حذاري ثم حذاري
أبريل 27, 2024عظمة النبي صلى اللّه عليه وسلم ( الحلقة الثانية )
مايو 4, 2024الدعوة الإسلامية :
منهج التجديد والتيسير في الفقه الإسلامي عند الشيخ يوسف القرضاوي
الأستاذ شعيب الحسيني الندوي
منهج التيسير في الفقه :
المنهج العلمي والعملي في الفقه ودراسة مباحثه وتحقيق مسائله ووجوه تطبيقه يختلف باختلاف النظر إلى التقليد والاجتهاد ، كان الشيخ يوسف القرضاوي ملحاً شديد الإلحاح على نظرة اجتهادية مستقلة فيما يسوغ فيه الاجتهاد ، ويطالب بالتنحي عن العصبية المذهبية ، سأفرد كلاماً فيه تحت عنوان مستقل ، ولكني الآن أبين منهجه الفقهي في الإفتاء والقضاء والتأليف والتدريس ، فهو قائم على تيسير الأحكام والأخذ بالرخص والحكم بالإباحة فيما لا يتعارض مع صريح المعقول والمنقول ورفع الحرج وإزالة المشقة عن الناس في معاملاتهم المعتادة ، يقول نفسه مبيناً منهجه : ” منهجي الذي وفقني الله للالتزام به في الفتوى والتأليف والتدريس هو التيسير في الفروع والتشديد في الأصول ، فإذا كان هناك وجهتا نظر أو قولان متكافئان أو متقاربان في قضية أحدهما أحوط والآخر أيسر ، فأنا أختار لجماهير الناس الأيسر لا الأحوط ” .
إن دعوته إلى التيسير لا تهدف إلى التساهل في أحكام الشريعة وإهمالها أو الاستخفاف بها ، ولا تسير بالناس إلى اتباع الهوى وتتبع الرخص المجرد عن روح العمل بالدين ، بل كانت غايته بالتيسير ترغيب الناس في العمل بالدين وتطبيق الشريعة على الواقع ، ومن اقتضاء الحكمة في العصر الراهن حيث غلبت النزعات المادية وعمّ الانحراف عن الدين واشتد التوغل في الملاهي والمنكرات ، ويتعايش الناس في عصر العولمة وعصر احتكاك الحضارات والثقافات كأن الدنيا ظلت قرية صغيرة ، أن يتعامل العلماء والفقهاء بمعالجة هذا الواقع في ظل الشريعة ، ويقدموا حلولاً صائبةً حكيمةً على سبيل التيسير والترخيص قدر المستطاع حتى يتم العمل بالشريعة وفق الطبيعة البشرية ومقتضيات العصر ، وإليه يشير رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم حيث قال : ” الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ، فسددوا وقاربوا وأبشروا ” . ( رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه ) .
والقول بالأحوطيات قد يبعد الناس عن الدين لأنها لا تمت إلى صلب الدين بشيئ ، ينتقده الشيخ : ” كل جيل أخذ يضيف بعض الأحوطيات إلى ما قبله ، وقد أدت كثرة الأحوطيات في الفقه المتصل بحياة الناس إلى تضييق وتشدد ، لحق بالإسلام منه أذى كثير ” ، وهذا ” المجموع التراكمي ” من الأحوطيات يؤدي إلى إلصاق الأوصار والأغلال التي أمر النبي صلى الله وسلم بوضعها عن الأمة ، والحق أن الشريعة الإسلامية قائمة على التيسير لا على التعسير ، يقول الشيخ : ” الشريعة الإسلامية مبناها على اليسر لا على العسر ، وتعليمها للناس مبني على التيسير لا على التعسير ، والدعوة إليها قائمة على التبشير لا على التنفير ” ، وهذا الموقف هو ما اختاره النبي صلى الله عليه وسلم إذ هو يختار أيسر الأمرين كلما خيّر بينهما .
