48/ سنةً

الحسنُ بن الهَيثم – رائدُ البحثِ العلمي
نوفمبر 5, 2022
فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الفتاح بركة
يناير 9, 2023
الحسنُ بن الهَيثم – رائدُ البحثِ العلمي
نوفمبر 5, 2022
فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الفتاح بركة
يناير 9, 2023

في ظلال تربية الإمام العلامة أبي الحسن الندوي

( الحلقة التاسعة )

في مسيرة الحياة :

48/ سنةً

في ظلال تربية الإمام العلامة أبي الحسن الندوي

( الحلقة التاسعة )

بقلم : سعيد الأعظمي الندوي

تعريب : الأخ معصوم علي الندوي

وفاة والدة الشيخ الندوي :

في شهر أغسطس عام 1968م توفيت والدة الشيخ الندوي رحمه الله ، وقد بلغت من عمرها 93 سنةً ، وأصابها الضعف والشيخوخة ، وصدمنا هذا الحادث صدمةً عنيفةً ، فتجرعنا مرارته ، وما إن انتشر الخبر في رحاب ندوة العلماء إلا انحدر الناس من كل حدب وصوب إلى رائ بريلي مسقط رأسه ، وهزني كذلك الخبر ، وأسرعت في الذهاب إلى رائ بريلي ، ووصلت مبكراً ، وجدت الشيخ متطأطأً رأسه ،مقفولاً لسانه ، وصلى عليها الشيخ بنفسه بعد صلاة الظهر ، وواراها تراب تلك الديار ، وطال الشيخ جلوساً عند القبر داعياً لها ، ثم انصرف إلى مقره ، وكان هناك جم غفير من الناس ، فلبثت ساعات هناك ثم انصرفت ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، إن لله ما أخذ ، وله ما أعطى ، وكل شيئ عنده لأجل مسمى .

ولم تكن والدتها عالمةً وشاعرةً فحسب ، بل وكانت وليةً كاملةً ، وكانت دُرةً يتيمةً في الصلة بالله ، وقد أنجبت للإسلام طفلاً قلما يجود به الزمان ، ويبخل بمثله ، وكان دعاؤها وتربيتها جعل الشيخ الندوي إلى ما وصل من المقام الرفيع . فجزاها الله عن الأمة الإسلامية أحسن الجزاء ، وجعل جنة الخلد مثواها .

رحلة مع الشيخ إلى المملكة العربية السعودية :

في نهاية شهر محرم الحرام عام 1389هـ وبداية شهر أبريل عام 1969م كنت في مدينة ” مَئُو ” لزيارة والدي ، إذ استلمت رسالةً برقيةً من شيخنا الجليل السيد أبي الحسن علي الحسني الندوي كان محتواها       ” الرجوعَ على عجلٍ ، سترافقني في السفر ” ، فرجعت من البيت ، ووصلت إلى لكناؤ في اليوم التالي ، والتقيت الشيخ فأخبرني بأن المجلس الاستشاري للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سيعقد في شهر صفر المقبل ، وقد وُجهت إلي دعوة للحضور فيه وستكون معي رفيقاً في هذا السفر ، فكن مستعداً .

وحصلت بعد أيام على التذكرة والتأشيرة ، وأخذ الشيخ الندوي الشيخ  القاضي معين الندوي ( نائب رئيس ندوة العلماء ) معه ، وابتدأ السفر من 8 صفر 1389ه‍ المصادف 21 من شهر أبريل 1969م من لكناؤ ، مروراً بدلهي وكراتشي وجدة إلى المدينة المنورة . وقد رتب الشيخ المحدث محمد زكريا الكاندهلوي رحلته إلى المدينة بهذه المناسبة ، فكنا معه .

وكنت أذهب مع الشيخ الندوي يومياً لحضور الاجتماعات التشاورية للجامعة الإسلامية بالمدينة الطيبة ، كما كنت أيضاً معه نازلاً في بستان الشيخ نور ولي ، الذي يتخذ شكل حديقة واسعة . وبعد حضور اجتماعات الجامعة الإسلامية كل يوم ، كنت معتاداً إلى الذهاب إلى بيت الشيخ نور ولي ، وأتشرف كذلك بزيارة الشيخ الكاندهلوي على مائدته الواسعة لتناول العشاء كل يوم . استمر هذا بضعة أسابيع ، ثم سافر الشيخ الندوي رحمه الله إلى لندن في السادس من يونيو من جدة إلى جنيف لعلاج عينه . وأجازني الشيخ للرجوع إلى الوطن .

