النظافة في الحياة البشرية من خلال المصادر الإسلامية والدراسات الحديثية ( الحلقة الثالثة )
فبراير 23, 2025دور الشباب في نهضة الأمة
مارس 24, 2025الدعوة الإسلامية :
طاعة النبي صلى اللّه عليه وسلم
الشيخ السيد بلال عبد الحي الحسني الندوي
تعريب : الأخ نعمت اللّه قاسم الندوي *
إنَّ الكمالَ يُورِثُ صفةَ الاعتدالِ والاتزان ، كما أنَّ الاعتدالَ بحدِّ ذاته دليلٌ بيِّنٌ وعلامةٌ واضحةٌ على الكمال ، فهما متلازمان لا ينفصل أحدُهما عن الآخر . فإذا بلغ شيئ ذروةَ الكمالِ ووصل إلى قمّته ، وُصِفَ بالحُسن ، إذ لا يتحقّق الحُسنُ إلا بالكمال ، ولا يمكن لأُسوةٍ أن تُوصَفَ بالحَسَنَةِ إلا إذا كانت في غايةِ الكمال .
وإنَّ أُسوةَ نبيّنا محمّدٍ صلى الله عليه وسلم كانت وستظلُّ دائماً كاملةً متكاملةً شاملةً ، فهي لا محالةَ حَسَنَة ، فقد جعله اللهُ سبحانه وتعالى متحلِّياً بكلِّ فضيلة ، متصفاً بكلِّ صفةٍ نبيلة ، جامعاً للكمالات التي تميّز بها الأنبياءُ والمرسلون من قبل .
وقد جعل اللهُ سبحانه وتعالى كلَّ نبيٍّ قدوةً لقومه خاصّةً ، وجعل نبيَّنا محمّداً صلى الله عليه وسلم قدوةً للبشريةِ جمعاء ، وحلاَّه بأوصافٍ كريمة ، وزيَّنه بأخلاقٍ شريفةٍ وعاداتٍ نبيلة . وبالجملة ، فإنّ نبيَّنا محمّداً صلى الله عليه وسلم كان متحلِّياً بكلِّ نوعٍ من الحُسن ، ظاهرِه وباطنِه ، لا يُضاهيه فيه أحدٌ من الأوّلين والآخرين .
وإنَّ الإنسان ، مهما كان نوعُه وطبقتُه وأصلُه وجنسُه – أميراً كان أو فقيراً ، حاكماً أو محكوماً ، أباً أو زوجاً ، صغيراً أو كبيراً ، من العامّة أو الخاصّة ، أخاً أو قريباً – فله في حياةِ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم أُسوةٌ حسنةٌ ونموذجٌ كاملٌ شاملٌ لجميع نواحي الحياة .
فينبغي لكلِّ من يُريد الخير ، ويرغب في الحق ، أن يستنيرَ بسيرةِ الرسولِ الأكرمِ صلى الله عليه وسلم ، وأن يعيشَ حياتَه في ظلِّ منهاجِهِ الخالدِ القويم ، ويجعلَ شخصيّتَه صلى الله عليه وسلم قدوةً له في جميعِ مراحلِ الحياة .
يقولُ العلامة السيّدُ سليمانُ النَّدويُّ في محاضرته التي ألقاها تلبيةً لدعوة من هيئة التعليم الإسلامي بمدينة مدراس ، الهند :
” إذا كنت غنياً مثرياً فاقتدِ بالرسول صلى الله عليه وسلم عندما كان تاجراً يسير بسلعه بين الحجاز والشام ، وحين ملك خزائن البحرين . وإن كنت فقيراً معدماً فلتكن لك أسوة به وهو محصور في شعب أبي طالب ، وحين قدم إلى المدينة مهاجراً إليها من وطنه ، وهو لا يحمل من حُطام الدنيا شيئاً .
وإن كنت ملكاً ، فاقتدِ بسننه وأعماله حين ملك أمر العرب ، وغلب على آفاقهم ، ودان لطاعته عظماؤهم وذوو الأحلام منهم . وإن كنت رعيةً ضعيفاً ، فلك في رسول الله أسوة حسنة أيام كان محكوماً بمكة في نظام المشركين .
