البلاغة في الحديث النبوي الشريف : الجناس وأنواعها نموذجاً
سبتمبر 4, 2021دراسة حول الأدب الإسلامي
سبتمبر 4, 2021دراسات وأبحاث :
الدراسات الصوتية وجهود علماء المسلمين فيها
الدّكتور ضياء القمر آدم علي *
إنَّ علم العربيَّة من أسمى العلوم قدراً ، وأنفعها أثراً ؛ إذ هو الـمرقاة إلى فهم كتاب الله ، وسنَّة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم ؛ ولهذا حظيت الدَّراسات اللُّغويَّة – قديـماً وحديثاً – بمنزلةٍ كبيرةٍ في صفوف المعنيِّين بالعربيَّة وعلومها ؛ فقد بذل رجالٌ مخلصون من سدنة اللُّغة وحفظتِها – في المشرق العربيِّ ومغربه – جهوداً محمودةً ، ومساعيَ جبَّارةً في دراسة الجوانب اللُّغويَّة .
وفي شبه القارَّة الهنديَّة – كما في غيرها من الأقطار– ظلَّت اللُّغة العربيَّة موضعَ احترامٍ وتقديرٍ ، ولعلمائها نشاطٌ ملموسٌ وعنايةٌ فائقةٌ بالعربيَّة لغةً ، ونـحواً ، وصرفاً ، واشتقاقاً ، ودلالةً ؛ ولهم تراثٌ ضخمٌ يستحقُّ الوقوف عنده وتدوينه ؛ إذ بدأ اهتمامهم بالعلوم اللُّغويَّة ؛ منذ أن دخل الإسلام فيها ؛ حسبما تشيـر إليه المصـادر التَّاريخيَّة .
وإذا كان هذا هو دأب علماء القارَّة في الاهتمام بهذه العلوم ؛ منذ القرن السَّابع حتّى العصر الحديث ؛ فإنَّه من الحقِّ أن يُشار إلى قلَّة حظِّهم في الشُّهرة بين علماء العربيَّة من مشرق الوطن الإسلاميِّ إلى مغربه ؛ فمؤلَّفاتهم اللُّغويَّة لم يُكتب لها من الذُّيوع والانتشار ما كُتب لمؤلَّفات علماء العربيَّة في الأقطار الأخرى ، ولم تُذكر آراؤهم واجتهاداتهم ، أو مؤلَّفاتهم في كُتب غيرهم من اللُّغويِّين ؛ في حين نجد آراء علماء العربيَّة مبثوثةً في المؤلَّفات الهنديَّة المختلفة ؛ سواءً كانوا من القدماء ، أو من المتأخّرين ، وسواءً كانوا في المشرق العربيِّ أو في مغربه .
وكما هو معروفٌ لدى الباحثين اللُّغويِّين أنَّ الدِّراساتِ اللُّغويَّةَ تشمل جوانبَها الأربعةَ : الدِّراساتِ الصَّوتيَّةَ ، والصَّرفيّةَ ، والنَّحويَّة ، والدِّلاليّة .
وخصَّصتُ هذا المقال لإبراز ما لعلماءِ الهند من خدماتٍ جليلةٍ ومساعٍ جبَّارةٍ ؛ في الدِّراسات الصَّوتيَّة ؛ وذلك بعرض مؤلَّفاتهم ، ومنهجهم ، وتميُّز آرائهم ، واختياراتهم ، وترجيحاتهم ، واعتراضاتهم ، والكشف عن اتِّجاههم اللُّغويِّ الصَّوتيِّ .
تعريف ” الصَّوت ” – لغةً واصطلاحاً :
” الصَّوت ” لغةً : الجرس ، صَوَّتَ فلانٌ بفلان تصويتاً ؛ أي : دَعاه . وصاتَ يصُوتُ صوتاً ؛ فهو صائتٌ ؛ بمعنى : صائحٍ ، وكلُّ ضَرْبٍ من الأُغنيات صَوتٌ من الأصوات ، ورجلٌ صائتٌ : حَسَنُ الصَّوت شديدُه ، ورجلٌ صَيِّتٌ : حَسَنُ الصَّوتِ ، وفلان حَسَن الصِّيت : له صِيتٌ وذِكْرٌ في النَّاس حَسَنٌ [1] .
