اليهود في القرآن وفي عالم اليوم : مقارنة من أرض الواقع
أكتوبر 12, 2021دراسة لفلسفة الفقر في ضوء شعر محمد إقبال
نوفمبر 3, 2021دراسات وأبحاث :
نظرة على مصادر المـذهب الحنـفي ومراجعه
دكتور/ خورشيد أشرف إقبال ( لكناؤ )
يُعد المذهب الحنفي من أكثر المذاهب التي كتب لها الاستمرار ، وهو من أقدم المذاهب الفقهية السنية التي تلقتها الأمة بالقبول ، وصاحبه الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت التيمي الكوفي ( 80 – 150هـ ) فقيه الأمة ، أستاذ الأئمة ، صاحب الفضائل والمناقب الكثيرة .
نشأ المذهب الحنفي بالكوفة موطن الإمام أبي حنيفة ، ثم بدأ في الانتشار بالقرن الرابع الهجري ، ويعود سبب انتشار المذهب إلى كثرة تلاميذ الإمام أبي حنيفة وتابعيهم وعنايتهم بنشر آرائه واستنباط علل الأحكام ، ثم جمع فروع المذهب ووضع القواعد والنظريات التي جمعت أشتاته ، ويتميز المذهب الحنفي بأنه ليس مجرد أقوال الإمام أبي حنيفة وآرائه ، ولكنه مركب بآراء أصحابه وأقوالهم أيضاً ، وتتمثل أهمية الحنفية وفضلهم على الفقه الإسلامي بأنهم أول من قاموا بتحرير المسائل الفقهية وترتيبها في أبواب وكتب ، بدءًا بالطهارة ، ثم بالصلاة والعبادات ، ثم بسائر المعاملات والمواريث .
وكان من أهم أسباب انتشار المذهب الحنفي ارتباطه بأهل السلطة والدولة ؛ وذلك لعدم تشدد المذهب ولينه ومرونته في المسائل الفقهية وكثرة تشعبها وتغلغل افتراضاته في مختلف مناحي الحياة ، وقد بدأ ذلك بالدولة العباسية وانتهى بالدولة العثمانية ، بالإضافة إلى دولة السلاجقة والغزنوية والمغولية وغيرها ، وهو ما أدى إلى انتشاره في مواطن كثيرة ذات أعراف مختلفة ومتعددة .
أما العلماء الذين بذلوا جهوداً ضخمةً في حفظ المذهب وتحريره ، وتطويره ونموّه ، وكذلك في تأصيل الأصول ، وتفريع الفروع ، فهم : القاضي أبو يوسف ( ت 183هـ ) أول من صنف الكتب في مذهب أبي حنيفة ، فدوّن آراءه ورواياته وكان قاضياً لمدة سبعة عشر عاماً ، ومحمد بن الحسن الشيباني ( ت 189هـ ) راوية المذهب الحنفي الذي نشر علم أبي حنيفة بتصانيفه الكثيرة ؛ حيث قام بتدوين الأصول الستة للمذهب الحنفي ، أو ما يعرف بكتب ظاهر الرواية ، والفقيه الماهر زفر بن الهذيل ( ت 110هـ ) وقد شهد الإمام أبو حنيفة بأن زفر إمام من أئمة المسلمين وعلم من أعلامهم ، واليقظ النبيه الحسن بن زياد ( 204هـ ) أفقه أصحاب أبي حنيفة ، وإبراهيم بن رستم ( ت 211هـ ) ، وأحمد بن عمرو بن مهير الشيباني الخصاف ( ت 211هـ ) ، وهلال بن يحيى البصري ( ت 245هـ ) ، والقاضي بكار بن قتيبة ( ت 290هـ ) ، وأحمد بن الحسين البردعي ( ت 317هـ ) ، وأبو جعفر الطحاوي ( ت 331هـ ) ، والمروزي ( ت 334هـ ) ، والكرخي ( ت 340هـ ) ، والجصاص ( ت 370هـ ) ، والقدوري ( ت 428هـ ) ، والحلواني البخاري ( ت 448هـ ) ، والسرخسي ( ت490هـ ) ، والكاساني ( ت 587هـ ) ، والمرغيناني ( ت 593هـ ) [1] .
