صفات شخصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه القيادية
مايو 3, 2021مجهودات الدكتور محمد تقي الدين الهلالي في مجال الصحافة العربية ( الحلقة الأولى )
مايو 3, 2021دراسات وأبحاث :
أصول تحقيق المخطوطات ومنهجه
د . سيد شجاع الدين قادري عزيز *
نشأة التحقيق وتطوره :
قبل ظهور الطباعة في القرن العاشر من الهجرة فإن الكتابة بالأيدي كانت وسيلةً وحيدةً للمسلمين لنشر أفكارهم على الأوراق والقراطيس ، وكل من أراد أن يحصل على كتاب ليقتنيه أو ليقرأه على الشيوخ بحث عن نسخة أصلية متينة لهذا الكتاب ، وكانت تلك النسخ موقوفةً على المدارس والمساجد والمكتبات ، ولا يسمح أحد بالبيع والشراء ، لأن الشيئ الموقوف لا يسوغ بيعه ولا شراؤه إلا أنه كان المجال مفتوحاً لكل من أراد أن يستفيد منها ، ومن أراد أن ينتفع بها كتابةً إما أن يجلس بنفسه للكتابة في المكتبات أو المدارس أو المساجد أو يطلب أحداً أن يقوم له بنسخها على الأجرة الكتاب في المدرسة أوالمسجد وينسخه ، وآنذاك كان هناك رجال اتخذوا حرفة الوراقة اكتساباً للمعاش ، وهي بمنزلة النشر في عصرنا الراهن ، الوراقون كانوا يهتمون بنسخ الكتب الثمينة النادرة ، ينسخون ويقومون ببيعها حسب الطلب ، كانوا يعدون النسخ المتعددة من الكتاب الواحد عندما مستهم الحاجة ، بناءاً على ذلك أصبحت نسخ بعض الكتب المشهورة متعددةً ، وأحياناً قد بلغ عددها أكثر من مأتين ، وإذا أنهى الناسخ عملية نسخ الكتاب من النسخة الأصلية عرضها عليها للمقابلة والتصحيح .
نروم في السطورالتالية كيف نمت العلوم وترقت وازدهرت وكيف تداولتها أيدي الباحثين المجدين .
يليق بنا أن نقدم بعض المصطلحات العلمية التي تتعلق بالتحقيق والبحث حسب ما يأتي :
المخطوط :
جاء في ” المعجم الوسيط ” ( المخطوط هو الكتاب المكتوب بالخط لا بالمطبعة ، وجمعه مخطوطات ) .
المطبوع :
جاء في ” المعجم الوسيط ” ( ويقابل المخطوط المطبوع ، وهو الكتاب المنسوخ بالمطبعة ) .
المطبعة :
وجاء فيه : المطبعة – بكسر الميم – آلة الطباعة للكتب وغيرها ، وجمعها مطابع . بفتح الميم – المكان المعد لطباعة الكتب وغيرها .
التراث :
جاء في ” معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب ” : ( التراث : ما خلفه السلف من آثار علمية وفنية وأدبية ، مما يعتبر نفيساً بالنسبة لتقاليد العصر الحاضر وروحه ) . فإذا قلنا : ” تحقيق التراث ” فيراد من كلمة ” التراث ” في هذه العبارة : الكتب المخطوطة التي ورثها السلف للخلف .
النص :
هو الكلمات التي يتألف منها الأثر ( المخطوط ) .
المتن :
هو الجزء الرئيسي من المؤلف ( المخطوط ) مستقلاً عن شروحه وحواشيه .
الحواشي :
هي الكلمات الخارجة عن نص الكتاب ( المخطوط ) ، وليست منه ، الموضوعة في هوامش الكتاب في الجهة العليا أو السفلى أو اليمنى أو اليسرى ، وتتضمن تعليقات وشروحات على النص .
هوامش :
وهي مرادفة للحواشي .
الشروح :
هي الكلمات الشارحة للنص الرئيسي ( المخطوط ) وليست منه ، وقد توضع في هوامش الكتاب ، أو في كتاب مستقل ، وأحياناً قد يكتبها المؤلف نفسه ، وأحياناً أخرى غيره .