السؤال المطروح أنه كيف يمكن تحقيق التيسير في الفقه ؟
رداً على هذا السؤال نجد الشيخ ينتهج منهجاً يتمركز على نقطتين ويدعو إلى محورين : أولهما : تيسير عرض الفقه لفهم المسلم إياه بأسلوب سهل معاصر ، ولغة مبسطة غير مغربة ، وبيان منطقي سليم يخاطب العقل المعاصر ، وصياغة جديدة للمباحث الفقهية ، وشرح مقادير الأحكام بالمصطلحات الحديثة والتطبيقات المعروفة المتداولة بين الناس ، وربط مقاصد الشريعة بأحكامها كتابةً وبياناً حتى يسوغ ذهن الطالب تعليل الحكم الصحيح والحكمة المقصودة من العمل .
وثانيهما : تيسير الفقه العملي لتطبيقه على الواقع ودفع المشقة عن الفاعل ، وترجيح التخفيف على التشديد ، وتقديم الرخصة على الحيطة أو العزيمة ، ومراعاة الظروف والمقتضيات العصرية وأمزجة الناس وطبائعهم ، وتضييق أمر الإيجاب والتحريم بتحري الدلائل وإزالة الشبهات حتى لا يشملا ما ليس بمكتوب أو محرم ، والاستفادة من جميع المذاهب المتبوعة وأقوال السلف في المسألة واتخاذ موقف أو رأي فيها بعد كل التتبع والتفحص ، وما شابه ذلك .
ومن تتبع السيرة النبوية وأحاديث الرسول وجد الشهادات المتواترة على الأخذ بالتيسير في الأحكام ومراعاة طبائع الناس ومعاملتهم وفق تقاليدهم ما لم يكن إثماً أو خطيئةً ، ومنها إذن النبي صلى الله عليه وسلم باللعب في مسجده الشريف للأحباش والأمر بحفل الغناء للجواري عند الأفراح والأعراس والأعياد .
ولشرح هاتين النقطتين ليراجع القارئ كتاب الشيخ ” تيسير الفقه للمسلم المعاصر ، في ضوء القرآن والسنة ” ، فإنه جامع للأصول والتحليلات ، وحافل بالأمثلة والتطبيقات .
الدعوة إلى نبذ العصبية المذهبية :
لا يصح للفقهاء الذين يعرفون الأحكام ويدرسونها ، ويعلمون مستدلاتها وتعليلاتها ويقدرون على تحري مقاصد الشرع فيها ومصالح العباد ، ويستطيعون المقارنة بين آراء السلف فيها وترجيح بعضها على بعض ، أن يضيقوا الواسع ويحجروا الفسيح على الأمة حتى يروا الخروج عن مذهبهم إلى غيرهم شبه الحرام ، وكأنه خروج عن الشريعة ، وإن قوي دليلهم وترجح رأيهم ، وفيه موافقة مصالح الناس ، هذا الموقف الجاف قد أوقف مسير تطبيق الشرع على الواقع ومواكبة القضايا العصرية .
ومما لا مجال للخلاف فيه أن قضايا الأمة المستجدة والمسائل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الحديثة تقتضي لحلها نظرةً اجتهاديةً مستقلةً ، وتحرراً من القيود المذهبية والمسلكية ، وأخذاً مباشراً بالنصوص الشرعية وتنقيحاً دقيقاً لتعليلات الأحكام ، وتوخياً هادفاً لإنفاذ مقاصد الشرع حتى تتوافر بديلات لنظام العالم السائد وتحقق جدارة الشرع بتقديم الحلول الأوفق والأصلح في الدنيا المعاصرة ، وهذا هو السبيل الذي يضمن الحفاظ على الشريعة وحيويتها ، ويجعلها قابلة للتطبيق وإلا ينبذ الشرع وراء الظهور ويغيب عن ساحة العمل ، يقول الشيخ مبدياً مخافته على ضياع الشريعة بهذا التعصب المذهبي والتحجر النظري : ” ليس هذا الجمود في مصلحة الشريعة ولا في مصلحة المذهب المقلّد ، وقد ثبت أن الذين جمدوا على الأقوال المعتمدة في مذاهبهم ، ولم يقبلوا أي اجتهاد آخر من غيرها ، تسببوا في غياب الشريعة كلها عن ساحة التقنين والقضاء ، وبالتالي غياب مذهبهم أيضاً ، ومعنى هذا أنهم ضحوا بالشريعة من أجل المذهب فخسروا الاثنين جميعاً ، إن المنافسة اليوم بين الشريعة الإسلامية بجملتها وبين القوانين الوضعية ، فينبغي الانتصار للشريعة بدل الانتصار لمذهب مقلد ” .
