من جوانب التربية المحمدية لهذه الأمة المجيدة
مارس 14, 2023المؤامرة الغربية ضد المرأة المسلمة
مايو 28, 2023الدعوة الإسلامية :
صفات الحديد في القرآن الكريم
الأستاذ أحمد أديب محمود عبيدات *
خلق الله تعالى الإنسان على الفطرة وأعطاه من العقل والقدرة على الأخذ بالأسباب ما لم يعطه لمخلوق آخر ، وشرع له المنطق ، وهو قانون لا يحيد عنه إلا جاهل ، ومن هذه الأسباب كتب سماوية أنزلها الله تعالى على الرسل عليهم السلام وأقرها العلم ، ومن هذه الكتب القرآن الكريم الذي نزل على سيدنا محمد عليه السلام ، ولم – ولن – يعرف حتى الآن بالتحريف والحمد لله أو النقصان ، وذلك بشهادة ألد الأعداء ، بل اتصف بالقدرة على مجاراة مختلف العصور والأزمان .
من صفات القرآن الشمول ، فكان للمعادن نصيب في هذا الشمول وخاصةً منها الحديد الذي ميَّزه القرآن بذكر بعض الصفات رأينا بتجميعها للفائدة .
(1) المقدمة :
ميّز الله تعالى القرآن الكريم بصفة الشمولية ، فالقرآن الكريم لم يقتصر على الناحية التعبدية لإنسان ، بل تعدى ذلك ليشمل جوانبه الحياتية جميعها من النظافة الشخصية والمحافظة على البيئة إلى تسيير أمور الدول والجماعات وبناء الاقتصاد ، ومما شمل القرآن الكريم العلوم الحياتية الكيمياء والفيزياء . . . ، ومن هذه العلوم خصائص بعض المعادن المعروفة في أيامنا هذه ، فلا يستغرب ذكر بعض هذه المعادن في القرآن الكريم ، ومنها الذهب فقد ذكر الله تعالى الذهب في القرآن الكريم ، ووضح القدرة على تعدينه وتحويله إلى أشكال مختلفة للزينة ، وذلك في سورة الكهف آية (31) ، وذلك بقوله تعالى : ( أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا ) ، ومن المعادن الأخرى المذكورة في القرآن الكريم معدن الحديد وهو موضوع دراستنا في الصفحات القادمة بمشيئة الله تعالى والتي عملنا فيها على دراسة صفات هذا المعدن ومنافعه المذكورة في القرآن الكريم من خلال الرجوع إلى بعض التفاسير وموافقتها مع ما ورد في العلم من هذه الصفات .
(2) الحديد في القرآن الكريم :
ذكر الله تعالى معدن الحديد في ست سور من سور القرآن الكريم : الإسراء ، الكهف ، الحج ، سبأ ، ق ، والحديد . وميزه بتسمية سورة كاملة باسمه ؛ وذلك بسبب ذكر هذا المعدن بشكل صريح وذلك لتبيان منافعه للناس ، وذلك في قوله تعالى : ( وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ، إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيز ) ، والحديد لغةً هو معدن رمادي إلى زرقة يتخذ في الصناعة [1] ، وفيما يأتي بيان لبعض صفات الحديد المذكورة في القرآن الكريم .
الصفة الأولى : الصلابة :
والصلابة في معجم المعاني الجامع صفة الجسم الذي يحتفظ بشكله وحجمه ، وهي أداة تستعمل لتحديد الصلابة النسبية لمادة ما بقياس الضغط اللازم لاختراقها [2] ، وعند وصف العرب لشدة شيئ ما تقول : إنه صلب كالحديد ، وأشار الله تعالى لصلابة الحديد في سورة الكهف ( الآية : 96 ) بقوله تعالى : ( آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا ) ، وعند الطبري زُبَرِ ، وقوله تعالى : ( انْفُخُوا ) الحديد ، الحديد جمع زُبْرة ، والزُّبْرة : القطعة من يقول عزّ ذكره ، قال للفعلة : انفخوا النار على هذه الزبر من الحديد [3] ، ومعنى الكلام هنا أن قطع الحديد هذه تحتاج للنار لإذابتها ، وذلك في إشارة لشدة صلابة الحديد وعدم القدرة على تغير شكلة إلا باستخدام نار ذات حرارة عالية جداً ، وكما هو معروف في عصرنا الحالي فإن الحديد لا يحتاج لحرارة عالية فقط ، بل يحتاج لآلات عملاقة للتعامل مع صلابته التي أوصلت العالم لإنشاء أبنية ضد الزلازل ، ووردت صفة الصلابة للحديد في القرآن الكريم في مكان آخر وهي الآية الخمسون من سورة الإسراء ، وذلك بقوله تعالى : ( قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَو حَدِيدًا ) وتشبيهه بالحجارة هنا إشارة واضحة لصلابة الحديد ، ولكن بشكل آخر وفي هذا التنوع للوصف دلالةً على نعمة القرآن الكريم وفصاحته التي تنسجم مع بسطاء الناس قبل علمائهم فبذكر الحجارة تقريب لصفات الحديد ومنافعة بما يتناسب مع بسطاء الناس ، ولازم القرآن الكريم بين الشدة ومنافع الناس في الآية الخامسة والعشرين من سورة الحديد ، وذلك بقوله تعالى : ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ) ، وظاهر الآية الكريمة أن الله تعالى أنزل البأس الشديد في الحديد دلالةً على القوة العظيمة لهذا المعدن والمتمثلة بصلابته الشديدة وأن في هذا المعدن وصلابته منافع للناس ، وذلك في توجيه منه عز وجل للخلق للالتفاف والتفكير في هذاالمعدن وفوائده .
