أبو نصر الفارابي وجهوده العلمية مع إشارة خاصة إلى كتابه ” إحصاء العلوم ” ( الحلقة الأولى )

سلطانات وحاكمات من التاريخ
أغسطس 11, 2020
الإسلام وخطاب الكراهية لأهل الكتاب ( الحلقة الأولى )
سبتمبر 15, 2020
سلطانات وحاكمات من التاريخ
أغسطس 11, 2020
الإسلام وخطاب الكراهية لأهل الكتاب ( الحلقة الأولى )
سبتمبر 15, 2020

 

أبو نصر الفارابي وجهوده العلمية

مع إشارة خاصة إلى كتابه ” إحصاء العلوم ”

( الحلقة الأولى )

د . ثمامة فيصل *

المقدمة :

يعتبر أبو نصر محمد بن محمد الفارابي فيلسوفاً عربياً كبيراً وباحثاً نحريراً . تلقى مختلف العلوم العربية والإسلامية مثل التفسير والحديث والفقة والنحو ، ودرس المنطق والفلسفة اليونانية دراسةً علميةً شاملةً . يعد الفارابي من أبرز شراح كتب المعلم الأول أرسطو فلقب بالمعلم الثاني . وتعلم عدة لغات فأتقنها . وعُني بالرياضيات والطب والموسيقى وبَرَّزَ فيها . وقضى نحو عشرين سنة من عمره في بغداد حيث تلمذ على كبار علماء عصره بمن فيهم عالم المنطق والفلسفة المعروف أبو بشر مَتَّى بن يونس . ومن أشهر تلامذته أبو علي ابن سيناء وأبو بكر بن السرَّاج . ومن أشهر كتبه : آراء أهل المدينة الفاضلة ، وتحصيل السعادة ، والسياسة المدنية ، وكتاب الموسيقى الكبير ، وإحصاء العلوم ، والجمع بين رأي الحكيمين .

أما كتابه إحصاء العلوم فإنه موسوعة صغيرة أحصى فيها العلوم المشهورة في زمانه علماً علماً ، وجعلها في خمسة فصول . وقصد بتأليفه إياه إلى تعريف قرائه بهذه العلوم وإطلاعهم على حدودها وأبعادها وأهميتها ومراتبها . فحاولتُ من خلال هذا البحث المتواضع إلقاءَ الضوء على المساهمات العلمية لأبي نصر الفارابي مع إشارة خاصة إلى كتابه : إحصاء العلوم . وقسمته إلى ثلاثة أبواب وهي : نبذة مختصرة عن حياة الفارابي ، ونظرة خاطفة على المساهمات العلمية للفارابي ، وكتاب        ” إحصاء العلوم ” للفارابي . هذا بالإضافة إلى المقدمة وفهرس المراجع والمصادر .

الباب الأول : نبذة مختصرة عن حياة الفارابي

الحديث عن الفارابي هو الحديث عن أحد أساطين الفلسفة العربية الإسلامية ، عن أحد أعلام الفكر الإنساني ، عن أحد النوابغ والعباقرة والجهابذة الذين يفتخر بهم تاريخنا الإسلامي المجيد ، عن أحد أبطال الإصلاح الاجتماعي والسياسي . هذا حديث عن المعلم الثاني وفيلسوف العرب ومفخرة الشرق أبي نصر الفارابي .

هو أبو نصر محمد بن محمد بن طَرْخان بن أَوْزَلَغْ الفارابي [1] . وقد قدم ابن أبي أصيبعة في عيون الأنباء أوزلغ على طرخان في نسبه [2] . وكان تركي الأصل ، فقال ابن خلكان في وفيات الأعيان إن اسم جده طرخان وأوزلغ اسمان تركيان . بينما نسبه ابن أبي أصيبعة إلى الفرس [3] . وكان والده محمد من أمراء الأتراك [4] ، وكان قائد جيش [5] ، وذهب بعض الباحثين إلى أن والديه كانا فارسيين من المهاجرين إلى تركستان [6] . ويُعرَفُ الفارابي عند الأوربيين باسم الفارابيوس ( Al Farabius ) [7] .

