48/ سنةً
أكتوبر 17, 2022
الحسنُ بن الهَيثم – رائدُ البحثِ العلمي
نوفمبر 5, 2022
48/ سنةً
أكتوبر 17, 2022
الحسنُ بن الهَيثم – رائدُ البحثِ العلمي
نوفمبر 5, 2022

رجال من التاريخ :

اللواء الركن / محمود شيت خطاب

قائد عظيم ووزير مخلص وكاتب بارع ومؤرخ عسكري حصيف

الدكتور غريب جمعة – جمهورية مصر العربية

( الحلقة الخامسة الأخيرة )

قد رفع الله الرجل بعلمه وخلقه إلى مصاف الكبار ، وطارت شهرته في الآفاق وتم اختياره رئيساً للجنة توحيد المصطلحات العسكرية في الجيوش العربية ،  ومن يومها بدأ الدعوة إلى وضع معجم عسكري موحد وقد صدر هذا المعجم بالفعل في أربعة أجزاء في لغات ثلاث هي : العربية والإنجليزية والفرنسية ، وتم اختياره عضواً في المجامع اللغوية والعلمية والمؤسسات الإسلامية كما تولى العديد من الحقائب الوزارية ، نذكر منها :

  • عضو المجمع العلمي العراقي .
  • عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة .
  • رئيس لجنة توحيد المصطلحات العسكرية للجيوش العربية في جامعة الدول العربية ( وقد سعدت بزيارته في مكتبه في هذه الجامعة ) .
  • عضو مؤسس لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة .
  • مناصب وزارية عدة .

وهو إلى جانب ذلك كاتب بارع كما ذكرنا ، والشيئ الذي كنا نجهله أنه يقرض الشعر ، وله فيه صولات وجولات وإن كان مقلاً فيه . وقد وقف مواقف مجيدة تذكر فتشكر في الدفاع عن اللغة العربية ومحاربة الدعوة إلى اللهجة العامية والشعر الحر ( الذي يسميه الشيخ محمد الغزالي يرحمه الله : النثر المشعور ) ، ويرى اللواء محمود أن الشعر الموزون المقفى هو من دعائم اللغة العربية ، كما حارب الدعوة إلى كتابة العربية بالأحرف اللاتينية التي تولى كبرها أحد أعضاء مجمع اللغة العربية !!! وقد رحب بالجانب العلمي من المدنية الغربية ورفض ما عداه من المبادئ والأخلاق والعادات والسلوك الغربي الذي انحدر إلى الحضيض في العلاقات الجنسية والإباحية والمادية وغيرها من المبادئ التي تترك أسوأ الآثار على إنسانية الإنسان وروحه وسلوكه .

وكانت الصهيونية ألد أعدائه ومحور تفكيره وهمه الأكبر ويرى أن العلاج الوحيد للتخلص من هذا الداء الوجيع والسرطان العالمي هو الجهاد ولا شيئ غير الجهاد ، لأن إسرائيل لا تعرف ولا تفهم غير لغة  القوة ، وهي الطريق الوحيد لتحرير فلسطين وسحق إسرائيل العنصرية ويشرح ذلك بأوضح عبارة فيقول :

” إن المسلمين اليوم في حاجة ماسة إلى قادة كخالد والمثنى وغيرهم ؟ إلا أن حاجتهم إلى العلماء العاملين أشد . هناك أزمة ثقة بين الشيوخ والشباب ، مرد ذلك إلى فقدان عنصر القدوة الصالحة في معظم الذين يعدون في الشيوخ ويظنون أن كل ما عليهم أن يحسنوا عرض الموعظة السطحية ولو كان سلوكهم الشخصي أبعد ما يكون عما يدعون إليه ” ! .

اللواء محمود خطاب في عيون معاصريه :

لقد أطلت الحديث عن هذا العلم ، وأكرر أنني ما وفيته إلا شيئاً من حقه ، وإن خير ما أختم به حديثي عنه ما قاله عنه بعض معاصريه . ولا أقول كلهم . حتى لا أثقل على القارئ الذي صبر طيلة هذه الحلقات .