وإن كنت فاتحاً غالباً ، فلك من حياته نصيب أيام ظفره بعدوه في بدر وحنين ومكة ، وإن كنت منهزماً – لا قدّر الله ذلك – فاعتبر به في يوم أحد ، وهو بين أصحابه القتلى ورفقائه المثخنين بالجراح .
وإن كنت معلِّماً ، فانظر إليه وهو يعلِّم أصحابه في صُفّة المسجد ، وإن كنت تلميذاً متعلِّماً ، فتصوَّر مقعده بين يدي الروح الأمين جاثياً مسترشداً . وإن كنت واعظاً ناصحاً ومرشداً أميناً ، فاستمع إليه وهو يعظ الناس على أعواد المسجد النبوي .
وإن أردت أن تقيم الحق وتصدع بالمعروف وأنت لا ناصر لك ولا معين ، فانظر إليه وهو ضعيف بمكة ، لا ناصر ينصره ولا معين يعينه ، ومع ذلك فهو يدعو إلى الحق ويعلن به .
وإن هزمت عدوَّك ، وخضدت شوكته ، وقهرت عناده ، فظهر الحق على يدك وزهق الباطل ، واستتب لك الأمر ، فانظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم دخل مكة وفتحها .
وإن أردت أن تصلح أمورك وتقوم على ضياعك ، فانظر إليه وقد ملك ضياع بني النضير وخيبر وفدك ، كيف دبَّر أمورها وأصلح شؤونها وفوَّضها إلى من أحسن القيام عليها .
وإن كنت يتيماً ، فانظر إلى فلذة كبد آمنة وزوجها عبد الله ، وقد تُوفِّي وابنهما صغير رضيع . وإن كنت صغير السن ، فانظر إلى ذلك الوليد العظيم حين أرضعته مرضعته الحنون حليمة السعدية .
وإن كنت شاباً ، فاقرأ سيرة راعي مكة ، وإن كنت تاجراً مسافراً بالبضائع ، فلاحظ شؤون سيد القافلة التي قصدت بُصرى .
وإن كنت قاضياً أو حكماً ، فانظر إلى الحَكَم الذي قصد الكعبة قبل بزوغ الشمس ليضع الحجر الأسود في محله ، وقد كان رؤساء مكة يقتتلون ، ثم ارجع البصر إليه مرةً أخرى وهو في فناء مسجد المدينة يقضي بين الناس بالعدل ، يستوي عنده منهم الفقير المعدم والغني المثري .
وإن كنت زوجاً ، فاقرأ السيرة الطاهرة والحياة النزيهة لزوج خديجة وعائشة رضي الله عنهما ، وإن كنت أباً لأولاد ، فتعلَّم ما كان عليه والد فاطمة الزهراء وجد الحسن والحسين .
وأيّاً من كنت ، وفي أي شأن كان شأنك ، فإنك مهما أصبحت أو أمسيت ، وعلى أي حال بتَّ أو أضحيت ، فلك في حياة محمد صلى الله عليه وسلم هداية حسنة وقدوة صالحة ، تضيئ لك بنورها دياجي الحياة ، وينجلي لك بضوئها ظلام العيش ، فتصلح ما اضطرب من أمورك ، وتثقِّف بهديه أودك ، وتقوم بسننه عوجك .
وإن السيرة الطيبة الجامعة لشتى الأمور هي ملاك الأخلاق ، وجِماع التعليم لشعوب الأرض وللناس كافةً في أطوار الحياة كلها وأحوال الناس على اختلافها وتنوعها . فالسيرة المحمدية نور للمستنير ، وهديها نبراس للمستهدي ، وإرشادها ملجأ لكل مسترشد . . . . ” [1] .
( وللحديث بقية )
* معهد الدراسات العلمية ، ندوة العلماء ، لكناؤ .
[1] نقلاً من الرسالة المحمدية للعلامة السيد سليمان الندوي ، تعريب الأستاذ محمد ناظم الندوي ، ص : 117 – 119 .