الإنسان بين الكفر والإيمان والإسلام ميزان عدل في حياة الإنسان

درس من شهر الربيع ! شهر الربيع ، وما أدراك ما شهر الربيع !
نوفمبر 2, 2021
أخي القارئ الكريم ! 
يناير 2, 2022
درس من شهر الربيع ! شهر الربيع ، وما أدراك ما شهر الربيع !
نوفمبر 2, 2021
أخي القارئ الكريم ! 
يناير 2, 2022

الافتتاحية :           بسم الله الرحمن الرحيم

الإنسان بين الكفر والإيمان

والإسلام ميزان عدل في حياة الإنسان

لم يكن بدء الكائنات الأرضية مع خلق آدم عليه السلام إلا معجزة من تمثيل عبادة الله تعالى في الأرض ، رغم أن هذه العبادة كانت قائمةً بإذن من رب السماوات والأرض في الملكوت السماوي ، وكانت الملائكة تمثلها فيه وفق الأوامر السماوية التي ينفذها الله تعالى في المجتمعات الملائكية في السماء التي سبقت المجتمعات الإنسانية ، وفازت بأداء الأوامر الربانية في ضوء النظام السماوي الذي وضعه الله سبحانه لأهل السماء من عبادات وسجود وتسبيحات وتكبيرات وما إلى ذلك ، ولما أعلن الله تعالى في الملائكة وقال :     ( إِنِّى جَاعِلٌ فِى ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً ، قَالُواْ : أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ) ، فكان الرد الإلهي بغاية من الوضوح   ( إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) .

وقد اختفى السر الإلهي في الرد الذي وجهه الله سبحانه نحو الملائكة المقربين ممن كانوا مواظبين على التسبيح والتقديس ، ذاك أن علم الله تعالى يحيط بجميع الشئون مهما كانت دقيقةً حول تلك المسئولية التي تقع على المحيط البشري مما له علاقة بأداء الشئون التي وجهها إلى عباده في الكائن البشري الذي سيعيش في العالم الأرضي  الواسع ، ذلك الذي يحتوي على جميع الخلائق التي يحتاج إليها البشر في إنجاز أعماله ومسئولياته ، وفي العيش الذي يتوسط بين الناس وبين الخالق العظيم ، وعلى هذه الدعامة المتعمقة والشاملة قامت حياة الإنسان من العصر القديم الذي بُعث فيه أول نبي ، آدم عليه السلام لعمارة الأرض الواسعة التي أتم الله سبحانه بها بناء العالم المشهود في الأرض وفي السماء ، وإن كانت هناك أكوان كثيرة لا يعرفها أهل السماوات والأرض ، ففي البحار وفي الأجواء وفي السحب والنجوم والكواكب والليل والنهار أكوان كثيرة مختفية عن عيون البشر ، وآيات جليلة لا يعلمها إلا الله تعالى ، ولعل إشارة قليلة من قدرة الرب تعالى الواسعة نلمسها في قوله سبحانه وتعالى : ( إِنَّ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ لَـاۤيَاتٍ لِّـأُوْلِى ٱلأَلْبَابِ . ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هٰذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) .

إن الله سبحانه وتعالى اكتفى في الآيات المذكورة أعلاه بمجرد ذكر خلائق ظاهرة من السماوات والأرض والليل والنهار ، ذلك لكي يتمكن المرء من تركيز فكره في الظواهر الكونية التي يعيش فيها ويشاهدها بأم عينيه من غير توقف أو اشتباه ، فإنها أشد ظهوراً من آيات قدرة الله تعالى التي لا تخفى على أي نوع أو جنس من الخلق ، ويطلع عليها كل خلق من الجن والإنس والسماء والأرض والجبال والكواكب والسحب والأنهار والبحار ، وكل ذلك آية عظيمة من عظمة الخالق القهار ، مما يشاهده كلٌ من ذوي العقول والأرواح وغيرهم من آثار الخلق والكون سواء من جنس أهل العقول الظاهرة أو غيره من الجوامد التي تبدو كأنها ليست بشيئ ينتفع به أصحاب العقول والآراء والأفهام الذكية ، رغم أن الله سبحانه لم يخلق شيئاً من هذا الكون الظاهر إلا ويحمل منافع وإن كانت غير مرئية أو غير محسوسة .