ولد الفارابي نحو سنة 259هـ/870م [8] في قرية واسِج بمدينة فاراب على نهر جيحون ، وهي مدينة من بلاد الترك في أرض خراسان [9] أو قاعدة من قواعد مدن الترك ، وكانت تسمى أُطرار في عصر ابن خلكان كما أشار إلى ذلك في وفيات الأعيان [10] . وتقع الفاراب في بلاد ما وراء النهرين أو آسيا الوسطى كما يطلق عليها اليوم . وقد نسبه معاصره ابن النديم في الفهرست إلى الفارياب وقال أصله من الفارياب [11] .

تلقى الفارابي تعليمه البدائي في كل من فاراب وبخارى [12] . ثم انتقلت به الأسفار إلى أن وصل إلى حاضرة الإسلام بغداد [13] . ولما وصل إلى بغداد كان يعرف اللسان التركي وعدة لغات غير العربي ، فشرع في اللسان العربي فتعلمه وأحكمه وأتقنه غاية الإتقان ، ثم اشتغل بعلوم الحكمة [14] .

وقد ذكر ابن خلكان قصةً اعترف فيها الفارابي أمام سيف الدولة الحمداني بأنه يحسن أكثر من سبعين لساناً [15] . مع أن هذه القصة تبدو مُلفَّقة ، فأنَّى للإنسان أن يتعلم سبعين لساناً بَلْهَ إتقانَها وإحكامَها .

ولما دخل الفارابي بغداد كان بها أبو بشر مَتَّى ين يونس الحكيم المشهور . . . وكان يقرأ الناس عليه فن المنطق ، وله إذ ذاك صيت عظيم وشهرة واسعة . فتلمذ عليه أبو نصر الفارابي وتعلم منه هذا العلم ؛ حتى قال بعض علماء هذا الفن : ما أرى أبا نصر الفارابي أخذ طريق تفهيم المعاني الجزلة بالألفاظ السهلة إلا من أبي بشر [16] .

ثم ارتحل إلى مدينة حَرَّان وفيها يوحنا بن حيلان الحكيم النصراني . فأخذ عنه طرفاً من المنطق . ثم قفل راجعاً إلى بغداد وقرأ بها علوم الفلسفة . وقرأ جميع كتب أرسطو وتمهر فيها . ويقال قد عُثِرَ على نسخة لكتاب ” النفس ” لأرسطو مكتوب عليها بخط الفارابي : إني قرأت هذا الكتاب مأتي مرة . ونُقِلَ عنه أنه قرأ كتاب ” السماع  الطبيعي ” لأرسطو أربعين مرةً [17] .

ولم يزل الفارابي ببغداد مكباً على الاشتغال بهذا العلم والتحصيل له إلى أن بَرَّزَ فيه وفاق أهل زمانه ، وألف بها معظم كتبه ، ثم سافر منها إلى دمشق ، وسافر إلى مصر سنة 338هـ ولم يمكث بها طويلاً فرجع إلى دمشق وأقام بها ، وسلطانها يومئذ في يد سيف الدولة علي الحمداني أمير حلب ، فأحسن إليه ، وأكرمه إكراماً كثيراً ، وعظمت منزلته عنده وكان له مؤثراً [18] .

وجاء في عيون الأنباء أنه كان يجتمع بأبي بكر بن السراج ، فيقرأ عليه صناعة النحو وابن السراج يقرأ عليه صناعة المنطق [19] .

