استخدام كلمة ” النداء “و ” الدعاء ” في منظور القرآن الكريم

اللغة العربية في كيرالا ومراحل تطوّرهـا عبر العقود
فبراير 21, 2021
مساهمة الهند في تطوير الحضارة العربية
فبراير 21, 2021
اللغة العربية في كيرالا ومراحل تطوّرهـا عبر العقود
فبراير 21, 2021
مساهمة الهند في تطوير الحضارة العربية
فبراير 21, 2021

دراسات وأبحاث :

استخدام كلمة ” النداء “و ” الدعاء ” في منظور القرآن الكريم

الأستاذ مبين الحق الندوي ، مالابورم ، كيرالا

” النداء والدعاء ” كلمتان يطلقهما العامة في معنى واحد . فنبحث هنا هل هناك فرق بينهما أو أنهما في معنى واحد . وإن كان بينهما فرق ، فما هو ؟ وما هو معناهما الدقيق ؟ فالأحسن أن ندرسهما في كتاب الله تعالى ، القرآن الكريم .

يقول صاحب مفردات القرآن الكريم : ” الدعاء كالنداء إلا أن النداء قد يقال بـ يا أو أيا ونحو ذلك من غير أن يضم إليه الاسم ، والدعاء لا يكاد يقال إلا إذا كان معه الاسم نحو يا فلان ، وقد يستعمل كل واحد منهما موضع الآخر [1] .

لسان العرب يبين : ” النداء : الصوت مثل الدعاء والرغاء ، وقد ناداه . . . أي صاح به . . . والنداء ، ممدود : الدعاء بأرفع الصوت ، وقد ناديته نداءً ، وفلان أندى صوتاً من فلان ، أي أبعد مذهباً وأرفع صوتاً ، وأنشد الأصمعي لمدثار بن شيبان النمري :

تقول خليلتي لما اشتـــــكـينا سيدركنا بنو القرم الهجان

فقلت ادعي وادعو فإن أندى لـــصوت أن ينادي داعــــيـــان [2]

ثم يستدل بالحديث النبوي أيضاً : ” وفي حديث الدعاء : ثنتان لا تردان عند النداء وعند البأس ، أي عند الأذان للصلاة وعند القتال ” . ومن المعروف أن الأذان يكون في صوت جهري ، وهذا يدل أيضاً أن النداء في صوت جهري . وصاحب القاموس يستدل بأحاديث أخرى أيضاً . وبأشعار العربية بكثرة كاثرة . ومنها :

كالكرم إذ نادى من الكافور

فإنما أراد صاح [3] .

فثبت بذلك أن النداء هو رفع الصوت بما له معنى ، والعربي يقول لصاحبه ناد معي ليكون ذلك أندى لصوتنا أي أبعد له ، والدعاء يكون برفع الصوت وخفضه يقال دعوته من بعيد ودعوت الله في نفسي ولا يقال ناديته في نفسي . فالنداء يكون برفع الصوت . ولذا ذكر القرآن مع النداء ” خفياً ” ، قال الله عز وجل : ” إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَآءً خَفِيّاً ” .

ولذا قال الله عز وجل : ” وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ ٱلَّذِى يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَآءً وَنِدَآءً ” ( البقرة : 171 ) ، إن كانت هنا كلمة دعاء فحسب فلا حاجة أن يذكر ” بِمَا لاَ يَسْمَعُ ” لأن الدعاء نفسه يعني كلاماً لا يسمع ، ولكن النداء نفسه لا يعطى هذا المعنى . ولذلك ذكر ” بِمَا لاَ يَسْمَعُ ” .

الآيات الأخرى التي وردت فيها كلمة ” النداء ” :

” وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ ٱلَّذِى يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَآءً وَنِدَآءً ” ( البقرة : 171 ) ، ” فَنَادَتْهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّى فِى ٱلْمِحْرَابِ ” ( آل عمران : 39 ) ،  ” رَّبَّنَآ إِنَّنَآ سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِى لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا ” ( آل عمران : 193 ) ،  ” وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ” ( المائدة : 58 ) ، ” وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا ٱلشَّجَرَةِ ” ( الأعراف : 22 ) ، ” وَنُودُوۤاْ أَن تِلْكُمُ ٱلْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ” ( الأعراف : 43 ) ، ” وَنَادَىۤ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَابَ ٱلنَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً ” ( الأعراف : 44 ) ، ” وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ ” ( الأعراف : 46 ) ، ” وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلأَعْرَافِ رِجَالاٍ يَعْرِفُونَهُمْ    بِسِيمَاهُمْ ” ( الأعراف : 48 ) ، ” وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ ” ( الأعراف : 50 ) ،  ” وَنَادَىٰ نُوحٌ ٱبْنَهُ وَكَانَ فِى مَعْزِلٍ يٰبُنَىَّ ٱرْكَبْ مَّعَنَا ” ( هود : 42) ، ” وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبُنِى مِنْ أَهْلِى ” ( هود : 45 ) ، ” وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَآئِىَ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ ” ( الكهف : 52 ) ،   ” فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَآ أَلاَّ تَحْزَنِى قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً ” ( مريم : 24 ) ، ” وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً ” ( مريم : 52 ) ، ” أَىُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً ” ( مريم : 73 ) ، ” إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَآءً خَفِيّاً ” ( مريم : 3 ) ، ” وَنُوحاً إِذْ نَادَىٰ مِن قَبْلُ فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ ” ( الأنبياء : 76 ) ، ” وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّى مَسَّنِىَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ ” ( الأنبياء : 83 ) ، ” وَزَكَرِيَّآ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِى فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْوَارِثِينَ ” ( الأنبياء : 89 ) ، ” وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ أَنِ ٱئْتَ ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ ” ( الشعراء : 10 )  ، ” وَٱذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ ”  ( ص : 41 ) ، ” وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ ٱلْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ ” ( القلم : 48 ) .

