إلى المستوى العالي للحياة !
مارس 15, 2022الإنسان يتميز بالدين المتميز !
يونيو 3, 2022الافتتاحية : بسم الله الرحمن الرحيم
الأمة الوسط ، ومسئولية الشهادة !
وُجدت الأمة المسلمة مع خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم ، فكانت ذات مسئولية مهمة عظيمة ، وهي إبلاغ رسالة الله الأخيرة التي يمثلها الإسلام دين الله الأخير ، ذلك الدين الذي يستمر إلى يوم القيامة ، ويتكفل بالسعادة التي تتمثل كلها في كلمة واحدة ، وهي ” الحسنة ” التي تساعد الإنسان في الدنيا والآخرة ، فيعيش في حياة الدنيا في سعادة بتوفية تعاليم الكتاب والسنة التي هي الأساس الوحيد لبناء الأمة الإسلامية ، التي تمثلها عملياً في ضوء هذه التعاليم السماوية ، وما هي إلا أمة الإسلام التي يمثلها المسلمون الذين سماهم الله سبحانه أمةً وسطاً ، وفرض عليها القيام بأداء مسئوليتها الإسلامية ، وهي الشهادة على الناس ، كما قد بيّن ذلك الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم الذي أنزله على خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم ، فيقول : ( وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ) .
منذ ذلك الوقت كان الإسلام الطريق الوحيد للتوصل إلى الوسطية التي تتميز بها أمة الإسلام والتي تمثل الإسلام كمنهج للحياة والكون في تعاليمها الواضحة النيرة ، التي يمثلها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ومع وجود هذا المنهج الرباني العظيم يتوافر في أفراد الدين الأخير رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ، وعن تعليم الناس أسلوب الحياة ، فتلك هي الأمة التي تتفرد بالدين الذي لا ثاني له ، وتتشرف برسوله الذي لا يأتي بعده رسول ، وبالكتاب الذي ( لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) .
من خلال هذه المسئولية العظيمة التي لا يتخللها باطل ولا نزعة شيطانية كانت أمة الإسلام نموذجاً كاملاً للوسطية وكانت جديرةً بتمثيلها في كل عمل ونشاط وفي كل حين من ذلك الوقت الذي عرفت فيه الأمة بهذه الميزة الجليلة ، وقد ظلت قائمةً على عهدتها منذ أن خلقها الله تعالى لأداء هذه المسئولية ولم تبخس في نشر أمانة العلم والإيمان في ظل ما شرحه الله سبحانه وتعالى وعمل به رسول رب العالمين ، وركز طاقاته الإيمانية كلها في بناء الإنسان نموذجاً عالياً لدين الله الأخير وهو الإسلام ، ليس غير ، وقد ظلت أمة الإسلام ثابتةً قائمةً على أداء مسئولية الأمة الوسط ، حتى تداخل في صفها الإيماني وقدوتها الإسلامية أفراد من محاربي هذا الدين ومعاندي هذه الأمة ، الواقع الذي كان له تأثير في صفوف المسلمين ولا سيما أولئك الذين لم تتكامل تربيتهم الدينية على أيدي المؤمنين الصادقين ، وظلوا يعيشون في مجتمعات المسلمين دون أن يتظاهروا بالعلامات الواضحة التي تخط خطوطاً عريضةً بين حياتهم واجتماعياتهم وحياة السلف الصالح من المؤمنين الصادقين الأولين ( إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) .
إن مسئولية الشهادة التي تحملها الأمة الوسط لا تتحقق إلا بالعلم الذي اهتم به الإسلام ، ذلك أن العلم هو الأساس المتين الذي يقوم عليه بناء المجتمع الإسلامي ، أما العلم المطلوب الذي لا يستغني عنه المجتمع الإسلامي ، فإنما يتمثل في القراءة والكتابة اللتين ركز عليهما الإسلام تركيزاً قوياً ، فقد كانت كلمة ” إقرأ ” أول وحي نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رغم أنه لم يكن يجيد القراءة والكتابة ، إنما كان أمياً في قوم أميين ، ولكنه تحمل أمانة العلم وأداها إلى أتباعه ، فزينهم بالعلم والمعرفة ، ورفع مستواهم بتعليمهم كتاب الله والحكمة ، الأمر الذي يعتبر معجـزةً نبويـةً كبيرةً ، ودليلاً ساطعاً على أنه نبي مبعوث من عند ربه ، ولولا أنه نبي لم يستطع أن يعلم الأمة ، وهو أمي لم يتعلم في أي مدرسة أو لدى أي معلم ، ولا ورث العلم عن أبويه وجده ، ولكن الله سبحانه جعله معلـم العالم كله ومربي الأمة كلها ، ومرشد الضُلال والحيارى كلهم ( هُوَ ٱلَّذِى بَعَثَ فِى ٱلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ) ( الجمعة : ٢ ) .
أما السورة الثانية التي نزلت بعـد سورة اقـرأ فهي سورة ( نۤ وَٱلْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ) ( القلم : 1 ) ، إشارة إلى أن النوع الثاني من العلـم وهـو مـا يكتب ويُسطر في صفحات الكتب والسجلات والـدفاتر ، وإن كانت هذه الإشارة موجودةً ضمن الآيات في سورة ” اقرأ ” ، وهي تتضح بما إذا قرأنا الآيات التي بعدها ( ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ . ٱلَّذِى عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ . عَلَّمَ ٱلإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ) ( العلـق : 3 – 5 ) ، ومعلوم أن التعليم بالقلم إنمـا يـتم بالكتابة ، إلا أن السورة الأولى تبتـدئ بـالقراءة والسورة الثانية تبتدئ بأداة الكتابة ، وهو ” القلم ” ، وهكذا كانت الكتابة والقراءة قد اجتمعتا في اهتمام الله سبحانه وتعالى بشئون العلم لبناء هذا العالم في صورته الأصيلة .
كما أن هذه الآية تؤكد صلة المسلم بالعلم وتبين مدى علاقته به ، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم بتلاوة الآيات على الناس وتزكيته إياهم يضيئ فيهم نور العلم ، ويفتح عليهم نوافذ الحكمة ويدعوهم إلى علـم ومعرفة ، ثـم يعلمهـم الكتاب والحكمة ، وكيف يتم تعليمهما للناس ما لم يكونوا متحلين بالعلم ، وهـل يمكـن أن يفهـم الإنسان أمـور الحكمة وحقائق الكتـاب ومعـاني التلاوة ومفاهيم التزكية ، دون أن يكون عنده نصيب مـن العـلـم والمعرفة ، ومن هنالك يتبين السر في ترغيبه صلى الله عليه وسلم أمته إلى طلب العلم ، وتأكيدهم عليه ، فقد قال : “طلب العلـم فريضة على كل مسلم ” ، وقال : ” تعلموا العلـم ولـو بـالـصين ” ، جعـل طلب العلم فريضةً كفرائض الدين وواجباته ، وأمر بتعلمه مهما كلف ذلـك مـن جهـود وجهـاد ، ومـن غير مبالاة ببذل النفس والمال ، حتى ولو وجد العلم بالصين التي كانت أبعـد بـلاد العالم بالنسبة للجزيرة العربيـة آنـذاك ، يجب الوصول إليها في سبيل الحصول على العلم .
ولنقرأ في المناسبة ما جاء في كتاب الله تعالى في سورة إبراهيم : ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِى ٱلسَّمَآءِ . تُؤْتِيۤ أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ . وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ ٱجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ ٱلأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ ) ( إبراهيم : 24 – 26 ) .
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل .
سعيد الأعظمي الندوي
26/7/1443هـ
27/2/2022م