الِّلقاءُ الغَالِي مَعَ الشيْخ الدَّاعيَة محمَّد الغَزَالي

الدكتور ف . عبد الرحيم عالم من علماء علم الأصوات الدكتورة سميراء محمد أجمل
مارس 3, 2024
الشيخ محمد يوسف الكاندهلوي وإسهاماته في نشر علم الحديث
أبريل 27, 2024
الدكتور ف . عبد الرحيم عالم من علماء علم الأصوات الدكتورة سميراء محمد أجمل
مارس 3, 2024
الشيخ محمد يوسف الكاندهلوي وإسهاماته في نشر علم الحديث
أبريل 27, 2024

رجال من التاريخ :
الِّلقاءُ الغَالِي
مَعَ الشيْخ الدَّاعيَة محمَّد الغَزَالي
بقلم : الدكتور صالح العَوْد 
لِقَاءُ العُلماء ، والجلوسُ إِليْهم ، والحديثُ معَهُم ، والاسْتفادةُ مِنهُم ، كنْز ثمِين ، لا يُستَهَانُ بالاغتراف أو التَّزوُّدِ منه في القُرْب أو البُعد ، والمَنشطِ والمَكرَه ، والعُسْر واليُسْر .
لذا ، كانت الرحلة في عُهُود التّاريخ منْ أجلِ لِقَائِهم مِنْ أطْيبِ النِّعم ، خصوصاً في طلب العِلم ، أو شدّ الرّحال إِلَيْهم قصداً مِنْ أجْل الجلُوس والحديث معَهم .
وَلقَد كان لي بِفضْلِ الله سُبحَانَه ، نصيبٌ وافِر من ذلك الشَّرَفِ المَيْمُون ، سواءٌ في شَبَابِي ، أوْ كُهُولَتِي ، وأنَا ذاكرٌ فِي ذلك بَعض مَنْ حَظِيتُ بِلِقائِه مِنَ الأَعلاَم الأَخْيار ، في عدَّة أقْطَار ، مِن أجْل الدِّراسَةِ عليْهِم ، أوِ الزِّيارةِ والاسِتفَادةِ منهم ، وهُمْ على التَّرتِيبِ التَّالِي والنَّحوِ الآتِي ، مُنذُ عَام ( 1389هـ – 1969م ) :
(1) فَرَنْسَا : بِمدِينَة بَارِيس : الشيخ الدكتور محمد حميد الله : شيخي وصَاحِبِي … رحمه الله .
(2) بلاد الشام : ( دمشق ) : المحدِّث الشيخ مَكِّي الكتَّاني : مفتي المالكية فيها رحمه الله … والشيخ الفقيه زيْن العابدين التونسي – شقيق العلاَّمة محمد الخضر حسين التونسي الذي تولى مشيخة الأزهر رحمهما الله .
( حلب ) : المحدِّث الشيخ عبد الله سراج الدين رحمه الله . والشيخ محمّد الحجّار : الوليّ الصَّالح ، دفين البقيع ، وهو شيخي الأوَّل فيها ، والثاني شيخي في العربيَّة : سيدي أحمد قلاَّش رحمهما الله .
(3) باكستان : ( كراتشي ) : شيخنا المحدِّث سيدي محمد يوسف البَنُّورِي ( مؤسِّس ومُدير المدرسة العربيَّة ). والمفتي والفقيه شيخي وَلِي حسَن التُّونكي رحمهما الله . والمفتِي الأعْظم الشيخ محمد شفيع رحمه الله . ثم ( لاَهور ) : الداعيَة الشهير والمفكر الباسِل : الأستاذ أبو الأعْلَى المَوْدُودِي رحمه الله .
( الهند ) : ( لَكْهنَوْ ) : سماحة العلاَّمَة الكبير : السيد أبو الحسَن علي الندْوي ، رئيس جامعِة ندوة العلماء سابقاً رحمه الله .
( مَئْو ) : شيخُنَا ومُجِيزُنا المُحدِّث الجَهْبذ حبيب الرّحمن الأعظمي . رحمه الله .
