صيغ الأداء في الإجازة وبيان أنواعها
فبراير 7, 2022منهج الأستاذ الشيخ محمد مصطفى المراغي في التفسير القرآني
مارس 15, 2022دراسات وأبحاث :
تأثير الكلمات الحكيمة على المجتمع البشري
بقلم : الأستاذ الحافظ كليم الله العمري المدني *
الكلمة من أقوى أسلحة العصر ، ولن يستطيع العلم الحديث – مهما تطور – اختراع مهدئ للأعصاب أفضل من الكلمة اللطيفة التي تقال في اللحظة المناسبة . وقد صدق ربنا سبحانه مخاطباً موسى وهرون عليهما السلام حينما بعثهما إلى الجبار فرعون مصر : ( فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ) . ( سورة طه : 44 ) .
وقال للمؤمنين ناصحاً لهم : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) ( الأحزاب : 70 – 71 ) .
كثير من الناس يجهلون تأثير الكلمة على الآخرين ، فالكلمة الطيبة قد تكون سبباً في شفاء إنسان أو سعادة آخر ، وقد تكون الكلمة الخبيثة سبباً في إيذاء الآخرين أكثر من الضرب ! والذي دعاني لكتابة هذه المقالة بحث أجراه علماء أمريكيون حول تأثير الكلمة الخبيثة ، ولكن قبل أن نتحدث عن نتائج هذه الدراسة التي تم نشرها الدراسة في جريدة العلوم النفسية ، أود أن أتذكر معكم آية كريمة حول تأثير الكلمة .
يقول تبارك وتعالى : ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ . تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ . وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ ) ( إبراهيم : 24 – 26) .
عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأساً يهوي بها سبعين خريفاً في النار [1] .
ويؤكد النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم هذا المعنى عندما أخبر بأن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يدخل بها الجنة ، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يُلقي لها بالاً تهوي به في جهنم سبعين خريفاً !
وهذا يعني أن المؤمن ينبغي أن يكون دقيقاً في كلامه ويختار الكلمة الطيبة دائماً لأن الكلمة لها تأثير كبير على الإنسان ، فقد ذكر باحثون ( على موقع : بي . بي . سي ) أن مقولة ” إن العصا والحجارة يمكن أن تكسر العظام في حين أن الكلمات لا تؤذي ” غير صادقة . فالذكريات المؤلمة المرتبطة بالتجارب العاطفية أكثر إيلاماً من تلك المتعلقة بالألم البدني .
إن للكلمة الطيبة خصائص وفوائد وآثاراً ، وفيما يأتي بيانٌ لها بشكلٍ مفصّلٍ ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” من كان يُؤْمن باللَّه واليوم الآخرِ فَليقل خيراً ، أو لِيصمت ” [2] .
صفة من صفات المؤمنين الصادقين والدعاة ، وشعار لهم :
الكلمة الطيبة صدقة ؛ فالصدقة لا تختصّ بالمال فقط ، وإنّما تشمل كل ما يقرّب العبد إلى الله ؛ لأنّ فعله يدلّ على صدق فاعله في طلب رضوان الله عزّ وجلّ . تؤلِّف بين القلوب ، وتُصلح النفوس ، وتُذهب الحزن ، وتُزيل الغضب ، وتُشعر بالرضا والسعادة ، وتؤدّي إلى اجتماع الكلمة . موافقتها للشرع ، وفيها ما يدعو إلى التوحيد ، وينافي البدع والمنكرات ، قال تعالى : ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) ( فصلت : 33 ) .
الكلمة الطيبة انتصار على الشيطان ، فإن لم يلتزم المؤمنون بالكلام الطيب أثناء تحاورهم ، ألقى الشيطان بينهم العداوة والفساد والبغضاء ، لأنّ الشيطان حريصٌ على إفساد ذات البين .
تحقّق المغفرة من الله تعالى ، والفوز بالجنة والنجاة من النار :
صعودها إلى السماء ، فتُفتح لها أبواب السماء ، قال تعالى : ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ ) ( سورة فاطر : 10 ) .
