البلاغة والإعراب والبيان في القرآن الكريم

عجائب الانقياد والطاعة للنبي صلى الله عليه وسلم
يوليو 25, 2020
ردود على أسئلة وجهت إلى سعادة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي
يوليو 25, 2020
عجائب الانقياد والطاعة للنبي صلى الله عليه وسلم
يوليو 25, 2020
ردود على أسئلة وجهت إلى سعادة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي
يوليو 25, 2020

التوجيه الإسلامي :

البلاغة والإعراب والبيان في القرآن الكريم

( أول سورة الأحزاب )

بقلم : معالي الشيخ الدكتور راشد عبد الله الفرحان *

سميت بذلك لورود كلمة الأحزاب فيها ، ومن مضامين السورة مبحث واقعة الأحزاب ، وتسمى غزوة الخندق التي تحزب فيها المشركون ضد المسلمين ، وغزو المدينة المنورة .

لما أمر الله سبحانه في آخر سورة السجدة بانتظار الفرج والنصر أمره في أول هذه السورة بأن لا يتقي غير الله ، ولا يطيع سواه ، فقال :

1 ( يا أَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَٱلْمُنَافِقِينَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً ) .

يا أَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ – ٱتَّقِ ٱللَّهَ :

لم يخاطب الله سبحانه النبي محمداً صلى الله عليه وسلم يا محمد كما نادى الله الرسل من قبله بأسمائهم ، يا إبراهيم ويا موسى ويا  عيسى ، بل قال ذلك إجلالاً وتعظيماً ، ليعلم الناس أنه رسول الله ليلقبوه بذلك ، وفيه دلالة على أنه خاتم الأنبياء والمرسلين ، ولأنه تعالى أراد أن تُدعى أزواجه بأشرف ما ينادى به الأم .

عرض المشركون على النبي أشياء كثيرةً للإغراء فكرهها ، والفائدة في أمره بالتقوى وتذكيره للاستقامة عليها هو وأمته .

7 ( وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقاً غَلِيظاً ) .

مِنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ وَمِنْكَ – وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ :

في الآية عطف الخاص على العام ، وقدم النبي صلى الله عليه وسلم في الذكر بياناً لفضله عليهم ، وتخصيص الخمسة بالذكر تنبيه بذلك بفضلهم لأنهم أصحاب كتب وشرائع ، وآيات فهم أو العزم .

10 ( إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ ٱلأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ ) .

ٱلظُّنُونَاْ :

وذلك أنهم ظنوا ظنوناً كثيرةً ، تظنون بمعنى تشكون ، متعلق بمفعول به ثان ، والظنون مفعول أول ، والألف في ( ٱلظُّنُونَاْ ) زائدة  للتأكيد .

19 ( أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَآءَ ٱلْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَٱلَّذِى يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ ٱلْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى ٱلْخَيْرِ أُوْلَـٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ فَأَحْبَطَ ٱللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً ) .

البلاغة – المبالغة :

في ( تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ ) حول وصف المنافقين بالجبن إذا حضر القتال ، تدور أعينهم كدوران عين الذي يغشى عليه من الموت ، وهو الذي دنا    موته ، وغشيه أسبابه ، فكذلك هؤلاء لأنهم يخافون القتل .

الاستعارة المكنية :

في ( سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ ) حيث شبه اللسان بالسيف فحذف المشبه به ، واستعار شيئاً من خصائصه وهو الضرب .

24 ( لِّيَجْزِىَ ٱللَّهُ ٱلصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَافِقِينَ إِن شَآءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً ) .

إِن شَآءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ :

إن عذاب المنافقين متيقن ، لكن : أو يتوب على من تاب ، لأن الله غفور رحيم .

30 ( يا نِسَآءَ ٱلنَّبِىِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا ٱلْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً ) .