سلك الشيخ هذا المسلك في فقهه وفتاواه ، فكان يأخذ من المذاهب المتبوعة وآراء من اندرست مذاهبهم ونقلت أقوالهم مثل الليث والأوزاعي وغيرهما ، فكان يفتي – على سبيل المثال – بإيجاب الزكاة في الخضراوات ومنتجات الحقول على رأي أبي حنيفة رحمه الله ، ولكن مع تقدير النصاب لها خلافاً له ، ولا يوجب الزكاة في حليّ المرأة المستعملة على رأي غير الإمام أبي حنيفة رحمه الله .
إنه يجتهد كل الاجتهاد أساساً على أدلة الأحكام أقواها وأصحها ، ومراعاةً لمصالح العباد أحوجها وأوفقها ، ليطبق الشرع قدر المستطاع ، ويحقق مقاصد الشرع في أحكامه ، وكان أهلاً للاجتهاد بلا منازع إذ توافرت لديه شروط الاجتهاد ، وكانت أدلة الأحكام عنده علاوةً على الكتاب والسنة سنن الخلفاء الراشدين واجتهاداتهم العملية ، ثم كان يستفيد من أقوال الفقهاء وآرائهم جميعاً في تفسير النصوص وتأويلها واستنباط الأحكام منها وهو يؤكد منهجه لأخذ أقوال السلف أو ردّها ، ويقول : إنه ما كان منها موضع إجماع متيقن فهو حجة لا أعدوه ، وما لم يكن كذلك فهو رصيد ثمين أستفيد منه وأنتفع به ، ولكني لا ألتزم مذهباً واحداً بكل أقواله واجتهاداته ، فقد يسوغ هذا للمرء في خاصة نفسه .
والذي يتتبع آراء السلف في مسائل الفقه ويراجع كتب الحديث والتاريخ أدرك تراثاً قيماً للسلف ، وثروةً هائلةً للنظرات الاجتهادية والدراسات الفقهية لهم زيادة على ما نقل وأثر عن طريق المذاهب الأربعة المتبوعة ، وكان الشيخ القرضاوي يدعو إلى الاستفادة من كل التراث المأثور إلينا دون حصر في أقوال المذاهب المتبوعة ، وبهذا يحصل العلم الأصيل ويتحقق الاجتهاد المستقل ، ولا يعنى بالاجتهاد المستقل نبذ جميع الآراء السابقة واتخاذ موقف مبدع لا نظير له في السلف ، بل الاجتهاد المطلوب اليوم هو فحص كل التراث وتحقيق كل الأدلة وترجيح الأقوى والأوفق والأنفع .