الضبط :
جاء في ” المعجم الوسيط ” ( ضبط الكتاب : أصلح خلله أو صححه وشكله ) . بينما كان له عند القدامى معنى ” الحفظ الجيد ” قال الشريف الجرجاني في كتابه ” التعريفات ” ص 142 : ( الضبط في اللغة : عبارة عن الحزم . وفي الاصطلاح : استماع الكلام كما يحق سماعه ، ثم فهم معناه الذي أريد به ، ثم حفظه ببذل مجهوده ، والثبات عليه بمذاكرته إلى حين أدائه لغيره ) ، وكانت صفة الضبط إحدى صفات التعديل لرواة الحديث وحفاظه .
التحرير :
مرادف للضبط ، ويراد به تقويم الكتاب والتأكد من صحته . جاء في ” المعجم الوسيط ” ( حرر الكتاب وغيره : أصلحه وجوَّد خطه ) . وقال أبوبكر الصولي في ” أدب الكتاب ” ص 156 : ( تحرير الكتاب خلوصه ، كأنه خلص من النسخ التي حرر عليها ، وصفا من كدرها ) .
مقابلة النسخ :
هي عملية قراءة نسخ الكتاب جميعاً وبيان فوارقها من أجل ضبط نص الكتاب وتصحيحه .
العرض على الأصل :
إذا نسخ ناسخ مخطوطاً ، فعليه بعد الفراغ من النسخ معارضة الفرع المنسوخ على الأصل المنسوخ منه ، أي قراءته ومتابعته حرفاً حرفاً لتصحيح أي خلل أوخطإ نشأ عن النسخ .
النسخة الأم :
هي نسخة المؤلف المبيضة بخط يده ، وسميت أما لأن كل النسخ المنقولة منها تكون بمثابة ذريتها المتولدة عنها .
الأصل أو النسخة الأصلية :
هي النسخة التي يعتمدها المحقق أصلاً في عمله من بين عدة نسخ فينسخ نص الكتاب منها ، ويقابل سائر النسخ عليها ، وقد تكون هي النسخة الأم ( نسخة المؤلف ) ، أو نسخة منقولة عنها إذا فقدت النسخة الأم ، أو أقدم النسخ تاريخاً من بين سائر النسخ .
النسخ الفرعية :
هي التي لا تكون أماً ولا أصلاً ، وهي التي يقابلها المحقق على الأصل لبيان فوارقها ، ولها أهمية في بيان كلمة غامضة غير واضحة أو ساقطة من الأصل .
الناسخ :
هو الكاتب الذي يقوم بنسخ المخطوط قبل ظهور الطباعة في القرن العاشر الهجري ، وعادةً ما يكتب اسمه في آخره وبيان النسخة المنقول عنها ، ويجب عليه بعد الفراغ من نسخ الكتاب أن يقابله على الأصل لتصحيحه .
تاريخ النسخ :
ويكتب أيضاً عادةً في آخر المخطوط ، وهو هام جداً في تقويم النسخة واعتبارها أصلاً أو فرعاً .
السند :
هو سلسلة الرجال الذين قرئ عليهم المخطوط إلى المؤلف ، وله أهمية كبيرة في توثيق نسبة الكتاب إلى مؤلفه ، وفي توثيق اسم الكتاب ، وبيان قيمة النسخة الخطية إذا قرئت أو انتسخت من الأئمة الحفاظ الضابطين المحررين . ويكتب عادةً في أول الكتاب .
السماعات :
إذا قرأ تلميذ كتاباً على شيخه فإنه قد يقرؤه في مجلس واحد إذا كان الكتاب صغيراً ، فيكتب الشيخ في آخر الكتاب ” السماع ” وهو: ( إن الطالب الفلاني . . . . ويسميه – قد سمع عليها هذا الكتاب – أو قرأه علي – بحضور جماعة من الأعيان وهم . . . . ) ويسميهم ، ويكتب تاريخ السماع ويضع توقيعه وختمه ليصادق على صحة القراءة . وإذا كان الكتاب كبيراً ، واستغرقت قراءته أكثر من مجلس ، كتب الشيخ سماع كل مجلس في الهامش ، حيث توقفت القراءة ، ويكتب تاريخ كل سماع . وهذه السماعات لها فوائد كثيرة ، أهمها توثيق نسبة الكتاب لمؤلفه ، وتوثيق اسمه بسماع الأئمة له وقراءته على الشيوخ الكبار ، ومنها إثبات سماع الشيوخ للكتب وصحة أسانيدهم بها .