يقول الإمام العلامة الأستاذ الشيخ محمد أبو زهرة : ” إن صديقي الكريم اللواء الركن محمود شيت خطاب القائد العظيم المدرك والوزير المخلص وقليل ما هم سعدت بمعرفته ، أحسست بأني أعرفه منذ سنين ، يسير بفكره وقوله وعمله في خط مستقيم كاستقامته ، وقد جمع الله له من الصفات ما تسمو به واحدة منها عن سفاسف الأمور وتتجه إلى معاليها .

أولاً : الإخلاص في القول والعمل .

ثانياً : الإدراك الواسع والعلم بما حوله ، وتعرف الأمور من وجوهها وإدراكها ، فقلمه نقي وفكره ألمعي .

وثالثاً : إيمان صادق بالله ورسوله والنبي الأمين صلى الله عليه وسلم .

ويكمل هذه الصفات همةً عاليةً وتجربةً ماضيةً وخبرةً بالعلم والحرب وخصوصاً ما كان بين العرب واليهود ، وهو عالم بالعربية وملم إلماماً عظيماً بشئون الدين ، وقارئ يتقصى الحقائق فيما يقرأ ، ينفر من التقليد للفرنجة ، ويؤثر ما في القرآن والسنة ، وهو قائد يعرف خصمه ويدرك مراميه ، حتى إنه ليتوقع الحرب أو الهجوم من عدوه في ميقاتها وقبل أن يعلنها وقبل أن يفكر فيها ومن سيكون حطبها لأنه يعلم الخصم مأربه وحاله ، ويتعرف من ذلك مآله . علم بهجوم اليهود سنة 1967م قبل أن يعلنوه ، وقبل أن يقدره الذين كانوا في زعمهم يدبرون الأمر ويلبسون لكل حال لبوسها ” .

ويقول الأستاذ أنور الجندي يرحمه الله : ” هذا رجل كونته الأسرة بالإيمان وكونته المدرسة بالتربية العسكرية ، فجمع الله به مثلاً عالياً من أمثلة الفرسان المؤمنين على نفس المفاهيم والتعاليم التي عرفها سعد بن أبي وقاص والمثنى بن حارثة وأبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه ، وهذه السمة البارعة الواضحة في إنتاج محمود شيت خطاب وفكره ومفاهيمه هي التي جعلت منه نموذجاً من الأعلام والرواد في مجاله ” .

ويقول الأديب عبد الله الطنطاوي : ” عاش اللواء خطاب عصراً متفجراً من أعنف العصور ، وكان نصيب العراق كبيراً من الحرائق والمعاول بعد فلسطين الذبيحة ، وكان اللواء شاهد القرن على تلك الكوارث والمآسي التي اجتاحت العراق والشعوب العربية والإسلامية ، فكان ميلاد الكيان الصهيوني ، ثم شهد هزيمة الأنظمة العربية في حرب حزيران ( يونيو ) 1967م . عاش محمود خطاب عصره بكل ما فيه وناله الكثير مما فيه فوعاه بعقله وذكائه وأسهم في إطفاء بعض الحرائق ” .

ونقول ماذا يقول الأستاذ عبد الله الطنطاوي عما يحدث في العراق الآن ؟

ويقول الدكتور يوسف السلوم : ” زرته في المستشفى العسكري بالرياض عام 1410هـ قبل وبعد إجراء العملية التي أجريت له في القلب ، ولمست منه الشجاعة الأدبية والإيمان القوي والرضا بالقدر وصبره على الآلام مع كبر سنه ، ورغم ذلك كانت حقيبته لا تخلو من بعض مؤلفاته الجديدة ، وتفضل مشكوراً بإهدائي نسخاً منها ، وكان يتحدث مع زواره بروح عالية فازددت تعلقاً به ، ومحاولة معرفة المزيد عن سيرته وحياته ، وقد كنت أتابع ما يصدر له من كتب ومؤلفات وبحوث ومقالات فأجد فيها المعين لي في حياتي العسكرية لتأصيل العلوم والثقافة العسكرية حتى أصبحت مدرسةً متميزةً ” .

