البلاغة والإعراب والبيان في القرآن الكريم ( أول سور التغابن والطلاق والتحريم )

مثالان للغيرة الإيمانية من تاريخ المسلمين قديماً وحديثاً
ديسمبر 4, 2021
الإيمان والمادية وصراعهما في الحياة الإنسانية ( الحلقة الأولى )
ديسمبر 4, 2021
مثالان للغيرة الإيمانية من تاريخ المسلمين قديماً وحديثاً
ديسمبر 4, 2021
الإيمان والمادية وصراعهما في الحياة الإنسانية ( الحلقة الأولى )
ديسمبر 4, 2021

التوجيه الإسلامي :

البلاغة والإعراب والبيان في القرآن الكريم

( أول سور التغابن والطلاق والتحريم )

بقلم : معالي الشيخ الدكتور راشد عبد الله الفرحان *

1 ( يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِى ٱلأَرْضِ لَهُ ٱلْمُلْكُ وَلَهُ ٱلْحَمْدُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .

تكرير ما – يَعْلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ :

كرر هنا ( مَا ) تأكيداً وتعميماً لاختلاف أهل السماء عن أهل الأرض ( وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ) ، أما في قوله تعالى ( يَعْلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ ) لم يكررها ، وذلك لعدم اختلاف علمه ، فناسب حذفها .

9 ( يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ ٱلْجَمْعِ ذٰلِكَ يَوْمُ ٱلتَّغَابُنِ وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ ) .

وجاء في الآية (11) ( مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) ، وجاء في سورة الطلاق ، الآية (11) ( وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ ) .

وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً – وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ – وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً :

ثلاث آيات يشبه بعضها بعضاً :

آية التغابن : زاد فيها يكفر عنه سيئاته ، لأنه تقدمه ( أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا ) فناسب ذكر يكفر عنه سيئاته ، وأما آية التغابن الثانية : فتقدمه ذكر المصايب وأنها بإذن الله ، فتحتاج إلى إيمان قوي بقضاء الله وقدره ، وأما آية الطلاق ، فلم يتقدمها شيئ مثل ما تقدم الآيتين السابقتين ، وفي التغابن استعارة ، من الغبن .

وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ :

قال في فتح الرحمن : كيف قال ذلك مع أن الهداية سابقة على الإيمان ؟

أقول : الهداية لا تأتي إلا بعد الإيمان كما هو معظم آيات    القرآن ، وتلك هي هداية البيان ، لأن كل مولود يولد على الفطرة أي على الإيمان بالله ، والله يضع أمامه هداية البيان من الشر والخير ،        ( وَهَدَيْنَاهُ ٱلنَّجْدَينِ ) الضار والنافع ، وعناصر الشر والخير هي التي تؤثر فيه وفي اختياره ، والله سبحانه يضع الهداية أمام الناس ليختاروا بأنفسهم وعقولهم ( لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ ٱلرُّسُلِ ) .

أول سورة الطلاق

1 ( يا أيُّهَا ٱلنَّبِىُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِى لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذٰلِكَ أَمْراً ) .

يا أيُّهَا ٱلنَّبِىُّ :

أفرد نبيه بالخطاب تعظيماً ، أو قل لأمتك ، ولعدتهن أي زمان عدتهن ، وهو الطهر الذي لم يجامعها فيه .

2 ( فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُواْ ذَوَى عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً ) .

3 ( وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ ٱللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) .

يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً – يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً – يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً :

ذكر ثلاث مرات ، وختم بقوله ( وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً ) .

والثاني : ( يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ) ، والثالث بقوله تعالى ( يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً ) ، أشار إلى تعداد النعم المرتبة على التقوى .

سؤال : كيف قال الله تعالى ( يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ ) ونرى كثيراً من الأتقياء مضيقاً عليهم رزقهم ، الجواب : الرزق ليس قاصراً على    المال ، بل هو عام يشمل كل فضل وإنعام ، فالرضا والقناعة والسعادة والصحة والعافية والعلم والفهم والأولاد ، كله في معنى الرزق .

4 ( وَٱللاَّئِى يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَٱللاَّئِى لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلاَتُ ٱلأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ) .

ٱللاَّئِى :

وردت في الظهار والطلاق ، وذلك لثقل الهمزة في هذا المكان ، استعملت للحالات الثقيلة النادرة .

العدة :

عدة الحائض التي تحيض : ثلاثة قروء وهي ثلاثة أشهر

عدة التي لا تحيض مثل كبار السن أو التي انقطع عنها الحيض

عدة المرأة الحامل : وضع الحمل

عدة المرأة المتوفى عنها زوجها : أربعة أشهر وعشرة أيام

عدة المرأة المطلقة قبل الدخول : لا عدة عليها

8 ( وَكَأِيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً ) .

