هل تستعيد روسيا مكانتها السالفة ؟

الإبراهيمية ……… من التطبيع إلى التهويد
أبريل 20, 2022
صياغة الأذهان أولى وأهم من صياغة القرارات
يوليو 11, 2022
الإبراهيمية ……… من التطبيع إلى التهويد
أبريل 20, 2022
صياغة الأذهان أولى وأهم من صياغة القرارات
يوليو 11, 2022

صور و أوضاع :

هل تستعيد روسيا مكانتها السالفة ؟

محمد فرمان الندوي

اشتبكت نار الحرب بين روسيا وأوكرانيا ، في 24/ فبراير من العام الجاري ، فوقع ما كان يُخشى منذ مدة من خلال بيانات صحفية وتهديدات صارخة بين البلدين ، هذه الحرب النارية ليست جديدةً في خريطة العالم ، بل تثور حروب نارية حيناً لآخر ، وهناك بعض المناطق والأجزاء التي تدعي لها دولة ، وتقوم ضدها دولة أخرى ، فتندلع الحرب ويذهب ضحيتها رجال ونساء ، وتبيد فيها أملاك وعقارات ، وتكون فيها خسارة كبيرة للحرث والنسل ، ثم تتوقف هذه الحرب بين عشية وضحاها .

لكن هذه الحرب النارية التي بدأت بين روسيا وأوكرانيا ليست إلا كما يقول المحللون تجديداً للهيمنة السالفة لروسيا ، وتنافساً في القوى العسكرية ، ولا شك أن روسيا كانت أكبر دولة قبل ثلاثين عاماً ، وكانت تتحدى القوى الكبرى ، وتنافسها ، وكانت خلال سبعين سنة من 1920م إلى 1990م ترفرف رايتها على الساحة العالمية ، ويشتمل نظام حكمها على خمس عشرة دولة ، وتعرف هذه المجموعة بالاتحاد السوفياتي ( Soviet Union ) ، وكلمة سوفيت باللغة الروسية معناها النصيحة ، فكان معنى الاتحاد السوفياتي : الاتحاد الناصح ، وكان في مقابله حلف شمال الأطلسي المعروف بالناتو ( Nato ) ، وكان يقوده أمريكا وحلفاؤها ، لكن تبعثر نظام روسيا – ولها أسباب وخلفيات يطول بذكرها الوصف – عام 1990م ، وتحررت خمس عشرة دولة من نير الاستعمار الروسي ، وصار كل دولة مستقلةً في نظام حكمها وسياستها ، وكان فيها آزربائيجان وآرمينيا وأزبكستان وطاجيكستان وأوكرانيا وغيرها .

وبعد ما انهارت روسيا في السياسة أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية أكبر قوة في العالم ، فإنها أسالت دماء الناس في الشرق الأوسط ، وجعلت الدول الإسلامية في هذه المنقطة تتصارع فيما بينها ، وتتصادم ، وتموِّل أمريكا من وراء الستار ، فإن الغزو العسكري على العراق ، وأفغانستان ، والحروب الدامية في اليمن ، والعلاقات المتوترة بين المملكة وجمهورية إيران ، وبين قطر وبين المملكة ، وإزاحة حكومة مؤيدة من الشعب في مصر ، كل ذلك يدل على استراتيجية خاصة نحو بلدان الشرق الأوسط ، أما سوريا البلد المبارك ، فإن بعض مدنها تحولت إلى بلاقع وأراضي صحراوية لا أنيس فيها ولا جليس ، رغم أن هذه المناطق قال عنها الشعراء أنها الفردوس الأرضي وجنة في الدنيا ، وقد بلغ عدد القتلى والجرحى المشردين من الأوطان والديار تحت رقابة أكبر قوة في العالم إلى أرقام وإحصائيات باهظة ، حينما كان نظامان عالميان في سياسة العالم فكانت هناك حرب باردة ، ودسائس ماكرة ، لكن بعد انهيار النظام الثاني بقي القطب الأول وحده يدير سياسة العالم ، وكما أفادت الصحف والمجلات أن القطب الأول أحياناً أحدث بيئة الحرب والصدام بإلحاق أضرار جسيمة بممتلكاته ، وصدق ما ورد في المثل العربي قديماً : ” لأمر ما جدع قصير أنفه ” .

