شعر الصحابي الجليل الجارود العبدي رضي الله عنه دراسة موضوعية فنية ( الحلقة الأولى )

رحلة الأمير عبد الوهاب خان للحج ( 1331هـ ) : دراسة تحليلية
يونيو 4, 2024
زبدة التفاسير للقدماء المشاهير لشيخ الإسلام بن قاضي القضاة عبد الوهاب الغجراتي : دراسة تحليلية ( الحلقة الأولى )
يونيو 4, 2024
رحلة الأمير عبد الوهاب خان للحج ( 1331هـ ) : دراسة تحليلية
يونيو 4, 2024
زبدة التفاسير للقدماء المشاهير لشيخ الإسلام بن قاضي القضاة عبد الوهاب الغجراتي : دراسة تحليلية ( الحلقة الأولى )
يونيو 4, 2024

دراسات وأبحاث :
شعر الصحابي الجليل الجارود العبدي رضي الله عنه
دراسة موضوعية فنية
( الحلقة الأولى )
أ . د . سيد جهانغير 
الصحابي الجليل الجارود ، بشر بن عمرو رضي الله عنه شاعر وصحابي ، أهمله معظم مؤرخي الأدب ، ولو أنه قد ذكره المؤرخون العرب القدامى ، ولم يكن معروفاً بين الشعراء ، فهو شاعر مخضرم ، نظم الشعر في الجاهلية والإسلام ، ولم يثبت لنا أي من شعره الجاهلي ، ولكن ما هو بين أيدينا شعره الإسلامي ، غير أنه قتل في معركة بفارس سنة 21هـ ، الموافق 641م .
هو صحابي جليل ، أسلم طائعاً ، وقاد وفد قومه إلى المدينة المنورة لمقابلة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رأس وفد عبد القيس ، الوفادة الثانية ، سنة تسع ، أو عشر من الهجرة النبوية . وكان نصرانياً ، فَعَرض سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه الإسلام ، ورغَّبه فيه ، فقال الجارود : يا محمد ! إني على دين ، وإني تارك ديني لدينك ، أفتضمن لي ديني ؟ فقال سيدنا رسول الله – عليه أفضل الصلاة والسلام – : ” نعم أنا ضامن لك أن قد هداك الله إلى دين هو خير منه ” ، فأسلم وحسن إسلامه ، وأسلم جميع أفراد الوفد .
وقال الجارود رضي الله عنه في ذلك :
شهدتُ بأنَّ الله حقٌ وأسلمت نـــباتُ فـــؤادي بــالشـــــهادة والنهضِ
فأبلغ رسول اللهِ مـــنـي رسالة بأني حنيفٌ حيثُ كنتُ من الأرضِ
ذكر ابن الكلبي أن الجارود اسمه بشر بن حنش بن المعلى بن الحارث بن يزيد بن حارثة بن معاوية بن ثعلبة بن جذيمة بن عوف بن بكر بن عوف بن أنمار بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس العبدي ، وأمه دريمكة بنت رويم من بني شيبان ، كان نصرانياً ، فأسلم عام الحديبية . وكان لقبه الجارود ، لأنه أغار في الجاهلية على بكر بن وائل ، فأصابهم وجردهم ، ويسمى اختصاراً للجارود بن المعلى ، وقيل : الجارود بن عمرو بن العلاء ، ويكنى أبا غياث ، أو أبا المنذر ، سكن البصرة بعد الإسلام ، وأرسله عثمان بن أبي العاص على القتال يوم ( سهرك ) ، فقتل في عقبة الطين في فارس شهيداً سنة 20هـ . وقيل : إنه قتل بنهاوند مع النعمان بن مقرن بموضع يعرف بـ ” عقبة الطين ” ، فسميت بعد ذلك بـ ” بعقبة الجارود ” سنة 21هـ .
يختلط اسمه مع اسم الجارود بن المنذر العبدي ، فمن المؤرخين من اعتبرهما اثنين ؛ مثل : صاحب الإصابة ، ابن حجر العسقلاني ، وصاحب أسد الغابة ، ابن الأثير الجزري ، وصاحب أعيان الشيعة ، السيد محسن الأمين ، ومنهم من اعتبره واحداً مثل : ابن عبد البر في كتابه : الاستيعاب ، وابن سعد في الطبقات الكبرى ، الذي لم يذكر أباه ، ومثل : السمعاني في كتابه الأنساب ، وابن سيد الناس في كتابه عيون الأثر . فكان من الصعب علينا أن نقرر أهو واحد أم اثنان ، وانقسم المؤلفون بين هذين الرأيين .
