الالتفات أسلوب إعجازي للقرآن الكريم

من مقتضيات حب النبي صلى الله عليه وسلم
أغسطس 28, 2022
درس التربية الإسلامية وواجب الرباط على ثغر المصطلحات والمفاهيم الشرعية ( الحلقة الأولى )
سبتمبر 12, 2022
من مقتضيات حب النبي صلى الله عليه وسلم
أغسطس 28, 2022
درس التربية الإسلامية وواجب الرباط على ثغر المصطلحات والمفاهيم الشرعية ( الحلقة الأولى )
سبتمبر 12, 2022

الدعوة الإسلامية :

الالتفات

أسلوب إعجازي للقرآن الكريم

الدكتور محمد ك باندي كادو*

الالتفات هو أسلوب جذاب ، فيه جمال وخيال . ورد استعماله في اللغة العربية منذ قديم الزمان ، ونرى أمثلةً كثيرةً لذلك في الشعر الجاهلي . ويوجد هذا الأسلوب في القرآن الكريم كثيراً ، أريد أن أبين في هذه المقالة عن الالتفات في القرآن الكريم ، تعريفه وأقسامه وفوائده .

تعريف الالتفات :

الالتفات لغةً : من فعل ( لفت ) ، وهو بمعنى الصرف أي صرف الشيئ عن جهته إلى جهة أخرى . والالتفات عند البلاغيين هو الانتقال بالكلام من صيغة  كل من التكلم أو الخطاب أو الغيبة إلى صيغ أخرى لمقتضيات ومناسبات تظهر بالتدبر في مواقع الالتفات . يقول الإمام الزركشي : ” الالتفات هو نقل الكلام من أسلوب إلى أسلوب آخر تطريةً واستدراراً للسامع ، وتجديداً لنشاطه ، وصيانةً لخاطره من الملال والضجر ، بدوام الأسلوب الواحد على سمعه ، كما قيل :

” لا يصلح النفس إن كانت مصرفة إلا التنقل من حال إلى حال ” [1]

الأسماء للالتفات :

يرجع أصل تسمية المصطلح البلاغي بالالتفات إلى الأصمعيّ . وسُمي بأسماء أخرى منها ” الترك والتحويل ” التي تعود للنحويّ أبي عبيدة معمر بن المثنى . كما سمى أبو زكريا الفراء هذه الطريقة اللغوية باسم   ” الانتقال ” .

أخيراً سُميت باسم ” محاسن الكلام ” بواسطة ابن المعتز في كتابه ” البديع ” .

أما في اللغات الأخرى ومنها الإنجليزية فكلمة ” Enallage ” هي كلمة من أصل إغريقي تعني الاستبدال .

الالتفات في القرآن :

ويعتبر القرآن هو أكثر الكتب استخداماً لهذا الأسلوب ، حيثُ تم استخدام الالتفات في القرآن إلى ما يُقارب 900 مرة .  ونرى في القرآن الكريم أسلوب الالتفات على أنواع مختلفة منها :

الأول : الالتفات العددي :

هو تبديل عدد المتكلمين والمخاطبين ، وهو أيضاً ستة أنواع :

1) الانتقال من الجمع إلى المفرد :

كما قال الله تعالى : ( قُلْنَا ٱهْبِطُوا۟ مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّى هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَاىَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) [2] .

هنا انتقل من الجمع المتكلم في ” قُلْنَا ” إلى مفرد متكلم في ” مِّنِّى ” .

2) الانتقال من الجمع إلى المثنى :

كما قال الله تعالى : ( يَـا مَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلْإِنسِ إِنِ ٱسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا۟ مِنْ أَقْطَارِ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ فَٱنفُذُوا۟ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَـٰنٍ . فَبِأَىِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) [3] .

هنا انتقل من الجمع في ” ٱسْتَطَعْتُمْ ” إلى المثنى في ” تكذبان ” .

3) الانتقال من المثنى إلى المفرد :

كما قال الله تعالى : ( فَقُلْنَا يَـا آدَمُ إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰٓ ) [4] . هنا انتقل من المثنى في ” يُخْرِجَنَّكُمَا ” إلى المفرد في ” فَتَشْقَىٰٓ ” .

4) الانتقال من المثنى الى الجمع :

كما قال الله تعالى : ( وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَٱجْعَلُوا۟ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ) [5] . هنا انتقل من المثنى في ” لِقَوْمِكُمَا ” إلى الجمع في  ” وَٱجْعَلُوا ” .