هدايةٌ من الله إلى العبد ، وفضلٌ منه عليه . كل إحسانٍ لا يكون جزاؤه إلا الإحسان .
والكلمة غير حكيمة تؤدي أحياناً إلى موت شخص ، وبكلمة حكيمة قد تُكتب لآخر حياة جديدة ، وإذا أردنا أن نبدأ بسرد أسماء الأدباء والشعراء الذين قتلتهم الكلمة فإننا لن ننتهي من ذلك بسهولة ، إلا أنه يمكننا ذكر أقدمهم في تراثنا العربي وهو طرفة بن العبد ، أو الشاب القتيل كما يُطلق عليه في مصادر الأدب العربي . كما يمكننا ذكر أشهرهم عندنا وهو المتنبي الذي يُقال : إنه قُتل ببيت شعر قاله :
الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس القلم
وهذا البيت هو الذي تسبب في موته ، وقيل : إنه قام بادعاء النبوة عندما كان صبياً ، واتبعه بعض الناس ، ولكنه رجع إلى رشده ، ولذلك أطلقوا عليه لقب ( المتنبي ) .
ومن الشعر ما قتل ، هذه ليست جملةً فقط ، ولكنها حقيقة وقد حدثت في زمن الدولة العباسية ، عندما أنشد المتنبي قصائده العصماء ، وذاع صيتها واشتهرت بين الناس ، فتارةً يهجو ، وتارةً يمدح . وقد كان المتنبي رجلاً شديد التعالي والتكبر حين قال :
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعت كلماتي من به صمم
في الحقيقة أن الشعر صورة من صور البيان والبلاغة ، وفن محبوب الى النفوس ، والشعر العربي سِجل حافل بأحوال العرب الاجتماعية والسياسية عبر العصور ، وتصوير شامل لما كان عليه المجتمع في العهود السابقة ، ولقد كان الشعر – في الماضي – الوسيلة الإعلامية الأولى التي تؤثِّر في الناس ، وكان الحكام والسلاطين يستثمرون الشعراء في مدحهم وتحسين صورتهم ، والدفاع عن مواقفهم وسياساتهم ، وكانت تقام الأسواق والمنتديات التي يجتمع فيها الشعراء ، ويتبارون في تقديم ما لديهم من قصائد وأشعار ، مثل سوق عكاظ في الجاهلية ، الذي بلغت شهرته في الآفاق .
غير أن هناك من الشعراء من شذَّ عن الطريق ، وأمعن في هجاء بعض الأفراد ، سواء كانوا أشخاصاً عاديين ، أو أمراء ، أو سلاطين ، وقام بمناصرة فرق وتيارات معادية لبعض الخلفاء وأصحاب النفوذ ؛ حتى قاده شعره ولسانه إلى الموت ؛ فصار صريعاً لشعره ، وقتله لسانه !!
هناك صدر كتاب اسمه ( شعراء قتلهم شعرهم ) وهم خمسة عشر شاعراً قتلهم شعرهم في الجاهلية والإسلام ، والكاتب لذلك الكتاب شعراء قتلهم شعرهم : سمير مصطفى فراج . وهذا الكتاب الذي صدر بالقاهرة للباحث سمير مصطفى فراج ، تحت عنوان : ” شعراء قتلهم شعرهم ” يلقي الضوء على عدد من هؤلاء الشعراء الذين سلكوا هذا السبيل الشائك ، ولقوا حتفهم ضحية شعرهم ، والكتاب يقدم نماذج لفطاحل الشعراء في الجاهلية والإسلام ؛ من أمثال المتنبي ، وطرفة بن العبد ، وبشار بن برد ، ووضَّاح اليمن ، وعبيد بن الأبرص ، وكعب الأشقري ، ويتضح من سطور هذا الكتاب أن هناك عوامل مشتركة من أغراض الشعر ساهمت في مصرع هؤلاء الشعراء :
أوَّلها : الهجاء والمخاصمة .
وثانيها : الغزل والتشبيب بالنساء .
وثالثها : الفخر .