ذكر ابن حجر ، وابن سعد ، وابن الأثير وابن الجزري ، أن سيدنا الجارود بن المنذر رضي الله عنه راو للحديث ، وروى عنه الحسن ، والشيخ ابن سيرين رحمة الله عليه ، فهو إذن من أصحاب الحديث الشريف ، ولم يكن شاعراً ، ولكن بعض المؤرخين نسبوا له أبياتاً تروى أيضاً للجارود بشر بن عمرو ، وهذا من اشتباه المؤرخين ، وعندما حققنا في المصادر للرجلين وجدنا هذا الخلط بين الرجلين ، على الرغم من أن معظم المصادر القديمة لم تنسب أي بيت من الشعر للجارود بن المنذر ، وترجمت له على أساس أنه من أصحاب الحديث الشريف .
ارتدت قبائل ربيعة في البحرين ، إلا أن الجارود بن عمرو بن حنش بن المعلى بن الحارث العبدي ثبت على الإسلام ، ومن معه من عبد القيس ، فقد وقف وقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، وأكفّر من لا يشهد بذلك ، لذا رجعت قبيلة عبد القيس إلى رأيه ، وثبتت على الإسلام ، بل وحاربت المرتدين .
روي عن الحسن بن الشيخ أبي الحسن البصري رحمة الله عليه أنه قال : ” كان الجارود بن المعلى بن حنش بن المعلى نصرانياً ، حسن المعرفة بتفسير الكتب وتأويلها ، عالماً بسير الفرس وأقاويلها ، بصيراً بالفلسفة والطب ، ظاهر الدهاء والأدب ، كامل الجمال ، ذا ثروة ومال ، وأنه قدم على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وافداً مع رجال من عبد القيس ذوي آراء وأسنان ، وفصاحة وبيان ، وحجج وبرهان ، ووقف بين يدي سيدنا رسول الله – عليه أفضل الصلاة والسلام – وأنشد قصيدته :
يا نبي الهدى أتتك رجال قطعت فدفداً وآلاً فآلا
وهي قصيدة مشتملة على تسعة أبيات ، وهي قصيدة يذكر فيها الجارود المعاناة التي تكبدها الركب من البحرين إلى المدينة المنورة ، وفيها مدح لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
دراسة شعره :
لم يبق من شعر الجارود العبدي سوى القليل ، وهذا القليل ينسب بعضه إلى الجارود بن المعلى ، وهو شخصية أخرى من قبيلة عبد القيس ، وهذا القليل يغلب عليه الطابع الإسلامي ، في أفكاره وكلماته وأسلوبه ، ولا توجد سمات الشعر الجاهلي في تلك القصائد ، على الرغم من أنه مخضرم ، وعاش أغلب فترات حياته في الجاهلية ، واستشهد سنة 21 من الهجرة النبوية .
موضوعات شعره :
نشعر بالأسف لعدم اهتمام مؤرخي الأدب في عصر التدوين بجمع شعره ، وخاصةً شعره الجاهلي ، وأما ما بقي من شعره الإسلامي فهو قليل جداً ، وكله في مدح سيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام فلا نعرف موضوعات أخرى غير المديح ، لذا أرى أن الدراسة تنقصها بعض اللمحات الفنية ، ولكن ما بقي من شعره فهو يدل على أنه كان من فحول الشعراء القادرين على قرض الأبيات على موضوعات شتى ، ولكنه مقل ، أو أن شعره يدور حول بعض المناسبات في القبيلة ، أو في حياته .
اللغة والأسلوب :
اللغة ظاهرة اجتماعية تؤدي وظيفتها التواصلية بفضل نظامها المخصوص ، وأسلوب بناء الكلمات كما قال بيفون : أما الأسلوب فهو الإنسان ذاته ، لذلك تعذر انتزاعه أو تحويله أو سلخه ” ، لذلك نجد أسلوب الشاعر يختلف اختلافاً بيناً عن أسلوب الشعراء في العصر الجاهلي ، على الرغم من أن اللغة واحدة إلا أن أسلوب الشاعر ، الذي يُعدُّ انعكاساً لذاته ، وبعيداً عن انفعالاته جاء متماشياً مع تأثره بعصر صدر الإسلام ، والذي خفت فيه الأساليب الشعرية المتعارف عليها في العصر الجاهلي .