( دِهْلِي ) : داعيَة التبليغ والتذكير : العالِم الشيخ إِنْعَامُ الحسَن الكانْدَهْلَوِي ، ورفيقُه الجليل ، التقيُّ النَّقيّ : الشيخ عمر البَالَنفُورِي . رحمهما الله .
(5) ( بلاد الحرميْن : مكّة والمدينة ) : مفتي الديار الشيخ عبدُ العَزيز بن بَاز رحمه الله ، والشيخ الدكتور محمد علوي المالكي رحمه الله ، والشيخ أبو بكر جابر الجزائري رحمه الله .
(6) المغرب الأقْصَى : عبد الله كنُّون ( رئيس رابطة علماء المغرب ) رحمه الله ، والمحدث الفقيه الشيخ عبد الله الغُمَارِي رحمه الله ، والعالِم المُحدِّث الدكتور المصطفى غانم رحمه الله .
(7) مصر : الشيخ الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزْهَر آنذاك رحمه الله ، والشيخ عبد الحميد كُشك الخطيب اللاَّمِع في سنوات السبعينات والثمانينات التي عِشْتُها في القاهرة أطلب العلْم في الأزهر رحمه الله ، والشيخ العلاَّمَة والمُصْلِح صلاَح أبو إسْماعيل رحمه الله ، والدَّاعِيَة الإخْوَانِي الأستاذ عُمَر التَّلمَسَاني رحمه الله ، والشيخ الدّاعية البَصير بعِلَلِ الأُمّة : محمّد الغزالي رحمه الله .
ولهَذا الأخِير ، وقْفَة مُهمّة عِندِي ، وهو عنوان هذَا المَقَال المُقْتضَب ، فأَقُول ، ومن الله تعالى الرِّضا والقَبول : كان لِقائِي الأوَّل به ، حينما كنتُ طالباً في الأزْهَر الشّريف قبْل ( أربعين عاماً ) ، أذْكُر أنّي قصدْتُ يوماً جامعَ الأزهر لأداء صلاة الظهر جماعةً فيه ، وعَقِب الصَّلاَة جِيئ بكرسيِّ ووضِع عن يمين المِحرَاب ، ثم قام شيخ مَهِيب فجلس عليه ، ولم أكُنْ أعْرِفُه ، فألقَى على مَن بَقِيَ مِن المصلِّين درساً ماتعاً شدَّني إلى مَعَانِيه ومرَامِيه ، ولمّا انفضَّ المَجلسُ ، سَألتُ مَنْ بَقيَ : مَنْ يكونُ هذا الشّيخ : فقال لي : إنّه الشيخ العلاَّمة محمَّد الغزالي .
ومن ثمَّ أخذتْنِي الرَّغبَةُ في تتبُّع مجالِسِه ودُرُوسِه المُفيدَة والرَّشيدَة ، ثم عرفتُ زيادةً على ذلك أنه يخطُبُ الجمعَة في أحد مساجِد القاهِرَة الحديثة ، فتتبَّعْتُ أثرَه في ذلك ، حتى تيسّرت لي الصلاة خلفَه والاستماع إلى خطبته الجمّة ، وهكذا تكرّر ذلك أكثر من مرَّة ، فنَعِمْتُ بالاستماع إليه ، والاسْتفادة مِنه ، أثابه الله .
ولمّا أنهيْتُ دِراسَتِي في الأزْهَر الشَّريف ، وعزمْتُ على العَوْدَة إلى حيثُ أتيْت ، قلتُ في نفسي : لابدَّ أنْ أزُورَ الشيْخ الغزالي ، فأجلس إليه مرةً أخيرةً ، ثم هتفتُ إليْه وطلبتُ منه موعداً عاجلاً للزيارة ، فلبَّاني وأعطاني ، ثم ذهبتُ إليه مسرعاً ، فاسْتقبلنِي في بيْتِه بكلِّ حفاوَة وارتياح ، وبالتالي استمتعتُ جدّاً بِلذيذ الحدث معَه ، وما طرَحه من آراء ، وما نثره منْ توجِيهات هامَّة ، تخصُّ الدعْوة الإسلامية ، وترشد الدعاة والعلمَاء أيْنمَا كانُوا .
