استراتيجية ……… وإخفاق

إِنَّا كَفَيْنَاكَ ٱلْمُسْتَهْزِئِينَ
أغسطس 28, 2022
معسكران في العالم الإسلامي
أكتوبر 17, 2022
إِنَّا كَفَيْنَاكَ ٱلْمُسْتَهْزِئِينَ
أغسطس 28, 2022
معسكران في العالم الإسلامي
أكتوبر 17, 2022

صور وأوضاع :

استراتيجية ……… وإخفاق

محمد فرمان الندوي

” لن نترك فراغاً تملؤه الصين ” :

زار الرئيس الأمريكي جو بايدن الشرق الأوسط في جولته إلى آسيا ، وهي جولته الأولى من تقلده مهام منصبه ، خلال 13 – 17 من يوليو الماضي 2022م ، وكانت هذه الجولة تضم إسرائيل وفلسطين والمملكة العربية السعودية وغيرها من الدول ، وكانت الصحف العالمية تسلط أضواءً على جولته هذه أنها جولة حاسمة في تاريخ الشر ق    الأوسط ، وتأتي بنتائج سارة ، وقد أبدى جو بايدن من آرائه الصارمة :    ” إن بلاده ستبقى منخرطةً بالكامل في الشرق الأوسط ، ولن تترك الساحة لقوى عالمية ، كي تمارس ضغوطها ” ، وأضاف قائلاً : ” لن نغادر ونترك فراغاً تملؤه الصين أو روسيا أو إيران ” .

لكن عدداً من المعلِّقين الصحفيين يرون أن بايدن لم يحقق الهدف السياسي والاقتصادي ، الذي يرمي إليه من خلال هذه الرحلة ، وقد تراجع نفوذه بعد الغزو الروسي لأوكرانيا ، بل أخفق في ذلك إخفاقاً كاملاً ، ومن هذه الأهداف محاصرة إيران ، وخفض أسعار النفط ، فإنهما أصبحا من العناوين البارزة خلال هذه الجولة ، أما بالنسبة إلى قضية فلسطين ، فلم ينبس بايدن ببنت شفة ، وكان من المتوقع أن يُدلي برأيه في هذه القضية ، ذلك لأنه اعتُبر في السياسة العالمية علمانياً ، وهو ممثل للحزب الذي ينادي بالعلمانية والحرية والمساواة ، وحينما تم ترشيحه في الانتخابات الأمريكية ، ثم فوزه فيها ، علق الناس في العالم بأسره ، ولا سيما الأقليات التي تضطهد بالأغلبية الساحقة منه ، آمالهم ، وكان يُرجى أن يقول : إن كل ما صدر من القرارات زمن رياسة دونالد ترمب يلغى من أصولها ، لكنه ذرَّ الرماد في عيون الفلسطينيين ، وجعلهم يائسين من مستقبلهم ، والذي زاد الطين بلةً أن بعد عدة أيام من هذه الزيارة ، بدأت إسرائيل تغزو أهل غزة والضفة الغربية بما أسفر عن إهلاك عدد كبير من الفلسطينين العزل ، وقد استشهد في هذه الحرب من قيادة فلسطين بعض الرموز ، الذين كان وجودهم مبعث أمل كبير لإخوانهم ، كأن جولة بايدن هذه برَّرت لإسرائيل من تنفيذ مشروعهم الوقح ، وغارة شعواء على أهل فلسطين .

ويعلم الجميع أن قضية فلسطين التي أصبحت جرحاً راعفاً اليوم في جسم العالم الإسلامي ، وبعد عدة أيام تسيل من هذا الجرح دماء  حارة ، ويبكي العالم دماً على هذه العمليات الوقحة ، لكن لا يجد له حلاً مقنعاً ، فلا يمكن معالجة هذه القضية إلا بضغوط سياسية واستراتيجية محنكة من الجهات ذات السلطات المعنية بها ، وإذا أسرعت إلى هذا العمل الدول الأقوى تأثيراً ، لا يكون هناك تأجيل في حل هذه القضية ، وقد أنشئت على أرض فلسطين منذ أكثر من 80 سنة دولة إسرائيل ، التي تمت سيطرتها على البقية الباقية منذ 1967م ، فجميع أراضي فلسطين حتى القبلة الأولى وثالث الحرمين تحت هيمنة إسرائيل .

مواجهة متعمدة لزيارة الرئيس :

والوجه الآخر من السيناريو العالمي أن قيادات رئيسية أخرى من روسيا وتركيا وإيران قد اجتمعت في طهران للخوض في قضية سوريا ، وإيجاد حلولها بطريق سلمي ، وقد اهتمت صحيفة تيلغيراف بزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإيران لقاءه بالرئيسين الإيراني إبراهيم رئيسي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان ، وقالت في افتتاحيتها : إن هذه الزيارة يجب أن تكون مدعاةً للقلق في لندن وواشنطن ، وقالت الصحيفة : راقب الغرب في واشنطن ولندن وعواصم أوربا هذا الاجتماع بقلق ، وتقول الصحيفة : ” هذا اللقاء هو بمثابة مواجهة متعمدة لزيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الأخيرة إلى إسرائيل والسعودية ” ، وإذا وضعنا نصب أعيننا تحليلات صحيفة : Foreign Policy الأمريكية : إن جولة بوتين كانت أكثر تحالفاً للبلدان والشعوب ، تحقق كل شيئ على أتم    صورة ، على كل فإننا لسنا قضاةً نحكم بين هاتين الجولتين إلا أننا نقول : إن فكرة الهيمنة التي تسيطر على أذهان هذين الرئيسين بايدن وبوتين لا تسمن ولا تغني من جوع .