من هنا كان الإسلام نعمة كبرى من الله تعالى على الجنس البشري كله في هذه الدنيا ، وهي باقية إلى يوم القيامة ، فكان القرآن الكريم الذي أنزله الله سبحانه على خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم شرحاً كاملاً للحياة الإنسانية وللكائنات كلها ، وبذاك كان القرآن دستوراً دائماً للكون والحياة والإنسان ، أنزله الله سبحانه كوحي على خاتم النبيين والرسل محمد صلى الله عليه وسلم ، وفي مهد العرب العرباء وفي داخل الجزيرة العربية التي كان أهلها لا يقيمون أي وزن لكلام عربي يصدر من فصحاء العرب وبلغائهم ممن كانوا يزعمون أنفسهم آخر دليل للفصاحة العربية والبلاغة اللسانية ، فكانوا يزعمون الناس في العالم كله أعجميين لا علاقة لهم بتذوق الفصاحة والبلاغة التي تملأ كلام العرب الجاهليين ، ولما أنزل الله سبحانه كتابه العظيم القرآن الكريم على خاتم الأنبياء والرسل محمد صلى الله عليه وسلم ، ودرسه هؤلاء البلغاء بتعمق وتأمل في إعجازه البلاغي صاحوا بكلمة واحدة : إن هذا الكلام لن يكون صادراً من جماعة من البشر الفصحاء البلغاء الفائقين في جميع أساليب الكلام العربي الذي عاشه بلغاء جزيرة العرب .

ذلك هو الكلام الإلهي السماوي الذي يقيم الاتزان المطلوب عند الله تعالى في الحياة وجميع أعمال العيش وفي العلاقات الإنسانية السليمة وفي الصلة الخاصة بالله تبارك وتعالى ، وبذلك يتمهد الطريق نحو حب الله تعالى وحب رسوله صلى الله عليه وسلم على جميع متاع الدنيا وآلائها وزخارفها ، إن هذا الدين قد جعله الله ميزان عدل أقامه بينه وبين عباد الله في الدنيا ، وبين جميع أعمال الخير التي يوفق الله تعالى إلى إنجازه بإخلاص ، وقد مثل بها صدق العدل في القول  والعمل ، يقول الله سبحانه : ( وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىۤ أَلاَّ تَعْدِلُواْ ، ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ) .

ولقد تسابق علماء الإسلام في كل عهد في إبلاغ رسالة الكتاب والسنة إلى العالم البشري ، وبذلوا لإقامة حجتها على الناس طاقاتهم العلمية والدينية من غير انتظار ، ومن ثم رُزق كل عالم بدين الله والعاملين به همةً عاليةً وطاقةً كبيرةً لنشر رسالة الكتاب والسنة وصبغ الحياة بلونيهما الأصيل الثابت ، وقد أعلن الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم عما إذا كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ، ولو جئنا بمثله مدداً .

سبحان العظيم ! هل يتصور العقل الإنساني أن يتوافر بحر من المداد لكتابة كلمات الله تعالى ، ولكن هذا البحر المدادي ينفد ويجف وتبقى كلمات الله على ما كانت عليه من الاتساع والتكاثر وعلى ما تعجز بحار المداد وفاء لكتابة كلمات الله تعالى حيث تنتهي بحار المداد وتبقى كلمات الله تعالى من غير نقص في غزارتها وكثرة عددها ، فكيف لا نؤمن بأن الإسلام هو الدين الحق الذي يشمل كتابه جميع التوافرات الكونية ويرشد إلى أسعد طرق للعيش في هذه الدنيا ، والتعامل مع أهلها ، مع الفارق العظيم الذي يتوافر بين الإسلام والكفر ، وبين الجماعات الإنسانية التي تعيش في هذه الدنيا لمجرد اتباع النفس والهوى ، ولكن الإسلام هو الطريق الوسط الذي يسعد الحياة بنعمة الاتصال بالخالق العظيم ( لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) ، والخضوع أمامه في اليسر والعسر ، مع الإيمان الراسخ بأن اليسر والعسر رفيقين متلازمين يعيشان مع أفضل خلق الله تعالى ومع المؤمنين الصادقين ، وهم يؤمنون بأنهم لم يُخلقوا إلا للخضوع أمام رب العالمين في ضوء الشريعة السمحاء وأوامرها التي هي قائمة إلى يوم الدين لله تعالى مع عباد الله الصالحين .

فكان كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم آخر رمز للسعادة البشرية العالمية ، وقد مثل ذلك في أمة الرشد والهداية الأخيرة في تاريخ الإسلام منذ أول يوم من هذا التاريخ البشري العالمي ، وكان هتافها في الحياة بالدوام والاستمرار : ( ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ . صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ) .

وقد أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم بأمر من ربه فقال :    ( وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ، وقد بالغ في التحذير من الشرك بأساليب كثيرة .

وقرر الله تعالى أن الشرك ظلم عظيم : ( إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيهِ ٱلْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ ٱلنَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ) ، ومن ثم كان الإشراك بالله حجراً مانعاً عن طعم الإيمان .

والله يقول ويعلن : ومن يشرك بالله فقد حرم عليه الجنة ، والله هو الحق وهو يهدي إلى السبيل الواضح المعلوم الذي هو قوله :   ( صِرَاطِي مُسْتَقِيماً ) .

سعيد الأعظمي الندوي

9/3/1443هـ

16/10/2021م