوهية ، وفي تصوير طبيعة البشر وطبيعة الكون ، لا يمكن أن يكون مفترى من دون الله ، لأن قدرة الله هي التي تملك الإتيان به ، القدرة التي تحيط بالأوائل    والأواخر ، والظواهر والسرائر ، وتضع المنهج المبرأ من القصور والنقص ، ومن آثار الجهل والعجز ، فهو آيات مبينات لامجال فيها للغموض والتأويل والانحراف عن النهج القويم وهو عرض مصائر الآخرين الغابرين الذين انحرفوا عن منهج الله فكأن مصيرهم النكال ، وهو موعظة للمتقين الذين تستشعر قلوبهم رقابة الله فتخشى وتستقيم [6] .

ومن وظائف القرآن الكريم ورسالته : أن الكون كتاب الله المنظور والقرآن كتاب الله المقرؤء ، وكلاهما شهادة على صاحبه   المبدع ، وكلاهما كائن ليعمل ، إنه كتاب هذه الدعوة ، هو روحها وباعثها وقوامها وكيانها ، وهو حارسها وراعيها وهو بيانها وترجمانها وهو دستورها ومنهجها ، وهو في النهاية : الدستور الذي تستمد منه الدعوة والدعاة وسائل العمل ومناهج الحركة وزاد الطريق [7] .

ومن رسالة القرآن الكريم وأهدافه الأساسية بصورة إجمالية ما يأتي :

  1. الهداية إلى سبل السلام والصراط المستقيم ، قال تعالى : ” قَدْ جَآءَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ . يَهْدِى بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ ٱلسَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ” ( المائدة : 15 – 16 ) .
  2. الإخراج من الظلمات إلى النور بأنواعها وفي جميع مجالات الحياة . . . قال تعالى : ” الۤر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ ” ( إبراهيم : 1 ) .
  3. تثبيت قلوب المؤمنين وأقدامهم ، كما قال تعالى : قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ ٱلْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ لِيُثَبِّتَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ ” ( النحل : 102 ) .
  4. الإنذار والتبشير : كما قال تعالى : ” ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا . قَيِّماً لِّيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً ” ( الكهف : 1 – 2 ) .
  5. إحداث التقوى في القلوب وإحداث التذكير للكافرين : كما قال تعالى : ” وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ ٱلْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً ” ( طه : 113 ) .
  6. هداية العرب المشركين وإنذارهم ، كما قال تعالى : ” أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ بَلْ هُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ” ( السجدة : 3 ) .
  7. سعادة الرسول به خاصةً والمؤمنين عامةً ، كما قال تعالى : ” طه . مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ . إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ ” ( طه : 1 – 3 ) .
  8. شرف المؤمنين وعزته ، كما قال تعالى : ” لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ ” ( الأنبياء : 10 ) ، وكما قال تعالى : ” وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ” ( الزخرف : 44 ) .
  9. فرح المؤمنين بنزوله ، كما قال تعالى : ” قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذٰلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ” ( يونس : 58 ) .
  10. كفاية المؤمنين به عن المناهج الأخرى ، كما قال تعالى : ” أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ” ( العنكبوت : 51 ) .
  11. ليحكم في شئون الحياة المختلفة ويرفع الاختلاف من بينهم ، كما قال تعالى : ” كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ ” ( البقرة : 213 ) ، وكما قال تعالى : ” إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ ٱللَّهُ ” ( النساء : 105 ) ، وكما قال تعالى : ” وَهَـٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَٱتَّبِعُوهُ ” ( الأنعام : 155 ) ، وكما قال تعالى : ” وَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِى ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ ” ( النحل : 64 ) .
  12. تدبره والتفكر فيه ، كما قال تعالى : ” أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلاَفاً كَثِيراً ” ( النساء : 82 ) ، وكما قال تعالى : ” أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ ” ( محمد : 24 ) .
  13. الاستماع والإنصات له ، كما قال تعالى : ” وَإِذَا قُرِئَ ٱلْقُرْآنُ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ” ( الأعراف : 204 ) .
  14. تلاوته والتهجد به ، كما قال تعالى : ” وَقُرْآنَ ٱلْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً ” ( الإسراء : 78 ) .
  15. قراءته على الناس على مكث وتربيتهم على التريث ، كما قال تعالى : ” وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً ” ( الإسراء : 106 ) ، وكما قال تعالى : ” وَرَتِّلِ ٱلْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ( المزمل : 4 ) ، وكما قال تعالى : ” وَٱتْلُ مَآ أُوْحِىَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً ” ( الكهف : 27 ) .
  16. شموله وتصديقه لما في الكتب السابقة قبل تحريفها ، كما قال تعالى : ” وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ ” ( النحل : 89 ) ، وكما قال تعالى : أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْتَغِى حَكَماً وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ ٱلْكِتَابَ مُفَصَّلاً ” ( الأنعام : 114 ) ، وكما قال تعالى : ” وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ عِلْمٍ ” ( الأعراف : 52 ) .
  17. ليكون منهجاً عالمياً ، كما قال تعالى : ” تَبَارَكَ ٱلَّذِى نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً ” ( الفرقان : 1 ) ، وكما قال تعالى : ” إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ ” ( ص : 87 ) ، وكما قال تعالى : ” وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ ” ( القلم : 52 ) .
  18. الاتعاظ والتذكر والإنذار ، كما قال تعالى : ” وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ” ( القمر : 17 ، 22 ، 32 ، 40 ) ، وكما قال تعالى : ” فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلَسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ ٱلْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً ” ( مريم : 97 ) .