مصادر المذهب ومراجعه :
من أشهر مصادر المذهب الحنفي : كتب ” ظاهر الرواية ” وهي المبسوط ( الأصل ) ، والجامع الصغير ، والجامع الكبير ، والزيادات ، والسير الصغير ، والسير الكبير للإمام لمحمد بن الحسن الشيباني ( ت 189هـ ) : وقد سميت ” بظاهر الرواية ” ؛ لأنها رويت عن الإمام محمد بروايات ثقات ؛ فهي ثابتة عنه إما متواترة أو مشهورة عنه ، وأول كتاب ألفه الإمام محمد ( المبسوط ) ؛ ولذلك سُمّي الأصل وهو أطول ما كتب محمد رحمه الله ، جمع فيه كثيراً من المسائل التي استنبط الإمام أبو حنيفة أجوبتها ، ومنها ما خالفه فيه أبو يوسف ومحمد ، ثم صنف ( الجامع الصغير ) ، وهو كتاب جمع فيه مسائل رواه عنه تلميذه عيسى ابن أبان ومحمد بن سماعة ، وهذه في أربعين كتاباً من كتب الفقه ، أولها كتاب الصلاة ، ثم ( الجامع الكبير ) ، وهو كسابقه إلا أنه أطول منه ، ثم ( الزيادات ) ، وقد سُمّي كتاب ” الزيادات ” بهذا الاسم ؛ لأنه زاد فيه مسائل كثيرةً عن ” الجامع الكبير ” ، ثم ( السير الصغير ) ، وهو مسائل كتاب الجهاد ، ثم ( السير الكبير ) ، وهو آخر تصنيف صنفه في الفقه .
وقد تناول إمام محمد رحمه الله في هذه الكتب ألوفاً من الفروع والمسائل في الحلال والحرام مما لا يسع الناس جهلها ، ولا التخلف عن علمها ، ومرتبة هذه الكتب في المذهب الحنفي كمرتبة الصحيحين في الحديث ؛ إذ هي الأصل الذي يُرجع إليه في الفقه الحنفي ، ولذا عنى بها العلماء عنايةً كبيرةً ، حتى كان حفظ كتاب ” الجامع الصغير ” شرطاً عند المتقدمين لتولي القضاء .
مختصر الطحاوي لأبي جعفر أحمد بن محمد الطحاوي ( ت 331هـ ) : يُعد من أقدم مختصرات المذهب الحنفي وأصححها نصاً ، وأحسنها تهذيباً ، وأقواها درايةً وأرحمها فتوى ، جمع فيه المؤلف أصناف الفقه ، وبيّن الخلاف بين كبار أئمة المذهب : أبو حنيفة ويوسف ومحمد والحسن ، ولا يتطرق إلى آراء غير أئمة الحنفية ، كما لا يعتني بالاستدلال ، بل يقتصر غالباً على الراجح والمفتى به في المذهب .
الكافي لمحمد بن محمد المروزي المعروف بالحاكم الشهيد ( ت 334هـ ) : جمع فيه المؤلف كتب ظاهر الرواية واختصرها وحذف المكرر من مسائله ، وهو كتاب حسن يُعد من أصول كتب الحنفية ، ومن الكتب المعتمدة في نقل المذهب ، ولذا اهتم به الحنفية اهتماماً كبيراً ، فتباروا في حفظه وتدريسه وشرحه .
شرح مختصر الطحاوي لأبي بكر أحمد بن علي الجصاص ( ت 370هـ ) : شرح قيم حظى بالشهرة والقبول لدى الحنفية ، وصفه بعض متأخري الحنفية بأنه أهم شروح مختصر الطحاوي ؛ لكونه غايةً في الإتقان روايةً ودرايةً ، ساق فيه الجصاص نص مختصر الطحاوي تارةً ، واختصره اختصاراً مفيداً تارةً أخرى .