وإذا ألقينا النظر في جميع هذه الآيات وجدنا أن القرآن لم يستخدم كلمة النداء في معنى الدعاء السري ولا في معنى الكلام   القلبي ، بل استخدمت في جميع الآيات في معنى دعاء عال أو في معنى الصوت الجهري أو الكلام الجهري .

وأما كلمة الدعاء تستخدم في كلا المعنيين ، .في معنى صوت جهري وفي معنى صوت خفي .

الآيات التى وردت فيها كلمة دعاء :

” وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ ٱلَّذِى يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَآءً وَنِدَآءً ” ( البقرة : 171 ) ، ” فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ”      ( البقرة : 23 ) ، ” فَٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ ٱلأَرْضُ ” ( البقرة : 61 ) ،    ” قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنَ لَّنَا مَا هِىَ ” ( البقرة : 68 ) ، ” قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا ” ( البقرة : 69 ) ، ” قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِىَ إِنَّ ٱلبَقَرَ تَشَابَهَ  عَلَيْنَا ” ( البقرة : 70 ) ، ” وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ” ( البقرة : 186 ) ، ” أُوْلَـٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ وَٱللَّهُ يَدْعُوۤ إِلَى ٱلْجَنَّةِ وَٱلْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ” ( البقرة : 221 ) ،  ” ثُمَّ ٱجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ٱدْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً ” ( البقرة : 260 ) ، ” وَلاَ يَأْبَ ٱلشُّهَدَآءُ إِذَا مَا دُعُواْ ” ( البقرة : 282 ) ، ” يُدْعَوْنَ إِلَىٰ كِتَابِ ٱللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُمْ مُّعْرِضُونَ ” ( آل عمران : 23 ) ، ” إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ ” ( آل عمران : 38 ) ، ” هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِى مِنْ  لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ” ( آل عمران : 38 ) ، ” فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِنْ  بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ ” ( آل عمران : 61 ) ،     ” وَلْتَكُنْ مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ ” ( آل عمران : 104 ) ،    ” وَمَا دُعَآءُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِى ضَلاَلٍ ” ( الرعد : 14 ) ، ” رَبِّ ٱجْعَلْنِى مُقِيمَ ٱلصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَتِى رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَآءِ ” ( إبراهيم : 40 ) ، ” لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيْنَكُمْ ” ( النور : 63 ) ، ” قَالُواْ فَٱدْعُواْ وَمَا دُعَاءُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِى ضَلاَلٍ ” ( غافر : 50 ) ، ” لاَّ يَسْأَمُ ٱلإِنْسَانُ مِن دُعَآءِ ٱلْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ ٱلشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ ” ( فصلت : 49 ) ،  ” وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ ” ( فصلت : 51 ) .

وهناك فروق أخرى ومعان أخرى ، منها يقول صاحب لسان العرب في معنى ” دعا ” : قال الفراء : وادعوا شهداءكم من دون الله ، يقول آلهتكم ، يقول استغيثوا بهم ، وهو كقولك للرجل إذا لقيت العدو خالياً فادع المسلمين ، ومعناه استغث بالمسلمين ، فالدعاء هنا بمعنى الاستغاثة ، فالنداء أيضاً يستخدم في معنى الاستغاثة . وقد يكون الدعاء عبادةً : ( إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم ) . . . . ” [4] ، ولكن كلمة النداء لم تستخدم في معنى العبادة ، اي ليدل على عبادة الله في معناها العام المطلق . في جميع الأماكن التي تتحدث عن العبادة والتوحيد في العبادة والتفريق بين الشرك والتوحيد استخدم القرآن الكريم كلمة الدعاء ، ولم يستخدم النداء . يعني لا يقول الله عز وجل ” إن الذين تنادون من دون الله ” ولا يقول : ” نادوا شركاءكم ” ، ولا يقول : ” وإذا سألك عبادي عني قل فإني قريب أجيب نداء النادي إذا ناداني ” ، بل في هذه الأماكن كلها استخدم القرآن ” الدعاء ” . وأما حينما قال عن دعاء الأنبياء قد استخدم ” النداء ” . لأنه هو الدعاء العادي وإن كان هو جزءاً من العبادة ، هذا المكان لا يتطلب تفهيم التوحيد في العبادة أو الفرق بين التوحيد والشرك . بل هذا كان مكان إظهار تضرع الأنبياء إلى الله عز وجل فحسب :” ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ . إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَآءً خَفِيّاً ” .

[1] العلامة الراغب الأصفهاني : مفردات ألفاظ القرآن ، لكناؤ ، مكتبة إحسان ، ص 187 .

[2] محمد بن منظور : لسان العرب ، القاهرة دار الحديث ، 2003م ، ص 509 .

[3] نفس المصدر .

[4] محمد بن منظور ، لسان العرب ، القاهرة دار الحديث ، 2003م ، ج 3 ، ص 6 36 .