هذه أهم أغراض القرآن الكريم وأبرز وظائفه وأغراضه العامة ، ويندرج تحتها أغراض وأهداف أخرى تعتبر فروعاً لهذه الأصول التي ذكرناها مع أدلتها الناصعة وأصولها القرآنية . وهناك أحاديث شريفة تبين لنا عظمة رسالته الخالدة ، ومنها ما رواه علي رضي الله عنه يقول :  ” سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ألا إنها تكون فتنة ، فقلت : ما المخرج منها يارسول الله ؟ قال : كتاب الله ، فيه نبأ من  قبلكم ، وخبر من بعدكم ، وحكم ما بينكم ، وهو الفصل ، ليس بالهزل ، من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله ، وهو حبل الله المتين ، وهو الذكر الحكيم ، وهو الصراط المستقيم ، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ، ولا يلتبس به الألسنة ، ولا يشبع منه العلماء ، ولا يخلق عن كثرة الرد ، ولا تنقضي عجائبه ، هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا : إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً . يَهْدِيۤ إِلَى ٱلرُّشْدِ فَآمَنَّا    بِهِ . . . . من قال به صدق ومن عمل به أجر ، ومن حكم به عدل ، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم ، خذها يا أعور ! ” [8] ، وعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” إن هذا القرآن مأدبة الله في أرضه ، فتعلموا مأدبته ما استطعتم ، وإن هذا القرآن حبل الله ونوره المبين والشفاء النافع ، عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه ، لا يعوج فيقوم ، ولا يزيغ فيستعتب ، ولا تنقضي عجائبه ، ولا يخلق على كثرة الرد ، فاقرؤوه فإن الله يأجركم على كل حرف عشر حسنات ، أما أني لا أقول ألم حرف ، ولكن ألف عشرة ، ولام عشرة ، وميم عشرة ” [9] .

خلاصة القول أن القرآن الكريم كتاب عقيدة وشريعة وقيم   عليا ، وهو كتاب تربية وتوجيه للأمة ، وهو كتاب قصص معبرة    مؤثرة ، وهو كتاب السنن الإلهية ، ومنهج دعوة وهداية وتحرير    للإنسان ، وإقرار لكرامته وحقوقه ، وهو شريعة شمولية ، ستلجأ إليها البشرية التائهة طوعاً أو كرهاً ، بعز عزيز ، أو ذل ذليل ، فما على المسلمين إلا أن يذللوا أمامه العقبات ، ويزيلوا من طريقه الصعوبات وذلك بإظهار عظمة هذا الكتاب ومحاسن رسالته ، بتقديم الدارسات الجادة ، والرسائل الناضجة ، وهذا المقال لا شك جهد المقل ، ولكن ليس على الله بعزيز أن يجعله مفتاحاً لمحاولات أكثر عمقاً ، ودراسات أكثر نضجاً . وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم .

* أستاذ مساعد قسم اللغة العربية بجامعة غواهاتي ، ( الهند ) .

[1] في ظلال القرآن : 1/261 .

[2] نفس المصدر : 1/304 .

[3] كيف نتعامل مع القرآن العظيم : 22 – 23 .

[4] التحرير والتنوير مختصراً : 1/48 .

[5] في ظلال القرآن : 3/1789 .

[6] في ظلال القرآن : 4/2517 .

[7] المصدر السابق : 1/348 .

[8] رواه الترمذي وقال : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حمزة الزيات . مجهول ، وفي حديث الحارث مقال : 4/245 – 246 .

[9] رواه الحاكم في المستدرك : 1/555 ، والمنذري في الترغيب والترهيب : 3/171 .