الصحة والنجاح والقوة

المنهاج الذي رسمه الله لهذه الأمة
مارس 1, 2020
مـن دلالات حـادث عيـد الأضـحى
يوليو 25, 2020
المنهاج الذي رسمه الله لهذه الأمة
مارس 1, 2020
مـن دلالات حـادث عيـد الأضـحى
يوليو 25, 2020

الدعوة الإسلامية :

الصحة والنجاح والقوة :

تداعيات وغايات

كتبه : الأستاذ جيمس إيلين *

تعريب : شائق علي داور

إذا كان لدى الإنسان إيمان بالله وطهارة خالصة رافقته الصحة والنجاح والقوة ، فإذا انعكست فيه ملامح هاتين الصفتين لم تتسرب إليه أدواء بدنية وفشل وهزيمة ولم تجد إليه  سبيلاً .

كلّما زدنا شعوراً بهذا الجانب زدنا صحةً وعافيةً ، ويصاب بالمرض من قصَّر فيه ، ويفتح له  باب المرض إلى جسده وعقله ، ومن ينال القوة والإخلاص والفكر الإيجابي الذي يعطيه من القوة تعود إليه الصحة والحياة ، ولا يتمكن منه المرض .

وإن كان لك نصيب من الغضب والهم والغم والطمع والحالة العامة المتنافية للفكر ، وأنت تريد  الصحة البدنية في كل معنى الكلمة ، فأنت تروم وجود شيئ صعب المنال ، لأنك تكسب المرض وتبذر بذره في قلبك ، فالعاقل يلتمس التخلص من هذا النوع من الأمراض العقلية    تماماً ، وهو يعلم بما فيها من ضرر أشدّ من قناة متقذرة أو بيت متهدم ، يوشك أن ينهدم .

فإن كانت عندك أمنية ، لئلا يصاب بك مما يؤلمك ويوجعك ، وأن تتمتع بطمأنية الروح واستراحة البدن ، فيجب عليك أن تراجع عقلك ، وتتميز بميزة الاتزان والاعتدال ، ويمكنك أن تخوض في ذكريات عطرة طيبة من المذكرات الحسنة والمودّة والمحبة ، وأن تتناول إكسير المكارم والألفة لإيداعه في العروق ، كي لا تلجأ إلى دواء آخر، وأن تهجر الحسد والشك والكراهة والأثرة ، ولا تكن نُصب عينك المصالح الشخصية ، وعلاوة على ذلك يجب عليك أيضاً أن تتخذ الدواء من سوء الهضم داء الكبد والجزع والفزع والألم بالمفاصل ، وأن تخضع لهذه العادات السيئة القبيحة عقلاً ، فلا تشك ما يصاب بك من السقوط في البدن .

وكثير من الناس يبكون على ضعفهم ، ويرون أن سببه يرجع إلى الأعمال المتعبة المتضاعفة ، بغض النظر عن الحقيقة التي تدل على أن الضعف البدني ينتج كثيراً عن إنفاق القوة في غير محلها ، وإن كنت تحب أن تدوم لك الصحة ، فطريقها هو مزاولة العمل وممارسته بدون تذبذب ، فإن الحيرة والذهول والاهتمام بما لا يعنيه يخلق لك من عدم الصحة ما لا يُتصور، وإنما العمل سواءً كان نفسياً  أو جسدياً مفيد في كلتا الحالتين ، لمن كان في إمكانه أن يتصف بثبات وسكوت    مستمر ، وأن يكسب استقلاله من القلق والاضطراب ، والهموم  والأحزان ، لأن  من يعكف على عمله غيرَ مبال بمثل هذه الأمور من الثبات والصحة ، ليس بأفضل ممن يكون عاجلاً  قلقاً في عمله ، لكنّه يراعي صحته ، التي هي نعمة يفقدها الكثير .

فالصحة الحقيقية والنجاح الحقيقي يسيران معاً ، لأنهما جزءٌ لا يتجزأ منهما ، وبالقوة الإيمانية يتم كل عمل وإن كان جسيماً ، وإن الإيمان بالقادر المطلق والإذعان للقوانين المحكمة والثقة بما يوجد في بدنك من القوة والعمل ، من الأمور التي تثبّتُ قدميك على القيام بأي  عمل ، فهناك مجال لا بدّ لك من أن تبني عليه بناءً ، إذا أردت أن ترتشف من العلوم شيئًا ، وأن تستقيم ولا تعوجّ ، فكن واثقًا بنفسك وبصوت الضمير مهما كانت الظروف والأحوال ، وصادقًا في كل عمل ديني ، ومستضيئًا بنور قلبك ، وملبياً دعوته ، وقُم لغرضك المنشود دون أن تركب الخوف والقلق ، معتمدًا بأنّ المستقبل ينير كل ما أظلم من بصيرتك من حصائد الفكر والسعي ، وعالمًا بأن قوانين الدنيا  لن تبوء بالفشل ، وأنّ ما تزرعه تحصده في كل معنى الكلمة ، هذا هو    الإيمان ، الإيمان القيم الخالد ، وكذلك بالقوة الإيمانية تعفو رسوم الريبة وتتصدع منها جبال الحوادث والمصاعب ، فتمر بها الروح الإيمانية آمنةً وسالمةً ، فكرّس – يا تُرى – قصارى جهدك في أخذ ما يفوق كل شيئ ، أي الثروة القيمة للإيمان الخالص ، لأنها تميمة تنفع بالفرح ، والنجاح والأمن ، والقوة ، ووصفة تفيد كل ما يسعد الحياة ولا تصادف الشقاء فتصبح هذه الثروة الإيمانية أساسًا متينًا خالدًا تؤسس عليه أساسك ، كما أنها أرفع وأكرم من ادخار المال وحياة الترف والبذح ، لأن هذه الأشياء والثروات القيمة تصير إلى التراب ، واستقم على إيمانك وإن كنت تُلقَى في وسط الدجنة الحالكة من الهموم والأحزان أم في وسط الطريق المؤدي إلى ذروة السعادة والهناء ، والجأ إليه فإنه كحصن حصين ، وثبّت قدميك على البناء الخالد ، وحافظ على إيمانك تحفظ من الدسائس وتحظ بالسلطة الروحية التي تحطم جميع الطواغيت لتعود حيلتها وبالاً عليها ، وستناول ما لم يتمكن من نيله من يسعى وراء المادّة ، ولا يخطر بباله ولا يحلمه .

فإذا تحليت بهذا الإيمان فلا تفكر فيما يأتيك به الغد من الفتح أو الهزيمة ستلقى النجاح ، فلا تقلقك حصيلة الإنتاج كعملك ، بل يجب عليك أن تمارس العمل فرحاً آمناً مطلعاً على أن الأفكار الإيمانية تأتي بنتائج مفيدة في أقرب وقت .

إن نجاحك وهزيمتك وسلطتك وحياتك ، كل ذلك رهين جهدك وسعيك ، فإن القوة التي تصوغ أفكارك من العناصر التي تقدر حظك ، فاختر من الأفكار إيجابها ، وإخلاصها ، وفرحتها ، وروحها ، تجد رعاية الناس ودعاءهم ويسودك جوّ من الطمأنينة والسكنية ، وإن تخلقت بأخلاق رذيلة كالنفاق ، والكراهة تتسرب إليك الوحشة والخوف ، وينتظرك القلق بفارغ الصبر .

إن حظك في يدك بدون قيد ولا شرط ، سواء كان ذلك العقاب أم حسن العاقبة ، ولكل لمحة تبذله من آثارٍ تنفعك أو تضرك ، وكوّن قلبك جواداً سخياً ، متعففًا ، عظيماً طيباً ، فسلطتك ونجاحك يرافقك ، ولو كان ذلك على حساب المال ، وإن كنت تنفق أموالك في المصالح الشخصية ، ولو كانت لديك سلطات وثروات فلا تكادُ تعود إليك بأحسن فائدة لك .

إذاً استشعرِ الإخلاص والعاطفة البريئة ، وعوِّد الطهارة والإيمان ، وسارع إلى غاية واحدة ، واطّلع على ما في نفسك من العناصر التي تصل بك إلى قمة التقدم ، وعافية البدن وصحة الجسم ، والفوز الكبير ، بل إلى عظمة القوة وأثر السلطة .

وإذا كان عملك مهماً بالغ فيه جهدك وركز عليه عنايتك وبادر إليه حتى يبلغ منك الإعياء مبلغه ، وإنّ إتمام عمل ضئيل على أحسن وجه يهديك إلى أعمال جسيمة ، وحينئذٍ تصادف الرقي والتقدم والازدهار ، دون أن تضعف وتضعضع ، هذا هو سرُّ القوة الحقيقية ، وتعلَّم القصد والاتزان في الإنفاق بجهد متواصل وسعي دؤوب ، وتعلَّم الأمانة في العمل الذي نيطَ بك ، فإنّ الغبي البليد يضيع مواهبه العقلية وكفاءاته الروحية فيما لا يعنيه وفي اللهو واللعب ، وما تصلح به حياته وعيشه فقط ، وما إلى ذلك من أفعال خبيثة يصعب علي بيانها .

وإن كنت تريد أن تكون لك قوة غالبة فطريقها اتخاذ الاعتدال في العقل والأخذ بالهدوء النفسي واكتساب الاستقلال المالي في حياتك ، واعلم أن القوة الإنسانية ترتبط بالثبات ، فإن الجبال الشامخة والصخور الغليظة ، وشجرة ” بلوط ” المواجهة للأعاصير تنبئنا بالقوة ، وبما تشتمل عليه من الصمود والثبات الذي لا ينهزم ، وتأليف شملها المجمّع ، هذا في جانب ، وفي جانب آخر تعبر الرمال المتحولة والغصون المتحركة والقصبة المهتزة عن مدى علاقتها بالضعف والوهن ، لأن الأشياء المتحركة لا تعرف الثبات ، وإن فصلت وميزت فلا تحمل الفائدة إذن ، فإن القوي الشجاع حازم قوي الشكيمة ، صعب المراس ، وساكت في حين يجري فيه أصحابه في بعض مجرى النزعات والعواطف .

ومن لا يملك نفسه ولا يحكم عليها لا يمكن أن يكون ملِك العالم ، ويحكم على قلوب العباد والبلاد ، فإياك والخوف واللامبالاة والهستيريا وغير ذلك من الأشياء التي تحتاج إلى قرينها ، فدعها تبحث عن صاحبها ، لأنّها إذا لم تجدها ماتت لقلة الحماية والمصاحبة ، وعليك بالتجلد والصمت والتفكير والهدوء ، وإن كنتَ في وحدة الغابات والصحراء وتسلّقت ذروة الجبال ، واتخذت القوة التي تضيف إلى قوتك ، كذلك تستطيع أن تغير مجرى النفس ، وتزاحم بمنكبيك دوامة تبلع خلقاً كثيراً ، واعلم أن الانفعال ليس بقوة ، بل هو لعنة ومشتِّت للقوة ، وهو كطوفان يطير بكل صخرة ثابتة بشدة ووحشة ، والقوة كصخرة صامدة صامتة في كل حين وآن .

وإن لم تكن عندك هذه القوة فاكسبها بتمرينات متتابعة ، واعلم أن نموّ القوة كنموّ العقل ، فعليك أن لا تطيع هواك ، ولا تتبع الشهوات التي تتغلغل في شغاف قلبك ، وتجتلب لبك ، وجنب نفسك من القهقهة والضحك بصوت عالٍ ، والاتيان بالبهتان في مجلس الأحاديث والحكايات والمزاح لإنشاء بيئة فكاهية فقط ، لأن هذه الأشياء تضيع نعمة قواك .

عين هدفك وقدِّم أمامك عرضاً واحداً ، بشرط أن يكون مباحاً مفيداً ، ولا تدخر وسعاً في أخذه ، ولا يكون شيئ عائقًا في سبيل ما تطمح إليه نفسك ، واعلم أن ذا الوجهين لا يفلح أبداً ، وعوِّد نفسك على طلب العلم ، واستعفف من السؤال ، وتجمل ، ولا بد أن يكون لديك علم تامٌ بما يتعلق بك من عمل ، وتدرّج فيه ، واتخذ باطنك رائداً على كل حال ، فلا يمكن صدور الخطأ ، وستلاقي الفتح بعد الفتح ، وتتدرّج إلى أنعم مكان وأرفع منزلة .

وسِّع نطاق فكرك دائمًا ، تنل الرغائب ، وتتبين لك ما يخفي من غاية الحياة وجمالها الحتمي ، وطهر نفسك تجد الصحة ، واحفظ إيمانك يكشف لك الفلاح ، واملك نفسك ، تملك الدنيا ، فتكون عاقبة كل عملك خيراً وأحسن كمالاً ، وأنقذ نفسك من أن تكون وحدة غير   مرتبة ، أشعث أغبر ، وأنْقذها من عبادة النفس إلى طمأنينة الروح ، تحت لواء أعظم قانون مع العيش الدنيوي والمتاع الأبدي ، ومهما تكسب من صحة تستمر بك ، ومهما تصب النجاح يواصلك ويتابعك ، ولا يخطر على بال بشر ، وسيبقى خالداً ولا ينفد ، فما تحظى به من أثر وقوة ستزيد ، ولا تنقص مدى حياتك ، لأن هذه الأشياء جزء من أصول الكون الخالدة التي تدعم أساسه .

هذي بعض أسباب وتداعيات في البقاء على الصحة ، وأمّا طهارة القلب ورزانة العقل فهما من أسرار النجاح ، ولا شك أن قوة الإيمان ، واختيار الحكمة في تعيين الهدف ، والغلبة على الهوى ، والإمساك بزمام الشهوات من أسرار القوة الجسدية .

[ مقتبس من الكتاب الإنجليزي المقرر في المناهج التعليمية للسنة الثالثة العالية من الشريعة والدعوة بدار العلوم لندوة العلماء ، لكناؤ ]

* جيمس ألين ( James Allen ) صحفي وكاتب أوسترالي ، ولد في 1806م في برمنغاهم في المملكة المتحدة ، وتوفي في 1886م عن عمر يناهز 80/ عاماً .