الوراقة والوراقون :
لا يخفى على أحد أن العرب كانوا يعرضون مواهبهم العلمية والأدبية نظماً ونثراً ، والناس يتهافتون للحفاظ عليها كما وصف المؤلف الشهير ابن النديم في كتابه ” الفهرست ” على الصفحة الحادية والعشرين : ” أن العرب كانت تكتب في أكتاف الإبل ، واللخاف ( وهي الحجارة البيض العريضة الرقاق ) وفي العسب ( عسب النخل ) ، وأنهم بعد ذلك كتبوا في الجلود المدبوغة . ويذكر أن الدباغة في أول الأمر كانت بالنورة وهي شديدة الجفاف ، ثم كانت الدباغة الكوفية تدبغ بالتمر وفيها لين ، ثم كتبوا في الورق الخراساني ، وكان يعمل من الكتان ، وحدث صنعه في أيام بني أمية ، وقيل : في الدولة العباسية ، وقيل : إن صناعاً من الصين عملوه بخراسان على مثال الورق الصيني الذي كان يصنع من الحشيش ، ويذكر من أنواعه : السليماني ، والطلحي ، والنوحي ، والفرعوني ، والجعفري ، والطاهري . . . ” .
ويذكر ابن خلدون في ” مقدمته ” ص 367 – 368 : عن الوراقين وصنعة الوراقة : ” كانت العناية قديماً بالدواوين العلمية والسجلات في نسخها وتجليدها وتصحيحها بالرواية والضبط ، وكان سبب ذلك ما وقع من ضخامة الدولة وتوابع الحضارة .
ازدادت التآليف العلمية والدواوين الأدبية وتنافس الناس تنافساً شديداً في تناقلها بالأصقاع والمدن ، فانتسخت وجلدت ، وأصبحت الحرفة الوراقية حرفةً متطورةً ، فتوفر الرجال الذين اشتهروا بمهنة الوراقة وهم لا يألون جهداً في الانتساخ والتصحيح والتجليد وكافة الأمور التي تتعلق بالكتب والدواوين ، واختصت هذه الحرفة بالبلاد الكبيرة المعمورة ” .
يتبين من هذا أن حرفة الوراقة كانت تحتل مثابة الطباعة الحديثة في عصرنا الراهن التي تعنى بنسخ الكتب وتوفيرها للناس ، وتنقسم جهودهم الحثيثة إلى الانتساخ والتصحيح والتجليد والتذهيب ، وكل ما ينتمى إلى صناعة الكتب بصلة . وكانوا يقيمون أسواقاً في بعض الأمصار ليبعوا فيها الأسفار المهمة ، ولكن العلماء لا يثقون بهم ، لأنهم لم يعدوا في الغالب من أهل العلم والرواية ، بل كانوا يحسبون أصحاب صناعة وكسب .
ومن أشهر الوراقين :
خالد بن أبي الهياج ، وكان موصوفاً بحسن الخط ، وكان سعد قد نصبه لكتابة المصاحف ، وكان يكتب الشعر والأخبار للوليد بن عبد الملك ( ت 96هـ ) ، قال ابن النديم في ” الفهرست ” ص 9 : ” وهو الذي كتب الكتاب الذي في قبلة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالذهب من : ( والشَّمسِ وَضُحَاهَا ) إلى آخر القرآن ، فيقال : إن عمر بن عبد العزيز قال : أريد أن تكتب لي مصحفاً على هذا المثال ، فكتب له مصحفاً تنمق فيه . ومنهم مالك بن دينار السامي البصري ( ت 131هـ ) وكان يكتب المصاحف بأجرة ويتقوت بذلك ” .
بروز الطباعة وتحقيق المخطوطات :
الطباعة هي طلب النسخ إلى عديد من النسخ لكتاب واحد تجعل كلها بمثابة الصورة له . وهي نوعان : أولهما تنضيد الحروف ، وثانيهما تصوير الأصل .
تنضيد الحروف :
إن عملية تنضيد الحروف تقوم على صف الكتاب وفق حروف طباعية مسبوكة موجودة في الآلة ، تعتمد على نوع من أنواع الخطوط العربية ، والغالب فيها هو خط ” النسخ ” اليوم ، ثم يعيدها للطابع ليقوم بتصحيحها ، وسحب آلاف النسخ من هذه الصفحة .
