لورد هيدلي داعية الإسلام بين قومه الإنجليز !!

الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله : المحدث المحقق
مارس 31, 2021
الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي : الداعية المتفاني في سبيل الله تعالى
مايو 3, 2021
الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله : المحدث المحقق
مارس 31, 2021
الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي : الداعية المتفاني في سبيل الله تعالى
مايو 3, 2021

رجال من التاريخ :

لورد هيدلي

داعية الإسلام بين قومه الإنجليز !!

بقلم : الدكتور غريب جمعة *

عندما قامت في مصر ثورة عام 1919م ضد الاحتلال الإنجليزي ، كان غضب المصريين عليهم قد بلغ ذروته ، وقد عبروا عن ذلك بطرق شتى بثت الرعب والهلع في قلوب المحتلين ، فكانوا لا ينتقلون في مصر إلا وسط حراسات مدججة بالسلاح خوفاً على أنفسهم وأعتبر المصريين من يصادقهم خائناً لوطنه وزلزلت الأرض تحت أقدامهم ، وتفاصيل ذلك معروفة في كتب التاريخ .

وفي هذا الوقت العاصف والجو المكفهر نزل بالإسكندرية ضيف كبير القدر عظيم الشأن هو اللورد الإنجليزي الذي يدعى سيف الرحمن رحمه الله فاروق ، وكان اسمه اللورد ” هيدلي ” قبل أن يعتنق الإسلام .

ومن العجيب أن يستقبله المصريون استقبالاً حافلاً كريماً ، وكأنه لا ينتسب إلى دولة تحتل وطنهم ، ولكن أخوة الإسلام ارتفعت بالجميع إلى مستوى في غاية السمو الإنساني والرقي الأخلاقي ، فقد أقام أهل الإسكندرية للضيف الكريم حفلتين كبيرتين رعاهما الأمير عمر طوسون كبير القوم في وقته ، وقد احتشد الأمراء والوزراء والعلماء والأطباء والقضاة والأعيان والتجار وكثير من أبناء الإسكندرية وقد ألقى الأمير عمر طوسون كلمة في افتتاح الحفلة الأولى جاء فيها :

” مرحباً مرحباً بكم أيها الضيوف الكرام ! لقد خفت مصر لاستقبالكم ، بل لقد تمنت كل مدينة أن يسعى إليكم أهلها لتقوم بما يجب لكم من الإجلال والإعظام والترحيب والإكرام ، يقول الله تبارك وتعالى : ” إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ” .

وهذا الإخاء وحده هو الذي دفعنا إلى الاحتفاء بكم توكيداً لذلك الرباط المتين الذي يجمع قلوب المسلمين في أنحاء المعمورة ” .

وقد أسهم الشعر في ذلك اليوم في الاحتفاء بالضيف الكريم فألقى الأستاذ أمين سرور العالم السكندري قصيدةً عصماء جاء فيها :