الرحلة الأولى إلى الكويت :

كانت رحلتي الأولى إلى الكويت في نهاية شهر نوفمبر 1969م بعد المراسلة مع الشيخ العالم  الداعية عبد الرزاق صالح من الكويت والشيخ التاجر المخير عبد الله علي المطوع والسيد المحترم الطبيب       عبد اللطيف المشهور كطبيب بارع في الكويت ، وكان طبيباً كبيراً ذا خبرة واسعة ، ولديه عيادة كبيرة ومستشفى ، وتم إرسال تصريح التأشيرة من قبلهم .

وسافرت إلى الكويت على متن طائرة هندية ، ووصلت ليلاً ، وعندما خرجت من المطار بعد إجراءات المغادرة ، استقبلني سمو الشيخ عبد الرزاق الصالح وصديقنا المخلص الأستاذ السيد إبراهيم الحسني ، وذهبت معهم إلى المدينة ، وأقمت في غرفة فندق متوسط ​​الحجم ( فندق الكويت الكبير ) وسط المدينة ، ثم أخذني الشيخ عبد الرزاق صالح إلى منزله . كنت أزور الإخوة والأحبة مع السيد إبراهيم الحسني في سيارته ، والتقيت بالشيخ عبد العزيز المطوع ، الذي كان من محبي الشيخ الندوي ، فرحبني وأكرمني كثيراً ، والشيخ صالح نفسه أخذ بي إلى مكتب أخيه الأصغر الشيخ عبد الله علي المطوع ، وعرّفني ، وجلس معي لفترة طويلة ، وكنت قد تواصلت معه قبل الذهاب فعرفني وما أنكرني ، وكان صديقي المحترم الدكتور الشيخ عبد الله العقيل – مدير الأوقاف والشؤون الإسلامية في وزارة الأوقاف آنذاك – علم بقدومي إلى الكويت ، فحضر زائراً إلى مكتب الشيخ المطوع واجتمعنا في جو الحب والإيمان ، وأمرني بأن أزوره إلى مكتبه بوزارة الأوقاف ، ودعاني إلى حفلة تنعقد في بيته ، واعتاد علماء الدائرة الإسلامية والشباب الإسلامي يتجمعون ويتدارسون هناك ، طلب مني الشيخ إلقاء بعض الكلمات فاختصرت بعض الاقتراحات ، وسأل العديد من الناس أسئلةً مختلفةً حول ندوة العلماء ، والشيخ الندوي ، ووفقت بالإجابة عنها جميعاً .

خلال إقامتي هناك كان هؤلاء السادة محوراً رئيسياً في لقاءاتي ، التقيت أيضاً ببعض الأشخاص المرتبطين بالمحترم السيد إبراهيم الحسني ، والإخوة الهنديين المقيمين هناك لأجل التجارة أو العمل .

زيارة أبرز الشخصيات والجمعيات الخيرية الكويتية :

أتيحت لي فرصة للمشاركة في برنامج جمعية الإصلاح الاجتماعي خلال إقامتي هناك ، كما التقيت العديد من المشايخ الجدد ، ومن بين أعضاء الجمعية الشيخ يوسف جاسم الحجي ، والذي عاملني معاملةً حسنةً ، وكان وزيراً للأوقاف لفترة طويلة ، وكان أيضاً رئيس الهيئة الإسلامية الخيرية العالمية زماناً ، وكان منخرطاً في المشاريع الإسلامية الخيرية ، وعضد قواها في العالم ، وكان نفسه صاحب الخير العميم والمسؤول الحقيقي عن الخيرية في السبعينيات من القرن المنصرم ، ولما عقدت الجماعة الإسلامية اجتماعاً عالمياً في دلهي ، حضره الشيخ الحجي والشيخ عبد الله العقيل ، وكانا مولَعين بزيارة ندوة العلماء ، فأخبرا بقدومه إلى ندوة العلماء ، فرحبهما الشيخ الندوي وعقد حفلةً ترحيبيةً تكريماً لهما ، وألقى لهما كلمة ترحيب . ثم ألقى الضيفان الكريمان كلماتهما ، وصلى الناس المغرب في جامع ندوة العلماء بإمامة الشيخ الحجي ، وفي نفس الليلة رجعا إلى دلهي ، وكانت زيارتهم بعد الرجوع من رحلتي من الكويت .

مجالس الشيخ الرفاعي :

كان الشيخ السيد يوسف هاشم الرفاعي عالماً شهيراً في الكويت من السلسلة الرفاعية ، وكان يشغل منصب وزير الدولة في بيت الحكومة آنذاك ، حضرت مجالسه مرات ، وأكرمني كل مرة ، ويأمرني بتقديم بعض الكلمات في مجالسه كلما آتيه . ويبدي بسروره البالغ عند اللقاء ، ولما عقدت ندوة العلماء المهرجان التعليمي عام 1975م ، شرَّفه مع الوفد الكويتي إلى ندوة العلماء .