مختصر القدوري لأبي الحسين أحمد بن محمد القدوري ( ت 428هـ ) : وهو مختصر في الفروع ، جمع فيه المؤلف الراجح من الروايات في كتب ظاهر الرواية للشيباني ، ورتّبه على ثلاثة وستين باباً ، فصار من أشهر متون الفقه الحنفي وأكثرها تداولاً بين الحنفية ، وهو الذي يطلق عليه لفظ ” الكتاب ” في المذهب ، اعتنى به المتقدمون والمتأخرون على حد سواء ، فكان من أهم المقررات الدراسية في المعاهد الدينية في بلاد الأفغان وشبه القارة الهندية ، يتميز الكتاب بوضوح اللفظ وسلاسة العبارة وسهولة الأسلوب ، لا يذكر فيه المؤلف الأدلة إلا نادراً ، ويقارن أحياناً بين آراء أساطين المذهب الحنفي : أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وزفر . قال عنه حاجي خليفة : ” هو متن متين معتبر متداول بين الأئمة الأعيان وشهرته تغني عن البيان ” . وقال أبو علي الشاشي : ” من حفظ هذا الكتاب فهو أحفظ أصحابنا ، ومن فهمه فهو أفهم أصحابنا وشهرته عندهم تغني عن البيان ” .
الأسرار في الأصول والفروع لأبي زيد عبد الله بن عمر الدبوسي ( ت 430هـ ) : يُعد من أقدم كتب الخلاف ، ومن أجل تصانيف الدبوسي ، رتب المؤلف أبواب الكتاب مختلفاً عن عامة كتب المذهب الحنفي ، وذكر فيه الخلاف بين أئمة المذهب الحنفي وبينهم وبين الشافعية ، وقد تناول آراء غيرهم ، واهتم بالاستدلال بالقرآن والحديث والإجماع والقياس ، واعتنى بذكر الراجح عنده من آراء المذهب الحنفي أولاً ، ثم آراء المخالفين مقروناً بالأدلة ، ثم يناقش مناقشةً علميةً هادئةً .
المبسوط لشمس الدين محمد بن أحمد السرخسي ( ت 483هـ ) : وهو أكبر شرح موسع لكتاب ” الكافي ” للحاكم الشهيد الذي لخص فيه مؤلفه كتب ظاهر الرواية للشيباني ، ويُعد المبسوط من أهم كتب الفقه الحنفي وأشملها وأوسعها ، اختصر فيه السرخسي على المعنى المؤثر في بيان كل مسألة اكتفاءً بما هو المعتمد في كل باب ، وعنى بالاستدلال من القرآن والحديث والقياس والاستحسان ، كما اهتم بذكر الخلاف ؛ حيث يقارن بين آراء مشاهير الأئمة متعرضاً أحياناً لآراء غيرهم من السلف ، ومن عجيب أمر تأليف هذا الكتاب الضخم الذي يقع في ثلاثين جزءاً ، أن صاحبه أملاه وهو في السجن على تلاميذه ، وقد دخل السجن من جراء نصيحة للأمير ؛ فسجنه بسببها ؛ فمنّ الله عليه بهذه الموسوعة الفقهية العظيمة ، وقد قال غير واحد من مشائخ الحنفية عن المبسوط : ” لا يعمل بما يخالفه ، ولا يركن إلا إليه ، ولا يفتى ولا يعول إلا عليه ” [2] .
تحفة الفقهاء لعلاء الدين محمد بن أحمد السمرقندي ( ت 539هـ ) : هذا الكتاب متن مطول اهتم فيه المؤلف بذكر الخلاف ؛ حيث يقارن بين آراء أئمة المذهب ، مع الإشارة إلى اختلاف الروايات عنهم ، والكتاب على صغر حجمه ، حافل بالآراء والأقوال الفقهية ، ومليئ بكثير من الحجج والنقل والعقل ، الأمر الذي يتميز به هذا الكتاب من بين أكثر متون الفقه الحنفي .