فالشعراء الذين قتلهم شعرهم : إما هجَّاءٌ أمعن في مخاصمة بعض الولاة أو الحكام أو الشعراء ، وانطلق في النيل من شرفه والتشهير به وإظهار نقايصه ، وإمَّا عاشق أمعن في التغزل بالنساء والتشبيب بهم ؛ حتى جاء حتفه على يد ولي المرأة أو أخيها أو زوجها أو ابنها ، وهذا ما سوف يتضح من خلال مطالعة ذلك الكتاب المذكور أعلاه .
كان الشعر سلاحاً ماضياً في أيدي شعرائنا القدامى يتهددون به أعداءهم ويهجون خصومهم ، وكان إلى ذلك سبيلاً إلى اكتساب المال من الممدوحين ، ولكنه كان سلاحاً ذا حدّين ، ربما أدى إلى إلقاء الشاعر في هاوية الهلاك ، حين يكون المهجو من أولي البطش والفتك ، أو من ذوي السلطان القادرين على إهلاك من يتعرض لهم بهجو أو نقد ، وفي هذه الأحوال تصدق مقولة ” ومن الشعر ما قتل ” قياساً على مقولة شاعرنا الأخطل الصغير ، ” ومن العلم ما قتل ” .
وسوف أتحدث عن هؤلاء الشعراء مع بيان الدافع إلى قتلهم بدءاً من العصر الجاهلي حتى العصور المتأخرة .
(1) طَرَفة بن العبد [3] :
ينتمي طرفة بن العبد إلى بني مالك بن ضُبيعة ، من بطون قبيلة بكر بن وائل ، وهو أحد أبرز الشعراء الجاهليين ، جعله بعضهم ومنهم لبيد بن ربيعة ثاني شعراء الجاهلية بعد امرئ القيس ، وفضّل ابن قتيبة في الشعر والشعراء معلقته على سائر المعلقات فقال : ” وهو أجودهم طويلة ” ، ولكن لم يؤثر عنه إلا أشعار قليلة ، ولعل ما يفسر قلة شعره مقتله المبكر وهو في السادسة والعشرين .
وتذكر الأخبار في سبب قتله أنه كان وخاله المتلمس ، وهو من شعراء الجاهلية أيضاً ، ممن يفدون على ملك الحيرة عمرو بن هند ” عمر ابن المنذر ” وكان بهما حفياً ، وكان لطرفة بن العبد ابن عم اسمه عبد عمرو بن بشر ، ولم تكن صلة طرفة به صلة الود والمحبة ، وإنما كان الود مفقوداً بينهما لسوء سيرته مع أخت طرفة ، فهجاه طرفة بأبيات يسخر بها منه فيقول :
يا عجباً من عـــبـدِ عمرو وبغيهِ لقد رامَ ظلمي عَــــبــدُ عمرو فأنعما
ولا خـــــيـــرَ فـيه غيرَ أنّ لهُ غنىً وأنّ لهُ كَشحاً ، إذا قامَ ، أهضـما
يظلُّ نساءُ الحيّ يعكُفنَ حولَه يَقُلنَ : عَسيبٌ منْ سَــــرَارَةِ مَــــلْـــهـما
لَهُ شَـــــرْبَـــتـــانِ بـالنّهارِ ، وأرْبَعٌ منَ الليلِ حـــــتـــى آضَ سخداً مورَّماً [4]
كان من سادة قومه ، وكان سميناً بادناً . فأسرّها ابن عمه في نفسه . وكان له منزلة رفيعة عند عمرو بن هند .
ثم إن ابن هند وكل إلى طرفة وخاله المتلمس ملازمة أخيه قابوس ابن المنذر ، وكان قابوس فتى عابثاً لا يشغله إلا اللهو والقنص والشراب ، فوجدا عناءً في ملازمته ، وربما أنفقا اليوم كله في الوقوف ببابه ، حتى ضاقا ذرعاً بالأمر ، فنقما عليه وعلى أخيه عمرو بن هند لإذلالهما على هذا النحو ، وكان طرفة فتى جريئاً لا يبالي بعواقب الأمر ، فجرى على لسانه هجاء في عمرو بن هند وأخيه قابوس .
