أهلاً برؤية 2030 … ولكن باحترام أرض الحرم
مارس 15, 2022هل تستعيد روسيا مكانتها السالفة ؟
يونيو 3, 2022صور و أوضاع :
الإبراهيمية ……… من التطبيع إلى التهويد
محمد فرمان الندوي
شاعت في هذه الآونة فكرة الإبراهيمية على الصعيد العالمي ، وهي فكرة تدمج الديانات الثلاث : اليهودية والنصرانية والإسلام في دين واحد على أساس الإيمان بنبوة سيدنا إبراهيم عليه السلام ، ولا شك أن هذا العنوان معسول لافت للنظر ، لكنه في الواقع نبتة إلحادية ، لا تزال تغرس في أذهان الناس منذ الإعلان عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل ، ويركز عليها عملاؤها وسماسرتها بكل شدة ، وهي محاولة جديدة لإفساد الإسلام ، وسلسلة مترامية الأطراف للنظرات الباطلة والأفكار الهدامة ، أمثال الشيوعية والاشتراكية والعلمانية وغير ذلك ، بل الواقع أن الفكرة الحديثة أشد خطراً من أولئك الأوهام الباطلة – تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً – .
تنتمي هذه الفكرة إلى سيدنا إبراهيم عليه السلام ، وهو اسم جليل ذو قدسية واحترام ، تنتسب إليه جميع الملل والنحل ، ولا شك في الانتماء إليه ، بل ظل انتماؤه مفخرةً وشرفاً كبيراً عبر القرون ، وقد كان إبراهيم عليه السلام نبياً ورسولاً ، وأمةً قانتاً لله حنيفاً ، ولم يك من المشركين ، شاكراً لأنعمه اجتباه ، وهداه إلى صراط مستقيم ، وكانت للملة الحنيفية شعائر وشرائع ، وهذ ه الملة تتلخص في توحيد الله تعالى ، وحج بيت الله الحرام وتعظيمه وتحريم المحرمات النسبية والرضاعية ، والوضوء والصلاة والصوم والصدقة والإعانة على نوائب الحق وصلة الأرحام وغير ذلك من الأمور المشروعة في أصل هذه الملة .
لكن الانتماء الجديد إلى ملة إبراهيم ليس لهذا وذاك ، بل هو استغلال سياسي ، ومؤامرة دنيئة لكسب اتجاهات الناس وميولهم ، وقد بدأ العمل تطبيقاً لهذه الفكرة في بعض الدول العربية ، بحيث بني البيت الإبراهيمي ، وهو يضم مسجداً للمسلمين وكنيسةً للنصارى ومعبداً لليهود ، وقد اتفق أهلها على أن يصدورا مجموعةً يجمع بين دفتيه : القرآن الكريم والتوراة والإنجيل ، ومما زاد الأمر تفاقماً أنه نتجت هناك إقامة فكرة صلاة مشتركة تجمع اليهود والنصارى والمسلمين ، وهي الصلاة الإبراهيمية أو صلاة أبناء إبراهيم – لا حول ولا قوة إلا بالله – ولا ندري كيف تكون هذه الصلاة الإبراهيمية ؟
هذا المصطلح ليس إسلامياً ولا تاريخياً ، بل هو تشويه لصورة الإسلام ، وإحداث بلبلة فكرية في نفوس الناس ، وهو جزء من الغزو الفكري الذي يجري منذ قديم الزمان ، وقد تنوعت أساليبه وطرقه في كل زمان ، كأن السم دُس في العسل وقُدم إلى المجتمعات الإنسانية ، فالذين عالجوا الحضارة الغربية ورأوها عن كثب صرحوا بكل قوة أن للحضارة الغربية وجهين ومسارين : ظاهر يلمع بالرحمة وباطن يطفح بالعذاب ، فيكون ظاهر الحضارة لماعاً براقاً ينخدع منه السذج والبسطاء ، ويكون باطنها مكروهاً مشوهاً قبيحاً يمجُّه الضمير الإنساني كلما رآه ، وكثيراً ما يستعمل الغرب الأمن العالمي ، والسلام العالمي ، والتعايش السلمي ، وحقوق الإنسان ، والعفو الدولي والعدل والإنصاف ، لكن كم وُجدت هذه المصطلحات على أرض الواقع ، تشهد بذلك الأحداث التي مرت على العالم الإنساني منذ زمان ، فالإبراهيمية هو تلبيس ودجل وخلط بين الحق والباطل .