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع لعلاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني ( ت 587هـ ) : وهو شرح لكتاب تحفة الفقهاء ، يتميز هذا الكتاب بترتيبه الرائع وتقسيماته البديعة ، ويعتبر موسوعةً فقهيةً خصبةً ومصدراً فقهيّاً مهماً في الفقه الحنفي ، اعتنى فيه المؤلف بعرض مسائل الفروع وذكر الخلاف فيها بين الفقهاء من الحنفية وغيرهم مع ذكر الاستدلال والترجيحات ، وهو من الشروح التي ذاع صيتها وانتشر خبرها ، وهو بحق موسوعة فقهية جامعة . قال عنه حاجي خليفة : ” وهذا الشرح تأليف يطابق اسمه معناه ” . وقال عنه ابن عابدين : ” هذا الكتاب جليل الشأن ، لم أر له نظيراً في كتبنا ” .
شرح الجامع الصغير للحسن بن منصور بن محمود المعروف بقاضي خان ( ت 592هـ ) : شرح وسط لجامع الصغير للشيباني ، يُعد من جملة الكتب المعتبرة في الفقه ، اهتم فيه المؤلف بذكر الأقوال والاستدلال لآرائهم ، يورد أقوال أئمة المذهب الحنفي وغيرهم في المسالة الخلافية ، ويستدل لكل فريق باختصار ، مع الجواب في بعض الأحيان عن دليل المخالف .
بداية المبتدي لبرهان الدين أبي الحسن علي بن أبي بكر المرغيناني ( ت 593هـ ) : جمع فيه مؤلفه بين ” الجامع الصغير ” لمحمد بن الحسن وبين ” مختصر القدوري ” ، ولم يتجاوزهما إلا فيما دعت الضروة إليه ، ورتّبه على ترتيب الجامع الصغير ، وصرح فيه بالخلاف بين أئمة المذهب ، ولا يتطرق إلى الدليل إلا نادراً .
الهداية شرح بداية المبتدي لبرهان الدين أبي الحسن علي بن أبي بكر المرغيناني( ت 593هـ ) : يعد من أحد الأعمدة المذهب الحنفي ، وأكثر الكتب تداولاً وشهرةً بين الحنفية في القديم والحديث ، نال من الاهتمام والعناية ما لم ينله كتاب آخر في المذهب ، حتى قيل : لم يخدم كتاب في الفقه من المذاهب الأربعة مثل كتاب الهداية ، شرح المؤلف فيه كتابه بداية المبتدي ، جمع فيه بين عيون الرواية ومتون الدراية تاركاً للزوائد في كل باب ، معرضاً عن هذا النوع من الإسهاب ، يذكر رأي الإمام الشافعي في أكثر مسائل الخلاف ، ويتعرض لآراء الإمام مالك أحياناً .
الوجيز شرح الجامع الكبير لمحمود بن أحمد الحصيري ( ت 636هـ ) : يعد الحصيري من طبقة القادرين على التمييز بين الأقوى والقوي والضعيف ، وظاهر الرواية ونادرها في الفقه الحنفي ، وتكمن أهمية الكتاب في أنه شرح لأحد كتب ظاهر الرواية المعول عليه في المذهب الحنفي ، رأب فيه المؤلف باستهلال الأبواب بذكر الأصول التي تعود إليها مسائلها ، ثم يأتي على المسائل ويربطها بتلك الأصول ، تناول المؤلف في هذا الكتاب أكثر من ألف مسألة وفرّق على ما في بعض شروح الكتاب ، ولم يهتم بالاستدلال وذكرآراء العلماء ، ولكنه يعرض أحياناً بعض أقوال العلماء ، ويأتي بالدليل على حسب ما يقتضيه المقام .