إنّ الالتزام بتطبيق قواعد الدين قد حذَّ – إلى حد بعيد – من حرية الشاعر في التعبير عن عواطفه ومشاعره التي كانت متجهةً بقوة إلى العبادة ، والجهاد ، والتقرب إلى الله ، والالتزام بالهدي النبوي الشريف ، والشعر لا ينمو ولا يزدهر إلا في بيئة من الحرية ، لا قيود على الشاعر فيها على كلماته وانطباعاته وانفعالاته ، لذلك إذا ما قورن شعر شاعرنا بالشعر الجاهلي ، أو حتى بالشعر في عصر القرون اللاحقة سنجده خالياً عن مميزات الشعر في الأغلب ، وجاء ضعيفاً مثله في ذلك مثل شعر الصحابة رضوان الله عليهم وعصر صدر الإسلام بشكل عام .
ويقول ابن عربي :
إنَّ الحــــــروف أئمـــــــة الألفــــاظ شـهدت بذلك ألسنُ الحفاظِ
وتقول لولا فيض جودي ما بدت عند الكلام حقائق الألفاظِ
لغة الشاعر الجارود وأسلوبه إسلامي ، ففيه الكلمات الإسلامية واضحة ، ومعبرة عما يشعر به تجاه الإسلام ، وتجاه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو شعور الرجل المسلم الذي اعتنق بالإسلام ، ورأى في الرسول النموذج الكامل للمؤمن ، لذا كانت كلماته معبرةً عن ذاته ، وكلمات المديح واضحة ، ليس بها غموض ولا خفاء ولا معاضلة .
القصيدة التي يبدأها الشاعر بـ ” شهدتُ ” : يتحدث فيها عن نفسه بقوله : شهدت ، أصالح ، أدني ، أذبّ ، وأجعل ؛ هذه كلمات معبرة عن الذات ، ومتوافقة مع سياق المسلم الذي دخل الإسلام آنذاك ، فهو يتوافق مع ما قرره الإسلام ، وفرضه على المسلم ، فهي كلمات واضحة ، وأسلوب سهل .
والقصيدة التي يبدأها الشاعر بـ : ” يا نبي الهدى ” ؛ فهو يخاطب فيها سيدنا رسول الله – عليه أفضل الصلاة والسلام – فقد وصف مشقة الطريق ووعورته إلى أن وصل لمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ ففي هذه القصيدة استخدم الشاعر كلمات تتفق مع معاناته ، مثل قوله : قردداً ، وألاً ، جابت البيد ، والمهامه ، الصحاح ، والكلال ، فكلها تعبر عن طول الطريق ، وما يعانيه المسافر من تعب وإرهاق ، وشدة وعناء ، وخاصةً إذا كان السفر على ظهور الجمال والنوق ، وما تتمتع به من سير بطيئ ، وما يصيب المسافر من آلام وشدائد ، وعنت خلال السفر ، حيث الماء قليل ، والزاد شحيح ، فيصاب المسافر بالملل ، ولكن الأمل في الوصول إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الغاية القصوى وراء هذا السفر المتعب .
بعدما احتمل الشاعر مشقة السفر يأتي سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فينبهر ويندهش لما تغشاه صلى الله عليه وسلم من الهيبة والوقار ، والأبهة والجلال ، فكأنه قد نسي ما لقي من العناء أثناء السفر ، فيعمد إلى مدح المصطفى بكلمات المديح المعتادة مثل : المهابة ، وأحسن مرأى ، ويا نبيّ الهدى ، وغيرها مما ورد في النص ، ولكن الشاعر يأمل في نيل الشفاعة ، والحصول على الأمان يوم الحشر ، ويعدد ما للرسول صلى الله عليه وسلم من الفضائل والمواهب مثل الحوض ، والشفاعة العظمى ، ونهر الكوثر ، وكذلك الفضل ، وينتهي للأخذ بحظ وافر من الرسول صلى الله عليه وسلم .
يستمر الشاعر في نظرته إلى مبادئ الإسلام من خلال سيدنا الرسول الكريم – عليه أفضل الصلاة والسلام – فقد أتى الشاعر بوفد لكي يهتدي إلى الإسلام ، ويغترف من نميره الفياض تلك القيم والمبادئ ، فقد كان جاهلاً بتلك القيم والمبادئ التي جاء بها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأراد أن يغترف منها ما يؤدي إلى البعد عن المهالك ، ولم يكن الشاعر غامضاً ، ولم يستخدم كلمات نادرةً ووحشيةً ومعقدةً في قصائده ، بل هي واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار .
من الملاحظ أن شعر الشاعر إسلامي الألفاظ والطريقة ، فلم يخرج إلى غير ذلك ، فكان أسلوبه سهلاً لا تعقيد فيه ، وورود بساطة العبارات والألفاظ يؤكد صلته بأساليب الإسلاميين في النظم ، من حيث ورود الكلمات الإسلامية في أبياته ، ويمتاز شعره بجزالة الألفاظ وقوة الأسلوب ووضوح المعاني وسموّها الخلقي والالتزام بالمثل الإسلامية و القيم الدينية مع امتيازه بعمق الإحساس بعظمة الله و قدرته وتدبر مظاهرها ، ونظرة المسلم إلى سيدنا رسول الله – عليه أفضل الصلاة والسلام – .
الصور البلاغية :
يصوّر الشاعر العربي واقعه بشكل مختلف ، ويستنطق الحيوان والنبات والجماد ، ولكن حين يريد مدح سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يجد نفسه مقيدةً لا يستطيع أن يسترسل في خياله ، ولكنه يلزم الواقع ، وهذا ما حدث للشاعر الجارود الذي فقد قدرته على صنع الصور الفنية المحدودة ، وبخاصة وهو يمدح رسول الله – عليه أفضل الصلاة والسلام – كما فعل معظم مادحي الرسول صلى الله عليه وسلم ، لذا كانت صوره لا تخرج عن إطار المدح ، وبيان أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو طلب الشفاعة منه ، لذا أورد الشاعر الجارود رضي الله عنه في رسم بعض الصور الفنية الرائعة في قصائده ، منها :
بنات فؤادي : أفكاره . أطلقت كلمة بنات على عدة أمور ، منها : بنات الهوى : يعني البغاء . وبنات نعش : مجموعة من النجوم . لذا لا غرو أن تتدفق الأفكار في ذهن الإنسان فلا يجد ما يكني بها إلا كلمة البنات .
استعمل الطباق في : الإقامة والخفض .
جناس في : وبغضي وعضي وعرضي .
هناك الجناس في القطعة الثالثة كقوله : فآلا ، غالا ، وتلال ، وتتالا ، وإلى آخر القصيدة نجد : سؤالا ، وسجالا ، وتتتالا ، وأحالا ، وهكذا تبرز الأسجاع والجناس المتتالية .
لم يرد كثير من الصور البلاغية فيما بقي من قصائده ، لعدم اهتمام النقاد بشعره ، لقلته ، وعدم شهرته كشاعر ، ووفاته سنة إحدى وعشرين من الهجرة .
وضوح شعره في مدح سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحتج إلى صور فنية غامضة ، أو إلى صور تحتاج إلى سبر غورها لمعرفة كنه تلك الصور ، ومديحه لا يخرج عما اعتاد عليه شعراء عصره .
موسيقى شعره :
لا شك أن الشعراء القدامى كانوا يعتمدون على الحس الموسيقي للمستمعين ، فيهتزّون طرباً لها ، لذلك كان اعتماد شاعرنا سيدنا الجارود رضي الله عنه على القوافي الذلل والنفر ، ولم أر قطعةً شعريةً له في روي الحوش ، ففي حرف التاء المتبوع بهاء ساكنة : أكلته ، جهرته ، أنكرته . فقد وردت في شعر العرب منها قول بشار بن برد :
يا منظراً حسناً رأيته في وجه جارية فديته
أما حرف اللام فقد أورد موسيقا متعددة الأسجاع والجناس ، وكلها تشير إلى الحاسة الشعرية في قصائده : فآلا ، غالا ، كلالا ، إرقالا ، تلالا ، جلالا ، وهكذا تتكرر هذه اللالات لتحدث شيئاً من الجرس الموسيقي ، فكلها تتبع : ألف لام ألف . وبعضها تكون : لا ، لا . لا . وهكذا .
أما حرف الضاد فقد وردت في قصيدة واحدة ، فالضاد من حروف النفر ، وهو حرف فيه بعض الثقل في استعماله قافية ، كقول أمير الشعراء أحمد شوقي :
قف بتلك القصور في اليم غرقى ممسكاً بعضها من الذعر بعضا
وهناك بعض القصائد اللطيفة في هذا الحرف ، ولكن أغلب قصائد الشعراء ممن اتخذ هذا الحرف روياً ليس بدرجة واحدة .
وأورد شاعرنا رضي الله عنه أبياتاً فيها ثقل وتكلف على هذا الروي .
