فن الاحتِباك في القرآن الكريم
ديسمبر 11, 2023منهج حسن الحضري في دراسة التراث
ديسمبر 11, 2023دراسات وأبحاث :
أسباب انحطاط الأمة الإسلامية : دراسة مقارنة بين :
ماذا خسر العالم ، ولماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم ؟
بقلم : الدكتور محمد عالمغير الندوي *
نبذة عن الكتاب ومحتوياته :
إن كتاب ” ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ” من تأليف الإمام السيد أبي الحسن علي الندوي ، وهو يحكي حال العالم منذ العصر الجاهلي حتى اليوم الحاضر مروراً ببزوغ فجر الإسلام ، واصفاً حال البشرية خاصةً ما آل إليه الناس بعد انحطاط المسلمين مسهباً في شرح الأسباب . ولغة الكاتب قوية ، والكتاب يجعل القارئ يفهم الكثير من الأمور حيث بإمكانه اعتباره مادة تاريخية دسمة . نشر الكتاب للمرة الأولى مع تقديم الأستاذ سيد قطب ومقدمة فضيلة الأستاذ الدكتور محمد يوسف موسى ، والصورة الوصفية بقلم فضيلة الأستاذ أحمد الشرباصي ، من لجنة التأليف والترجمة والنشر ، بالقاهرة .
ويدور الكتاب حول فكرة مهمة ، وهي دور الإسلام في قيادة البشرية ، وتأثير تراجع دور المسلمين على العالم . وقد تحدث الإمام الندوي في كتابه هذا عن دور الإسلام في تخليص روح البشر من الوهم والخرافة ، ومن العبودية والرق ، ومن الفساد ، وأبرز دوره في تخليص المجتمع الإنساني من الظلم والطغيان ، ومن التفكك والانهيار ، ومن فوارق الطبقات واستبداد الحكام واستذلال الكهان ، كما تحدث عن دوره في بناء العالم على أسس من العفة والنظافة والإيجابية والبناء ، والحرية والتجدد ، والعدالة والكرامة ، والعمل لأجل تنمية الحياة ، وإعطاء كل ذي حق حقه في الحياة .
ينقسم الكتاب إلى خمسة أبواب : فالباب الأول يعنون بــ ” العصر الجاهلي ” ، والثاني يعنون بــ ” من الجاهلية إلى الإسلام ” وتحدث عن رحلة المسلم من الجاهلية إلى الإسلام ، والمجتمع الإسلامي كيف تغيَّر ، والباب الثالث المعنون بــ ” العصر الإسلامي ” يبحث عن نظرة في أسباب نهضة الإسلام وبدء انحطاطه ، وحسن بلاء العالم الإسلامي في القرن السادس ، والعثمانيين على مسرح التاريخ ، في حين يبحث الباب الرابع المعنون بــ ” الباب الرابع : العصر الأوربي ” عن طبيعة الحضارة الغربية وتاريخها ، واتجاه الغرب إلى المادية ، وديانة أوربا اليوم المادية لا النصرانية ، وانكسار الكنيسة اللاتينية سبب القومية الوطنية ، والحل الإسلامي لمعضلة الحرب والمناقشات الشعوبية ، وإضرار القوميين بالشعوب الصغيرة ، وأوربا إلى الانتحار ، وبطلان الحاسة الدينية ، وأما الباب الخامس الأخير المعنون بــ ” الباب الخامس : قيادة الإسلام للعالم ” فهو يبحث عن الحل الوحيد للأزمة العالمية وأهمية العالم العربي .
أسباب انحطاط المسلمين في رؤية الإمام الندوي :
وفي ثنايا الكتاب تحدث الإمام الندوي عن أسباب تراجع دور المسلمين على العالم وانحطاطهم . ويعتبر انحطاط المسلمين وانعزالهم عن قيادة الأمم حدثاً لا مثيل له في التاريخ ، ومأساةً إنسانيةً لم يشهد التاريخ أقبح منها . ولو تخلى العالم عن العصبية ، وفكر بحساب صحيح ؛ لكان يوم انحطاط المسلمين يوم عزاء ، ولتبادلت شعوب العالم التعازي [1] .