وقاية الرواية في مسائل الهداية لبرهان الشريعة محمود بن أحمد صدر الشريعة الأول ( ت 673هـ تقريباً ) : يعد هذا الكتاب أحد المتون المعتبرة في المذهب الحنفي ، وقد صنفه صاحبه اختصاراً لكتاب الهداية ؛ ليحفظه حفيده ، ابن ابنته .
الاختيار لتعليل المختار لأبي الفضل عبد الله بن محمود الموصلي ( ت 683هـ ) : وهو شرح مختصر للمؤلف على متنه ” المختار للفتاوى ” ، ويُعتبر ” الاختيار ” من الكتب المعتمدة في المذهب ؛ حيث إنه شرح لأحد المتون التي كثر عليها اعتماد المتأخرين ، أشار المؤلف في هذا الكتاب إلى علل مسائل المختار ومعانيها ، وبين صورها وكان ينبّه على مبانيها ، زاد فيه من المسائل ما تعم به البلوى ومن الروايات ما يحتاج إليه في الفتوى ، يذكر أحياناً آراء الإمام مالك والشافعي مع عنايته بالاستدلال الذي يختصر فيه ولا يطيل .
مجمع البحرين وملتقى النهرين لمظفر الدين أحمد بن علي المعروف بابن الساعاتي ( ت 694هـ ) : يُعد هذا الكتاب من متون الفقه الحنفي المهمة ، وأوجزها لفظاً ، وأبدعها أسلوباً ؛ حيث حوى مسائل كتابين قيمين – مختصر القدوري ومنظومة الخلافيات – في الفقه الحنفي للنسفي ، بالإضافة إلى زيادات قيود ومسائل ، والإشارة إلى الأصح والأقوى ، والتنبيه على ما هو المختار للفتوى ، وقد رتّبه على ترتيب مختصر القدوري فأحسن ترتيبه ، وأبدع في اختصاره . قال عنه العيني : ” ما صنف مثله في الآفاق مشتملاً على الخلاف والوفاق ، عجيب التركيب والتأليف ، أنيق العبارات والترتيب ، موجز الألفاظ ، دقيق المعاني لم يسبقه أحد في هذا الميدان ” .
كنز الدقائق لأبي البركات عبد الله بن أحمد النسفي ( ت 710هـ ) : وهو تلخيص لكتاب آخر للمصنف اسمه ” الوافي ” ، يعتبر ” كنز الدقائق ” من أحد المتون التي كثر اعتماد المتأخرين عليه في المذهب ، وأكثرها تداولاً بين الحنفية ، اهتم العلماء بشرحه وتوضيحه لكونه أحد الكتب المعتبرة ، ذكر فيه المؤلف ما عم وقوعه ، وكثر وجوده ، وهو وإن خلا من بعض العويصات والمعضلات فقد تحلى بمسائل الفتاوى والواقعات ، وصفه ابن نجيم بأحسن مختصر صنف في الفقه الحنفي .
تبيين الحقائق لفخر الدين عثمان بن علي الزيلعي ( ت 742هـ ) : شرح وسط لمتن كنز الدقائق للنسفي وهو معتمد عند الحنفية ، حلّ المؤلف فيه ألفاظ كنز الدقائق ، وعلّل أحكامه وزاد عليه شيئاً من الفروع وما يحتاج إليه من اللواحق ، وصرح فيه بالخلاف بين أئمة المذهب الحنفي ، كما بيّن اختلاف الروايات عنهم ، يذكر المؤلف في الغالب آراء الإمام الشافعي ، وأحياناً يتناول آراء الإمام مالك ، يُورد الدليل ويجيب عن دليل المخالف غالباً . اعتبره ابن نجيم أحسن شروح كنز الدقائق ، ووصفه اللكنوي بأنه : ” شرح معتمد مقبول ” .
زبدة الأحكام في اختلاف الأئمة الأعلام للغزنوي ( ت 773هـ ) : كتاب مهم من حيث الموضوع والمحتوي ، حيث إنه على إعجازه يحتوي على كثير من مسائل الخلاف بين الائمة الأربعة ، تناول فيه المؤلف أهم مسائل الخلاف بينهم ، وبيّن اختلاف الروايات عنهم ، وقليلاً ما يتعداهم إلى غيرهم ، في الغالب يورد المسألة ، فيصرح بما فيها من أهم نقاط الوفاق والخلاف دون التعرض لأدلتهم .