أمَّا ” الصَّوت ” في الاصطلاح : فقد حاول العلماء المعنيُّون بدراسة اللُّغة تحديدَ ما يعنيه ” الصَّوت ” ؛ فوضعوا تعريفاتٍ لهذا المصطلح تباينتْ بين قديمهم وحديثهم ، ومن بين القدماء ابن سينا ؛ الّذي عرَّف الصّوت بأنَّه : ” تموّجُ الـهواءِ ، ودفعُه بقوّةٍ وسرعةٍ مِّن أيِّ سببٍ كان ” [2] ، .وعرّفه ابن جنّي بأنَّه : ” أصواتٌ يعبِّر بها كلُّ قومٍ عن أغراضهم ” [3] .
أمّا المحدثون فمنهم إبراهيم أنيس ؛ الَّذي عرَّف الصَّوت بأنَّه : ” ظاهرةٌ طبيعيّةٌ ندرك أثرها ؛ دون أن ندرك كنهَها ” [4] .
من المعروف لدى اللُّغويِّين أنَّ الدِّراسات الصَّوتيَّة تشمل الدِّراسة الصَّوتيَّة القديمة ؛ الَّتي يطلق عليها اسم ” علم التَّجويد ” ، والدِّراسة الصَّوتيَّة الحديثة ؛ الَّتي يطلقُ عليها اسم ” علم الأصوات ” بفروعها المختلفة .
وإن كان هذان العِلْمان قد اتّخذا في درسهما مسارَيْنِ مختلفين ؛ واختص الأوَّل بقراءات القرآن الكريم ؛ فأصبح يُدرَّس في قسم القرآن ، واختصّ الثَّاني بكلمات اللُّغة العربيَّة عامَّةً ، فأصبح يدرَّس في قسم اللُّغة العربيَّة ؛ مع أنَّ العِلْمَين – في الحقيقة – من وادٍ واحدٍ ، ويؤولان إلى أصلٍ واحدٍ ؛ وذلك لأنَّ علماءَ كلٍّ من ” علم التَّجويد ” و ” علم الأصوات ” بيَّنوا – في مؤلَّفاتهم – الحالاتِ الصَّوتيَّةَ المختلفة ، والتَّغيُّراتِ ؛ الَّتي تطرأ على الصَّوت في أثناء النُّطق ، وأوضَحوا حالاتِ الإدغام ، والغنَّة ، والإمالة ، وبيَّنوا أسبابها وأحكامها ، وعرَّفوا الوقف ، وذكروا أقسامه وأحكامه ، وبيَّنوا ظاهرة المدِّ وأنواعه وأحكامه ، وغير ذلك من الظَّواهر الصَّوتيَّة ؛ مثل : الإعلال ، والإبدال ، والإشمام ، والإخفاء ، والإظهار ، وكلِّ المسائل الصّوتيّة ؛ الَّتي تترابطُ وتتداخلُ فيما بينها .
أما ” علم الأصوات المعاصر ” فيهتمّ – إلى جانب ذلك – بموضوعاتٍ أخرى ؛ بعضُها يتعلَّق بعلم الأصوات النُّطقيِّ ؛ مثل آليَّة إنتاج الصَّوت اللُّغويِّ ، والمقطع الصَّوتيِّ ، والنَّبر والتَّنغيم ، وبعضها يتعلَّق بعلم الصَّوت الفيزيائيِّ ، وعلم الصَّوت السَّمعيِّ ، وبعض هذه الموضوعات يحتاج إليه دارس علم التَّجويد أيضًا .
ظهور التَّأليف في الأصوات عند العرب :
يعود تاريخ الاهتمام بالصَّوت إلى عهدِ تقعيدِ علماءِ العربيَّة القواعدَ وتأسيسِهم النَّحوَ ؛ بل يكاد يسبق ذلك . ولعلّ خبر أبي الأسود – حين وضع رموز الحركات – يُجلِي شيئاً من هذه الأوَّليَّة ؛ وهو أنَّه جاء إلى زيادٍ ؛ فقال له : ” اِبْغِني كاتباً يفهم عني ما أقول ؛ فجيئ برجلٍ من عبد القيس ؛ فلم يرض فهمه ؛ فأُتِـيَ بآخرَ من قريشٍ ؛ فقال له : إذا رأيتَني قد فتحت فمي بالحرف فانقطْ نقطةً على أعلاه ، وإذا ضممتُ فمي فانقطْ نقطةً بين يدي الحرف ، وإذا كسرت فمي فاجعلِ النُّقطة تحت الحرف ، فإن أتبعت شيئاً من ذلك غنّةً فاجعل النقطة نقطتين ؛ ففعل ؛ فهذه نقط أبي الأسود ” [5] ، ومن هنا نشأت ألقاب الحركات في العربيَّة ، وعدَّت من أكثر ألقاب الأصوات توفيقاً .