ومن أسباب الانحطاط التي ذكرها الإمام الندوي في كتابه هي ما يأتي :
فقدان شروط الزعامة الإسلامية : يرى الإمام الندوي أن المسلمين عندما فقدوا شروط الزعامة تسرب إليهم الضعف ، ويعني فقدان شروط الزعامة فقدان صفات دقيقة عديدة ، تتمثل في ” الجهاد ” ، و ” الاجتهاد ” والجهاد في رأيه هو بذل أقصى ما في وسع المرء من القوة والوسائل والإمكانيات للظفر بأعز المطالب وأعظمها وتضحية الغالي والرخيص الذي يحول دون مطلبه . والاجتهاد يراد به أن يكون القادة والسادة قادرين على القضاء الصحيح فيما يخص بالقضايا والمشاكل التي تحدث في الحياة ، ويكون لهم اطلاع على روح الإسلام والتشريع الإسلامي قدر ما يستطيعون به استنباط المسائل وحل المشاكل والنوازل التي تنزل بالأمة .
يرى الإمام الندوي أن التغير في نظام الحكم أيضاً سبب لانحطاط المسلمين ؛ وحسب رأيه أنه بعد انتهاء الخلافة الراشدة تولي حكم العالم رجال لم يكونوا متربين بالتربية الحسنة ، ولم يكن مستواهم الديني ، والروحي ، والخلقي أرفع إلى حد أن يكونوا جديرين بقيادة الأمة الإسلامية . ولم يكن في العصر الأموي والعباسي أحد يتصف بمواصفات الخلافة الراشدة إلا عمر بن عبد العزيز . وأدى هذا السبب الرئيسي للانحطاط إلى نشوء الأسباب الأخرى الناتجة عنها ، وهي :
(أ) فصل الدين عن السياسة ، وذلك لأن الخلفاء الأمويين والعباسيين لم يكونوا بالغين من العلم والدين مبلغاً حيث لا يحتاجون إلى العلماء ، فمن ثم وضعوا الحكم في أيديهم من غير أن يشاركهم فيه أحد ، فانفصلت السياسة عن الدين .
(ب) أعضاء الحكومة ، حتى الخلفاء لم يكونوا أسوةً في الدين والخلق ، بل كان عدد منهم متصفين بالميول الجاهلية .
(ج) ولم يكونوا ممثلين بأعمالهم للإسلام سياسته الشرعية ونظامه وتعليمه ، فخرج بذلك تعظيم رسالة الإسلام ، وتأثيرها والثقة بها . وقد شهد الإسلام انحطاطاً ، لأن غير المسلمين بدأوا يشكون في صدق أولئك الذين كانوا يمثلون الإسلام .
الاعتناء بالفلسفة دون العلوم الدينية : وعندما بدأ العلماء والمفكرون من المسلمين الاعتناء بإلهيات اليونان وفلسفتهم وتركوا العلوم الدينية والعملية النافعة وراء ظهورهم بدأ الضعف يتسرب في كيانهم .
الضلالات والبدع : بسبب الضلالات والبدع الواردة بقلة الاعتناء بالعلوم الدينية تسربت في المسلمين أنواع من الضلالات والبدع ، وهذه الضلالات أدت إلى انهيار الكيان العقدي ، وانهيار العقيدة أدى إلى انهيار الشجاعة والبصيرة فيهم .
الانحطاط الفكري والعلمي العام : وفي الأعوام الأخيرة من الحكم الإسلامي تسرب الضعف في الكيان الفكري ، وقلَّ الاعتناء بالعلم ، فشهد العالم الإسلامي الجدب العلمي ، وأصابه شبه شلل فكري ، وقد أخذه الإعياء والفتور ، واستولى عليهم النعاس ، وبدأت الخمود والتقليد والمحاكاة بدلاً من الابتكار والإبداع والاجتهاد [2] .