(2) عبد بني الحَسْحاس [5] :
أحد الشعراء المخضرمين بين الجاهلية والإسلام ، واسمه سُحيم ، وكان عبداً أسود نوبياً أعجمياً ، اشتراه بنو الحسحاس ، وهم بطن من قبيلة بني أسد ، وكان ينطق العربيّة بلكنة نوبية ، ولكنه أوتي ملكة الشعر ، فكان إذا أنشد أبدى إعجابه بشعره فيقول : أهشنت والله ، مكان : أحسنت .
يقال : إنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنه تمثل بشطر من شعره ولكنه قدّم وأخر في الكلمات وأنقص من لفظه فاختل الوزن قال صلى الله عليه وسلم : كفى بالإسلام والشيب ناهياً ، فقال له أبو بكر : يا رسول الله ! كفى الشيب والإسلام للمرء ناهياً .
ولما لم يستقم للرسول روايته على وجهه قال له أبو بكر : أشهد أنك رسول الله ) وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِى لَهُ ( ( سورة يس : 69 ) .
وكان سُحيم يدفع عن نفسه معرّة السواد بما يتحلى به من حميد الخصال .
فلما أفرط في التغزل بنساء مواليه ووصف محاسنهن الظاهرة والخافية عزموا على قتله ، فلما قدموا به ليقتلوه لم يمنعه موقفه وهو على شفا الهلاك من قول بيتين يظهر فيهما استهانته بالموت ويفخر بما صنعه بنساء مواليه ، قال :
شُــدّوا وثــاق العبد لا يَفْلِتْكُمُ إنّ الــــحـــياة من الـممات قريبُ
فلقد تَحَدَّرَ من جَبِينِ فَتاتكم عَرَقٌ عَلَى جَنْبِ الفِراش رطِيبُ [6]
(3) قيس بن الخَطيم [7] :
كان قيس بن الخطيم من شعراء قبيلة الأوس المشهورين في الجاهلية ، وكانت بينه وبين حسان بن ثابت مناقضات ، وكان يفخر فيها بقومه الأوس وبوقائعهم مع قبيلة الخزرج ، قبيلة حسان ، ويعدد مثالبها ، وكان لهذا الشعر وقعه الشديد في نفوس الخزرج . وكان قيس ، إلى جانب كونه شاعراً فحلاً ، فارساً أبلى أعظم البلاء في الوقائع التي دارت في الجاهلية بين قبيلتي الأوس والخزرج ، قبل أن يوحدهما الإسلام في جماعة قبلية واحدة عرفت بالأنصار ، دعوا بذلك لنصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في وقائعه مع مشركي قريش وغيهم .ومن شعره :
رَدَّ الخليطُ الجِمالَ فانصَرَفُوا ماذَا علــــيَـــهِـــمْ لـوْ أنَّهُمْ وقَفُوا
لوْ وقَـــفُـــوا ســــاعـــةً نُــسَائِلُهُمْ ريثَ يُـــضَــحِّي جِمالَهُ السَلَفُ
فـــيــــهِــــمْ لــعُــوبُ العشاءِ آنِسِةُ الدَدِلِّ عَـرُوبٌ يَسُوءُهَا الخَلَفُ
بينَ شُكُولِ الــــنساءِ خِـــلْـفَتُهَا قَـــــصـــدٌ فَلا جِبِلةٌ وَلا قَضَفُ [8]
(4) ابن دارة [9] :
اسمه سالم بن مُسافع بن يربوع الغطفاني القيسي ، وأُمّه دارة من بني أسد ، نسب ابنها إليها ، ونسبة الرجل إلى أمه كانت شائعةً في القديم ، وهو شاعر مخضرم بين الجاهلية والإسلام ، وكان شاعراً هجّاءً ، وكان أخوه عبد الرحمن شاعراً أيضاً .
(5) وضّاح اليمن :
( . . . – نحو 90هـ / . . . – نحو 708م ) عبد الرحمن بن إسماعيل ابن عبد كلال ، من آل خولان ، من حمير : شاعر ، رقيق الغزل ، عجيب النسيب . كان جميل الطلعة يتقنع في المواسم . له أخبار مع عشيقة له اسمها ( روضة ) من أهل اليمن .