ثمَّ مضى علماء العربيَّة يؤلِّفون في النَّحو والصَّرف والمعاجم مَشُوبَيْنِ بأحكام الصَّوت وعلله ؛ فالخليل بن أحمد الفراهيدي هو من ألَّف أوَّلَ معجمٍ في العربيَّة ؛ وهو كتاب ” العين ” ؛ الّذي بُني على أساسٍ صوتيٍّ ، وصُدِّر المؤلَّف بمقدَّمةٍ صوتيَّةٍ تعَدُّ أوَّلَ دراسةٍ صوتيّةٍ منظّمةٍ ، وصلتْ إلينا في تاريخ الفكر اللُّغويِّ عند العرب [6] .
ثمّ تلاه كتاب سيبويه ؛ الَّذي تضمَّن دراساتٍ صوتيّةً ، أوفتْ على الغاية دقّةً وأهمّيّةً ، وتنوَّعت بتنوُّع مادَّتها ؛ فكان منها ما يتعلَّق باللَّهجات والمقايسة بينها ، والاستدلال لها ، ومنها ما يعرض للقراءات ، ومنها ما يتحدَّث عن ظواهرَ صوتية ، ثمَّ تتابعتْ كتب النَّحو واللُّغة بعد سيبويه تنحُو نحوَه ، وتقفو أثرَه ؛ في تخصيص حيَّزٍ للدِّراسات الصَّوتيَّة ، مردِّدةً تعبيراتِه ومصطلحاتِه في كلِّ ما يتعلَّق بمخارج الحروفِ وصفاتها [7] .
وهكذا اختلطت بحوث الصَّوت بالنَّحو والصَّرف إلى حدٍّ ؛ ضاع فيه كثيرٌ من معالمها أو كاد ، غير أنَّها عادت ؛ لتبرز على نحوٍ واضحٍ في عِلمٍ آخرَ نشأ في رحاب القرآن الكريم ؛ خدمةً له ، وصوناً لترتيله وتلاوته ، وحفظاً لوجوه أدائه ؛ وهو علم التَّجويد ؛ وأوَّل من صنَّف فيه – على ما يبدو – موسى بن عبيد الله بن خاقان ؛ صاحب ” القصيدة الخاقانيّة ” في التَّجويد .
أمَّا علم الأصوات ؛ فظهرت بوارد التّأليف فيه في العربيَّة على يد المستشرقين في النِّصف الأوَّل من القرن العشرين ، لكنّ أوَّل مؤلَّفٍ كتب بالعربيَّة – في العصر الحديث – هو كتاب ” الأصوات اللُّغويَّة ” ، للدّكتور إبراهيم أنيس ؛ الَّذي صدرت طبعتُه الأولى في القاهرة سنة 1947م ، ثمّ توالت المؤلَّفات فيه ، وتكاثرتْ بعد ذلك .
وإذا انتقلنا إلى شبه القارَّة الهنديَّة لنُسجّل ما شهدتْه الدِّراسات الصَّوتيَّة من بواكير ونشاطات ؛ فنجدها تبدأ منذ أن بزغت شمس الإسلام في ربوعها ؛ حيث أقبل المسلمون الهنود على القرآن الكريم كلّ الإقبال تعلّماً وتعليماً ، درساً وتدريساً ، تحفيظاً وتلقيناً ، ومِن ثمَّ أنشئتِ الحلقاتُ القرآنيَّة ، ومدارس تحفيظ القرآن الكريم ، وكان الترّكيز – بصورةٍ خاصَّةٍ – على الفنون والتَّخصُّصات ذاتِ الصِّلة بالقرآن الكريم ؛ مثل : التَّجويد ، والقراءات القرآنيَّة . ويذكر المؤرِّخ ضياء الدِّين البرنيّ أنَّ مهرة القرآن الكريم – في فنَّي القراءة والتَّجويد ؛ في هذه البلاد – هم أمثال : علاء الدِّين المقرئ [8] ، والخواجه زكي [9] ، وغيرهما مـمَّن عزّ نظيرهما في مناطقَ معروفةٍ بالعلم ؛ مثل : العراق ، وخراسان ، وفي مناطق أخرى من العالم الإسلاميِّ [10] ، إلا أنَّ هذه البواكير والنَّشاطات في ذاك العهد المبكّر لم تدَوَّن في صحيفةٍ ، ولم تسجَّل في كتابٍ ، ولم تصل إلينا معلوماتٌ عنها .
