مؤلفات الأستاذ الشيخ عيادة الكبيسي وأبحاثه المفيدة
فبراير 21, 2021لورد هيدلي داعية الإسلام بين قومه الإنجليز !!
مارس 31, 2021رجال من التاريخ :
الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله : المحدث المحقق
بقلم : سماحة الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي
تعريب : محمد فرمان الندوي
كان الشيخ عبد الفتاح أبو غدة من أبرز علماء عصره ، فقد امتاز في فن الحديث الشريف والدراسة والتحقيق ، وُلد في شهر رجب 1336هـ ، المصادف 1917م في حلب ، بسوريا ، وكان ينتمي إلى أسرة مخزومية من قبيلة قريش ، وكان من ذرية خالد بن الوليد رضي الله عنه ، وكان الحنفي مذهباً ، والحلبي وطناً ، وكان والده الشيخ محمد بن بشير بن حسن أبو غدة قد انتقل إلى رحمة الله تعالى عام 1361هـ ، المصادف 1942م ، ولم يبلغ الشيخ أبو غدة من عمره 25/ عاماً ، وكانت أسرة الشيخ ذات علاقة وطيدة بالعلوم الدينية ، وتتميز بالحمية الدينية والغيرة الإسلامية ، وخاض أبوه الأكبر الشيخ عبد الكريم أبو غدة في غمار فرنسا ، وحاز القدح المعلى ، وبرع نجل الشيخ عبد الكريم ( عبد الستار أبو غدة ) في الفقه الإسلامي والشريعة الإسلامية ، وتخصص بوجه خاص في فن الاقتصاد والشئون المالية ، والأخ الآخر نجل عبد الغني أبو غدة ( الدكتور حسن أبو غدة ) ألف مؤلفات فريدةً من نوعها حول أحكام ومسائل عن الأساري وأحكام السجن ومعاملة السجناء في الإسلام .
كان والد الشيخ عبد الفتاح أبي غدة صالحاً ، ورعاً ، تقياً ، وعابداً لله تعالى ، يكثر من تلاوة القرآن الكريم ، ولازم العلماء والمشايخ في عصره ، واستفاد من مجالسهم وإفاداتهم ، فاصطبغ الشيخ عبد الفتاح أبو غدة بهذه الصبغة ، دخل أولاً في أحد الكتاتيب للدراسة والتعليم ، ثم التحق بالمدرسة الخسروية التي أنشئت برعاية الخلافة العثمانية للتعليم العالي ، وقضى هنا ست سنوات ، فبرز بين الأقران ، وفاقهم علماً ومعرفةً ، ثم واصل دراسته في الجامع الأزهر بمصر عام 1944م ، ونال شهادة ” العالية ” عام 1948م ، وتخصص في اللغة العربية وآدابها في كلية اللغة العربية عام 1950م ، ونال شهادة علم النفس ، ثم عاد إلى وطنه حلب ، واختير مدرساً في مدارس حلب ، وأخيراً في جامعة دمشق ، ثم انتقل إلى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض ، وقد استفاد في الفقه بوجه خاص من العلامة مصطفى الزرقا ، والشيخ المفتي أحمد الحجي الكردي ، وكان يمتاز بين أقرانه بمهارته الفائقة في الفقه الحنفي والفقه الشافعي ، لأن كلا المذهبين كانا قد انتشرا في حلب بسوريا .
ومن أعلام العرب والعجم الذين استفاد منهم الشيخ عبد الفتاح أبو غدة ، العلامة الشيخ محمد زاهد الكوثري ، الذي كان مشغوفاً بحبه ، والشيخ الداعية الإمام حسن البنا الذي تشرف بزيارته زمن دراسته في الجامع الأزهر ، ولا يزال يحضر دروسه ومحاضراته بكل مواظبة خلال أربع سنوات ، فنشأت فيه جراءة إسلامية وحمية دينية ، فكان نجماً ساطعاً في العالم الإسلامي ، واستفاد الشيخ عبد الفتاح أبو غدة من علماء شبه القارة الهندية المحدث الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي ، والشيخ محمد يوسف الكاندهلوي والشيخ المفتي محمد شفيع العثماني والشيخ يوسف البنوري ، والشيخ حبيب الرحمن الأعظمي رحمهم الله ، فقد سافر للاستفادة منهم إلى بلادهم ، وبما أنه كان يحب ندوة العلماء كثيراً ، فزارها مراراً وتكراراً ، وكان يحب الشيخ السيد أبا الحسن علي الحسني الندوي ، كما كان الشيخ أبو الحسن يجله ويحترمه ، وقد استفدت أنا أيضاً من محاضراته ودروسه حينما زار ندوة العلماء ، فقد عرفت في داخله قلباً يتحرق للإسلام المسلمين ، وذهناً وقاداً ينير بعلومه وأفكاره ، وقد سافر من طلاب ندوة العلماء إلى الرياض للاستفادة منه في جامعة الإمام محمد بن سعود ، فلاطفهم ملاطفةً ، وأشرف عليهم علمياً ودينياً .
