أخي القارئ الكريم !
يناير 2, 2022الطريق الواضح نحو الإيمان والعمل !
فبراير 7, 2022الافتتاحية : بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة ندوة العلماء والحاجة إليها
في العصر الحاضر
كلما تزايدت أبعاد الحياة البشرية وتجاوزت علائقها الأصيلة عن مركزها الطبيعي تكاثرت مشكلات من واقع الإنسان والمجتمع ، وتعقدت أمور الحياة الأصيلة الطبيعية ، وحدثت المشكلات التي توزع من خلالها النوع البشري بين نظرات سياسية زائفة ، وامتلأ العالم بالعقول الفجة لحل المسائل من كل نوع ، ولم يكتف زعماء السياسة العالمية الرخيصة بإبداء ثقتهم العقلية والثقافية بما يقدمون من حلول ناقصة أو اقتراحات موقتة ، لا تزيد الحياة وشئون العالم البشري إلا ابتعاداً عن الفكر السليم الذي يمهد الطريق للخوض في القضايا الأساسية وتفسيرها في ضوء الحقائق التي يرتبط بها العالم الإنساني من أول يوم عرفت فيه القوة الخلاقة بميزة السمع والبصر ، وقد صرح بذلك خالق الكون والبشر الله سبحانه وتعالى في كتابه الأخير الذي أنزله على خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّا خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً . إِنَّا هَدَيْنَاهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ) .
ومن هنا يتوسع لنا الطريق نحو التفكير فيما قاله رب الكائنات تبارك وتعالى حول خلق الإنسان وإكرامه بنعمة السمع والبصر ثم يرفع منزلته بالشكر أو بخفض نعمة الإنسانية التي أكرمه بها وبكفرانها واستبدالها بما يحط من شأنه ، ورفضه القيام بنعمة الإيمان وأداء حق هذه النعمة في جميع الظروف والأحوال ، فكان الإيمان بالله والإسلام بدينه الأخير مركز الشكر كما كان الإعراض عن معرفة قيمة الإيمان والتجرد عن العمل الإيماني والحرمان من نعمة الإسلام كفراً بالنعمة العظمى التي أتمها الله سبحانه ، وهي نعمة الدين الإسلامي الذي يتأسس على الإيمان بالله تعالى والإسلام الذي أنزله للعالم البشري بكامله عن طريق رسولنا العظيم صلى الله عليه وسلم ، وذلك ما قد قاله الله سبحانه وتعالى ( ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأِسْلاَمَ دِيناً ) .
ولقد وفق الله تعالى عباده المكرمين بالخوض في معاني هذه الآية الجليلة التي هي الأساس الأول المتعمق لهذا الدين وطرائقه ، وكانت دعوة صارمة إلى إتمام هذه النعمة التي لا تساويها نعمة ولا عقيدة ولا ديانة ، إنما هو الدين المختار من عند الله تعالى لأمة الإسلام ، وإن كانت جماعة من الناس لم يعرفوا حق هذه النعمة العظمى ، وظلوا عائشين في شقاء الكفر والبعد عن هذه النعمة العظمى ، سواء عن معرفة أو جهل أو تمرد ، ومعلوم أن الله سبحانه أنزل هذه النعمة على عبده صلى الله عليه وسلم الذي كان من أشرف قريش في الجزيرة العربية التي كانت لغتها العربية طبيعيةً من أول يومها ، وكانت قبائل العرب في العصر الجاهلي تعيش اللغة العربية وتعتز بها أكثر من كل شيئ ، كما هو معلوم لدى كل من يعرف تاريخ الجزيرة العربية ، فكان نزول كتاب الله العزيز الأخير على خاتم النبيين وعلى أعرق أمة عربية في هذه الجزيرة بلغة عربية بليغة كانت تفوق جميع اللغات العالمية والعربية في أواخر القرن السادس المسيحي ، وكانت نعمةً لا تساويها نعمة مهما كانت عظيمةً .
ومن خلال هذا الشعور الحي والعاطفة الكريمة قامت في جميع أنحاء العالم مدارس إسلامية تعتمد على دراسة اللغة العربية من جميع النواحي العلمية والأدبية والفكرية ، كما هو الشأن في المدارس والجامعات التي قامت في المراكز التي عاش فيها المسلمون ، وتتبعوا دراسة كتاب الله تعالى وتعلموا اللغة العربية بجميع وسائل الدراسة وركزوا على فهم معانيه من خلال بلاغته اللغوية التي جمعها الله سبحانه في هذا الكتاب الأخير ، القرآن الكريم الذي لا يساويه كتاب ولا ينزل بعده كتاب آخر في أي زمان ولا مكان .