فإذا تصفَّحنا كتب الثَّقافة الإسلاميَّة لشبه القارَّة نجد أنَّ أوَّل مؤلَّفٍ في الدِّراسات الصَّوتيَّة في شبه القارّة يرجع إلى القرن السَّابع الهجريِّ ؛ حيث ظهر فيه عالمٌ لغويٌّ فذٌّ تصدَّى لتأليف كتبٍ جمَّةٍ في فنونٍ مختلفةٍ ؛ من بينها : علم التّجويد ؛ ألا وهو : الصَّغاني ؛ الّذي ينسب إليه كتابٌ في التّجويد [11] ، ثمَّ استمرَّت – بعد ذلك – عنايةُ العلماء والمعلِّمين والمؤلَّفين والمحقِّقين بهذا العلم وقواعده وأحكامه ، وتعليماته وتوجيهاته ؛ حتّى تكوّنت بذلك مكتبةٌ واسعةٌ فيه .
ومن الجدير بالذّكر – هنا – أنَّ الدِّراسات الصَّوتيَّة في شبه القارَّة الهنديَّة اتَّـخذتْ – في درسها – اتـِّجاهين : الأوَّل : علم التَّجويد . والثَّاني : علم الأصوات .
وأهمّ المؤلَّفات في علم التِّجويد :
- شرح الشَّاطبية ، للشَّيخ محمَّد بن منَّ الله الصِّدِّيقيّ الكاكوريّ ( ت1002هـ ) [12] .
- الدُّرُّ الفريد في القراءة والتَّجويد ، للشّيخ عبد الحقّ الدّهلويّ ( ت 1052هـ ) [13] .
- حلية القاري ، للسَّيِّد أحمد الحسيني ( ت1105هـ ) [14] .
- زينة القاري ، للمولوي كرامت علي الجونفوري ( ت1290هـ ) بالأرديَّة [15] .
- رغائب الألباب ، لرضا علي بن سخاوت البنارسي ( ت1312هـ ) الفارسيَّة [16] .
- التّحفة النَّذريّة ، للقاري عبد الرّحمن الباني بتي ( ت 1324هـ ) بالفارسيّة [17] .
- فوائد مَكِّيَّة ، للقاري عبد الرَّحمن المكّي ( ت 1349هـ ) بالأرديَّة [18] .
- جمال القرآن ، لأشرف علي التَّهانوي ( ت 1362هـ ) بالأرديَّة [19] .
- خلاصة التَّجويد ، لضياء الدِّين أحمد الإله آباديّ ، ( ت 1371هـ ) بالعربيَّة [20] .
أمّا علم الأصوات الحديث – في شبه القارَّة الهنديَّة – فلم ينلْ اهتماماً كبيراً ، وعنايةً فائقةً ؛ كما نالتْ فروع الدِّراسات اللُّغويَّة الأخرى : النَّحويَّة ، والصَّرفيَّة ، والـمعجميَّة ؛ ولذلك لا نرى تأليفاً مستقلاً في هذا العلم ؛ لعدَّة أسباب :
الأوَّل : يرى علماء العربيّة – في شبه القارَّة – أنّ المباحث الصَّوتيَّة ؛ كالإدغام ، والغنّة ، والإشمام ، والرَّوم ، والوقف ، والإبدال ، وغيرها ، أشدّ التصاقاً بعلم التَّجويد ؛ الّذي يتعلّق بالآيات القرآنيَّة وكلماتِها وألفاظِها فحسب ، ولا تتعدّى إلى غير ألفاظ القرآن الكريم ، ولذلك أصبح هذا العلم وما يتعلّق به من المباحث مقصوراً في تدريسه على حلقات تحفيظ القرآن الكريم .