5) الانتقال من المفرد إلى المثنى :

كقوله تعالى : ( قَالُوٓا۟ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا ٱلْكِبْرِيَآءُ فِى ٱلْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ ) [6] . هنا انتقل من المفرد في ” أَجِئْتَنَا ” إلى المثنى في  ” لَكُمَا ” .

6) الانتقال من المفرد الى الجمع :

كما قال الله تعالى : ( يَـا أَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ      لِعِدَّتِهِنَّ . . . ) [7] . هنا انتقل من المفرد في ” ٱلنَّبِىُّ ” إلى الجمع في ” طَلَّقْتُمُ ” .

الثاني : الالتفات بنسبة الضمائر :

ينقسم الالتفات بنسبة الضمائر إلى أقسام هي :

1) الالتفات من التكلم إلى الخطاب :

كقوله تعالى : ( وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) [8] .

والأصل : وإليه أرجع ، فالتفت من التكلم إلى الخطاب .

2) الالتفات من التكلم إلى الغيبة :

كقوله تعالى: ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) [9] .

حيث لم يقل : فصل لنا .

3) الالتفات من الخطاب إلى التكلم :

كقوله تعالى : ( قُلِ اللّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ ) [10] .

على أنه سبحانه نزل نفسه منزلة المخاطب ، فالضمير في ( قُلِ ) للمخاطب ، وفي ( رُسُلَنَا ) للمتكلم .

4) الالتفات من الخطاب إلى الغيبة :

كقوله تعالى : ( ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ ، يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَاب ) [11] .

فانتقل من الخطاب إلى الغيبة ، ولم يقل: يطاف عليكم .

5) الالتفات من الغيبة إلى التكلم :

كقوله تعالى : ( وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ) [12] .

فانتقل من الغيبة إلى التكلم ، ولم يقل : وَزَيَّن .

6)  الالتفات من الغيبة إلى الخطاب  :

كقوله تعالى : ( وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء ) [13] ، ولم يقل : كان لهم .

الثالث : الالتفات بنسبة المُخاطبِينَ :

وكذلك نرى في القرآن الكريم تبديل المخَاطَبين ، بحيث يكون المخاطَب اللهَ نفسه والناس والنبي والمؤمنون والكفار والمشركون والجن والإنس كلاهما . أورد هنا أمثلةً لكل منها :

1)  الله : يقول الله تعالى : إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [14] . المخاطَب هنا هو الله نفسه .

2) الناس : يقول الله تعالى : إِنَّآ أَنزَلْنَـٰهُ قُرْءَٰنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [15] . المخاطبون هنا هم الناس جميعاً .

3) النبي : يقول الله تعالى : نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هَـٰذَا ٱلْقُرْءَانَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ ٱلْغَـٰفِلِينَ [16] . في هذه الآية المخاطب النبي صلى الله عليه وسلم .

4) المؤمنون : يقول الله تعالى : سُورَةٌ أَنزَلْنَـٰهَا وَفَرَضْنَـٰهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَآ ءَايَـٰتٍ بَيِّنَـٰتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [17] . هنا المراد بالضمير  في ” لَّعَلَّكُمْ ” المؤمنون .

5) الكفار والمشركون : يقول الله تعالى : أَتَىٰٓ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَـٰنَهُ وَتَعَـٰلَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ [18] . هنا المراد بالضمير في ” تَسْتَعْجِلُوهُ ” الكفار والمشركون .

6) الجن والإنس : يقول الله تعالى : فَبِأَىِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [19] . هنا يعود الضمير في ” رَبِّكُمَا ” إلى الجن والإنس .

الرابع : الالتفات بنسبة المتكلمين :

القرآن كله من كلام الله تعالى ، ولكن نرى في آياته الكريمة يبدل الله المتكلمين بغير إعلام نفهمه من قرائنه فقط . وهذا الأسلوب أيضاً من الالتفات . أورد هنا بعض الأمثلة .

1) الله : كقوله تعالى : يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَـٰكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَـٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓا۟ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [20] . في هذه الآية المتكلم هو الله تعالى .

2) النبي صلى الله عليه وسلم : كقوله تعالى : قَدْ جَآءَكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِىَ فَعَلَيْهَا وَمَآ أَنَا۠ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ [21] .