قدم مكة حاجاً في خلافة الوليد بن عبد الملك ، فرأى ( أم البنين ) بنت عبد العزيز بن مروان ، زوجة الوليد ، فتغزل بها ، فقتله الوليد . وهو صاحب الأبيات التي منها : ( قالت : ألا لا تلجن دارنا ، إن أبانا رجل غائر ) وفي المؤرخين من يسميه عبد الله بن إسماعيل [10] .
(6) الوليد بن يزيد :
( 88 – 126هـ / 707 – 744م ) الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان ، أبو العباس : من ملوك الدولة المروانية بالشام . كان من فتيان بني أمية وظرفائهم وشجعانهم وأجوادهم ، يعاب بالانهماك في اللهو وسماع الغناء . له شعر رقيق وعلم بالموسيقى .
قال أبو الفرج : ” له أصوات صنعها مشهورة ، وكان يضرب بالعود ويوقع بالطبل ويمشي بالدف على مذهب أهل الحجاز ” وقال السيد المرتضى : ” كان مشهوراً بالإلحاد ، متظاهراً بالعناد ” ، وقال ابن خلدون : ساءت القالة فيه كثيراً ، وكثير من الناس نفوا ذلك عنه ، وقالوا : إنها من شناعات الأعداء ألصقوها به .
ولي الخلافة ( سنة 125هـ ) بعد وفاة عمه هشام بن عبد الملك ، فمكث سنة وثلاثة أشهر ، ونقم عليه الناس حبه للهو ، فبايعوا سراً ليزيد ابن الوليد بن عبد الملك ، فنادى بخلع الوليد – وكان غائباً في ” الاغدف ” من نواحي عمان ، بشرقي الأردن – فجاءه النبأ ، فانصرف إلى البخراء ، فقصده جمع من أصحاب يزيد فقتلوه في قصر النعمان بن بشير . وكان الذي باشر قتله عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك [11] .
(7) بشّار بن بُرد بن يرجوخ :
من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية ، وهو شاعر من أصل فارسي ، وقد جعله أبو الفرج الأصفهاني في مقدمة الشعراء المحدثين ، قال : ” محلّه في الشعر وتقدمه طبقات المحدثين فيه بإجماع الرواة ورياسته عليهم من غير اختلاف في ذلك يغني عن وصفه وإطالة ذكر محلّه ” .
كان بشار وأبوه برد من عبيد خيرة القشيرية امرأة المهلب بن أبي صفرة ، وقد وهبت بُرداً لامرأة عُقيلية بعد أن زوجته ، فولدت له امرأته بشاراً فأعتقته العقيلية . وُلد بشار مكفوفاً ونشأ في موالي بني عُقيل فأخذ عنهم الفصاحة والبيان ، ووُهب الملكة الشعرية ، فأخذ يقول الشعر ، وكان جل شعره مديحاً وهجاءً وغزلاً ، وكان سليط اللسان في هجائه ، وقد اجترأ على هجاء الأشراف والوزراء ورؤساء المذاهب وخصومه من الشعراء ، بل إنه قال هجاء في الخليفة المهدي ، وكان هذا الهجاء من دواعي قتله . كان بشار متهماً في عقيدته ، وقد رويت لـه أشعار في تفضيل إبليس على آدم والنار على الطين ، ومن قوله في ذلك : ويروى عنه أنه كان يفضل النار على الأرض ، ويصوب رأي إبليس في امتناعه من السجود لآدم صلوات الله عليه ؛ وفي تفضيل النار يقول : ” البسيط ”
الأرض مظلمة والنار مشرقة والنار معبودة مذ كانت النار [12]
(8) ابن الرومي :
هو علي بن العباس بن جُريج ، من أصل رومي ( يوناني ) ، ولذلك قيل له : ابن الرومي ، شاعر مجيد من شعراء العصر العباسي ، قال فيه ابن خلكان : ” الشاعر المشهور ، صاحب النظم العجيب ، والتوليد الغريب ، يغوص على المعاني النادرة فيستخرجها من مكامنها ، ويبرزها في أحسن صورة ، ولا يترك المعنى حتى يستوفيه إلى آخره ولا يبقي فيه بقية ” .