وقد تلمذ على الشيخ عبد الفتاح أبي غدة الشيخ محمد عوامة والشيخ محمد تقي العثماني وابن أخيه الشيخ عبد الستار أبو غدة بوجه خاص ، ومن سعادة حظه أن الله تعالى رزقه أولاداً نجباء ، كلهم من أصحاب العلم والفضل : الشيخ محمد زهاد أبو غدة والشيخ سلمان أبو غدة ، وصهره الأستاذ أحمد الأميري ، تلمذ هؤلاء كلهم عليه ، واستفادوا منه استفادةً علميةً .
اعترف العالم الإسلامي كله بجهود وخدمات الشيخ عبد الفتاح أبي غدة ، وكانت له شغف زائد بأعلام الهند ، وقد اعتنى بمؤلفات العلامة عبد الحي فرنغي محلي ، وحققها وعلق عليها ، ونشرها من دور العلم والطباعة ، كما حقق بعض مؤلفات العلامة شبير أحمد العثماني والشيخ ظفر أحمد التهانوي ، في علم الحديث ، وحقق كتاب العالم المحقق الشيخ عبد الرشيد النعماني في زمنه ، عن الإمام أبي حنيفة ، وكتاب : الإمام ابن ماجة وكتابه السنن واعتنى بطباعته في أحسن ثوب ، والتمس من سماحة العلامة الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي أن يقدم لكتابه : صفحات من صبر العلماء ، فقدم الشيخ الندوي له ، وزار أخيراً ندوة العلماء في 1992م ، وأقام في رحابها أياماً ، وألقى محاضرات ، وأجاز الأساتذه والطلبة بالحديث الشريف في مجلس خاص ، حضرت فيه أنا والشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي ، فأجازني كذلك ، وذهب في هذه الرحلة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة إلى الجامعة العربية هتهورا ، ببلدة بانده ( أترابراديش ، الهند ) ، للقاء العالم الرباني المقرئ السيد صديق أحمد الباندوي ، وإلى زاوية علم الله الحسني برائي بريلي أيضاً ، وقد رافقه عدد من أساتذة دار العلوم لندوة العلماء ، أمثال الشيخ محمد مرتضى المظاهري ، والأستاذ القاضي محمد فاروق البهتكلي الندوي والأستاذ السيد سلمان الحسيني الندوي ، كما رافقه عدد من طلاب ندوة العلماء آنذاك السيد محمود حسن الحسني وظفر الدين ، وكان من بركة هذه الرحلة أنه كلما زار مركزاً أو مدرسةً انعقد له مجلس الحديث الشريف ، وأجاز الحضور برواية وقراءة الحديث ، وفي الجامعة العربية ببلدة باندة قرأ عليه الشيخ المقرئ السيد صديق أحمد الباندوي ( رحمه الله تعالى ) بعض أحاديث من صحيح البخاري .
كان الشيخ عضواً تأسيسياً لرابطة العالم الإسلامي ، كما انتخب مرتين مرشداً للإخوان المسلمين في سوريا ، وكان عضواً في المجلس العلمي بالرياض ، والمجلس العلمي بالعراق ، نال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة وسامات وجوائز تكريماً لخدماته في علم الحديث ، ومن أبرز هذه الوسامات جائزة التكريم العلمي نالها في منزل الأستاذ عبد المقصود خوجة في اجتماع في 15/ ذي القعدة عام 1414هـ ، حضره أعلام العالم الإسلامي والبلدان العربية ، كلهم أثنوا على إنجازات الشيخ عبد الفتاح أبي غدة ، وكان من بينهم الشيخ علي الطنطاوي والشيخ مصطفى الزرقاء ، والأستاذ محمد علي الهاشمي ، والشيخ محمد عوامة ، والشيخ ضياء الدين الصابوني وغيرهم .
أما مؤلفاته وكتبه المحققة فهي تبلغ 67 . نذكر بعضاً منها :
- منها تحقيق لسان الميزان للحافظ العلامة ابن حجر العسقلاني ، قام بنشره بعد وفاته نجله الكريم الأستاذ سلمان أبو غدة ، وطبع في عشرة مجلدات ضخام .
- رسالة المسترشدين للإمام المحاسبي ، وهو كتاب في التصوف الحقيقي ، فقد حقق هذا الكتاب ، وأضاف إليه إضافات وزيادات وافيةً .
- الرفع والتكميل في الجرح والتعديل ، وهو مؤلف للإمام اللكنوي ، حققه كذلك وذيله بحواش مفيدة .
- قواعد في علم الحديث للشيخ ظفر أحمد التهانوي .
- قيمة الزمن عند العلماء ، وهو مؤلف قيم بقلمه .
- الرسول المعلم وأساليبه في التعليم .
- العلماء العزاب الذين آثروا العلم على الزواج .
- من أدب الإسلام .
- الإسناد من الدين .
- صفحات من صبر العلماء .
توفي الشيخ عبد الفتاح أبو غدة يوم الأحد 9/ شعبان المكرم 1417هـ ، المصادف 16/ فبراير 1997م ، بالرياض ، وكان عمره 81/ عاماً ، وحمل جثمانه إلى المدينة المنورة ، ودفن في مقبرة البقيع فيها ، وصلى عليه كثير من أحبائه في البلدان المختلفة صلاة الغائب ، وكان آخر ما لفظ به – كما يقول نجله الشيخ سلمان أبو غدة – كلمة لا إله إلا الله .
غفر الله له وتقبل منه جهوده وخدماته العلمية والدينية ونفع بها الأمة في كل زمان ومكان .