ثم قمتُ مودِّعاً وشاكراً ضيَافَتَه ، وسائِلاً دعوَاتِه المسْتَجَابَة في أوْقَات الإجَابَة ، وخرجْت .
أما لقائِي الآخَر ، فكانَ خارِج مصر ، حين جاء في أحد موَاسِم رمضان إلى باريس ( مدينة الجمال ).في سبيل توعِية الجَاليَة المسلمَة واللِّقاء بها في مسَاجدِهَا ، فكان من ذلك أنْ خَطَبَ الجُمعة في مَسْجد باريس الكبير والذي شُيِّد في عَام ( 1341هـ – 1922م ) فجدَّدْتُ اللقاء به وحضرتُ الجُمعَة معه ، وأجريتُ له حوَاراً ماتعاً لمدَّة ساعة ، بثَّتْهُ في حينِه إذاعَة القرآن الكريم ، العامِلَة على موْجَات إذاعَة الشَّرْق بباريس .
إنَّ الشيخ الكبير ، والداعية الشهير ، والعَالِم المستنير : محمّد الغزالي رحمه الله وطيَّب ثراه ، مِن الأعْلام القُلّة في عَالَمِنَا الإسْلامي المُعاصِر ، مَن كان مِثلُه ، يتمتّع بمَواهِب عدَّة وثرَّة اجتمعَتْ فيه ، وتفرَّقتْ في غَيْره كقَطَراتِ المزْن الزُّلاَل : فهو رجل محنَّك ، وداعيَة خبير ، وعالم فحْل ، وكاتب راسِخ من الطِّراز الرفيع ، وخطِيب مفَوَّه ، ومُحاوِر بارع يشدك إلى حديثه ولو طويلاً فلا تَمَلّ .
حقّاً لقد استفادتْ منه الأمّة المُسْلِمة أيْنما حلَّ في أوطانِها : ( مصر ، ومكة ، وقطر والجزائر ) وغيرها ، فضلاً عن الدعوات التي كان يتلقاها من الجمعيات والمراكز الإسلامية في أوربا وأمريكا وآسيا وإفريقيا ، فلم يكن يتخلف عن تلبيتِها ، ولا يُخلِفُ الوعد في الاستجابة لها ، في المَنْشط والمكْرَه ، والشدّة والرّخاء ، والصّحة والمَرض ، لذلك جاء أجَلُه المحْتُوم وهو في حالة لم يكن فيها على ما يُرام صِحِّيّاً ، فتُوفِّيَ على إثْرِها وليُدْفَنَ في البَقيع بالمدينة المنوّرة .
ولِمَنْ شاء – كائناً مَنْ كان – أن يتعرَّف على فكْر الشيخ الغزالي الواسع ، أوْ مَا سَال به حِبْرُ قلمه الغزير ، من تحبِير وتحْرير ، فسيرى عَجَباً ، فلهذا الرجل العظيم ثريّ في علمه ، عَمِيق في فِكْره ، غزير في ثقافته ، بَحْر في توجُّهاتِه ، أعجُوبَة في آرائِه ، متين في إيمانِه و ثقتِه المُطلقَة بالله عزّ وجلّ ، كان لا يكلُّ ولا يَمَلُّ من النّصيحة ، وتذكِير الأُمّة بجميع أطْيَافها ، وتوجيه الأجيَال ، والردّ المتين على المتهوِّرِين مِن كل مَن هبَّ ودبَّ أينما كان أو يكون .
وفي الختام ، وللتذكير ، فإن الرَّصيدَ العِلميّ للشيخ الغزالي : من الكتب المطبوعة ، أو المقالات المنشورَة ، أو الأحادِيث واللّقاءاتِ الإذاعيَّة ، ومحاضراته ، ودروسه وخُطَبِه ، كُلُّ أولئك كمٌّ هائِلٌ وضخْم ، لا يُسْتَهَانُ به ، ولا يزال لَها بريق الحيَاة ، وكأنّ صاحبَها حيٌّ حتّى اليوم .
رحم الله الشيخ الغزالي رحمة الأبرار ، وأسكنه جنّاتٍ تجري مِن تحتها الأنهار .