الثّاني : أنّ هذا العلم لم يظهر في أرض العرب إلا في وقتٍ متأخّرٍ ، لا يربو على أكثرَ من قرنٍ ، وأغلب الظّن أنّ أوّل كتابٍ في هذا اللّون – كما سبق – كتاب ” الأصوات اللُّغويَّة ” للدّكتور إبراهيم أنيس ؛ الّذي كانت طباعتُه الأولى في سنة 1947م ، كما لم يظهر في شبه القارّة إلا في وقتٍ قريبٍ لا يتجاوز ثلث القرن ؛ حيث نجد بعض البحوث والمقالات والأطروحات العلميَّة ؛ ذات الصِّلة بالأصوات ؛ كُتبتْ لنيل الدّرجات العلميَّة ( الماجستير ، والدُّكتوراه ) في بعض الجامعات الهنديَّة ؛ ومن تلك البحوث :
- الكمّيّة في الأصوات الصَّامتة في اللُّغة العربيَّة ، للباحث : أحمد مسعود عيسى العزَّابي ، تحت إشراف الدُّكتور محمَّد ثناء الله النَّدوي بجامعة علي كره ، سنة 2005م .
- دراسةٌ صوتيَّةٌ عن الهمزة وإبدالها ، للباحث : عبد المتين أشرف ، تحت إشراف البروفيسور فضل كبريا الصِّدِّيقي ، بجامعة بتنه .
- تشكيل المقرَّرات الدِّراسيَّة للأصوات العربيَّة لطلَّاب مرحلة ” البكالوريوس ” بولاية آسام ، للباحث : محمد جهانغير عالم ، تحت إشراف الدّكتور سيَّد راشد نسيم النَّدوي ، بجامعة اللّغة الإنجليزيَّة سنة 2007م [21] .
الثَّالث : ومن أسباب عدم الاهتمام والعناية بعلم الأصوات أنَّ قسم اللُّغة العربيَّة في الجامعاتِ الهنديَّة – منذ إنشائه حتّى الآن – يركِّز على تدريس الموادِّ المتعلِّقة بالأدب العربيِّ ، وعلى فن التَّرجمة من العربيَّة إلى الإنجليزيَّة والعكس ، ولا يزال القسم ضعيفَ العناية بجوانب اللُّغةِ ذاتِها : صوتيَّةً ، وصرفيَّةً ، ومعجميَّةً ، ودلاليَّةً ، ولأجل هذا لا نكاد نجد مادَّةً من الموادِّ المرتبطة بالأصوات ؛ داخلةً في المقرَّرات الدِّراسيَّة في مراحلها المختلفة : ( البكالوريوس ) ، و ( الماجستير ) ، و ( الدّكتوراه ) [22] .
وكمَا أنَّ الدِّراسات الصَّوتيَّة عند العرب سلكت – في درسها – مسارَيْن : الأوّل : كتبٌ مستقلَّةٌ تناولتِ المباحث الصَّوتيَّة ؛ ككتب التّجويد ، وعلم الأصوات . الثّاني : كتب النَّحو والصَّرف ، كذلك سارت الدِّراسات الصَّوتيّة في شبه القارَّة مسارين : الأوَّل : كتب التَّجويد ، وعلم الأصوات . والثَّاني : كتب النَّحو والصَّرف والمعاجم ؛ حيث أفسحوا – في تلك الكتب – مجالاً للمباحث الصَّوتيَّة ؛ بالشَّرح والبسط ، والبحث والتَّحقيق ، والاستدراك والتَّعليق .
وأهمّ المؤلَّفات في علم الأصوات :
- الشّوارد ، للصَّغاني ؛ حيث تحدَّث فيه المؤلِّف عن التَّغيُّرات الصَّوتيَّة ؛ كالحذف ، والإبدال ، والإعلال ، والإدغام ، والإمالة ؛ الَّتي تطرأ على الكلمة .
- شرح الفصول الأكبريّة ، لعليّ أكبر الإله آباديّ [23] ؛ خصّص المؤلِّف جزءًا كبيرًا منه للحديث عن المباحث الصَّوتيَّة ، وما يتعلَّق بها من القضايا ؛ كالإمالة ، والإبدال ، والإدغام ، وبين بين ، والحذف ، والرَّدِّ ، والقلب ، والتَّحريك ، والإسكان ، كما تحدَّث عن مخارج الحروف وصفاتها .