أكثر شعره في الوصف ، وقد أبدع في وصف مشاهد الطبيعة والمغنين والقيان والمآكل ، وكان هجّاءً لا يكاد يسلم أحد من هجوه ، وكان مضطرب المزاج ، يتطير من مشاهد القبح ، وربما لازم بيته أياماً لا يبارحه لئلا تقع عينه على جار له أحدب .
يذكر في سبب موته أنه كان يغشى مجلس القاسم بن عبيد الله وزير المعتضد العباسي ، وكان الوزير يخاف من هجوه وفلتات لسانه بالفحش ، فأوعز إلى متولي طعامه أن يقتله بالسم ، فأطعمه في مجلس الوزير خشكنانجةً مسمومةً ( والخُشكنان كلمة فارسية معربة تطلق على ضرب من الطعام من دقيق الحنطة والسكر واللوز والفستق ) ، فلما أكلها أحسّ بالسُّم ، فقام ليذهب ، فقال له الوزير : إلى أين تذهب ؟ فأجابه إلى الموضع الذي بعثتني إليه . فقال له الوزير : سلِّم على والدي . فأجابه ابن الرومي : ما طريقي على النار . وقد حاول الطبيب شفاءه من السم فلم يفلح ، ويقال : إنه أخطأ في معالجته فمات بعد أيام ، وقال وهو يجود بنفسه : فقال إبراهيم بن محمد بن عرفة الأزدي المعروف بنفطويه : رأيت ابن الرومي يجود بنفسه فقلت له : ما حالك ؟ فأنشد : من الكامل
غلط الطبيب علي غلطة مورد عجزت موارده عن الإصدار
والناس يـــلـحون الطبيب وإنما غلط الطبيب إصابة المقدار
وابن الرومي من الشعراء الفحول المطولين الغواصين على المعاني [13] .
(9) أبو الطيب المتنبي :
من الشعراء الذين جنى عليهم شعرهم وأدّى إلى مصرعهم شاعر العرب العظيم أحمد بن الحسين الملّقب بالمتنبي ( 303 – 354هـ ) ، لادعائه النبوّة في بادية السماوة في مقتبل شبابه ، فيما يذكر بعض من ترجموه .
كان أبو الطيب يختلف إلى الملوك والأمراء يمدحهم وينال صلاتهم السنيّة . وأشهر ممدوحيه سيف الدولة الحمداني ، وله فيه المدائح الغُرّ . وقد أقام في بلاطه مدة من الزمن ، ولمّا ضاق ذرعاً بحاسديه وبالوشاة الذين أوغروا عليه صدر سيف الدولة ، اضطرَ إلى مفارقته وقصد كافوراً الإخشيدي بمصر ، ومدحه بطائفة من قصائده ، وكان يطمع في أن ينيله إحدى الولايات . فلمّا خيّب كافور ظنّه فارقه وقال فيه أهاجي ممضّة . ثم قصد عضد الدولة بفارس ، ومدحه بمدائح جياد ، ثم قفل عائداً إلى بغداد ، وقد حمل معه كل ما جمعه من صلات ممدحيه ، ولم يكن يرافقه إلا ابنه محسَّد وغلامه ، ولم يشأ الاستعانة برجال يحمونه من غارات اللصوص ، فعرض له فاتك بن أبي جهل الأسدي ، ومعه كثير من أعوانه . وقد همّ المتنبي بالفرار . فيما يذكره أحد الأخبار حين رأى الغلبة لمهاجميه ، فقال له غلامه : لا يتحدث الناس عنك بالفرار وأنت القائل :
فالخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم
فكر راجعاً ، وقتل سنة أربع وخمسين وثلاث مأة لست بقين من شهر رمضان ، وقيل : غير ذلك من شهر رمضان [14] .