إذا كرموا الأفراد للــدين والفضل  فأنـــت جدير بالكرمة يا هيدلي

تـــــيـــمـــمت مــــصــر والقلوب حوائم  كــما حامت الأطيار بالماء والظل

فكنت كما زار الحيا طيب الثرى فطاب جنى والفرع يعرف بالأصل

ولد اللورد هيدلي عام 1854م وتوفي عام 1935م عن واحد وثمانين عاماً ، وقد التحق وهو صبي بأرقى المدارس الإنجليزية ثم بجامعة كمبردج التي تخرج فيها كعالم بالرياضيات ثم عمل بالتدريس والصحافة والهندسة فيما بعد سنوات عديدة ، هذا عن دراسته وعمله ، أما عن عقيدته فكان ينتمي إلى طائفة البروتستانت حيث كان يعتنق المذهب البروتستانتي ، ثم قرأ عن المذهب الكاثوليكي لمزيد من    المعرفة ، ولكنه وجد بينهما من الفروق ما لم يتمشّ مع عقله فاتجه إلى اليهودية فدرسها ثم إلى البوذية وأخيراً إلى الإسلام ، وبعد دراسة متأنية وتدبر عميق وفهم دقيق واستيعاب شامل لما قرأه مالت نفسه إلى اعتناق الإسلام أي أن إسلامه لم يكن وليد لحظة نزق أو طيش أو لغرض دنيوي هابط . وهذا ما جعل هذا الرجل الوقور يتحول إلى داعية للإسلام ومبشر به بين قومه بل خارج إنجلترا نفسها حيث قام وهو في السبعين من عمره برحلات عديدة إلى مصر والحجاز والهند وجنوب إفريقيا ثم اختير رئيساً للجمعية البريطانية الإسلامية وتغير اسمه إلى : سيف الرحمن رحمه الله فاروق وكتب عن الإسلام كثيراً ، وأهم ما كتبه هو كتابه القيم         ” إيقاظ الغرب للإسلام ” وقد ترجمه إلى العربية ترجمةً دقيقةً الكاتب المسلم الغيور الأستاذ حلمي البارودي عام 1927م ، وهو أيضاً عضو في الجمعية البريطانية الإسلامية.

وقد كان الكثير يظن أن اللورد هيدلي هو أول لورد إنجليزي شرح الله صدره للإسلام ، ولكن تبين أن الشيخ عبدالله كوليام هو أول مسلم هتف بالإسلام قبل اللورد هيدلي بين قومه ، وقد زار مصر بعد اللورد هيدلي بسنوات عديدة وقد احتفلت به جمعية الشبان المسلمين يومئذ احتفالاً يليق به حيث كانت الجمعية موئل الزائرين وملتقى الدعاة والعاملين لخدمة الإسلام ، وقد ألقى خطبةً رائعةً في هذا الاحتفال بعنوان :   ” نصف قرن على الإسلام في إنجلترا ” وقد نشر الأستاذ محب الدين الخطيب هذه الخطبة على أوسع نطاق حيث نشرها في مجلة ” الفتح ” ثم في مجموعة ” الحديقة ” ثم في كتاب المنتقى من محاضرات جمعية الشبان المسلمين ثم قدمها للجمهور في كتيب صغير ، وقد تحدث الشيخ عبدالله عن الإيذاء الذي تعرض له هو والمسلمون المصلون داخل المسجد من إلقاء القاذورات ورشق بالحجارة وبعثرة قطع الزجاج المكسور على سجاجيد المسجد ووضع أسلاك شائكة حاده على درجات السلم المؤدي إلى  المسجد ، ولكن الله كان يحفظهم في كل مرة ثم يقول : في إحدى المرات دخلت المسجد ومعي إخوة في الدين اعتنقوا الإسلام لإلقاء محاضرة في تفسير القرآن فرأينا وجوهاً غريبةً ومريبةً سبقتنا إليه ، فلم ألتفت إليهم وبدأت محاضرتي وبعد أن انتهيت منها قام واحد من هؤلاء المريبين وأخرج حجارةً من جيبه وألقاها على الأرض ثم توجه إلى أصحابه قائلاً : ” من كان منكم يريد أن يرجم المسلمين بالحجارة فليرجمني ، فقد صرت مسلماً فألقوا حجارتهم ، ودخلوا في دين الله ، وكان هذا الرجل نعم المعين لي في دعوتي وقد اختار اسم : ” جمال الدين ” ولقد كان إسلام هذين اللوردين الكبيرين الموقرين فتحاً ونصراً للمسلمين المستضعفين في بريطانيا فأصبحوا ذوي مهابة وقوة دفعتهم إلى الجهر بدعوتهم في عالم مادي متناحر ، فجعلهم الله شعلاً مضيئةً بددت ظلام الجهل بالإسلام والتحامل عليه .