- وسيط النَّحو ، للشَّيخ تراب عليّ بن نصرة الله الخير آباديّ [24] ؛ حيث خصَّـــــــــــــص الفصلَ الثَّامن من الكتاب للحديث عن الإمالة ، والفصلَ التَّاسع لالتقاء السّاكنين ، والفصلَ العاشر للوقف .
- فقه اللِّسان ، لكرامت حسين الكِنتُورِيّ [25] ، وتعرّض المؤلِّف فيه لبعض المباحث والقضايا الصَّوتيَّة ؛ كنشأة الألفاظ من أصواتٍ ، وأسباب كثرة البدل في العربيّة ، وكون الأصوات السِّينيَّة والرَّائيَّة أسبق في الوجود على غيرها ، ثمّ الأصوات الأصليّة ، والمصادر الأصليّة ، وما طرأ عليها – بعد ذلك – من تغييراتٍ بالاشتقاق اللُّغويِّ والصَّرفيِّ .
- كتاب المبين ، للسَّيِّد محمّد سليمان أشرف ( ت 1358هـ ) بالأرديّة ، وقد تحدَّث فيه عن مخارج الأصوات العربيَّة ، وصفاتها في الباب الأوّل والثّاني من كتابه ، وعلاقة الصّوتِ المفردِ والمركبِ بالمعنى .
هذه دراسة موجزة لجهود علماء المسلمين في الدراسات الصوتية ، يمكن أن يكون فيها غنى وكفاية للباحثين وأصحاب العلم .
* الجامعة الإسلاميّة بالمدينة المنوّرة .
[1] ينظر : العين 2/158 .
[2] أسباب حدوث الحروف : 7 .
[3] الخصائص : 1/266 .
[4] الأصوات اللُّغويَّة : 3 .
[5] مراتب النَّحوييِّن : 10 – 11 .
[6] يراجع في هذا الباب كتاب التَّفكير الصَّوتيُّ عند الخليل .
[7] ينظر : الأصوات اللُّغويَّة : 105 .
[8] هو علاء الدِّين المقرئ الدِّهلويّ ، أحد العلماء المبرزين في القراءة والتَّجويد ، في عهد السَّلطان علاء الدِّين الخلجيّ . نزهة الخواطر2/177 .
[9] هو زكيّ الدِّين المقرئ الدِّهلويّ ، وكان ابن أخت الوزير حسن بن أبي الحسن البصريّ . ينظر : نزهة الخواطر 2/160 ، وتاريخ فرشته : 2/145 .
[10] ينظر : تاريخ فرشته : 2/145 .
[11] ينظر : ” الإمام الصَّغانيّ ، وكتابه مشارق الأنوار ” ، إعداد : إفتخار أحمد بن محمَّد إسماعيل كاكر ، مقالٌ منشورٌ على الشَّبكة العنكبوتيَّة ( ملتقى أهل الحديث ) .
[12] هو : محمَّد بن منَّ الله بن نعم الله الصِّدِّيقيّ كمال الدّين السَّعدي الكاكورويّ ، أحد العلماء المبرزين في القراءة والتجويد والتَّصوُّف ، وشرحه هذا في سبعين جزءاً بالفارسيَّة ، – – وبعض أجزاء منه مطبوعٌ . ينظر : نزهة الخواطر : 5/626 .
[13] وعبد الحق هو : عبد الحقّ بن سيف الدِّين البخاريّ الدَّهلويَّ المحدِّث المشهور ، ومن تصانيفه – أيضًا : لـمعات التَّنقيح في شرح مشكاة المصابيح . وتوفِّي سنة 1052هـ ، ينظر : نزهة الخواطر 5/554 . طبع الكتاب في مطبعة نولكشور ، سنة 1178هـ .
[14] وأحمد هو : أحمد بن محمد الحسيني العريضي ؛ كان من ذرِّية الشَّيخ خواجكي الـملتاني ثمَّ الكرويّ ، ومن مصنَفاته – أيضًا : شرح مشارق الأنوار للصَّغانيّ بالفارسيَّة . ينظر : نزهة الخواطر 7/903 . طبع الكتاب عدَّة مرَّات ؛ وهو متداولٌ .