تصوير الأصل :
” وهي عملية تصوير للأصل المخطوط ، ويمكن بها توفير آلاف النسخ من أصل مخطوط بخط مؤلفه أو غيره .
إن عملية الطباعة توفر من الكتاب الواحد مئات الآلاف من النسخ في وقت قصير جداً ، كانت تحتاج لآلاف النساخ ومئات السنين ، وفي هذا فائدة كبيرة لجمهور القراء والباحثين توفر عليهم الجهد والوقت .
ظهرت الطباعة منذ خمسة قرون ، وطبع أول كتاب عربي بمدينة فانو بإيطاليا سنة 920هـ – 1514م ، وطبع القرآن الكريم باللغة العربية لأول مرة بطريقة التصوير عام 936هـ – 1530م في البندقية ” .
مساعي العرب في مجال البحث :
هذه هي الحقيقة التي لا يختلف فيها اثنان أن العرب القدامى سبقوا الأوربيين في التحقيق والضبط والتعليق على مؤلفاتهم ومصنفاتهم وسطر مخطوطاتهم الثمينة بأحقاب طويلة ، وحينما بدئت الطباعة في الدول العربية في القرن الثالث عشر الهجري – التاسع عشر الميلادي ، بعد ما ظهرت في أوروبا بثلاثة قرون طفق العرب يشيعون تراثهم العلمي العريق إشاعةً بدائيةً ، كما شرع الغربيون يثقون فيه في الأغلب بنسخة واحدة للمخطوطات ويركزون عنايتهم على تصحيحها فقط ، وأثناء ذلك قد حصل الأوربيون على مهارة طويلة ودربة كاملة في مدة ثلاثة قرون في إشاعة المخطوطات العربية محققةً ومعلقةً ومزينةً بالحواشي المفيدة .
في هذه الفترة الطويلة انقسم الناس فئتين في أوساط المسلمين : فئة تقوم بعملية النسخ ، وأخرى تقوم بالتحقيق .
الأولى منهما تسمى بالنساخ : وهم الذين يقومون بنسخ الكتب – لما لهم من البراعة الفائقة في جودة الخط – لطباعتها على الأحجار ، وغالباً ما يذكر اسم الخطاط الناسخ للكتاب في آخر الكتاب ، وقد يذكر في أسفل صفحة العنوان .
والثاني منهما تسمى المحققين : وهم الذين كانوا يلفتون أنظارهم إلى نسخ الكتب وضبطها وتصحيحها أثناء عملية الطباعة على الحروف ، والعديد من المخطوطات النادرة التي قد تم نشرها في البلاد العربية لا سيما في مصر واستنبول ولبنان أثناء هذه الفترة ، والفضل يرجع بهذا الصدد إلى المحققين الذين شمروا عن ساق الجد وشدوا ميازرهم في سبيل التحقيق والتعليق عليها بعناية فائقة .
ظهور المطابع في الدول العربية :
” كان لبنان أول بلد عربي دخلته الطباعة عام 1019هـ – 1610م ، وكانت أول مطبعة أنشئت فيه ” مطبعة دير قزحيا ” وقد أنشأها رجال الدين المسيحي ( اللاهوت ) لطبع الإنجيل والكتب المسيحية ، وفي القرن الثالث عشر الهجري – التاسع عشر الميلادي انتشرت المطابع في لبنان وغيرها من الدول العربية ، فأنشئت مطبعة بولاق بمصر عام 1237هـ – 1821م ، والمطبعة الإنجليكانية الأميركية ببيروت عام 1250هـ – 1834م ، والمطبعة الكاثوليكية ببيروت عام 1265هـ – 1848م ، ومطبعة ولاية سورية بدمشق عام 1281هـ – 1864م ، ومطبعة جريدة فرات بحلب عام 1284هـ – 1867م ” .
شروط المحقق :
الشروط التي تلزم المحقق في مجال البحث والتحقيق على ضربين : الأول : الشروط العامة والثاني : الشروط الخاصة .
فأما الشروط العامة فنسرد هنا في ما يلي :
- أن تكون له معرفة تامة بالعلوم التي يتمكن بها الإنسان من فهم اللغة العربية فهماً جيداً ، وبواسطتها يمكن له أن يستطيع قراءة النص . أما العلوم الضرورية التي تساعد في تعلم اللغة العربية فهي : النحو والصرف واللغة والهجاء والبلاغة ، فأما البلاغة فهي تشتمل على ثلاثة أضرب : وهي علم البيان والمعاني والبديع .