العناية لأكمل الدين محمد بن محمود البابرتي ( ت 786هـ ) : شرح لكتاب الهداية للمرغيناني ، يعتبر من أفضل شروح الهداية ، وأهم مؤلفات الفقه الحنفي ، جمع فيه المؤلف من النهاية للسغناقي ما رأى أنه يحتاج إليه في حل ألفاظ الهداية ، وأورد فيها مباحث لم يظفر بها في كتب أخرى ، وبيّن الخلاف بين أئمة المذهب ، وتناول آراء الإمام الشافعي ، وأحياناً تعرض لرأي الإمام مالك ، يذكر أدلة كل قول باختصار ، ويوضح وجه الاستدلال غالباً ، وكثيراً ما يورد اعتراضاً ويجيب عنه .
البناية في شرح الهداية لأبي محمد محمود بن أحمد العيني ( ت 855هـ ) : يعد من أهم شروح الهداية وأكثرها تداولاً ،عني المؤلف فيه عنايةً فائقةً ولا سيما الاحتجاج بالسنة النبوية ، عزا الأحاديث إلى مصادرها وبيّن درجتها ووجه الاستدلال بها ، اهتم بذكر الخلاف والمقارنة بين آراء الفقهاء من أئمة المذاهب ، ركز جل عنايته برأي المذهب الحنفي تحريراً واستدلالاً وبياناً للخلاف بين أئمة الحنفية والإشارة إلى ما هو المختار والأولى .
فتح القدير لكمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي المعروف بابن الهمام ( ت 861هـ ) : هذا الكتاب عبارة عن تعليق مفصل على كتاب الهداية ، ويعد من أعظم الشروح على الهداية وأدقها وأجلّها ، أثنى عليه وعلى مؤلفه عدد من العلماء والباحثين ، اشتمل الكتاب على كثير من أقوال الفقهاء من أئمة المذهب الحنفي ، وكذلك آراء الإمام مالك والشافعي ، عنى فيه بالاستدلال ، ولا سيما الاحتجاج بالأحاديث والآثار مع تخريجها غالباً ، واستدرك ابن الهمام فيه على كتاب ” الهداية ” أشياء كثيرة ، واختار أحكاماً خارج مذهبه ، وكان ذا باع طويل في الاستدلال ، قال عنه الكفوي : ” إنه بلغ رتبة الفضل والكمال ” . وقد وصل ابن الهمام في شرحه هذا إلى كتاب الوكالة ، فوافته المنية ، وقام بتكميله قاضي زادة وسمّاه ” نتائج الأفكار في كشف الرموز والأسرار ” .
ملتقى الأبحر لإبراهيم بن محمد الحلبي ( ت 956هـ ) : يعتبر من أفضل المتون المتأخرة في المذهب وأنفعها ، تناول فيه المؤلف مسائل المتون الأربعة المعتمدة لدى المتأخرين من مختصر القدوري ووقاية الرواية للمحبوبي والمختار للفتوى للموصلي وكنز الدقائق للنسفي ، ورتبه ترتيب ” الجامع الصغير ” للشيباني و ” بداية المبتدي ” للمرغيناني ، ذكر الخلاف بين أئمة المذهب ، وقدّم القول الراجح وأخّر غيره ، ونبّه على الأصح الأقوى وما هو المختار للفتوى بعبارة سهلة [3] .
البحر الرائق شرح كنز الدقائق لزين العابدين بن إبراهيم المعروف بابن نجيم المصري ( ت 970هـ ) : تزداد أهمية الكتاب لكونه شرحاً لأحد المتون المعتمدة في المذهب ، ولأن مؤلفه من كبار الفقهاء الحنفية ، عنى فيه بتحرير رأي المذهب مع الاستدلال وبيان الخلاف بين أئمة الحنفية ، يشير إلى الراجح والمفتى به في المذهب ، ويذكر الدليل غالباً ، وهو عند متأخري الحنفية عمدة في المذهب .