استعمل الشاعر رضي الله عنه في موسيقاه الداخلية ما يناسب المواقف التي نظم بها ، فالجرس الموسيقي يبدو واضحاً في التكرار المنتظم في إيراد الروي ، وحسن التقسيم ، وقوة السبك ، مما أدى إلى حلاوة اللفظ ، وجزالة الصنعة ، فهو شاعر متمكن من صنع القصائد المعبرة ، ولكن قلة الشعر تلجم الإنسان أن يتوسع في بيان أوجه الموسيقا في شعره .
وتكرار حرف الضاد : نهضِ ، أرضِ ، قضِّ ، خفضِ ، بغضِ ، نقضِ ، كلها تدل على موسيقا ، فكأنها تهاليل في أعراس ، على الرغم من ثقل حرف الضاد .
الوصف :
الشاعر ابن بيئته ، فهو يساير سائر الشعراء في رسم البيئة ، وما فيها من حيوان ، أو نبات ، وما عمله شاعرنا في الرسم بريشته اللغوية وصفاً جيداً للصحارى الممتدة من بلاد البحرين ، في الشرق إلى المدينة المنورة في الغرب ، وكأن هذه المناظر الطبيعية الجميلة أمامه وهو ينظم هذه القصيدة :
قطعت قردداً وآلاً فآلا
جابت البيد والمهامه
قطعت دونك الصحاصح
كل دهناء تقصر الطرف عنها
هذا الوصف الشامل لصحراء الدهناء التي تمتد لمسافات طويلة في غرب البحرين ، وتفصل البحرين عن غربها ، ففيها مخاطر وأهوال ، ومن يقطعها يصاب بالتعب والملل وقلة الزاد والماء ، ولكنها تهون لأجل الغرض الأسمى من قطعها . واستعمل كلمات موحية لوصف هذه الصحراء مثل قوله : آلاً ، بيد ، مهامه ، صحاصح ، دهناء ، وكل هذه الكلمات تعني الصحراء القاحلة ، حيث لا ماء ولا زاد ولا كلأ ، وفيها من مخاطر التعرض للحيوانات المفترسة الشيئ الكثير ، وأدوات الوقاية والحماية قد تكون غير مجدية ، وبخاصة إذا كان الحيوان كبيراً ومفترساً ، أثناء هجوع الليل ، مثلما قال :
غالها من طوى السرى ما غالا أرقلـــتــــها قلاصنا إرقالا
تـــنـــقــي شر بأس يوم عصيب هائلٍ أوجل القلوب وهالا
وبمثل هذه النماذج الرائعة يصف الشاعر هول الصحراء الطويلة المقفرة ، ولكنه يرى أن تلك الأهوال تهون بسبب الهدف السامي من قطع تلك الفيافي والصحارى .
التضمين :
بدا واضحاً تأثر الشاعر بالقرآن الكريم في قصائده ، وهذا أمر طبيعي كشاعر مثل غيره من شعراء صدر الإسلام ، وردت كلمات قرآنية في قصائد شاعرنا ، الذي وظفها في بعض الأبيات ، فمنها :
كثيراً ما ورد اسم الله بحسب معنى القرآن كقوله : رسول الله : وهي كثيراً ما تتردد كقوله تعالى :
( وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ ) سورة النساء 157 .
( قُلْ يا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّى رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ ) سورة الأعراف 158 .
( وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) سورة التوبة 61 .
وسوى تلك الآيات فقد ورد اسم الرسول في آيات كثيرة .
كما وردت كلمة ” حنيف ” في قوله :
فأبلغ رسول الله عني رسالة بأني حنيف حيث كنت من الأرضِ
وردت كلمة ” حنيف ” في القرآن الكريم في مواضع كثيرة ، فمنها قوله تعالى :
( قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً ) البقرة 135 .
( واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً ) النساء 125 .
( ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ ٱتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً ) النحل 123 .
ويقول شاعرنا :
بأني حنيف حيث كنت من الأرض
وهذه المقتطفات من القرآن الكريم تؤيد صدق إيمانه وحفظه لبعض سور القرآن الكريم ، ولذا لا عجب إن لم يرتد عن دينه ، بل وثبتت قبيلة عبد القيس على التمسك بالإسلام ، ومقاتلة المرتدين ، ويظهر من ذلك أن الإيمان تغلغل في سويداء قلب الشاعر ، فكانت الكلمات الإسلامية تدفقت في فكره وخياله .
( للحديث صلة )