هذا ما عندي ، إن كان صواباً فمن الله وإن كان غير ذلك فمني ومن الشيطان ، والله المستعان وهو ولي التوفيق والهادي إلى طريقة حكيمة سليمة من الزلل ما ظهر منها وما بطل .
وصلى الله على نبينا وسندنا ومولانا محمد وبارك وسلم والحمد لله في الأولى والآخرة .
* جامعة دارالسلام عمرآباد ( الهند ) .
[1] مسند أحمد : 7214 ، تعليق شعيب الأرنؤوط : صحيح وهذا إسناد حسن .
[2] صحيح البخاري : 6018 .
[3] ( طرفة بن العبد ) ( نحو 86 – 60 ق هـ / نحو 538 – 564م ) طرفة بن العبد بن سفيان بن سعد ، البكري الوائلي ، أبو عمرو : شاعر ، جاهلي ، من الطبقة الأولى . ولد في بادية البحرين ، وتنقل في بقاع نجد . واتصل بالملك عمرو بن هند فجعله في ندمائه . ثم أرسله بكتاب إلى المكعبر ( عامله على البحرين وعمان ) يأمره فيه بقتله ، لأبيات بلغ الملك أن طرفة هجاه بها ، فقتله المكعبر ، شاباً ، في ( هجر ) قيل : ابن عشرين عاماً ، وقيل : ابن ست وعشرين . أشهر شعره معلقته ، ومطلعها : ( لخولة أطلال ببرقة ثهمد ) ، وقد شرحها كثيرون من العلماء . ( الأعلام للزركلي : 3/225 ) .
[4] ديوان طرفة : 1/52 .
[5] سحيم بن عبد بني الحسحاس بن هند بن سفيان بن نوفل بن عصاب بن كعب بن سعد بن عمرو بن مالك بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة ، يكنّى أبا عبد الله وهو زنجي أسود فصيح مخضرم ، لَيْسَ لَهُ صبحة ، توفّي فِي حدود الأربعين للهجرة ، ( الوافي بالوفيات : 5/34 ) .
[6] الوافي بالوفيات : 5/35 .
[7] قيس بن الخطيم بن عدي الأوسي ، أبو يزيد : شاعر الأوس ، وأحد صناديدها ، في الجاهلية . أول ما اشتهر به تتبعه قاتلي أبيه وجده حتى قتلهما ، وقال في ذلك شعراً . وله في وقعة ” بعاث ” التي كانت بين الأوس والخزرج ، قبل الهجرة ، أشعار كثيرة . أدرك الإسلام وتريث في قبوله ، فقتل قبل أن يدخل فيه . شعره جيد ، وفي الأدباء من يفضله على شعر حسان . الأعلام : 5/255 .
[8] الأصمعيات : 1/19 .
[9] ابن دارة : هو سالم بن دارة ، واسم أبيه مسافعٌ ، وأمه دارة من بني أسدٍ ، وسميت دارة لجمالها ، شبهت بدارة القمر ، وهو من ولد عبد الله بن غطفان ابن سعد ، وكان هجاءً وهو الذي هجا ثابت بن رافع الفزاري فقتله . وهو القائل :
لا تأَمَنَنَّ فَزَارياً خَلَوْتَ به على قَلُوِصكَ واكْتُبْها بأَسْيَارِ
وكان المتولي لقتله زميل بن عبد منافٍ ، وقال :
أَنَا زُمَيْلٌ قاتِلٌ ابْنِ دَارَهْ وراحِضُ المَخْزَاةِ عن فَزارهْ ( الشعر والشعراء : 1/81 ) .
[10] الأعلام : 3/299 .
[11] الأعلام للزركلي : 8/123 .
[12] النجوم الزاهرة : 1/156 .
[13] الوافي بالوفيات : 6/414 .
[14] الوافي بالوفيات : 2/334 ، ينظر لجميع من مر ذكره : وفيات الأعيان ، ابن خلّكان ، تح . إحسان عباس ، ج 1 ، ص 120 . 2 . معاهد التنصيص للعباسي ، ج 1 ، ص 27 . مع المتنبي ، طه حسين . المتنبي : محمود محمد شاكر .