[15] وكرامة هو : كرامة علي بن إمام بخش بن جار الله الصِّدِّيقي الجونفوري ؛ أحد أكابر الفقهاء الحنفيّة ، ولد سنة 1215هـ بمدينة جونفور . ومن مصنَّفاته – أيضاً : مفتاح الجنة . ينظر : نزهة الخواطر 7/1073 . طبع الكتاب سنة 1349هـ في مكتبة مجتبائي دلهي ، غير أنّي لم أتـمكَّن من الحصول عليه .
[16] ورضا هو : رضا عليّ بن سخاوت عليّ بن إبراهيم البنارسيّ ؛ ولد سنة 1246هـ ،بمدينة بنارس ، ومن مصنفاته – أيضاً : مظاهر الحقِّ في إثبات عمل المولد والقيام . ينظر : نزهة الخواطر 8/1231 . لم أقف على الكتاب .
[17] هو : عبد الرَّحمن بن محمَّد الأنصاري الباني بتي ، المشهور بالقارئ ، ومن تصانيفه – أيضاً : رسائل في الخلاف والـمذهب . ينظر : نزهة الخواطر 8/1173 . الكتاب مطبوع ؛ وهو متداولٌ بين الطلبة والأساتذة .
[18] والمكِّي : هو عبد الرّحمن بن محمّد بشير خان المكِّيّ ، ومن تصانيفه أيضاً : أفضل الدرر شرح لقصيدة الشّاطبي الرّائيّة . ينظر : مقدّمة الكتاب : 5 – 6 ، وظفر المحصلين : 60 . الكتاب مطبوع ؛ وهو متداولٌ بين الطلبة والأساتذة .
[19] والتّهانويّ هو : أشرف علي بن عبد الحقّ التَّهانوي ، ولد سنة 1280هـ ، ومن تصانيفه – – أيضاً : أنوار الوجود في أطوار الشُّهود ، والتَّجلِّي العظيم في أحسن تقويم ، وسبق الغايات في نسق الآيات . ينظر : نزهة الخواطر 8/1187 . والكتاب مطبوع ومتداولٌ . ولم أطَّلع على ترجمة المؤلِّف .
[20] وينظر لمزيدٍ من المؤلَّفات في هذا الباب : الثَّقافة الإسلاميَّة في الهند ، للعلامة عبد الحي الحسني : 174 – 175 .
[21] ينظر : البحوث الجامعيَّة في الجامعات الهنديَّة حول الأدب العربيِّ ، للدُّكتور جمشيد أحمد النَّدوي : 32 ، 56 ، 85 .
[22] للاطّلاع على المقرَّرات الدِّراسيَّة في مراحل الدِّراسات العليا ، ينظر : الباب الثَّاني ، والثَّالث ، والرَّابع من كتاب : واقع اللُّغة العربيَّة في الجامعات الـهنديَّة ، لإرشاد أحمد .
[23] هو : القاضي علي الأكبر الحسينيّ الإله آباديّ ، أحد العلماء المبرزين في الفقه والأصول والعربيّة ، ومن مصنَّفاته : فصول أكبري في الصَّرف بالفارسيَّة ، وشَرحه : أصول أكبري بالعربيَّة . توفي سنة1090هـ . ينظر : مآثر عالمكيري : 459 ، ونزهة الخواطر 5/590 .
[24] هو الشيخ تراب علي بن نصرة الله العباسي الخير آبادي أحد العلماء المبرزين في المعارف الأدبية ، له مصنفات منها : وسيط النّحو ، والدُّرّ المنظوم في المنطق . توفّي سنة 1242هـ . ينظر : حديقة المرام : 12 – 13 ، ونزهة الخواطر 7/940 .
[25] الكنتوري هو : كرامت حسين بن سراج حسين بن المفتي محمَّد قُلَي الحسينيّ الكنتوريّ ، أحد العلماء المشهورين في العلوم الأدبيَّة ، ولد في سنة 1269هـ ببلدة جهانسي ، له مصنفات كثيرة ؛ منها : كتاب الحقوق والفرائض ، وكتاب علم القانون ، وكتابٌ في مبحث الهبة ،كلُّها بالإنجليزيَّة ، وكتاب فقه اللِّسان ؛ بالعربيَّة مطبوعٌ في ثلاثة مجلَّدات . توفِّي سنة 1335هـ . ينظر : نزهة الخواطر 8/1332 .