البلاغة والإعراب والبيان في القرآن الكريم ( أول سورتي الفتح والحجرات )

رسالة الإنسانية للشرق والغرب
مايو 3, 2021
لا بد من أولي بقية ينهون عن الفساد في الأرض في كل زمان
يونيو 2, 2021
رسالة الإنسانية للشرق والغرب
مايو 3, 2021
لا بد من أولي بقية ينهون عن الفساد في الأرض في كل زمان
يونيو 2, 2021

التوجيه الإسلامي :

البلاغة والإعراب والبيان في القرآن الكريم

( أول سورتي الفتح والحجرات )

بقلم : معالي الشيخ الدكتور راشد عبد الله الفرحان *

سميت لورود كلمة الفتح في أول السورة .

1 ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً ) .

2 ( لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً ) .

البلاغة –  مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ :

عبر بالماضي لتحقق الوقوع بالنسبة لفتح مكة المكرمة ( لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ) .

أي يجتمع لك عز الدارين هي مجموع المغفرة مع تمام النعمة في الفتح ، واللام لا ( كي ) ، والمعنى لكي يجتمع لك ، وليس الذنب الذي غفره الله لنبيه كذنوب الناس ، لأن الأنبياء معصومون من الكبائر ، والمعنى ما تقدم من ذنبك قبل النبوة ، وقال ابن عباس في الجاهلية ، و ( وَمَا تَأَخَّرَ ) عنها .

16 ( قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُوْلِى بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُواْ يُؤْتِكُمُ ٱللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِن تَتَوَلَّوْاْ كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً ) .

تَتَوَلَّوْاْ :

جاء بالفعل كاملاً بيائين ، لأن الأعراب لم يتمكن الإيمان من قلوبهم ، وإن تخلفهم كان تخلف نفاق بدليل ما قبلها من الآيات .

التكرير : فقد تكرر ذكر القبائل المتخلفة من الأعراب البدو ، وجاء في الآية السابقة سيقول المخلفون ، وذلك مبالغة في الذم ، وإشعار بشناعة التخلف عن الجهاد والدفاع .

18 ( لَّقَدْ رَضِىَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ) .

البلاغة :

عبَّر بالمضارع عن الماضي لاستحضار صورة المبايعة ، وللإشارة بدوام الرضى عليهم .

25 ( هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْهَدْىَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِّيُدْخِلَ ٱللَّهُ فِى رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيمًا ) .

26 ( إِذْ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِى قُلُوبِهِمُ ٱلْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ وَكَانُوۤاْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً ) .

البلاغة :

في هذه الآية من اللطائف المعنوية الرائعة ، فقد أبان غاية البون بين الكافر والمؤمن .

 

جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ

الحمية مجعولة في الحال

إضافة الحمية إلى الجاهلية

الحمية قبيحة مذمومة

ازدادت قبحاً بإضافتها للجاهلية

العطف بالواو

فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ

والسكينة كالمحفوظة في خزانة الرحمة

إضافة السكينة إلى الله

والسكينة حسنة في نفسها

ازدادت حسناً في نفسها

العطف بالفاء دلت على المقابلة

 

أول سورة الحجرات

1 ( يا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَىِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) .

يا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ :

ذكر في السورة خمس مرات ، والمخاطبون فيها هم المؤمنون ، أما أيها الناس فمرةً واحدةً والمخاطب الجميع ( يا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ ) فناسب فيها ذكر الناس ، والمراد نهيهم عن أن يتقدموا على النبي صلى الله عليه وسلم بقول أو فعل .

2 ( يا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِىِّ وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِٱلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ ) .

البلاغة – التكرير :

في ( يا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ) لتطرية الإنصات لكل حكم نازل ، وتحريك النفوس لئلا يفتروا عند كل خطاب وارد ، وفي الآية النهي عن الجهر في مخاطبته ، أو مخاطبته باسمه مثل يا محمد ، ومعنى إحباط الأعمال نقص منزلتها لا محوها .

6 ( يا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ أَن تُصِيببُواْ قَوْمَا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) .

البلاغة – التنكير :

معنى تنكير فاسق ونبأ شياع ، كأنه قال أي فاسق ، بسبب أن النكرة إذا وقعت في سياق الشرط تعم كما إذا وقعت في سياق النفي .

7 ( وَآعْلَمُوۤاْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ ٱللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِى كَثِيرٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ٱلأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِى قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ ٱلْكُفْرَ وَٱلْفُسُوقَ وَٱلْعِصْيَانَ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلرَّاشِدُونَ ) .

البلاغة – تقديم الخبر :

في ( أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ ٱللَّهِ ) حيث قدم خبر إن على اسمها ، وفائدة ذلك القصد إلى توبيخ بعض المؤمنين على ما استهجنه الله منهم من استتباع رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم لآرائهم .

والفسوق : الذنوب الكبيرة ، والعصيان : بقية المعاصي .

9 ( وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِى تَبْغِى حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ وَأَقْسِطُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ ) .

وَإِن طَآئِفَتَانِ :

إن للشرط ، والشرط لا يدخل إلا على الأفعال ، ( طَآئِفَتَانِ ) فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده أي اقتتلت طائفتان ، ومثله في التوبة ( وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ ) .

11 ( يا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَابِ بِئْسَ ٱلاسْمُ ٱلْفُسُوقُ بَعْدَ ٱلإَيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ ) .

قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ :

الجمع في قوم من قوم ، ولم يقل رجل من رجل ، ولا امرأة من امرأة على التوحيد ، إعلاماً بإقدام غير واحد من رجالهم ، وغير واحدة من نسائهم على السخرية ، واستفظاعاً للشأن الذي كانوا عليه ، وربما يكون الساخر فرد ، ولكن الجلوس يشاركونه ويرضون بما يقول .

12 ( يا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱجْتَنِبُواْ كَثِيراً مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ ٱلظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُواْ وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ ) .

التنكير :

في ( كثير ) الظن المطلق أكثر بدليل قوله ( مِّنَ ٱلظَّنِّ ) ، فدل على أن التنكير هنا يفيد التقليل باجتناب ما هو يؤدي إلى المحرم ، قال القاضي أبو يعلى في هذه الآية : لم ينه عن جميع الظن ، والظن على أربعة أحزب : محظور ، ومأمور به ، ومباح ، ومندوب ، والظن : الذي فيه الاثم هو ما تكلم به الإنسان به بالسوء .

14 ( قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَانُ فِى قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُمْ مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) .

آمَنَّا – أَسْلَمْنَا :

و ( لَمَّا ) قال مقاتل : بمعنى لم ، وقال ابن كثير : الإيمان أخص من الإسلام ، وقال الزجاج : ( الإسلام إظهار الخضوع والقبول لما أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ) باللسان ، وأمثال هؤلاء في أيامنا    كثير ، أما الإيمان : قول وعمل ، قول باللسان وتصديق بالجوارح ، وأمثال هؤلاء قليل .

*  وزير الأوقاف والشئون الإسلامية في دولة الكويت سابقاً .