هذا المقال من النبي صلى الله عليه وسلم ، نفهمه من السياق فقط .

3) المؤمنون : كقوله تعالى : إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [22] . هذا الدعاء من المؤمنين نفهمه من السياق فقط .

4) الملائكة : كقوله تعالى : وَمَا مِنَّآ إِلَّا لَهُۥ مَقَامٌۭ مَّعْلُومٌ ، وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلصَّآفُّونَ ، وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلْمُسَبِّحُونَ [23] . هذا الكلام من الملائكة نفهمه من السياق فحسب .

5) جبريل : كقوله تعالى : وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُۥ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَٰلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا [24] . هذه الأقوال يقولها جبريل ، لا نعلمه إلا بالقرينة .

الخامس : الالتفات بنسبة الخبر والإنشاء :

وكذلك نرى الالتفات في القرآن أسلوب الالتفات بنسبة الخبر والإنشاء . وهذا أيضاً قسمت بأنواع مختلفة كما يأتي :

1) الالتفات من الخبر إلى الإنشاء :

ومثاله قول الله تعالى في سورة آل عمران : قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوالْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُو الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [25] . هنا الآية الأولى خبرية ، والثانية إنشائية .

2) الالتفات من المفرد إلى الجملة أو شبه الجملة :

ومثاله : قول الله تعالى : حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ [26] . ولم يقل وأكيلة السبع ، لأن بناء الأكيلة ينقسم إلى معنى المأكولة ومعنى المؤاكِلَة .

3) الالتفات من الاسم إلى الفعل والعكس :

فأما الالتفات من الاسم إلى الفعل فكما في قول الله تعالى : فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا [27] . وأما الالتفات من الفعل إلى الاسم فكما في قول الله تعالى : يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ من الحيّ [28] .

4) الالتفات من الفعل المضارع إلى الماضي والعكس :

فالالتفات من الفعل المضارع إلى الماضي كما في قول الله تعالى : إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ [29] . الالتفات من الفعل الماضي إلى المضارع كما في قول الله تعالى : تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِّن ذَٰلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُورًا [30] .

أغراضه وفوائده :

إن كثيراً من علماء البلاغة يرون أن للالتفات غرضاً رئيسياً واحداً ، وهو : رفع السآمة من الاستمرار على ضمير متكلم أو ضمير مخاطب ، فينتقلون من الخطاب إلى الغيبة ، ومن المتكلم إلى الخطاب أو الغيبة ، فيحسن الانتقال من بعضها إلى بعض ؛ لأن الكلام المتوالي على ضمير واحد لا يستطاب . مع هذا ، أن المتتبع للالتفات في القرآن الكريم يجد له أغراضاً أخرى .

الالتفات من الغيبة إلى الخطاب في القرآن الكريم :

1) التهديد والتخويف :

قوله تعالى : ( وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوخَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) [31] ، ومحل الالتفات هو في قوله تعالى : ( فَإِن تُبْتُمْ فَهُوخَيْرٌ لَّكُمْ ) ، ولو لم يلتفت لقال : ( فإن يتوبوا ) ، والغرض من هذا الالتفات من الغيبة إلى الخطاب هو التهديد والتخويف .

2) التوبيخ والتقريع :

قوله تبارك وتعالى : ( وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِّمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَفْتَرُون ) [32] ، فالتفت في قوله تعالى : ( لَتُسْأَلُنَّ ) من الغيبة إلى الخطاب لكي يواجههم بالتوبيخ والتقريع .

3) التشديد على طلب الشيئ :

قوله تبارك وتعالى : ( لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاء إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاء أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً ) [33] . ومحل الالتفات من الغيبة إلى الخطاب هو في قوله تعالى : ( وَاتَّقِينَ اللَّهَ ) ، ولم يقل : ويتقين الله ، وفي السياق فضل تشديد في طلب التقوى منهن .

4) التخفيف من شدة الأمر :

قوله تعالى : ( أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوعَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوخَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) [34] .

وموضع الالتفات من الغيبة إلى الخطاب في قوله تعالى : ( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) ، ولم يقل : وأن يصوموا خير لهم ، وفيه تخفيف من كلفة الصوم بلذة المخاطبة .

5) التعجب والاستبعاد :

قوله تعالى : ( إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ . أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِين . مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ )[35]  . والالتفات في قوله تعالى: ( مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) ، والغرض منه التعجب والاستبعاد .