أوكرانيا دولة مسيحية في شرقي أوربا ، عمرانها خمسون مليوناً ، وحكومتها جمهورية شبه رئاسية ، وهي دولة مستقلة ، عاصمتها  كييف ، وقد استولت عليها روسيا بعد قتل وتشريد من سكانها ومواطنيها عام 1920م ، وما زالت تحت سيطرتها إلى نهاية 1990م ، حتى أصبحت حكومةً حرةً ، وبعد ما أصيبت روسيا بالانهيار لم تتفكر في ولاياتها المتحررة ، لكن بعد ثلاثين عاماً بدأت تتحدى أكبر قوة بمساندة من الصين ، وتريد استعادة الدول السابقة ، فهذه الحرب الحالية ليست إلا محاولةً لإعادة سيطرة روسيا على المناطق المتحررة منها ، وبدأت من أوكرانيا ، ويمكن أن يتسع هذا النطاق ، ويغطي الدول المجاورة  الأخرى .

حينما شنت روسيا غارةً شعواء على أوكرانيا قال بعض الإعلاميين : بدأت حرب ثالثة عالمية كما يُرى من دراسة السيناريوهات العالمية ، لكن مما يستغرب أن لجان الأمن والسلامة ، وصيانة حقوق الإنسان لم تلعب حتى الآن دوراً رئيسياً في إنهاء هذه الحرب ، وقد كان من واجباتها أن تتقدم ، وتسعى لها مساعي مشكورةً ، فصارت أوكرانيا الآن أضيع من الأيتام في مائدة اللئام ، وكانت أوكرانيا من قبل تملك من الأسلحة الفتاكة ، وإمكانيات الدفاع ، لكن حلف شمال الأطلسي سوّل أوكرانيا للتنازل عن القوات الدفاعية ، ثقةً بأنه يدافع عنها حينما تمس الحاجة إليه ، فأين قوات الأمن والدفاع في هذه الساعات الحرجة لأوكرانيا ؟ لا شك أن الرد على هذا السؤال لم يأت حتى الآن ، وقد مضى على الحرب أكثر من شهر .

الواقع أن الحرب ليست حلاً لأي قضية ، كلما اشتعلت نار الحرب كان الفريقان في خسارة فادحة ، وتأثرت بهذه الخسارة الدول الأخرى ، وقد جرت حروب كثيرة في الزمن الماضي ، لكنها لم تأت بجدوى ، وكفانا معرفة حروب الزمن الجاهلي ، فإن حرب بسوس التي بدأت في شأن الناقة استمرت إلى أربعين سنةً ، ثم كان الأمر بالمصالحة والاحتكام ، وقد مثل الشاعر زهير بن أبي سلمى في هذا دوراً ريادياً حينما قال :

وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم        وما هو عنها بالحديث المرجم

مـــتـــى تـــبعثوها تبعثوها ذميمة        وتضر إذا ضــريتموها فتضرم

وقد كان يتوقع أن الحرب بين أتباع ديانة واحدة لا تبدأ بعد الحربين العالمتين الأولى والثانية ، وأن الغرب قد وافق على إنهاء الحرب للأبد بين أبناء دياناتهم ، وإنه صوَّب جهته إلى الشرق ، لكن فكرة الهيمنة وقيادة العالم هي تفعل الأفاعيل ، وتأتي على الحرب والنسل .

ومن سوء تعامل الغرب أنه يقوم بصناعة الأسلحة والمواد المبيدة على أوسع نطاق ، ثم يتسوق في الشرق وينال منها منافع اقتصاديةً ، وقد كشف تقرير صادر من مركز الأبحاث بأمريكا أن الدول الأعضاء لمجلس الأمن هي أكثر تجارة للأسلحة والقنابل المدمرة ، فتشتريها دول العالم الثالث ، فتكون الدول الأعضاء ذات ثروات كثيرة ، ويصاب العالم الثالث بالفقر المدقع ، فجميع الأسلحة الحربية في العالم كله أربع وأربعون في المأة من صنع الولايات المتحدة الأمريكية ، وروسيا في الدرجة الثانية في صناعة الأسلحة ، رغم أن منظمة العفو الدولي قد فرضت حظراً على هذا ، لكن أنى لهذه الدول أن تسمع صداها ، وهي تحاول لفرض سيطرتها على الدول الأخرى ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ” ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم ، بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه ” ( صحيح الترمذي : 2376 ) .