البلاغة – مجاز مرسل :

في قوله ( عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا ) وعلاقة هذا المجاز المحلية ، من إطلاق المحل وإرادة الحال .

التعبير بالماضي :

هذه الآية تخبر عن الماضي بدليل قوله تعالى ( رُسُلِهِ ) أي الرسل قبل النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، والحساب الشديد في الدنيا على يد الرسل والعلماء الذين جادلوهم وبينوا لهم الحق من الباطل ، ولكنهم رفضوا كل دعوة ونبذوا كل بينة ولم تصلح معهم الآيات رغم قوتها وشدتها ، كالمحاسب الذي يناقش ويجادل المدين بشدة وقوة الحجة .

أول سورة التحريم

سميت بذلك لورود كلمة ( لِمَ تُحَرِّمُ ) في أول السورة ، وتسمى سورة النبي .

1 ( يا أَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ تَبْتَغِى مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) .

البلاغة – صالح المؤمنين :

كالجمع في ( قُلُوبُكُمَا ) دون التثنية لكراهة اجتماع تثنيتين مع ظهور المراد ، وهو في مثل ذلك أكثر استعمالاً من التثنية والإفراد .

” صالح ” فرد أريد به الجمع كقوله : والملك على أرجائها ، وقوله ( ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ) .

( فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذٰلِكَ ظَهِيرٌ ) تواطأت أكثر نساء النبي صلى الله عليه وسلم على إغاضته مزحاً أو حقيقةً ، بسبب حبه لمملوكته مارية أو لأكله العسل عند ابنة عمه زينب بنت جحش ، وأكثر من واحدة كانت تقول له : أكلت مغافير عسل فيه رائحة لا يحبها النبي ، وانكشف الأمر بما ينزل على النبي من الوحي ، فكانت عائشة وحفصة رضي الله عنهما هما من بدأ بتدبير قصة الإثارة للنبي صلى الله عليه وسلم ، لذلك قال الله في الآية وإن تظاهرا عليه ، ثم توارد الحشد في الآية ما ظاهره التوبيخ الشديد لهما ، والمتأمل في الآية يجد أن الذي اشترك في الموضوع أكثر من زوجة ، وثانياً هذا الحشد العظيم الوارد في الآية لا يتناسب وما فعلته زوجتا النبي جبريل والمؤمنون والملائكة ، وكان المقابل لذلك جيش كبير عظيم مدجج بالسلاح والعتاد والرجال ، بل إن ريشة من جبرئيل تهد بلداً كاملاً من أعلاه إلى أسفله ، ولو كان الأمر يحتاج إلى كل ذلك وإن ما فعلناه يستحق مثل هذه المقابلة لم يبقيهما الرسول صلى الله عليه وسلم ساعةً واحدةً عنده بعد نزول هذه الآية ، بل وأعلن الحرب عليهما ، لكن الأمر إذا نُظر من منظار آخر سوف يختلف التفسير ولا يكون المقصود زوجات النبي بقدر ما هو تهديد خطير لكل من تسول له نفسه إيذاء النبي محمد صلى الله عليه وسلم أو النيل منه أو من عرضه أو دعوته ، ولا شك أن فرائص المنافقين ارتعدت بعد سماع هذه الآية من الخوف ، ومما يقوى ما ذهبنا إليه أن القصة وقعت في أواخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم يعني جاءت ، والإسلام قوي والمسلمون ينتصرون في كل غزوة ووقعة والإسلام يتسع في كل مكان ، فالكلام موجه للأمة جمعاء والتحذير من الاختلاف والكفر بعد موته .

10 ( ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱمْرَأَةَ نُوحٍ وَٱمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِينَا عَنْهُمَا مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ٱدْخُلاَ ٱلنَّارَ مَعَ    ٱلدَّاخِلِينَ ) .

البلاغة :

التمثيل ( ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً ) حيث مثل سبحانه حال الكفار مع أقربائهم أو مع معبوديهم بحال امرأة نوح وامرأة لوط مع قربهما من أنبياء الله فقد طالبتهما العقوبة ، وهذه الآية تقطع رجاء طمع من ركب المعصية ورجاء أن ينفعه صلاح غيره ، فمن أبطأ به عمله لم ينفعه نسبه .

12 ( وَمَرْيَمَ ٱبْنَةَ عِمْرَانَ ٱلَّتِيۤ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبَّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ ٱلْقَانِتِينَ ) .

ٱلْقَانِتِينَ :

قال من القانتين ، ولم يقل من القانتات ، قال في فتح الرحمن : رعاية للتواصل ، أو من القوم القانتين وفيه إشارة لكثرة القانتين على القانتات ، وفيه تغليب الرجال الأكثر ، على النساء الأقل .

*  وزير الأوقاف والشئون الإسلامية في دولة الكويت سابقاً .