ومن هنا اهتمت المدارس الإسلامية في الهند بتدريس اللغة العربية وتعليم علومها من خلال الكتب العربية من التفسير والحديث والفقه والإفتاء والأدب العربي واللغة العربية ، فكانت مراكز التعليم كلها تُعنى بهذه اللغة الجليلة وتدريسها وتعليمها من جميع النواحي .
وكان تأسيس ندوة العلماء ودار علومها تحقيقاً لحاجة الزمن الذي قام فيه علماؤها الأبرار لبناء الحياة الإسلامية وإقامة المجتمع الإسلامي الذي يسود فيه السلم والسلام ويهيمن عليه الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ولقد كتبت سابقاً في إحدى كتاباتي عن ندوة العلماء ، فقلت :
إن هذا العصر الذي نعيش فيه اليوم إنما يتسم بشيئ كثير من التحديات الباطلة التي تُزعزع الإيمان ، وتذهب بلب الرجل الحازم ، وإن الأسباب التي دعت إلى تأسيس ندوة العلماء استفحلت اليوم وتوافرت بالنسبة إلى الماضي ، ونشأت هناك أكثر من مشكلة وعرقلة في تعميم دعوة الإسلام ، ونشر رسالته ، كما أن أسباب ردة المسلمين عن دينهم تكاثرت وتنوعت ، أو أنهم وقعوا فريسة أسباب الارتداد ، أو ساء ظن الناس بالإسلام على أقل تقدير ، حيث يرونه ديناً قديماً استكمل أيامه ، ولا يستحق أن يعيش أكثر مما عاش ، وينتظرون ديناً جديداً ونبياً جديداً ورسالةً جديدةً ، وكل ذلك من خلال التلوثات العقلية بالأفكار الهدامة ، وتأثير العوامل المعادية عليهم .
إنها حقيقة ملموسة يدركها كل عالم وداع ، وكل باحث ودارس ، وهي أن القوى الباطلة كلها تجمعت اليوم حول مبدء هدم الإسلام وإخراج هيبته من قلوب أهله ، وملئها بأفكار فاسدة وأباطيل سامّة ، وذلك ما جعل المسلم العادي غير مطمئن إلى دينه ، ومتشككاً في معتقداته وتعاليمه ، إنه يندحر عن المعركة بشعور ومن غير شعور ، وينسحب عن الميدان سواء عن علم أو غير علم .
تستطيع ندوة العلماء بميزاتها البارزة، وخصائصها العظيمة في العالم المعاصر أن تلعب دوراً مهماً جداً في ملء هذا الفراغ ، فراغ العقل الواعي ، والحماس الديني ، والشجاعة الإيمانية ، وفراغ الدعوة إلى الله ، والقيادة الشاملة ، إن ندوة العلماء بعنايتها الخاصة بالقرآن الكريم واللغة العربية أخرجت جيلاً من العلماء يجيدون فهم الدين والدنيا ويجمعون بين الثقافة الإسلامية والثقافة العصرية ويتقنون اللغة العربية وبعض اللغات الأخرى المعاصرة ، وتلك هي السمة البارزة التي تفوق فيها ندوة العلماء على مثيلاتها في هذه البلاد بصفة خاصة ، وفي البلدان الأخرى بوجه عام ، وحسبنا كمثال سماحة الشيخ العلامة السيد أبي الحسن علي الحسني الندوي ( رحمه الله ) الذي يمثل النموذج العالي لمتخرجي هذه الدار ، وهو نموذج للطراز الرفيع من العلماء والدعاة إلى الله الذي تتوخاه ندوة العلماء من خلال برامجها العلمية والدينية والثقافية والدعوية ، وذلك هو الهدف الأكبر الذي تريد أن تحققه على ضآلة وسائلها وإمكانياتها المادية ، وقلة أنصارها وأعوانها المخلصين .
إن ندوة العلماء حاجة أكيدة كبرى للعالم الإسلامي المعاصر تدعوه إلى مناصرة قضاياها والمساهمة في دعمها ، إن فكرتها إذا نالت بعض العناية والاهتمام من قبل أولي الغيرة والرجال العاملين في حقل الإسلام في العالم العربي الإسلامي فإن ذلك يمهِّد الطريق إلى بعث إسلامي كبير ، وينتج رجالاً أقوياء يجمعون بين فهم الدين والدنيا ويحملون خبرةً تامةً في كلا المجالين من الدنيا والآخرة ، ويتولون بذلك استعادة مجد الإسلام واسترداد قوة المسلمين في كل من الشرق والغرب . ( وَمَا ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ ) .
سعيد الأعظمي الندوي
12/4/1443هـ
18/11/2021م