ولقد كانت ثقافة اللورد هيدلي الراقية ومركزه الاجتماعي المرموق بالإضافة إلى ذكائه ولباقته مما أجبر محاوريه على أن يستمعوا له ويفكروا في حججه وبراهينه التي يسوقها وهو يعرض الإسلام ويتحدث عن رسوله بصورة أذهلتهم ، وبالإضافة إلى ما حباه الله من جميل الصفات كان يتمتع بشجاعة نادرة ، فقد واجه رئيس أساقفة كنتربري بخطئه حين طعن على الإسلام بغير دليل وأصدر ( أي رئيس الأساقفة ) كتاباً وصفته الكنيسة بأنه جميل ودعت إلى قراءته . وقال اللورد في جرأة لا نظير لها : إن المبشر المسيحي يتحمل وزراً ثقيلاً حين يحرف الكلم عن مواضعه فيزعم أن المسلمين مثلاً يعبدون محمداً ويعتقدون أن النساء لا أرواح لهن ولا يسمح لهن بدخول المسجد ، وأن من الخسة الدينية أن يحاول المرء عامداً ترويج معتقداته بافتراء الأكاذيب على البرآء .

لقد كان هدف الرجلين واحداً هو هداية الضالين إلى صراط الله القويم ، ولكن لكل من الرجلين أسلوبه وطريقته .

لقد اختار الشيخ عبدالله منهج الإقناع حين وازن بين الإسلام والمسيحية من ناحية التعاليم الهادفة إلى حياة أفضل ووضع مواطنيه أمام براهين متعددة تحملهم على القول بتفضيل الإسلام على المسيحية ، استمع إليه حين يقول : ” إن الأنبياء سفراء الله إلى الناس يحملون إليهم قواعد الإصلاح ويدلونهم على طريق السعادة وقبل أن يفترق الناس إلى يهود ونصارى ومسلمين كانوا جميعاً على ملة واحدة فجاء المسيح بهداية جديدة أدرك صدقها ونفعها الذين اتبعوه فانفصلوا عن اليهود وكانوا على حق في هذا الانفصال لأن المسيحية جاءت مصدقة لما تقدمها ومرشدة إلى الطريق الأقوم ، ثم جاء محمد صلى الله عليه وسلم مصدقاً لجميع الأنبياء قبله ومرشداً إلى الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم بالهداية والإصلاح ، فانفصل المسلمون وكانوا على حق في انفصالهم وهكذا كما كانت المسيحية أقرب عهداً بالوحي من اليهودية فهي أفضل ، وكذلك كان الإسلام أفضل من المسيحية واليهودية لأنه أحدث وحياً وآخر الديانات .

أما اللورد هيدلي فإنه في سبيل تحقيق نفس الهدف لم يوازن بين المسيحية والإسلام ، وإنما وازن بين المسيح ومحمد عليهما السلام فقال : ” منذ عدة سنوات خلت كان أحد أفكاري الرئيسية هو : كيف يمكن للإسلام أن يتغرب ( يصبح غربياً ) حتى تمارسه الأمم الأوروبية ؟ وبعبارة أخرى كيف يمكننا نحن معشر الغربيين أن نعد أنفسنا لنكتسب ونفقه معنى الإسلام الحقيقي ؟ ثم تبع ذلك فكر آخر ، وهو أننا لا نشك ولم نشك في جنسية الذي نعتقد أنه كان آسيوياً محضاً وكانت أمه العذراء آسيوية وكان موسى وكل الأنبياء الموحى إليهم شرقيين وكان النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم شرقياً مثل الآخرين وأنزلت عليه الشريعة من الله ، فالقرآن كلام الله عز وجل كما أن الإنجيل وباقي الكتب الأخرى من كلامه تعالى ، والقرآن يثبت الكتب السابقة ويضيف تعاليم أخرى تؤكد أهمية تلك التعاليم الماضية ولكنه يحرم كل تصرفات العباد الوثنية ويقضي أن لا يقرن اسم القوي الرحيم بأي اسم آخر مهما كان شأنه .

لقد أحسن كل من الرجلين التعبير عن فكرته تعبيراً جميلاً يجعل الوصول إلى الإسلام هو بغية الباحثين عن الحق دون جدال .

رحم الله الرجلين كفاء ما قدما للإسلام والمسلمين .

* جمهورية مصر العربية .