تنوير الأبصار وجامع البحار لمحمد بن عبد الله التمرتاشي ” الوالد ” ( ت 1005هـ ) : كتاب مستقل يشتمل على كثير من مسائل المتون المعتمدة في الفقه الحنفي ، سلك فيه المؤلف على طريقة أوجز المتون الفقهية التي يقتصر فيها غالباً على الراجح والمفتى به في المذهب دون تناول الدليل والخلاف ، وصفه الحصكفي بأنه : ” فاق كتب هذا الفن في الضبط والتصحيح والاختصار ” .
النهر الفائق بشرح كنز الدقائق لسراج الدين عمر بن إبراهيم بن نجيم ( ت 1005هـ ) : يعد من أحد المتون التي كثر اعتماد المتأخرين عليها ، ذلّل فيه المؤلف صعاب المتن ، وسهّل طريق الوصول إلى ذخائر كنوزه وأسراره ، وحل ما صعب من عباراته وألفاظه ، ونبّه على أوهام صاحب البحر الرائق ، كما اعتنى بذكر الخلاف بين أئمة المذهب ، وأشار أحياناً إلى المختار والراجح مع ذكر الاستدلال والتعليل . قال عنه المحبي : ” ألف كتابه سماه بالنهر الفائق ، ضاهى به كتاب أخيه البحر الرائق ، لكنه أربى عليه في حسن السبك للعبارات والتنقيح التام ” .
الدر المختار في شرح تنوير الأبصار لمحمد علاء الدين بن علي الحصكفي ( ت 1088هـ ) : وهو شرح موجز لمتن ” تنوير الأبصار ” للتمرتاشي ، يعتبر من الكتب النافعة في المذهب ، ولا سيما أنه أصل ، قال ابن عابدين : ” بلغ في الإيجاز إلى حد الإلغاز ” ؛ ولهذا أصبح من الكتب التي لا تعتمد في الفتوى [4] .
رد المحتار على الدر المختار للشيخ محمد أمين المعروف بابن عابدين ( ت 1250هـ ) : بذل فيه ابن عابدين جهوداً جبارةً ، فحرره تحريراً جيّداً ، واهتم فيه على حفظ الفروع الصحيحة في المذهب ، متحريّاً أرجح الأقوال مبالغاً في التلخيص والتحرير والتنقيح في بيان ما هو الأقوى ، وما عليه الفتوى وما إلى ذلك ، يذكر أحياناً الخلاف بين أئمة المذهب ، ويشير غالباً إلى الراجح والمفتى به عند الحنفية ، ويتعرض في بعض المسائل لرأي الإمام الشافعي وأحياناً أقل لرأي الإمام مالك ، ويقال : إن حاشية ابن عابدين يعد من خاتمة التحقيقات والترجيحات ، وأجمع كتاب في الفقه الحنفي من كتب الفتوى والترجيح ، ولا يكاد يفتي في الفقه الحنفي دون الرجوع إليه ، اشتمل الكتاب على عبارات تنقيح الدر المختار ، وتوضيح رموزه وإشاراته ، وتحرير مسائله المشكلة وحوادثه المعضلة ، يحتوي على ذخائر زبد المتقدمين ، وخلاصة كتب المتأخرين ورسائلهم المؤلفة في الحوادث الغريبة ، وعنى بتحرير رأي المذهب الحنفي ، وبيان الراجح والمفتى به في المذهب ، وبالإضافة إلى ذلك يحتوي الكتاب على عدد من الفوائد الأصولية واللغوية وغيرها مما ذكره المؤلف عرضاً واستطراداً .