ضِعْفَيْنِ :

هذا للمبالغة بعد الآيات السابقة ، وليس على الحقيقة ، وليس ثمة خوف من أن تأتي بإحدى زوجات النبي المطهرات من الرجس ، بل المراد إشعارهن وغيرهن بأن عليهن من مسؤليات وإعباء ثقل عظيم قدرهن ومنزلتهن في المجتمع الإسلامي ،والمهمة الدينية الملقاة عليهن لنشر   الدعوة ، وقد يبين السبب في زيادة عدد زوجات النبي على غيره من المسلمين ، فكل زوجة كان زواجها لسبب ديني ، وغرض اجتماعي ، ومثل هذا الخطاب جاء في القرآن كثير ، انظر ماذا قال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم في سورة الزمر ( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ) ، وفي سورة الإسراء        ( وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً . إِذاً لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ ٱلْحَيَاةِ وَضِعْفَ ٱلْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً ) .

قال المفسرون : لما اخترنه أثابهن الله عز وجل ثلاثة أشياء : التفضيل على سائر النساء ، والثاني : أن جعلهن أمهات المؤمنين ،  والثالث : أن حظر على النبي طلاقهن ، والاستبدال بهن .

أهل البيت :

33 ( وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ وَأَقِمْنَ ٱلصَّلواَةَ وَآتِينَ ٱلزَّكَواةَ وَأَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيــراً ) .

قال الإمام ابن كثير : ( نص في دخول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في أهل البيت ، لأنهن سبب نزول هذه الآية ) ، وكل ما سبق هذه الآية وما جاء بعدها متصل اتصالاً وثيقاً بالكلام على زوجات النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في القرآن بأن أهل البيت يشمل الزوجة في موضعين آخرين في سورة هود ( أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ رَحْمَةُ ٱللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ ) والخطاب لزوجة نبي الله إبراهيم عليه السلام ، والثاني في سورة القصص حينما قالت أخت موسى لآل فرعون : ( هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ ) .

صلاة الله والملائكة :

43 ( هُوَ ٱلَّذِى يُصَلِّى عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَكَانَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً ) .

صلاة الله تعالى تعني رحمته وتثبيته وتسكينه ، أما صلاة الملائكة استغفار وطلب الرحمة ، فيه استعارة .

حكم الطلاق قبل الدخول :

49 ( يا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نَكَحْتُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً ) .

إِذَا نَكَحْتُمُ – مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ :

البلاغة في المجاز المرسل :

وذلك تسمية العقد على النساء نكاحاً مجاز مرسل ، وعلاقته الملامسة ، من حيث إنه طريق إليه .

الكناية : في قوله ( مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ ) كناية عن الوطء ، بلفظ الملامسة .

ٱلْمُؤْمِنَاتِ :

التقييد بالمؤمنات خرج مخرج الغالب ، وإلا فالكتابيات مثلهن فيما ذكر في الآية والحكم .

52 ( لاَّ يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِن بَعْدُ وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيباً ) .

تَبَدَّلَ :

يحذف إحدى التائين لأن حكمها مقصور على رجل واحد هو الرسول صلى الله عليه وسلم .

66 ( يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِى ٱلنَّارِ يَقُولُونَ يٰلَيْتَنَآ أَطَعْنَا ٱللَّهَ وَأَطَعْنَا ٱلرَّسُولَاْ ) .

البلاغة في التخصيص :

في قوله ( يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ ) تخصيص الوجوه بالذكر ، لأنها أكرم الأعضاء ، وفيه تفظيع للأمر وتهويل .

67 ( وَقَالُواْ رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا ٱلسَّبِيلَاْ ) .

ٱلرَّسُولاْ – ٱلسَّبِيلاْ :

مدّ الرسول والسبيل مع أن القياس لا يقتضي المدّ ، ولم يمدّ السبيل في الآية ( 4 ) ، والفرق بينهما أن آية المدّ من قول أهل النار ، وهم يصطرخون فيها ويمدون أصواتهم بالبكاء ، بينما الآية غير المد تقرير الحقيقة ، ( وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِى ٱلسَّبِيلَ ) .

72 ( إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ) .

ٱلأَمَانَةَ – ٱلإِنْسَانُ :

الأمانة هي التكاليف الشرعية كما هو رأي الجمهور ،  والإنسان : قال الشيخ إسماعيل حقي في تفسير روح البيان ” المراد بالإنسان الجنس بدليل قوله ( إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ) وظلوم صيغة مبالغة .

*  وزير الأوقاف والشئون الإسلامية في دولة الكويت سابقاً .