أذكر مثالاً هنا حتى تتبين نظرة الشيخ الاجتهادية ومنهجه التطبيقي ، وتتجلى قريحته النافذة وأريحيته الفائقة ، إنه حقق مسألة الزكاة في العسل ، وقارن بين الأدلة والآراء للفقهاء ورجح موقف وجوب الزكاة فيه على نصاب زكاة الزرع من العشر ونصف العشر ، ولما بدأ الكلام في زكاة السوائم التي تتخذ للدر والنسل فإنها تجب الزكاة في أصلها بتقديرات شرعية معروفة ولا تجب في منتجاتها لأنها تابعة للأصل كما يراه أصحاب المذاهب وكثير من الفقهاء ، وعند تحقيق المسألة درس الواقع دراسة جيدة ، وبين أن الحيوانات والدواجن غير السوائم التي تتخذ للإنتاج والاستغلال والاستثمار بمنتجاتها لا لتجارة أصلها حيث لا تعتبر عروضاً للتجارة ، وراجت هذه الصناعات وأصحبت لها مصانع ومزارع ضخمة ، فقاس الألبان الحاصلة من الدواجن والمنتجات من الحيوانات على العسل الناتج من النحل ، وأوجب الزكاة فيها مثل ما يجب على العسل يعني العشر من صافي إيرادها ، ووجهه فيه أن الوضع الحالي والاقتصاد الجليل والأرباح الفادحة في الدواجن وتجارة الألبان واقتناص دود القز ومزارعها الخاصة لإنتاج ثروة ثمينة من الحرير الفاخر تقتضي أن تجب فيها الزكاة لأنها أصبحت اليوم صناعات ضخمة ذات ثروات هائلة وأرباح جمة ، فتجب الزكاة في المنتجات الحيوانية قياساً على العسل ، وللمسألة تفصيل وتفريع وحالات لا يمكن الخوض في بيانها هنا ، وهو يؤصل قاعدةً جامعةً في هذا الصدد : ” كل شيئ لا تجب الزكاة في أصله ، تجب في نمائه وإنتاجه ، كالزرع بالنسبة للأرض ، والعسل بالنسبة للنحل ، والألبان بالنسبة للأنعام ، والبيض بالنسبة للدجاج ، والحرير بالنسبة للدود ” . وهذا ما ذهب إليه الشيخ ، وكان ذلك رأياً للإمام يحيى من فقهاء الشيعة حيث أوجب الزكاة في القز كالعسل لتولدهما من الشجر ، لا في دوده كالنحل ، إلا إذا كان للتجارة ، ويروي عن جماعة من الفقهاء الزيدية إيجاب الزكاة بربع العشر على تقويم هذه الحيوانات نفسها مع نتاجها جمعاً وجعلها عروضاً للتجارة .
هذا نموذج واحد عرضته لبيان مدركته الاجتهادية ونظرته الثاقبة في تحقيق المسائل وبيان الأحكام ، وينبغي هنا التنبيه بأمر حساس ، وهو خطورة تلفيق المذاهب الفقهية ، الذي نهى العلماء عنه منعاً من العبث بالشريعة واتباع هوى النفس ، ولكن الأخذ من المذاهب الفقهية المختلفة أساساً على رجحان الأدلة حق مشروع لكل عالم مجتهد ، بل ربما يصبح مطلباً حسناً إذا كان الشرع يحتفظ به ويسهل العمل به في مواضع المشقة ، ويشترط لقبوله شيئ آخر أن لا يكوّن مجموع الجزئيات صورةً جديدةً للحكم ، لم يقل به أحد من السلف ولا يوافق عليه أحد من المذاهب .
كتبه المختلفة في الفقه وأصوله مليئة باجتهاداته النظرية وتطبيقاته الواقعية ، يجوز الاتفاق والاختلاف مع آرائه ، ولكن لا يختلف اثنان في درك علمه وسعة نظره وصلابة اجتهاده ، كتابه ” الاجتهاد في الشريعة الإسلامية ” لهو خير دليل إلى معرفة دواعي الاجتهاد وطرقه وإلى خصوبة حقل الشريعة المطهرة ومرتعها الغني ، وقد ألف كتاباً مسمّىً بفقه الزكاة كان أطروحته للدكتوراه ، وهو شاهد عدل على مكانته الاجتهادية ومنهجه الرصين ، إذ يجمع بين التأصيل الفقهي والتناول المعاصر للزكاة ، ويمثل موسوعةً قيمةً معاصرةً لمسائل الزكاة تربط بين مقاصد الشريعة وقضايا العصر ، ويحسن مطالعة كتابه الضافي ” الحلال والحرام ” في معرفة معالجة قضايا الحياة العامة من منظور شرعي رشيد على نظرة اجتهادية عائدة إلى أصول الدين .
إزالة لشبهة دارجة أن الشيخ كان داعيةً إلى نبذ المذاهب المتبوعة على الإطلاق لكل أحد وإلى الاجتهاد برأي مستقل أخذاً بحديث أو حديثين وردا في كتب الحديث الصحيحة ، أحيل القارئ إلى كتابه القيم : ” كيف نتعامل مع التمذهب والاختلاف ” ليطالعه بنظرة فاحصة ، فيجد أن الأهلية للاجتهاد مطلوبة ، والإحاطة بكل جوانب التحقيق في المسألة مفروضة مع ضرورة التسامح بين المذاهب وحقيقة الاختلاف في الأحكام الفقهية ووجوب التحرر من العصبية المذهبية البغيضة .