- أن يكون متزوداً بحضارة شرعية عامة ، وأن يكون أيضاً ذا بصيرة ومعرفة بعلوم القرآن والتفسير والحديث من ناحية الرواية والدراية ، وعلم التوحيد والفِرق ، وعلم الفقه فروعاً وأصولاً ، وعلم السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي ، ويجب أن يكون لديه معلومات وافرة بمشاهير الصحابة الكرام والتابعين العظام والعلماء الأعلام في كل مضمار .
- أن يكون متضلعاً من أنواع الخطوط العربية وأطوارها التاريخية .
- أن يكون خبيراً بالمواضع التي توجد فيها المخطوطات والأماكن التي تختص بالمطبوعات لكي يتوافر لديه كيفية كتاب هل هو مخطوط أم مطبوع ؟
- أن يكون متصفاً بالأصول العملية لتحقيق المخطوطات وشرائط نشر الكتب .
أما الشروط الخاصة فكما يأتي :
لا بد للمحقق – سوى ما سبق من الشروط والصفات العامة – أن يكون ماهراً إخصائياً بموضوع المخطوط أو النص الذي يريد أن يقوم بتحقيقه ، إن كان في التفسير أو الحديث أو الفقه أو التاريخ ، مثلاً من أراد أن يحقق مخطوطاً في علم النحو فيجب عليه الشروط التالية :
- أن يكون متزيناً بعلم النحو العربي ، إذ لا ينبغي أن يتفكر في علم ليس لديه معلومات وافرة عنه ، قال الله تعالى : ” وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُولـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ” – الإسراء ( 36 ) – ومن غاص في علم لا يعلمه فقد تصدى للخطأ فيه .
- أن يكون ذا دراية عميقة باللغة العربية علماً وآداباً وتاريخاً .
- أن يكون مطلعاً على تاريخ النحو ومذاهبه ومصطلحاته وأسماء أعلام النحويين ، حتى يقوم بفهم ما يقرأ إذا وصل هو إلى أي مصطلح أو اسم علم .
- أن يكون مكتفياً بمعرفة مجزئة بالعلوم الأخرى التي احتلت منزلة في الدراسات النحوية وازدهرت مع علوم النحو أخذاً وعطاءاً ، كعلم المنطق والفلسفة والفقه وعلم الكلام وأصوله وغيرها من العلوم الأخرى .
- أن يكون لديه خبرة كاملة بالمكتبات النحوية المطبوعة والمخطوطة .
- أن يكون ذا براعة شاملة بلغة النحاة ومناهجهم في مصنفاتهم والكتب التي نقلها عنهم غيرهم .
ما هو الفرق بين التصحيف والتحريف والخطأ ؟
نلقي الضوء بالإيجاز على التصحيف والتحريف والخطأ :
التصحيف :
وهو ماخوذ لغةً من : ( الصحيفة ) . . . والصحيفة في اللغة : ( الكتاب ) . وتجمع قياساً على : ( صحائف ) ، وسماعاً على : ( صحف ) .
ومعنى التصحيف لغةً : الخطأ في الصحيفة .
ويريد اللغويون من قولهم الخطأ في الصحيفة : الخطأ في قراءتها ، ومن هنا سمي من يخطئ في قراءة الصحيفة : ( صحفياً ) بفتح أوله وثانيه .
وسرى معنى التصحيف واستعماله من باب الاتساع في اللغة عند المعنيين بشؤون التراث العربي إلى الخطأ في الكتابة أيضاً . وشمل هذا سائر مشتقات المادة .
ومن هنا جاء في المعجم الوسيط : صحّف الكلمة : كتبها أو قرأها على غير صحتها لاشتباه في الحروف .
وعلى أساس منه عرف معجم مصطلحات الأدب ص 193 : الكلمة المصحّفة ” الكلمة الموضوعة خطأ ، نتيجة لإهمال الناسخ أو الطابع أو جهل كل منهما .
وغالباً أو عند قراءة الكلمة هو تصحيف ، ويقال له أيضاً : تحريف .