هذه هي الأسباب المهمة التي أوردها الشيخ الندوي في كتابه ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ، لكنه ذكر أسباباً أخرى في كتبه الأخرى نحو ” إلى الإسلام من جديد ” [3] ، و ” مسيرة الحياة ” [4] . ومن هذه العوامل ما يلي :
الفساد والانهيار الاجتماعي والخلقي :
وقد أدت عوامل الفساد والانهيار الاجتماعي والخلقي إلى انحطاط المسلمين في كل ناحية من نواحي الحياة ، ولها دخل كبير في انحراف الإنسان والانحلال الاجتماعي ، ومن هذه العوامل ما هي داخلية وما هي خارجية ، ومن العوامل الشهوانية ، والأنانية ، وعبادة النفس ، وحب الذات ، وقصور النظر ، والانصراف إلى الدنيا ، والخضوع التام للمادة وقوتها ، والخضوع لعوامل الشذوذ والانحراف . ومن العوامل الخارجية لفساد المجتمع الذي ابتليت به الأمة الإسلامية : فساد في الأخلاق ، وسوء التعليم والتربية ، وانحراف القوانين ونظم الحكم . ومن أسباب الانحطاط الأخرى العصبية [5] ، وتمزق شمل الأمة ، وحدوث الانقسام الطبقي في المجتمع ، وفقدان العدل والمساواة ، والابتعاد عن تعاليم الرسول [6] ، والانحلال الديني ، والثقافة اللادينية [7] ، والأدب والفن [8] ، والسياسة الخاضعة [9] .
وبه ذكر الإمام الندوي أسباب هذا الانحطاط على المستوى المعنوي والمادي كذلك ، ووصف ما حلّ بالمسلمين أنفسهم عندما تخلوا عن مبادئ دينهم ، ونكصوا عن تبعاتهم ، وما نزل بالعالم كله من فقدانه لهذه القيادة الراشدة ، وقد ذكر هذه الأسباب عن طريق التأمل الفاحص ، لا بالجمل النارية والعبارات المجنحة ، فالحقائق الواقعة كما عرضها المؤلف غنية عن كل بهرج وكل تزويق . ومن خلال قراءة الكتاب يحسّ القارئ بمدى حاجة البشرية الملمّة إلى تغيير القيادة الإنسانية ، وردها إلى الهدى الذي انبثق ليخرج الناس من الظلمات إلى النور .
دراسة كتاب : لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم ؟
هذا كتاب ، ألفه الأمير شكيب أرسلان في رد سؤالين طرحهما الشيخ محمد بسيوني عمران عبر رسالة عام 1929م ، من جاوه إلى السيد رشيد رضا المصري ، صاحب مجلة المنار ، فإن الشيخ رشيد رضا اقترح على الأمير شكيب أرسلان أن يكتب مقالاً في أسباب ما صار إليه المسلمون من الانحطاط والضعف والذل في هذا العصر . نُشر المقال أولاً في مجلة المنار ، ثم طُبع في صورة كتاب عام 1930م .
أسباب انحطاط الملسمين عند الأمير شكيب أرسلان :
وبشكل حصري يمكننا تلخيص الأسباب المؤدية إلى انحطاط المسلمين في النقاط التالية :
(1) بعدهم عن دينهم وعدم رغبتهم في التضحية بأي مما يملكونه في سبيل رفعة هذا الدين واستشهد الأمير على ذلك بآيات من القرآن الكريم وبأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم .
(2) وأن تأخر المسلمين لا يرجع لكونهم مسلمين ، أي الدين الإسلامي والتمسك بمبادئه ليس بعرقلة في سبيل التقدم والازدهار ، ردّاً على شائعات أعداء الدين الذي يقولون : إن سبب تأخر المسلمين يرجع إلى كونهم مسلمين ؛ وأعطى الأمير مثالاً على ذلك باليابانيين فهم تقدموا وهم يابانيون كما كانوا ولم يقوموا بتغيير عرقهم أو دينهم .
(3) ومن أسباب تأخر المسلمين الجهل ، والعلم الناقص ، وفساد الأخلاق ، والجبن ، ونسيان ماضيهم المجيد .
ومن خلال هذه الأسباب الرئيسية لانحطاط المسلمين تحدث عن جزئيات هذه الأسباب ، على النحو التالي :
الجهل والعلم الناقص : يعزو شكيب أرسلان السبب الثاني والأهمّ لانحطاط أو تأخر المسلمين إلى الجهل والخرافات المنتشرة في كافة أنحاء العالم الإسلاميّ ، إضافةً إلى العلم الناقص الذي هو أدهى وأمرّ من الجهل . يقول المؤرخ السياسي والاجتماعي الكبير ، ومؤسس علم الاجتماع الحديث ، ابن خلدون : عندما تنهار الدّول يكثر المنجمون ، والأفاقون والمتفقّهون ، والانتهازيون ، وتعمّ الإشاعة وتطول المناظرات وتقصر البصيرةُ ، ويتشوش الفكر [10] . يقول الأمير : ” ومن أعظم أسباب تأخر المسلمين العلم الناقص ، الذي هو أشد خطراً من الجهل البسيط ؛ لأن الجاهل إذا قيض الله له مرشداً عالماً أطاعه ولم يتفلسف عليه ، فأما صاحب العلم الناقص فهو لا يدري ولا يقتنع بأنه لا يدري ، وكما قيل : ابتلاؤكم بمجنون خير من ابتلائكم بنصف مجنون ، أقول : ابتلاؤكم بجاهل خير من ابتلائكم بشبه عالم ” [11] . وقد أدى الجهل إلى حالة حيث لايستطيع المسلمون التمييز بين الخمر والخل فيتقبلون السفسطة قضية مسلمة ، ولايعرفون كيف يردون عليها [12] .
فساد الأخلاق والحُكّام والعلماء : إن المبادئ والقيم العليا والأخلاقيات العامة هي السبب وراء كلّ تطور ، ومن هذه المبادئ إتقان العمل ، وتقديس الوقت ، واحترام الآخرين ، وزرع القيم في المدارس ، وسنّ قوانين رادعة لمنتهكي هذه القيم ، والنظام ، والدقة ، والانضباط ، وحب الوطن …. وغيرها من الأمثلة التي نراها عند الشعوب المتقدمة هي التي جعلتهم في مقدمة الأمم ، وعندما غابت هذه المبادئ من بين المسلمين صاروا أذلاء ومحتقرين بعد أن كانوا أعزاء . فساد الأخلاق ومكارمها من عموم البلوى للمسلمين ، وقد استشهد الأمير بأبيات من صديقه أمير الشعراء أحمد شوقي :
وإنما الأممُ الأخلاقُ ما بقيَتْ فإن همُ ذهبتْ أخلاقُهم ذَهَبُوا [13]
وفساد أخلاق أمراء المسلمين من أكبر عوامل تقهقر المسلمين [14] .
اليأس والقنوط : وقد انضم إلى الجبن والهلع اللذين أصابا المسلمين اليأس والقنوط من رحمة لله ، فمن المسلمين هناك فئات قد وقر في أنفسهم أن الإفرنج هم الأعلون على كل حال وأنه لا سبيل لمغالبتهم بوجه من الوجوه [15] .
نسيان المسلمين ماضيهم المجيد : قد أشار الأمير إلى بعض إنجازات الماضي ومدى تغلغل المسلمين في أعماق أوربا فاتحين بفضل شجاعتهم وتضحياتهم ، وعندما نسي المسلمون تلك المآثر تخيب أملهم وساد عليهم الحزن والهم واليأس .
الجبن والهلع : وقد عدّ الأمير الجبن والهلع من أعظم تقهقر المسلمين ، بعد أن كانوا أشهر الأمم في الشجاعة واحتقار الموت [16] .
الجمود والجحود : ومن أكبر عوامل انحطاط المسلمين الجمود على القديم ، فكما أن آفة الإسلام هي الفئة التي تريد أن تلغي كل شيئ قديم ، بدون نظر فيما هو ضار منه أو نافع ، كذلك آفة الإسلام هي الفئة الجامدة التي لا تريد أن تغير شيئاً ، ولا ترضى بإدخال أقل تعديل على أصول التعليم الإسلامي ؛ ظنّاً منهم بأن الاقتداء بالكفار كفر ، وأن نظام التعليم الحديث من وضع الكفار [17] . وبه أضاع الإسلامَ الجمود والجحود . ومن ثم يدعو الأمير الاعتناق بكل جديد نافع وقديم صالح .
وأما أسباب الانحطاط في العصر الحديث فقد يرى الأمير أنها تعود إلى نفس الأسباب التي كانت وراء الفشل في العصر القديم ، لكنه زاد عليها بعض الأسباب على النحو التالي :
فقد كلِّ الثقة بالنفس : أي عقد النقص ، والذي أدى إلى تسرب اليأس في نفوس المسلمين .
التخلي عن المبادئ الإسلامية : يرى الأمير أن التخلي عن الماضي أو البعد عن التمسك بالدين الإسلامي كما تمسك به أوّلُنا ، لا يضمن لنا بالرقي ، وإنما بقاء هذه الأمة في التمسك بعقيدتنا وتمسكنا بماضينا وهويتنا يضمن لنا الفوز والنجاح ، فالأمم الأوروبية هي ترتقي إلى مدارج الرقي والازدهار بدون التخلي عن هويتها ، فالإنجليز يريدون أن يبقوا إنكليزاً ، والإفرنسيس يريدون أن يبقوا إفرنسيسياً ، والألمان لا يريدون أن يكونوا إلا ألمانياً ، والطليان لا يرضون أن يكونوا إلا طلياناً والروس قصارى همهم أن يكونوا روساً ، وهلم جرّاً [18] .
بعض الانتقادات والردود على الكتاب :
انتقد بعض الناس على موقع جود ريدس ( goodreads.com ) بأن الكتاب ليس بتحليل دقيق معمق كما يتوقع من كاتب كبير وشخصية عملاقة مثل الأمير أرسلان ، وإنما هو يصف حال المسلمين في بعض الدول ، وأنه لا يتضمن أي شكل من أشكال التحليل العميق أو النقد البناء لمشكلة تخلف المسلمين وتقدم الغرب [19] . . غير أن الكاتب لم يقصد بتأليف كتاب حول الموضوع ، وإنما حاول ردّاً على بعض الأسئلة توجه بها أحد قراء مجلة ” المنار ” كما سبقت الإشارة إليه في البداية . وأنه كتب بعجالة من الأمر ، وذكر بعض الفوارق بين الأمم الإسلامية والأوربية ، كما ردّ على ادعاء ضعف مدنية الإسلام .
مزايا الكتاب :
ومن ميزاته أنه ذكر أحداثاً تاريخيةً كثيرةً فهي إضافات جديدة نافعة ، ومن مزاياه الأخرى إبراز آيات القرآن في الردِّ والرُّجوع إليها ، وإشراق العبارة وجمال الديباجة في النثر والشعر ، والإيجاز ، وأسلوب الموازنة والمقارنة ، وردُّ المزاعم والافتراءات التي يفتريها الغرب على الإسلام وأهله ، والإتيان بالأمثلة من القرآن ، والحديث ، والأخبار ، ثم العصر الحديث ، والاستشهاد بالتجارب المعاصرة في النهوض والحضارة ، ووضع الحلول لنهضة المسلمين واستخراجها من الشريعة الإسلامية .
من مثالب الكتاب هو ترتيب الهوامش ، فالمفترض أو يتم وضع الهوامش تحت كل صفحة لكنه بدلاً من ذلك ، وضعها في آخر كل فصل . ومن المثالب الأخرى : تناثُر الأفكار وحدوث الخلط في بعض الأشياء ، وعدم الدقة في التنظيم أيضاً ، واختلاط الأفكار الرئيسة بعضها ببعض .
مقارنة بين كتابين :
وقد تحدث الباحث عن الكاتبَين بشكل مؤجز دقيق ومركز ، مع دراسة أسباب انحطاط المسلمين في شتى العصور والتي تمثلت في ضعف قوى الأمة الإسلامية في القرن العشرين الميلادي ، حيث أخذ الكاتبان تلك الفترة بعين الاعتبار للحديث والاعتماد فيما يخص بأوضاع المسلمين المتخلفة ، وفي ضوء ما سلف الذكر من المعلومات حول الكاتبَين وكتابهما يمكن للقارئ الوصول إلى بعض النقاط التي يشترك فيها الكاتبان والنقاط الأخرى التي يختلفان فيها . وعلى سبيل المثال لا الحصر يريد الباحث إيراد بعض النماذج من تلك النقاط سعياً منه المقارنة فيما بين الكتابَين .
فيما يشتركان الكاتبان :
كلاهما يتفقان على انحطاط المسلمين منذ أواخر زمن الخلافة العثمانية ، وأن الأمة الإسلامية تسرب في كيانها ضعف وتعب وانحطاط .
تناول الإمام الندوي موضوع انحطاط المسلمين في الباب الثالث ، وبه اشترك الندوي مع الأمير في معالجة أسباب الانحطاط .
واشترك الأمير أرسلان مع الإمام الندوي في بيان مآثر المسلمين خلال رده على ادعاء ضعف مدنية الإسلام ، وقد لجأ إلى العصور الذهبية مستشهداً بالمدن التي كانت موجودة بحيث أسرت كل من رآها كبغداد وأصفهان والأندلس ، ويوضح أن مدنية الإسلام في ذلك الوقت كانت قائمةً . وبالتالي خلال حديثه عن إحدى أسباب الانحطاط ( نسيان المسلمين ماضيهم المجيد ) ذكر بعض المآثر للمسلمين كيف استطاع الآباء في تحقيق الفتوحات الكبرى بقلة العدة والعتاد .
ومن ثم تلخص في النهاية إلى أن المسلمين لن ينهضوا إلا بالأشياء التي نهض بها غيرهم ، ومن هذه الأشياء : الجهاد بالمال والنفس ، والعلم .
فيما يختلفان الكاتبان :
إن كتاب الإمام الندوي ” ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ” يتغنى بالمجد وعلو كعب المسلمين ومدى فعالياتهم في النهوض في حضارة الأمم وما أعطوا من مرافق مادية ومعنوية للعالم ثم يبرز تلك الخسارة الفادحة التي واجهها العالم بسبب انحطاط المسلمين ؛ في حينٍ يجد الباحث كتاب الأمير شكيب أرسلان ” أسباب انحطاط المسلمين ” عن أوضاع المسلمين في القرن العشرين الميلادي ، ومدى تدهورها خاصةً على مستوى الأمن الداخلي والخارجي ، بعد أن تكالبت عليهم القوى الاستعمارية من كل حدب وصوب .
إن الإمام الندوي يبحث في انحطاط المسلمين بشكل عامٍ في شتى مجالات الحياة والتقدم من الناحية الثقافية والحضارية ، والعسكرية ، والاقتصادية ، في حينٍ يركز الأمير أرسلان على انحطاط المسلمين في المجال العسكري ، ويعتقد الباحث بأن هذا بسبب البيئة التي عاش فيها الكاتبان ؛ عاش الأمير أرسلان وقت الحروب وهو يرى أفول نجم الدول الإسلامية ، ويشهد بعينيه كيف تبتلع أفاعي الاستعمار الغربي الدول الإسلامية واحداً تلو الآخر ، فكان لا بد من أن يتحدث عن القوة العسكرية والاقتصادية والفتح والانهزام ، وأيضاً لأنه خاض في هذه المعارك وشارك المعارك ، في حينٍ عاش الإمام الندوي في الهند ، وشهد التطور والتقدم في شتى الدول ، غير أنه قرأ كتب السيرة والتاريخ ، واطلع على أحوال الأمة والعالم العربي وتعرّف على أسباب النهوض والانحطاط ، وعرف كيف عاشت الأمة بين الماضي المجيد والحاضر الأليم ، ووجد الماضي قدوة ليس بالنسبة للمسلمين وإنما للناس جميعاً ، وأن العالم بأسره تحمل الخسائر بسبب انحطاط المسلمين .
خلاصة القول في رسالة الكاتبين :
الخلاصة أن الرجوع إلى الطريقة التي سلكها أولنا من الصحابة والتابعين ومن والاهم من بعدهم ، والاعتماد على الكتاب والسنة ، بذل الأموال والثقة بالنفس ، والإيمان بقدراتنا وتعاضدنا لمساعدة بعضنا البعض ، وتثقيف الجيل الجديد من الثقافة الإسلامية ، وبذل الجهود والتعميق في الاجتهاد ، واللجوء إلى العلوم النافعة ، والعمل لأجل الرقي والازدهار في شتى المجالات من الحياة ، والتضحية والبذل والفداء ، يمكن أن يعيد لهذه الأمة مجدها ، والتغني بالماضي أو الذهاب وراء الحسرة والندم لايفيد بشيئ .
* رئيس قسم اللغة العربية في جامعة بردوان ، بنغال الغربية ، الهند .
[1] الندوي ، أبو الحسن علي ، ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ، الطبعة الشرعية الجديدة منقحة ومحققة ومزيّدة ، مكتبة الإيمان ، المنصورة ، ص 31 .
[2] الندوي ، ماذا خسر العالم الإسلامي بانحطاط المسلمين ، ص 164 – 165 وما بعدها .
[3] الندوي أبو الحسن علي ، في مسيرة الحياة ، المجلد الثاني ، الطبعة الأولى ، دمشق ، دار القلم ، 1987م ، ص 170 وما بعدها .
[4] الندوي ، أبو الحسن علي ، إلى الإسلام من جديد ، الطبعة الرابعة ، دمشق ، دار القلم ، 1974م ، ص 205 .
[5] الندوي ، أبو الحسن ، إلى الإسلام من جديد ، ص 213 – 222 .
[6] الندوي ، أبو الحسن ، إلى الإسلام من جديد ، ص 212 .
[7] الندوي ، أبو الحسن ، إلى الإسلام من جديد ، ص 220 – 227 .
[8] الندوي ، أبو الحسن ، إلى الإسلام من جديد ، ص 218 .
[9] الندوي ، أبو الحسن ، إلى الإسلام من جديد ، ص 219 .
[10] نقلاً عن المصدر السابق ، ص 37 .
[11] الأمير شكيب ، أرسلان ، لماذا تأخر المسلمون ؟ ولماذا تقدم غيرهم ، ص 37 .
[12] الأمير شكيب ، أرسلان ، لماذا تأخر المسلمون ؟ ولماذا تقدم غيرهم ، ص 37 .
[13] الأمير شكيب ، أرسلان ، لماذا تأخر المسلمون ؟ ولماذا تقدم غيرهم ، ص 37 .
[14] الأمير شكيب ، أرسلان ، لماذا تأخر المسلمون ؟ ولماذا تقدم غيرهم ، ص 37 .
[15] الأمير شكيب ، أرسلان ، لماذا تأخر المسلمون ؟ ولماذا تقدم غيرهم ، ص 38 .
[16] الأمير شكيب ، أرسلان ، لماذا تأخر المسلمون ؟ ولماذا تقدم غيرهم ، ص 38 .
[17] الأمير شكيب ، أرسلان ، لماذا تأخر المسلمون ؟ ولماذا تقدم غيرهم ، ص 42 .
[18] الأمير شكيب ، أرسلان ، لماذا تأخر المسلمون ؟ ولماذا تقدم غيرهم ، ص 43 .
[19] يمكن الاطلاع على الكثير من هذه الانتقادات على الموقع ، من خلال الرابط التالي : (https://www.goodreads.com/book/show/6929346) ، تاريخ زيارة الموقع : 22/09/ 2023م .