غاية اتفاق أبراهام :

ومما يجدر بالذكر أن اتفاق أبراهام ( Accords Abraham ) هي الاتفاقيات الإبراهيمية التي تهدف إلى تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل ، وقد تم إنجازها في 13/ أغسطس 2020م زمن دونالد ترامب ، ومن ثم استتبت العلاقات بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل ، والبحرين والسودان وغيرها من الدول ، ونُسبت هذه الاتفاقيات على سبيل الخدعة إلى أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام ، وهي شخصية محترمة لدى الديانات السماوية كلها ، وقد تم تشكيل ديانة جماعية باسم الديانة الإبراهيمية ، وهو مشروع يهودي لتلبيس الدين الإلهي الصحيح في التقاليد المزورة ، وقد هتف جو بايدن بهذا الهتاف المرذول ، رغم أن هذا المشروع كان من زمن ترامب ، ليبرر تطبيع العلاقات للدول العربية مع إسرائيل ، واللافت للنظر أن بايدن قبل بداية جولته أبدى بهذا الرأي أمام أجهزة الإعلام وقال : إن الخطر الأكبر للشرق الأوسط ليس إسرائيل ، بل هو إيران التي تملك طاقةً نوويةً ، وأعلن عن إنشاء وحدة عالمية ضدها .

آفاق بعيدة المدى :

إذا تأملنا قليلاً في هذا الإعلان الصادر من بايدن عرفنا أنه صرف عناية الناس من وحشية وهمجية إسرائيل التي لا تزال تواصل على أرض الإسراء والمعراج ، وضيق على سكانها الخناق ، ولا يزالون يعيشون في حصار اقتصادي ، وتجويع شديد ، ولا يجدون من المال إلا ما يقيم   صلبهم ، وقد أثار بايدن خلال لقائه مع سمو الأمير للمملكة العربية السعودية قضية الصحافي جمال خاشقجي ، ليضغط بها عليه ، كأن جولة بايدن هذه كانت لفتح آفاق بعيدة المدى لإسرائيل ، حتى توافق المملكة على تطبيع العلاقات معها ، وقد أبرمت المملكة مع بايدن 18/ وثيقةً ، ووقع بايدن عليها ، و 13/ منها لها صميم علاقة برؤية 2030م التي توخاها أهل السلطة في المملكة العربية السعودية .

وكما أفادت المصادر الصحفية أن الصين وماسكو وإيران قد أقضت مضاجع واشغنتن بالنظر إلى تدخلاتها في المنطقة ، وهي جبهات جديدة قامت على إثر جائحة كورونا ، فإن واشنطن وإن كانت تعتبر نفسها حليفةً للشرق الأوسط ، لكن لا يعلم إلى أي مدى تنجح واشنطن في هذه الاستراتيجية ؟ وقد قال أحد المحللين المعروفين :

” إن مشاكل العالم ومآسيه تتعقد وتتصعد ، وتتكثف لفقدان الشعور الإنساني ، والوعي ، لقد اكتشف الإنسان حقاً وسائل يُطل بها على العالم كله ، وينفذ بها بصره إلى جميع أنحاء الأرض المعمورة ، لكنه فقد الشعور القلبي والبصيرة فهو إنسان في ظاهره ، في ملبسه ، ومسكنه ، ونشأته ، لكنه وحشي في ميوله وغرائزه ، وطبيعته ، ذلك لأنه فقد النور الإلهي ، والتربية الخلقية ، وانسلح مما خص به من صفات وأكرم به من آيات ، وهو رغم اكتشافاته العلمية ووسائله الآلية ، كما وصف القرآن الكريم أمثاله المحرومين : لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ أُوْلَـٰئِكَ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَافِلُونَ .

ولم يفقد هذا الشعور الإنساني النبيل أفراد ، بل فقده زعماء وقادة يحكمون العالم اليوم ، ويتحملون مصاير الأمم والشعوب ، فإنهم لا يعبأون بشقاء الملايين ، بل يخططون لإبادة عناصر وأجناس بشرية ، ويدبرون المآسي ويرتكبون مذابح بشريةً ، ويشاهدون هذه المذابح كمسرحيات مأسوية ويتفرجون عليها ، ويصدرون بيانات ولا يتحركون ، وهم يملكون سلطات تؤهلهم لوقف هذه المآسي بمجرد تهديد جدي ” ( إلى نظام عالمي جديد : 177 – 118 ) .

لا سبيل للكافرين على المؤمنين :

فهذه الاستراتيجية التي تخطط على المسرح العالمي للضغوط والهيمنة لا تحمل قيمةً إلا كما يكون الزبد على وجه الماء بإذن الله  تعالى ، فإن الزبد يذهب جفاءً وهدراً ، ولا يكون له بقاء ، وأما ما يكون نافعاً فيستقر ويستحكم ، كذلك يضرب الله الأمثال ، ولن يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً .