الِّلقاءُ الغَالِي مَعَ الشيْخ الدَّاعيَة محمَّد الغَزَالي
أبريل 27, 2024عبده زايد . . الصعيدي الأصيل ! شغله الإعجاز القرآني ونظرية النظم
مايو 4, 2024رجال من التاريخ :
الشيخ محمد يوسف الكاندهلوي وإسهاماته في نشر علم الحديث
الدكتور محمد أكرم نواز الندوي – دهلي ( الهند )
الهند تعتبر واحدةً من أقدم الحضارات الخصبة في العالم ، وتتميز بتاريخها العريق . إنها وطن للحكمة والروحانية ، وشهدت تأثيراً عظيماً على الثقافة العالمية . إلى جانب ذلك ، لا يمكن تجاهل إسهامات العلماء والأدباء الهنود في تطوير اللغة العربية والحفاظ على التراث الإسلامي . من بين هؤلاء العلماء البارزين الشيخ محمد يوسف الكاندهلوي ، الذي قدم الكثير في مجال علم الحديث والدعوة إلى الله ونشر دينه الحنيف . بكونه ابناً لمؤسس جماعة الدعوة والتبليغ ونائبه كان مشغولاً في أمور الدعوة والتبليغ رغم هذا الشغل إنه قد ألف العديد من الكتب حول علم الحديث والعلوم الإسلامية الأخرى وساهم بشكل كبير في إثراء هذا المجال .
ولد الشيخ محمد يوسف بن الإمام الشيخ محمد إلياس مؤسس جماعة الدعوة والتبليغ في بلدة ” كاندهله ” من أعمال مظفر نغر بأترا براديش الهندية يوم الأربعاء في 25 من جمادى الأولى 1335هـ الموافق 20 من مارس 1917 م .
كان الشيخ محمد يوسف منذ صباه يتمتع برعاية كبار العلماء والمشايخ ، فنشأ في أحضانهم ، وكان الشيخ خليل أحمد السهارنبوري يعطف عليه ، وفي الحادية عشرة من عمره بدأ يتلقى الدراسات الدينية الابتدائية عن والده وعن غيره من العلماء والأساتذة في مدرسة كاشف العلوم بقرية نظام الدين بدلهي .
ولما رحل أبوه في شوال 1351هـ الموافق فبراير 1933م إلى الحجاز لأداء مناسك الحج والعمرة ألحقه بمدرسة مظاهر العلوم فقرأ بها مبحث الاسم من ” شرح الجامي ” ، والجزئين الأولين من ” الهداية ” ، و ” مير قطبي تصديقات ” ، و ” سلم العلوم ” ، و ” كنز الدقائق ” ، و ” رشيديه ” ، و ” الميبذي ” وغيرها من الكتب ، فقرأ الجزئين الأولين من “الهداية” على الشيخ محمد زكريا القدوسي الكنكوهي ، و”الميبذي” ، و ” قطبي تصديقات ” على الشيخ المفتي جميل أحمد التهانوي ، ومبحث الاسم من ” شرح الجامي ” على الشيخ صديق أحمد ، و ” كنز الدقائق ” على مولانا عبد الشكور ، وقضى بمدرسة مظاهر العلوم سنةً ، واشترك في الاختبار السنوي ، وعاد إلى نظام الدين بدلهي ، وواصل هناك دراسته ، فقرأ ” الجلالين ” على الشيخ محمد احتشام الحسن الكاندهلوي ، و ” مشكاة المصابيح ” على أبيه الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي ، وعُهِدَت إليه مسؤولية تحقيق الرواة من الصحابة والتابعين ، والبحث عن أحوال الصحابة الكرام إلى جانب دراسته لما شرع في قراءة ” مشكاة المصابيح ” .
وفي شوال 1354هـ الموافق يناير 1936م التحق الشيخ محمد يوسف الكاندهلوي بمدرسة مظاهرِ العلوم بسهارن بور مرةً ثانيةً ، فقرأ هذه السنة المجلد الأول من ” صحيح البخاري ” ، و ” سنن أبي داود ” على المحدّث الجليل الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي ، والمجلد الثاني من ” صحيح البخاري ” على الشيخ عبد اللطيف ، و ” صحيح مسلم ” ، و ” سنن النسائي ” على مولانا منظور أحمد خان ، و ” جامع الترمذي ” ، و ” شرح معاني الآثار ” للإمام الطحاوي على الشيخ عبد الرحمن الكاملبوري ، وما إن انتهى العام الدراسي هذا حتى أصابه مرض شديد أرغمه على مغادرة مدرسة مظاهر العلوم إلى قرية نظام الدين بدلهي ، فعاد إلى دلهي على مضض في 10 من جمادى الأولى 1355هـ الموافق 30 من يوليو 1936م ورافقه مولانا إنعام الحسن الكاندهلوي ، وأكمل دراسته بقرية نظام الدين في دلهي ، وقرأ ” سنن ابن ماجه ” ، و ” سنن النسائي ” ، و ” شرح معاني الآثار ” ، و ” المستدرك ” للحاكم على الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي .
وكان الشيخ محمد يوسف شغوفاً بدراسة الحديث الشريف منذ أيام طلبه للعلم ، والدليل الحي على ولعه بالحديث الشريف مؤلَّفه الشهير ” أماني الأحبار في رجال الآثار ” . وكان يتوق إلى تطوير سلسلة تدريس الحديث من مرحلة ” مشكاة المصابيح ” إلى دورة الحديث في مدرسة كاشف العلوم بقرية نظام الدين بدلهي ، واستشار بهذا الخصوص من الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي غير مرة ، وفي نهاية المطاف بدأت هذه السلسلة المباركة من 1954م بفضل مجهوداته ، فافتتح الشيخ محمد يوسف سلسلة تدريس ” سنن أبي داود ” بعد صلاة العصر يوم الجمعة في الأول من نوفمبر 1954م . درّس الشيخ محمد يوسف الكتب العليا من كتب الحديث الشريف طول حياته بمدرسة كاشف العلوم الواقعة في قرية نظام الدين بدلهي .
توفي الشيخ محمد يوسف يوم الجمعة في 2 من أبريل 1965م في الطريق إلى المستشفى بلاهور الباكستانية بسبب النوبة القلبية ، ثم نُقل جثمانه من لاهور إلى قرية نظام الدين بدلهي ، ودُفن بجانب قبر والده الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي في مقبرة مجاورة للمسجد .
آثاره العلمية :
كانت حياته كداعية ازدحمت بالرحلات والضيوف والوفود والدروس ، ولكنه استطاع بتوفيق الله عز وجل وعونه وبعلو همته وقوة عزيمته أن يشتغل بالتأليف ، ويجمع بين الدعوة والكتابة ، فقد ألف عديداً من الكتب منها ” أماني الأحبار في شرح معاني الآثار ” ، و ” حياة الصحابة ” ، و ” الأحاديث المنتخبة في الصفات الست للدعوة إلى الله ” ، وتلقى الكتابان الأولان قبولاً ورواجاً في العالم العربي والإسلامي ، نذكرها فيما يأتي شيئ من التفصيل .
” أماني الأحبار في شرح معاني الآثار ” :
إن الشيخ محمد يوسف الكاندهلوي قرأ من ” المستدرك ” للحاكم ، و ” شرح معاني الآثار ” وما إلى ذلك من كتب الحديث في 1936م على أبيه ، ومنذ ذلك الحين كان يحرص على خدمة الحديث الشريف ، ولتحقيق هذه الأمنية كان يرغب في تأليف كتاب حول الحديث ، وبدأ فعلاً في تأليف ” أماني الأحبار في شرح معاني الآثار ” برغبة من الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي ، وظل يشتغل به حتى آخر يومه ، وهذا الكتاب هو أول كتاب ألفه الشيخ محمد يوسف ، واستوعب ثلاثة مجلدات ، وقد صدر الجزءان الأولان منه ، وكان الجزء الثالث تحت التأليف حينما وافاه الأجل .
إن كتاب ” شرح معاني الآثار ” للإمام أبي جعفر أحمد بن محمد ابن سلامة الطحاوي من كتب الفقه الحنفي الموثوق بها ، وهو داخل في المقررات الدراسية في معظم المدارس العربية الإسلامية في الهند وباكستان ، ولكن بالرغم من هذا القبول العام لم يكن له شرح جامع يتناوله الناس بسهولة ، ويستفيدون منه ، وعلماء الفقه الحنفي أنفسهم لم يقوموا بخدمة تليق بشأنه ، سوى العلامة العيني الذي ألف شرحاً وافياً له باسم ” مباني الأحبار ” ، ثم قام بتنقيح هذا الشرح وتهذيبه باسم ” نخب الأفكار في تنقيح مباني الأحبار في شرح معاني الآثار ” ، في ثمانية مجلدات ضخام ، وبحث عن رجاله ورواته وسماه ” معاني الأحبار ” ، ولكن هذه الشروح محفوظة مخزونة في المكتبات ، كالنوادر والمخطوطات ، ولا يمكن الاستفادة منها لعامة أهل العلم ، فنظراً إلى هذا الوضع عزم الشيخ محمد يوسف الكاندهلوي على وضع كتاب كشرح لهذا الكتاب القيم الدسم ، وقد بدأ عمله هذا أثناء دراسته في 1355هـ الموافق 1936م .
فهو مؤلَّف غزير المادة وأكثر استيعاباً ، عُني فيه المؤلف بحل مغلقات الكتاب وبيان رواته وتخريج رواياته وبيان المذاهب ودلائلها وتصحيح ما تسرب إلى النسخ المطبوعة من الأخطاء ، واستفاد المؤلف في هذا الكتاب من توجيهات الشيخ محمد زكريا استفادةً كبيرةً . والكتاب مزين بفهارس أسماء الرجال وغيرها ، ووافته المنية قبل إتمام هذا الشرح ، فلم يوفق إلى إكماله حتى وافاه الأجل ، ففيه شرح إلى ” باب الركعتين بعد العصر ” ، وهذا الكتاب دليل على سعة اطلاعه على الحديث والآثار ، وعمق نظره في الفقه والمعرفة .
” حياة الصحابة ” :
نال هذا الكتاب قبولاً ورواجاً عظيمين في العالم العربي والإسلامي ، فهو كتاب يسجِّل تاريخاً جامعاً شاملاً موثوقاً به يمثل عهد الرسالة ، وحياة الصحابة ، ويقدم وقائع تنم عن عواطفهم الدينية ، وغيرتهم الإيمانية ، وحبهم للرسول صلوات الله عليه ، وحنينهم إلى الشهادة بأسلوب دعوي مؤثر أخّاذ ، وألف المؤلف هذا الكتاب امتثالاً لأمر أبيه الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي ، وسمى العلامة سماحة الشيخ أبو الحسن علي الندوي هذا الكتاب باسم ” حياة الصحابة ” .
جمع المؤلف في هذا الكتاب ما انتشر وتفرق في كتب السنة والسيرة والتاريخ والطبقات ، ويبدأ بأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم ويثني بقصص الصحابة رضي الله عنهم ويعنى بجوانب تخص الدعوة والتربية الإسلاميتين وتهم الدعاة والمربين بصفة خاصة ، فيكون الكتاب تذكرةً للدعاة وزاداً للعاملين في حقل الدعوة الإسلامية ، ومدرسةً للإيمان واليقين لعامة المسلمين .
يقول سماحة الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي عن هذا الكتاب : ” وقد جمع هذا الكتاب من أخبار الصحابة وسيرهم وقصصهم وحكاياتهم ما يندر وجوده في كتاب واحد ، لأنه اقتبس من كتب كثيرة ككتب الحديث والمسانيد وكتب التاريخ وكتب الطبقات ، لذلك جاء هذا الكتاب يصوِّر ذلك العصر ، ويمثل حياة الصحابة رضي الله عنهم وخصائصهم وأخلاقهم وخواطرهم ، وقد أسبغت هذه الدقة وهذا الاستقصاء ، والإكثار من الروايات والقصص على الكتاب تأثيراً لا يكون للكتب التي بنيت على الإجمال والاختصار ومغزى القصة ، ويعيش القارئ لأجله في محيط الإيمان والدعوة ، والبطولة والفضيلة ، والإخلاص والزهد . . . فأنا أؤكد أن الكتاب مؤثر وناجح ، لأن المؤلف قد كتبه عن عقيدة وحماسة ، ولذة وعاطفة ، وقد خالط حبُ الصحابة لحمه ودمه ، واستولى على مشاعره وتفكيره ، وقد عاش في أخبارهم وأحاديثهم زمناً طويلاً . . . ” .
” الأحاديث المنتخبة في الصفات الست للدعوة إلى الله ” :
لقد ظهرت في هذا العصر جماعات دينية ، وحركات إصلاحية على أيدي كبار المفكرين المجددين ، والدعاة المصلحين ، التي لها فضل كبير في إقامة النهضة الدينية وإيجاد الوعي الإسلامي في العالم الإسلامي والعربي ، فكان لدعوات رجال تلك الجماعات والحركات الإصلاحية آثار طيبة ، فبفضل مجهوداتهم أنقذ الله الأمة الإسلامية من تمرد الإلحاد والملحدين ، وما هذه الصحوة الإسلامية اليوم إلا أثر من آثارهم ، وثمار من جهودهم الخالص .
ومن بين الكثير من الجماعات ، والحركات الإسلامية الحديثة في العالم الإسلامي والعربي ، جماعة الدعوة والتبليغ التي يقع مركزها الرئيسي بقرية نظام الدين بدلهي ، فقد أصبح عملها أوسع عمل إصلاحي وأقواه تأثيراً ونفعاً ، على علاتها ، في العالم الإسلامي اليوم ، ولم يَعُد هذا العمل قاصراً على نطاق شبه القارة الهندية ، ولا القارة الآسيوية فحسب ، بل اتسع نطاقه إلى القارات الأخرى ، والبلدان الإسلامية ، وغير الإسلامية كذلك .
ولقد قرر مؤسس هذه الجماعة الداعية الكبير الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي أسساً ومبادئ حافظت عليها الجماعة ، فإنه ألزم العاملين للدعوة بالمحافظة عليها والالتزام بها ، وهذه الأسس والمبادئ هي :
(1) التذكير بكلمة التوحيد الطيبة ، ومعانيها ، ومقتضياتها (2) العلم ، والمعرفة بفرائض العبادة ، وفضائلها ، والتذكير بفضيلة العلم (3) الذكر ، والاشتغال بذكر الله (4) الإكرام لكل مسلم ، ومعرفة حقه على أخيه المسلم ، وأداء حقوقه (5) تصحيح النية ، والإخلاص في كل عمل ، وترك ما لا يعني من الأعمال (6) التذكير بفضيلة الخروج في سبيل الدعوة والإصلاح ، والرحلة لها ، والحنين إليها .
اقتبس المؤسس هذه المبادئ من الكتاب والسنة النبوية الشريفة ، ولقد كانت الحاجة ماسةً إلى تأليف كتاب يحتوي على الآيات ، والأحاديث النبوية الشريفة التي يعتمد عليها منهج هذه الدعوة ، فوفق الله بفضله وكرمه العلامة الشيخ محمد يوسف الكاندهلوي بهذا العمل ، فإنه قام بتأليف كتاب مشتمل على ذلك كله .
خاتمة البحث :
إن الهند لم تكن مجرد خصبة في إنتاج العلماء الإسلاميين المتميزين فحسب ، بل كانت موطناً لجيل من الجهابذة والنوابغ الذين أضاءوا سماء العلم في العالم الإسلامي والعربي . ومن بين هؤلاء العلماء يأتي شيخنا المذكور محمد يوسف الكاندهلوي الذي له دور ملحوظ في ونشر ترويج علم الحديث الميمون . إنه لا يعد فقط من كبار المحدثين والأستاذة الأجلاء حيث خَصّب خزينة علم الحديث بالعديد من مؤلفاته ، بل له إسهام كبير في تبليغ رسالة الإسلام الصحيحة إلى عامة الناس ، ويرجع جل إسهاماته الفريدة وخدماته القيمة إلى مدرسة مظاهر العلوم حيث أخذ العلوم الإسلامية والعربية وهو معهد علمي وديني كبير في الهند .