مثلاً :
قال السيوطي في المزهر في المجلد الثاني على صفحة ثلاث مأة وأربع وخمسين مبيناً بعض أمثلة التصحيف فحكى حكايةً نسبها إلى الأصمعي ، قال الأصمعي : كنت في مجلس شعبة فروى الحديث ، فقال : تسمعون جرش طير الجنة – بالشين ، فقلت : جرس – بالسين ، فنظر إلي وقال : خذوها منه فإنه أعلم بهذا مني ” .
التحريف :
أما التحريف فكما ذكرنا فيما أسلفنا أن هناك طائفتين : طائفة لا تفرق بين التصحيف والتحريف وتقول : هما مترادفان توسعاً بمعنى التغيير في النقط والحروف ، بينما الطائفة الأخرى تفرق بينهما ، وترى أن التحريف هو التغيير في الحرف إلى آخر .
مثلاً :
” جاء في جمهرة اللغة مادة ( أن ) و ( أز ) : يقال : إن الرجل الماء : إذا صبه . وفي بعض كلام الأوائل : أن ماءاً وأغله ، أي صب ماءاً وأغله . وقال ابن الكلبي : إنما هو أز ماءاً ، وزعم أن ( ان ) تصحيف ” .
الخطأ :
أما الخطأ فنعني به : التغيير في الكلمة أو الجملة الذي يأتي مخالفاً لقواعد الإملاء ، أو قواعد الصرف ، أو قواعد النحو، أو الضوابط المعجمية ، وما إلى ذلك .
طريقة التقويم :
هناك طريقتان تستعملان في كتابة التصويبات ، وهما :
الطريقة الأولى :
هي أن تبقى الكلمة في النص ( متن الكتاب ) على ما هي عليه من تصحيف أو تحريف أو خطأ وترقم ويذكر صوابها في الهامش .
الطريقة الثانية :
هي أن تصحح الكلمة في النص ( متن الكتاب ) وترقم وتذكر في الهامش على هيئتها من التصحيف أو التحريف أو الخطأ .
الإشارة إلى نوع الغلط :
ومن الأفضل أن يشار في كلتي الطريقتين إلى نوعية التغيير الحادثة للكلمة تصحيفاً أو تحريفاً أو خطأً .
أمثلة للتقويم :
تضم هذه الأمثلة من الأغلاط التي احتواها بعض الكتب وهي على ثلاثة أنماط :
- ما احتواها المخطوط قبل التحقيق والنشر .
- ما احتواها المخطوط المنشور من غير تحقيق ولوحظت عليه .
- ما احتواها المخطوط المنشور بتحقيق ولوحظت عليه .
النمط الأول :
- إذا ألقينا نظرةً عابرةً على الكتب التي اهتم بتحقيقها المحققون وجدنا كتاباً يسمى” الناسخ والمنسوخ ” لمؤلفه العتائقي ، وقد تم تحقيقه من قبل عبد الهادي الفضلي .
وهي نسخة كتبت بخط المؤلف ، ويتبين من تصفح أوراقها أنها سطرت في العجلة لما يوجد فيها من الأخطاء والأغلاط .
كما صدر من المؤلف بعض الأغلاط في مقدمته :
النص : ( فقد روي عن أمير المؤمنين علي رضي الله تعالى عنه أنه دخل مسجد الكوفة فرأى ابن دأب صاحب أبي موسى الأشعري ، وقد تحلق الناس عليه يسألونه فقال له : أتعرف الناسخ من المنسوخ ؟ قال : لا ، قال : هلكت وأهلكت ، وأخذ أذنه فقبلها ، وقال : لا تقض في مسجدنا بعد .
التصويب : فقبلها ، هكذا في الأصل وهو تصحيف ، وصوابه : ( ففتلها ) .
التعليل : لأنها وردت في كتب أخرى مماثلة بالفاء والتاء ، ولأن جو الموقف وسياق التعبير يقتضيان ذلك .
- لا تقض ، هكذا في الأصل وهو تصحيف ، وصوابه : ( لا تقص ) بالصاد المهملة ، أو ( لا تقصن ) بالصاد والنون .
التعليل : لأن ابن دأب عرف تاريخياً بأنه من قصاص الحكايات والأساطير ، ولم يرد له ذكر في تراجم القضاة ، ولورود الكلمة بالصاد في مصادر أخرى كما أن جو الموقف وسياق التعبير يقتضيان ذلك ” .
النمط الثاني :
ومن أفضل النماذج في هذا الباب هو كتاب ” تحقيقات وتنبيهات في معجم لسان العرب ” للأستاذ عبد السلام محمد هارون ، قام بنشره مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية في مكة المكرمة 1399هـ – 1979 م .