وفي حفل تكريمه ألقى الشاعر العراقي وليد الأعظمي قصيدةً عصماء نختار منها :

الــــيــــوم أنــــشد في تـكريم ” محمود ” شعراً يــــعبــر عن حب وتـــمــــجــــيد

جاءوا يحيون “محمود” الصفات صفت أخــــلاقــــه وزهـــت بـــيــن الأماجيد

يــــــراقــــب الله في ســــــر و في عـــــــلــــن  يقضي الــــلـــيالـي بتسبيح و تحميد

لسانه الـــرطــــب بالأذكــــار مــــنــشغل عن ذم ” سعد ” وعن إطراء مسعود

وبالــــتــــلاوة في الأســـــحـــــار مـــتـعـــتـــه وبــــالـــــمــــنــــاجــاة للـــمولى وتوحيد

ذاق الأذى في ســـبيل الله مــــــحتـســـــباً ما كان عاناه في أيامـــــنــــا السـود

مـــن اضـــطــهـاد وتعذيب وســـــخــــريـــة يشيب من هو لــــهـا شعر الــــمواليد

وهـــو الــصـبور على ما ذاق مــــن مـحن وكان أصلب من صــــم الــجلاميد

فما اســــتــــكــان لطاغوت ولا صـــنــم  ولا تــــــهـــــيـــب من أحفاد ” نمرود “

أقــــلامه لــسطور الـــمــــجــــد راقــــمــــة  سفر الفتوحات من خير الأسانــــيد

” وقادة الـــفــتح ” نـبراس يـــضـــيــــئ لنا نهج البطولات في عـــــز وتـــــخـــــليد

وفي السفارات عند الــمصطفى خطط تــــــدعــــو لــحسن اتـباع في التقاليد

مـــــضــــى يـــــدافــــــع عــــن تــاريخ أمتنا  يــــرد شـــــبـــــــهـــــة تـــــنـصير وتهويد

يـــــرد كــــيــــد الــعـدى في نحرهم قلم  يـــــأتـــي عــــلى حجج الأعدا بتفنيد

وفي فـــــلســــطـــــيـــــن أيام لــــه ســـلــفت  مــــجـــــاهــــداً مـــع أبــطـال صناديد

يـــــصـــــول كـــاللــيـث في غاراته جلداً يـــــطـــارد البغي في الوديان والـــبيد

وذكــــــريــــات في ” الــــقــــدس ” بــاقية  لا ينمحي ذكرها من قلب محمود

يـــــا رب بــــارك لـــه في ســــعـــيـــــه وأدم عـــــلـــيــــه فـــضــلك بالإنعام والجود

وتعود النفس المطمئنة إلى ربها راضية مرضية إن شاء الله :

في صباح اليوم الثالث عشر من شهر ديسمبر 1998م كان اللواء خطاب يجلس على كرسي عتيق تحت درج بيته ، وجاءت ابنته تودعه وقبل أن تغادر المنزل إلى الجامعة طلب منها أن تجلس معه لتقرأ سورة ” يس ” فجلست وجاءت زوجته وجلست وقرأت البنت وكان يقرأ معها فأحس بجفاف في حلقه بعد الانتهاء من قراءة السورة ، فطلب من زوجته أن تأتيه بكأس من الماء وأسرعت الزوجة إلى المطبخ وهي تسمع زوجها يردد : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله ، وكررها مراراً ثم سكت ، وابنته تنظر إليه وتردد شهادة الحق فأسرعت زوجته لتراه كالنائم وقد أسلم الروح لبارئها ، رحمه الله رحمةً واسعةً ورفع درجته في عليين وبوأه مقعد صدق في دار الكرامة عند مليك مقتدر ، وسلام عليه مع العلماء المخلصين والمجاهدين الصابرين وسلام عليه يوم يقوم الناس لرب العالمين .