الحاجة إلى الجمع بين الحديث والفقه :
من العادة الجارية والتقليد السائد أن يُدرَّس الفقه في المدارس والكليات الإسلامية من كتب الفقه المرتبة على مذهب من المذاهب الفقهية ويؤخذ الحكم الشرعي للإفتاء من كتب الفتاوى المعتمدة عليها في المذهب ويؤخذ الحديث دليلاً للمذهب ومعرفة لمستندات الأئمة ، لا تناقش المسائل في ضوء النصوص والأدلة كلها دون انحياز إلى مذهب معين ، بل يعتمد في القول الفصل على المذهب المعين فحسب ويحاول إثباته على أي وجه ضعيف ، كان الشيخ يحرض دائماً على دراسة الفقه وتلقي الأحكام في المسائل والإفتاء في قضايا الناس اعتماداً كلياً على أحاديث الأحكام الصحاح أو مقاربتها من الحسان ، والقول بما يتبين بعد التحقيق ، نعم يسوغ للمرء الالتزام بمذهب واحد في خاصة نفسه ، ولكن حين اقتضت الحاجة إلى حل قضايا الأمة ودعي إلى الإفتاء في مسائل الناس لوجب على المفتي المجتهد أن يبذل قصارى جهده في تحقيق المسألة وبيان الحكم بناءً على رجحان الأدلة وتحقيقاً لمقاصد الشريعة .
من الاقتضاء اللازم في دراسة الأحاديث التفريق بين التشريع للأمة واتخاذ رأي في أمور الدنيا ، والمعرفة الصحيحة لأحاديث التشريع والسنن التي لا يراد بها التشريع ، فما جاء من أمور المعيشة والحياة على سبيل الرأي لا على سبيل التبليغ عن الله فليس بشريعة يجب اتباعها ، من الأمثلة له قول عائشة رضي الله عنها : ” لا يبقى الحمل في بطن أمه أكثر من سنتين ولو بفلكة مغزل ” ، أخذ به الحنفية في تحديد أكثر مدة الحمل وحسبوه حديثاً مرفوعاً حكماً ، وهذا خطأ ، لأن معرفة مدة الحمل لم تكن من أمر التشريع بل كان اجتهاد أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وقولها على ظروف عصرها ، فإن المدة تعلم بالمتخصصين في الموضوع وبالظروف والأحوال ، والمثال الآخر له إيجاب الدم أو الفدية على ترك بعض الواجبات في الحج ، أصحاب هذا الرأي أخذوا بقول ابن عباس رضي الله عنهما : ” من ترك نسكاً فعليه دم ” ، هذا لم يثبت مرفوعاً مسنداً إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومن تحليل الشيخ القرضاوي أنه يحتمل أن ابن عباس رضي الله عنهما قاس هذا على قتل الصيد فسوى بين الأمرين ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر خلافه إذ سئل عن تقديم وتأخير واجبات الحج فقال : ” افعل ولا حرج ” ، فالقول بإيجاب الفدية تشديد على الخلق وإلزام بما لم يلزمهم الله به ، أقصر على هذين المثالين لمخافة إطالة المقال ، ومن أراد المزيد في هذا الصدد فليراجع إلى فتاوى الشيخ المعاصرة وكتبه الفقهية الأخرى حيث يجدها زاخرةً بالأمثلة للاستنتاج المبتكر واستخراج الأحكام حراً ، استناداً إلى الأدلة القوية الراجحة والنصوص الصحيحة الثابتة .
وقد تم إصدار الأعمال الكاملة للشيخ من الدار الشامية ، دولة قطر حيث يعدّ هذا خدمة عليا لتراث الشيخ القيم ونشراً لإنتاجاته العلمية والفكرية والدعوية للدارسين والعلماء والفقهاء والمفكرين ، نفعنا الله بمآثره وجزاه عنا خير الجزاء .