ومما ورد فيه : مادة ( بدأ ) – ص 7 :
رأيت الحرب بجنبها رجال ويصلى حرها قوم براء
التصويب : بجنبها هكذا ورد في الأصل وهو تصحيف ، وصوابه ( يجنيها ) من ” الجناية ” كما في أبيات الاستشهاد لابن فارس ص 150 من الجزء الأول من نوادر المخطوطات بتحقيق كاتبه ، وهو نحو قول الحارث بن عباد في الخزانة 1 : 226 :
لم أكن من جناتها علم الله وإني بحرها اليوم صالي
النمط الثالث :
كتاب ” المقولات العشر ” قام بتأليفه الشيخ محمد الحسني الأندلسي البليدي ( من رجال القرن الثاني عشر ) ، حققه الدكتور ممدوح حقي ، مجلة ( اللسان العربي ) ج 9 ( سنة الطبع 2011م ) ، وقعت فيه بعض الأخطاء منها :
ص س الكلمة صوابها
353 3 من المقولات من المعقولات
353 6 بأن أن
356 11 وإضافة وأضافه
358 9 المتمكن الممكن ( وهو ما يقابل الواجب والممتنع )
364 12 لثبوتها لثبوت
مقالات نقدية على بعض المخطوطات المطبوعة :
نقدم هنا بعض المقالات التي انتقد بها المحققون بعض المخطوطات التي تحلى بحلة الطباعة .
مثلاً :
- الدكتور إبراهيم السامرائي ” ديوان الأدب لإسحاق بن إبراهيم الفارابي ” ، الجزء الأول ، تحقيق الدكتور أحمد مختار عمر ، القاهرة 1974 ، مجلة ( المورد ) العراقية ، ج 9 ، العدد 1 ، 1400هـ / 1980م .
- الكتاب إبراهيم السامرائي ” كتاب العين للخليل بن أحمد الفراهيدي ” ، حققه الدكتور عبد الله درويش ، بغداد 1968م ، مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق ، ج 45 ، 1970م ، و ج 46 ، 1971م .
- الأستاذ أحمد راتب النفاخ ” المحتسب لابن جني ” ، حققه الأستاذ علي النجدي ناصف ، والدكتور عبد الحليم النجار ، والدكتور عبد الفتاح شلبي ، القاهرة ، مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق ، ج 42 ، ج 4 ، 1387هـ / 1967م ، وما بعده .
وهناك كتب مستقلة أورد فيها المؤلفون أمثال النقد المشار إليه في البيان المتقدم ذكره في أعلاه منها :
كتاب ” مع المصادر في اللغة والأدب : نقد لمراجع اللغة والأدب ” للدكتور إبراهيم السامرائي . نقد في طائفة من كتب اللغة والأدب في تحقيقها منها .
- كتاب ” العين ” للخليل بن أحمد الفراهيدي
- ديوان المثقب العبدي
- كتاب التحف والهدايا
- ديوان عمرو بن قميئة
- كتاب ما ينصرف وما لا ينصرف للزجاج وغيرها من الكتب الأخرى
المصادر والمراجع :
- أصول كتابة البحث العلمي وتحقيق المخطوطات : الدكتور يوسف المرعشلي ، دار المعرفة بيروت ، لبنان ، الطبعة الأولى 2003م .
- تحقيق النصوص ونشرها : عبد السلام محمد هارون ، مكتبة السنة القاهرة مصر ، الطبعة الخامسة 1994م .
- مناهج تحقيق المخطوطات : الدكتور عباس هاني ، مكتبة الثقافة الدينية القاهرة 2010م .
- كتابة البحث وتحقيق المخطوطة خطوة خطوة : عبد الله الكمالي ، دار ابن حزم ، بيروت الطبعة الأولى ، 2001م .
- مجلة التراث العلمي العربي ، العدد الرابع ، 2017م ، ( مقالة : د . أيمان صالح مهدي ) .
- أصول تحقيق في الأردية : الدكتور ظفر الإسلام خان ، معهد الدراسات العربية والإسلامية ، 2007م .
* الأستاذ المساعد ورئيس القسم العربي ، بكلية النساء الجامعية ، الجامعة العثمانية ، حيدرآباد ، الهند .