ليس الدجل والتلفيق حديثاً مستحدثاً في هذا الزمان ، بل هو عادة اليهود والنصارى الذين حرفوا كتب الله تعالى ، وغيروا كلماتها ومعانيها ، واشتغلوا بالإلحاق والافتراء على الله تعالى ، وقد ضربت تحريفاتهم مضرب المثل ، وكان ديدنهم في العهد النبوي أنهم يلفقون الأقوال ، ويطعنون في الدين لياً بألسنتهم ، فيقولون : السام عليكم ، بدل السلام عليكم ، و ( والسام هو الموت )، ويقولون : راعينا بدل : راعنا ، وراعينا معناه خادمنا وعبدنا ، ويقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم : اسمع غير مسمع ( اسمع كلامنا ، ولا يُسمع كلامك ) ، وقد نهاهم الله تعالى عن هذه العادة السيئة الخبيثة فقال : يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ ٱنْظُرْنَا وَٱسْمَعُواْ وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( البقرة : 104 ) ، وقد بلغ هذا الدجل والانحراف إلى حد أنهم أعدوا مصحفاً آخر باسم الفرقان قبل سنوات ، وأرادوا إحلاله محل القرآن الكريم ، لكن الله تعالى كفى المسلمين شرهم ، وما تاريخ الاستشراق والمستشرقين ببعيد منا ، فإن المستشرقين هم رجال أوربا وأمريكا الذين درسوا العلوم الإسلامية بكل إمعان ودراية ، وحققوا مصادرها ومراجعها تحقيقاً منقطع النظير ، لكنهم أدخلوا في ذلك سموسهم السالبة للفكر الإسلامي ، ووجهوا تُهماً كاذبةً وأقوالاً مزورةً إلى التاريخ الإسلامي ، وهو موضوع يطول به الوصف ، وهو دليل مكرهم وخداعهم في أسلوب علمي ، وقد خاطبهم الله تعالى : وَلاَ تَلْبِسُواْ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ ٱلْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ( البقرة : 42 ) .
لا ننكر أبداً أهمية الحوارات واللقاء ت بين أصحاب الديانات ، ولا نرفض مؤتمرات التقريب بين المذاهب ، فإن ذلك موضوع الساعة ، ونداء الوقت ، يمكن بها تقديم آراء ونظرات أمام الآخرين ، وقد جرى منذ زمان هذا الأسلوب ، وهو أسلوب صالح لإزالة سوء التفاهم عن أذهان الآخرين ، ومحو أغلوطات وأباطيل شاعت بين أصحاب الملل على الصعيد العالمي ، وقد دعا القرآن الكريم إلى مثل هذا العمل في المجتمعات التي تنتحل إلى ديانات متنوعة ، قال تعالى : قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلَمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ ٱشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ( آل عمران : 64 ) ، هذه هي نقاط التقارب والتضامن بين أصحاب الديانات : التوحيد وعدم الإشراك بالله وعدم اتخاذ أرباب من دون الله ، أما الدين الإبراهيمي الذي يخطط على المستوى العالمي فهو خال من التوحيد وعدم الإشراك بالله ، فكيف تكون اليهودية دين توحيد ، وقد قال القرآن الكريم : وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ ، وكيف تكون النصرانية دين توحيد ، وقد شهد القرآن عن أصحابها : ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ ، وَٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ ، وتعتقد اليهودية بالعنصرية والتفاوت الطبقي إلى حد أن أصحابها لا يرون أحداً جديراً بالإنسانية ، وتعتقد النصرانية بالتثليث الإلهي وعقيدة الحلول وأمثال ذلك من الضلالات والانحرافات .
الواقع أن الله تعالى لم يشرع ديناً بأسماء الأنبياء : دين نوح ودين هود ، ودين إبراهيم ودين موسى ودين عيسى ودين محمد ، بل كان الإسلام دين جميع الأنبياء والرسل ، قال تعالى : إِنَّ الدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ ، وقد شهد القرآن الكريم أن إبراهيم كان حنيفاً مسلماً ، وما كان من المشركين ، فكيف يمكن أن يخترع دين باسم إبراهيم ، فكل ما يُخترع من الدين هو بدعة منكرة وضلال مبين ، وكشف للمعاني الباطلة ، وستار على وجه حقيقة الإسلام الذي هو دين التوحيد ، وهو كامل وشامل وخالد إلى يوم القيامة .
مما لا شك فيه أن هذا الدين الإبراهيمي محاولة لإفساد ديننا الإسلامي ، وخداع لنسخ شريعتنا الغراء ، وإلغاء قرآننا وأحكامنا الدينية ، وهذا الدين الجديد يتهم الإسلام بالنقص وعدم إكمال حاجيات الناس ، ولا شك أن هذه الفكرة مردودة ، قال الله تعالى : ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأِسْلاَمَ دِيناً ، ( المائدة : 3 ) ، وقال : وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ ( النحل : 89 ) .
يقول الأستاذ الدكتور إسماعيل على محمد ( رئيس قسم الدعوة والثقافة الإسلامية بكلية أصول الدين ، جامعة الأزهر ) : ” ليست خطة الإبراهيمية أولى المحاولات للقضاء على الدين ، ولن تكون آخرها ، ونحن على يقين بأن دين الله باق ظاهر ، حتى يرث الله الأرض ومن عليها ” ، ( الإبراهيمية بين خداع المصطلحات وخطورة التوجهات : 108 ) ، فالحاجة إلى صيانة هذا الدين من التحريف والتبديل ، وتوعية مناهج التعليم والتربية ، ودعوة التمسك بالدين الخالص ، وتوطيد أواصر الأخوة الإسلامية الحقيقية ، لا غير .