ويقال إنه كان ناطوراً أي حارساً في بستان بدمشق عقب نزوله فيها ، وهو على ذلك دائم الاشتغال بالحكمة والنظر فيها ، والتطلع إلى آراء المتقدمين وشرح معانيها . وكان ضعيف الحال حتى إنه كان في الليل يسهر للمطالعة والتصنيف ، ويستضيئ بقنديل الحارس . وبقي كذلك مدةً ؛ إلى أن عظم شأنه وظهر فضله . واشتهرت تصانيفه وكثرت  تلاميذه ، وصار أوحد زمانه وعلامة وقته [20] .

وكان يعيش منفرداً بنفسه لا يخالط الناس كثيراً [21] . وكان يحب الوحدة ويصنف في مواضع النزهة ، وقل ما بَيَّضَ منها . وكان يتزهد زهد الفلاسفة [22] ، بل كان أزهد الناس في الدنيا لا يحتفل بأمر مكسب ولا مسكن . وأجرى عليه سيف الدولة من بيت المال كل يوم أربعة دراهم ، وهو الذي اقتصر عليه لقناعته [23] .

أما عقيدته ، فقد قال عنه الإمام الذهبي : له تصانيف كثيرة ، من ابتغى الهدى منها ضل وحار ، منها تخرج ابن سينا ، نسأل الله  التوفيق [24] .

وكانت وفاته بدمشق سنة 339هـ/950م في خلافة الخليفة العباسي الراضي وقد ناهز ثمانين سنة ، ودفن بها وصلى عليه سيف الدولة في جماعة من خواصه [25] .

( للبحث صلة )

* أستاذ مساعد ، قسم اللغة العربية ، جامعة مولانا آزاد الوطنية الأردية ، فرع لكناؤ ، sumamaid@gmail.com

[1] وفيات الأعيان لابن خلكان ، ج 5 ، ص 153 .

[2] عيون الأنباء لابن أبي أصيبعة ، ص 603 .

[3] المصدر السابق ، ص 603 ، ووفيات الأعيان لابن خلكان ، ج 5 ، ص 157 .

[4] سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي ، ج 15 ، ص 417 .

[5] عيون الأنباء لابن أبي أصيبعة ، ص 603 .

[6] موسوعة علماء العرب لمحمد فارس ، ص 71 .

[7] المصدر السابق ،ص 71 .

[8] ذكر أحمد علي المَلا سنة ميلاده 872م . انظر : أثر العلماء المسلمين في الحضارة الأوربية لأحمد علي الملا ، ص 202 .

[9] عيون الأنباء لابن أبي أصيبعة ، ص 603 .

[10] وفيات الأعيان لابن خلكان ، ج 5 ، ص 157 .

[11] الفهرست لابن النديم ، ص 368 .

[12] موسوعة علماء العرب لمحمد فارس ، ص 71 .

[13] وفيات الأعيان لابن خلكان ، ج 5 ،ص 153 .

[14] المصدر السابق ، ص 153 ، وسير أعلام النبلاء للإمام الذهبي ، ج 15 ، ص 417 .

[15] وفيات الأعيان لابن خلكان ، ج 5 ، ص 155 .

[16] المصدر السابق ، ص 154 ، وسير أعلام النبلاء للإمام الذهبي ، ج 15 ، ص 417 .

[17] وفيات الأعيان لابن خلكان ، ج 5 ، ص 154 ، وعيون الأنباء لابن أبي أصيبعة ، ص 605 .

[18] وفيات الأعيان لابن خلكان ، ج 5 ، ص 155 ، وعيون الأنباء لابن أبي أصيبعة ، ص 603 .

[19] عيون الأنباء لابن أبي أصيبعة ، ص 606 .

[20] المصدر السابق ، ص 604 .

[21] وفيات الأعيان لابن خلكان ، ج 5 ، ص 156 .

[22] سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي ، ج 15 ، ص 417 .

[23] المصدر السابق ، ص 417 ، وعيون الأنباء لابن أبي أصيبعة ، ص 604 .

[24] سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي ، ج 15 ، ص 417 .

[25] وفيات الأعيان لابن خلكان ، ج 5 ، ص 156 .