6) العتاب :

قوله تعالى : ( عَبَسَ وَتَوَلَّى . أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى . وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ) [36] . وفي الانتقال من الغيبة إلى الخطاب في قوله : ( وَمَا يُدْرِيكَ ) معنى العتاب .

7) التخويف والتذكير :

ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى : ( ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ . ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ) [37] . فانتقال السياق من الغيبة إلى الخطاب في قوله : ( ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ) ،لأن التخويف والتذكير بالموت إنما يناسبه الخطاب .

8) التشريف :

قوله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوالْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) [38] . فنلاحظ تحول السياق من الغيبة إلى خطاب المؤمنين في قوله : ( فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ) ، لأنَّ في خطابهم بذلك تشريفاً لهم .

9) الامتنان :

قوله تعالى : ( ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ ) [39] . والالتفات إلى الخطاب في قوله : ( وَجَعَلَ لَكُمُ ) ، والغرض هو الامتنان .

10) الاختصاص والاستحقاق :

قول الله تعالى : ( مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ . إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) [40] . وتقديم الضمير ( إِيَّاكَ ) مع هذا الانتقال إلى الخطاب يدل على المبالغة في الاستحقاق والاختصاص .

11) المبالغة في الحث :

ومن ذلك قوله تبارك وتعالى : ( وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِين ) [41] . والالتفات من الغيبة إلى الخطاب في قوله : ( سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِين ) ، والغرض هو المبالغة في الحث على الأخذ .

12) التأكيد على الشيئ :

قوله تعالى : ( ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيّاً . وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ) [42] . والالتفات من الغيبة إلى الخطاب في قوله تعالى: ( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ) ، والغرض منه التأكيد .

هكذا نرى في القرآن أساليب الانتقال ، وقد أراد الله بها معاني كثيرةً . وإن التعلم والتفكر والتدبر بهذا الطراز يفيد علم الإعجاز البلاغي للقرآن الكريم . ولله التوفيق .

المراجع :

  1. الزركشي ، البرهان في علوم القرآن ، ج 3 ، ص : 325/326 .
  2. القزويني ، الإيضاح في علوم البلاغة : المعاني والبيان والبديع ، دار الكتب العلميّة ، بيروت .
  3. الميداني ، البلاغة العربية : أسسها وعلومها فنونها ، دار القلم ، دمشق ، 1996 .
  4. شوقي ضيف ، البلاغة : تطور وتاريخ ، دار المعارف ، القاهرة ، ط 9 ، 1965 .
  5. https://www.islamweb.net/ar/article/174113
  6. https://www.alukah.net/sharia/0/102548

* الأستاذ المشارك ، الكلية الحكومية ، جرور ، كيرالا ، الهند . Mail: mhdpkd@gmail.com

[1] البرهان ، الزركشي ، ج 3 ، ص 314 .

[2] البقرة : 38 .

[3] الرحمن : 34 .

[4] طه : 117 .

[5] يونس : 87 .

[6] يونس : 78 .

[7] الطلاق : 1 .

[8] يس : 22 .

[9] الكوثر : 1 – 2 .

[10] يونس : 21 .

[11] الزخرف : 70 – 71 .

[12] فصلت : 12 .

[13] الإنسان : 21 – 22 .

[14] الفاتحة : 5 .

[15] يوسف : 2 .

[16] يوسف : 3 .

[17] النور : 1 .

[18] النحل : 1 .

[19] الرحمن : 16 .

[20] الحجرات : 13 .

[21] الأنعام : 104 .

[22] الفاتحة : 5 .

[23] الصافات : 164 – 166 .

[24] المريم : 64 .

[25] آل عمران : 71 – 72 .

[26] المائدة : 3 .

[27] الأنعام : 96 .

[28] الأنعام : 95 .

[29] الشعراء : 4 .

[30] الفرقان : 1 .

[31] التوبة : 3 .

[32] النحل : 56 .

[33] الأحزاب : 55 .

[34] البقرة : 184 .

[35] القلم : 34 – 36 .

[36] عبس : 1 – 4 .

[37] المؤمنون : 14 – 15 .

[38] التوبة : 111 .

[39] السجدة : 9 .

[40] الفاتحة : 5 – 4 .

[41] الأعراف : 145 .

[42] مريم : 70 – 71 .