ذاعت شهرة حاشية ابن عابدين في الآفاق بإخلاصه ومنهجه وجهده الواضح ، حتى يكاد يتسنم ذُرى الشهرة بين كتب الفترة المتأخرة ؛ فهو معتمد عند أكثر العلماء المعاصرين ؛ لكن ابن عابدين رحمه الله توفي قبل تمام الكتاب ، فأكمله ابنه محمد علاء الدين ، وجاءت التتمة في مجلدين .
قرة عيون الأخبار لتكملة رد المحتار لمحمد علاء الدين ( ت 1306هـ ) : لما رحل ابن عابدين رحمه الله عن تبيض جزء من حاشية ” رد المحتار ” جرد نجله علاء الدين تعليقه على هذا الجزء من مسوداته وألحقه بالأصل ، اعتمد فيه المؤلف على كتب معتمدة في المذهب الحنفي ، وقلما خرج عن دائرة المذهب ، كما غلب على استدلالاته طابع التعليل ، وهو أقل استدلالاً وذكراً للخلاف في هذه التكملة من والده في ” رد المحتار ” .
عمدة الرعاية في حل شرح الوقاية لمحمد بن عبد الحي اللكنوي ( ت 1304هـ ) : وهو حاشية على كتاب ” شرح الوقاية ” لصدر الشريعة ، كتاب دراسي متداول لا تخلو منه مدرسة حنفية في شبه القارة الهندية ، ومعتمد ومشهور بين علماء القارة الهندية .
وإضافةً إلى ما سبق من الكتب المتون والشروح والحواشي ، فقد وُجد للحنفية كتب للفتاوى ذات صيت واسع ، لعل أشهرها : ” الفتاوى الوَلوالجية ” لعبد الرشيد بن أبي حنيفة الوَلوالجي ( ت 540هـ ) ، و ” السراجية ” لسراج الدين علي بن عثمان التميمي ( ت 575هـ ) و ” الخانية ” لقاضي خان الحسن بن منصور ( ت 592هـ ) و ” البَزّازية ” لمحمد بن محمد البزازي ( ت 827هـ ) و ” الهندية ” التي قام عليها مجموعة من علماء الهند بأمر من السلطان محمد أورنك زيب عالم ( ت 1111 أو 1118هـ ) ، وكانت هذه المجموعة تتكون من : القاضي محمد حسين الجونفورى ، والشيخ علي أكبر الحسيني ، والشيخ حامد بن أبي حامد الجونفوري ، والمفتي محمد أكرم الحنفي اللاهوري ، كما اشترك معهم آخرون ، فجمعوا ما اتفق عليه ، وأفتى به الفحول ، ووضعوا فيها من نوادر المسائل ، فجاء الكتاب من أجلّ الكتب وأعظمها التي صُنّفت في الفتاوى ؛ مما جعله يُعد من المصادر المعتبرة المعتمدة في المذهب الحنفي ، وتلقاه العلماء بالقبول .
[1] انظر : النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 2/12 وما بعدها ، هدية العارفين 6/8 ، شذرات الذهب 1/298 ، مروج الذهب 3/354 ، الفوائد البهية ص 225 ، ومفتاح السعادة 2/234 ، مناقب أبي حنيفة للموفق المكي 2/ 132 وما بعدها ، الخيرات الحسان في مناقب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان لابن حجر الهيتمي ص 21 وما بعدها ، أخبار أبي حنيفة وأصحابه ص 24 وما بعدها ، تاريخ المذاهب الإسلامية ص 363 وما بعدها ، مناقب الإمام أبي حنيفة للكردي 1/80 ، أبو حنيفة آراؤه وفقهه ص 332 ، الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء ص 130 وما بعدها .
[2] انظر : مقدمة المبسوط للسرخسي ص 4 ، حاشية ابن عابدين 1/70 ، رسم المفتي لابن عابدين ( من مجموع الرسائل ) 1/20 .
[3] انظر : ملتقى الأبحر مع شرحه مجمع الأنهر ، للشيخ زادة 1/7 وما بعدها .
[4] انظر : حاشية ابن عابدين 1/3 .