الصفة الثانية : المرونة :
صفة الصلابة المذكورة سابقاً للحديد لا تخفى على أحد أو قد تكون من المسلَّمات في العلم ، ولكن عند ذكر كلمة المرونة ، فإن للمرونة معنى واسعاً ، وليس من السهل أن يكون الشيئ الصلب قادراً على أن يحوي هذه الصفة كما هو في معدن الحديد ، ومرونته تكمن في أنه قابل للتعديل والسحب والتكوين بأشكال مختلفة وما حديد سقف البيت إلا مثال على مرونة الحديد من حيث السحب ، واكتفى القرآن الكريم بالإشارة إلى هذه الصفة وعدم ذكرها صريحةً ، وذلك في قوله الله تعالى في سورة الحج في الآية الحادية والعشرين : ( وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ ) وعند البغوي فإن المقامع ” سياط من حديد واحدتها مقمعة قال الليث : المقمعة شبه الجرز من الحديد ” [4] ، والسياط هو تغير في شكل الحديد مما يدل على المرونة العالية في هذا المعدن ، وذلك لما يحتاجه السياط من رقة ودقة في الصنع ، وجاءت الآية العاشرة في سورة سبأ لتؤكد هذه الصفة وذلك في قوله تعالى : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ ) ، ومعنى ألنا له الحديد عند الطبري أن الحديد كان في يده – أي سيدنا داود – كالطين المبلول يصرفه في يده كيف يشاء [5] ، والتشبيه هنا باللين إشارة واضحة للمرونة العالية التي يتمتع بها معدن الحديد مما جعل مفسر الآية الكريمة بالتشبيه بالطين المبلول وما تجويف ماسورة المياه المصنوعة من الحديد إلا دليل واضح على هذه المرونة .
الصفة الثالثة : الحدة :
الحدة أحد صفات المعادن المشهورة فنجدها في معدن الفولاذ مثلاً وهي صفة دالة على الدقة فنقول : سكينة حادة أي أنها تتصف بسرعة القطع وكذلك استواء مكان القطع أي أنه لا يحوي عوج أو تقل فيه نسبة العوج ، وهذه الصفة موجودة في معدن الحديد ، وذكرها القرآن الكريم في سورة ق ( الآية الثانية والعشرين ) وذلك في قوله تعالى : ( لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) ، قال ابن قتيبة : الحديد بمعنى الحاد . أي فأنت ثاقب البصر [6] ، وهنا تصريح من الله تعالى بوصف الحديد أنه أحد المعادن الحادة .
(3) الخاتمة :
جمع القرآن الكريم لهذه الصفات ، ولو قل عددها إشارة واضحة من الله تعالى لهذا المعدن وأهميته وعدم التهاون في البحث عن منافع أخرى غير معروفه لهذا المعدن ، فنوعية هذه الصفات تدل على أهميه عالية وضعها الله تعالى في الحديد ، فالاقتصار على ما وصلنا له من المنافع يعتبر قصوراً بالتفكير ، فالقرآن كما هو معروف صالح لكل زمان ومكان .
المراجع الإلكترونية :
- https://surahquran.com/116.html
- https://www.maajim.com/dictionary
المراجع العربية :
- البغوي ، الحسين بن مسعود بن محمد ، تفسير البغوي ، دار طيبة للنشر والتوزيع ، القاهرة ،1997م .
- الشاوي ، مرتضى عبد النبي علي ، سورة الحديد – دراسة أسلوبية ،مجلة دواة ، المجلد الخامس ، العدد الحادي والعشرون ، 2019م .
- الطبري ، أبي جعفر محمد بن جرير ، تفسير الطبري ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 2016م .
- محب شانه شاز ( المترجم ) ، حرف المعادن في حلب ، منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة .
* معلم في وزارة التربية والتعليم الأردنية – الأردن . ah_paper_2017@yahoo.com
[1] جبران مسعود ، معجم الرائد .
[2] https://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar
[3] http://quran.ksu.edu.sa/tafseer/tabary/sura18-aya96.html
[4] https://quran.ksu.edu.sa/tafseer/katheer-saadi-baghawy/sura22-aya21.html#baghawy
[5] https://quran.ksu.edu.sa/tafseer/tabary/sura34-aya10.html
[6] https://www.islamweb.net/ar/fatwa/26749