وزرت كذلك مرات الشيخ عبد الرحمن الولايتي مدير مجلة البلاغ الأسبوعية ، ولهذه الاجتماعات ذكريات لا تنسى ، وأجرى الشيخ مقابلات ، ونشرها في صحيفته . والتقيت بالسيد محمد رشيد مسئول تليفزيون الكويت الذي أجرى مقابلةً تلفزيونيةً ، كانت طويلةً جداً ، وبالتالي أمضى حوالي 20 يوماً ، وعُدت في الأسبوع الأول من يناير 1970م ، والتقيت قبل الرجوع بجميع الأصدقاء والشيوخ هناك ، وشكرتهم على تقديرهم .

الآن في الإمارات :

في طريق عودتي إلى الشارقة ، هبطت في مطار دبي ، وكان ممثل معالي الشيخ عبد الله علي المحمود في المطار ، فقابلني وأخذني إلى الشيخ ، ولما وصلت منزل الشيخ رحبني ترحيباً يليق بشأنه ، وأنزلني في أفضل فنادق البلاد . وفي اليوم الثاني اصطحبني الشيخ المحمود إلى أمير ولاية الشارقة سمو الشيخ خالد بن محمد القاسمي ، وكانت الإمارات السبع كلها مستقلاً بالذات آنذاك ، ولكن في عام 1970م توحد أمرها ، وتم اختيار أبوظبي عاصمة للبلاد ، رحب بي سمو الشيخ خالد ترحيباً حاراً ، أجلسني الشيخ المحمود في مكتبه ، وتحدثنا طويلاً ، وكانت الإمارات كلها ضعيفةً في الاقتصاد في ذلك الحين ، وكانت الاحتياطيات النفطية في أبوظبي فقط .

زرت الشيخ خالد مرات خلال إقامتي هناك ، فوجدته مؤمناً كامل الإيمان ، رجلاً متديناً ، يعيش حياة السذاجة والتقشف . ورتب لي الشيخ عبد الله علي المحمود السفر إلى أبوظبي بالطائرة ، وكان يرسلني دائماً مع رفيق حتى لا أواجه مشكلةً ، وكانت أول رحلتي إلى أبوظبي ، وصلنا مساءً ، ومكثت في بيت الضيافة الرسمي هناك ، زرت مدينة العين مع المرافق في اليوم التالي ، حيث وجدت رئيس الإمارات صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان . وفتح لنا دار الضيافة الرسمية أبوابها ، ولما وصلت قصر الشيخ أخبرت أنه ذهب للصيد ، فما استطعنا معه اللقاء ، ودارت اللقاءات القصيرة مع بعض المسؤولين هناك ، ثم عدنا مساءً إلى دبي بالسيارة عن طريق الصحراء ، ونزلت في بيت صديقي السيد مسرت حسين . وعندما وصلنا إلى منزله ، رحب بنا وأبدى بسروره البالغ لنا ، والأستاذ السيد مسرت حسين هو صديقنا الذي التقينا به في العراق . . كما زرناه في بيته الواقع في أبوغريب ، فقد اتخذ التجارة بدبي معاشاً ونجح فيها ، وكسب أموالاً طائلةً ، ولكن هذه الأموال ما غيرت طينته ، فكان مزيجاً بالبساطة والحب الخالص البعيد عن شوائب الرياء والسمعة ، أكرمنا كثيراً وأخذني إلى صديقه الشيخ صالح الزغموت في مكتبه ، وكان مدير مركز قطر الذي كان يدعى في ذلك الوقت مركزاً ، وليس سفارة . كان عنصر المحبة والإنسانية ممتلئاً به ، فقد أظهر احتراماً كبيراً ، ودعانا لتناول الطعام في مكان إقامته .

وبعد الرجوع من دبي إلى الشارقة حضرت في خدمة الشيخ       عبد الله علي المحمود ، فأعرب الشيخ عن سروره بهذه الزيارة ، وسألني : هل التقيت بالشيخ زايد ؟ فقلت له : إنه غير موجود ، ثم رتب نظاماً للإقامة في هذا الفندق مرةً أخرى ، والتقيت بالشيخ محمد بن علي المحمود والشيخ سالم بن علي المحمود الأخوين الشقيقين للشيخ عبد الله علي المحمود . وقد أكرماني غاية الإكرام ، وأبدى شغفهم الزائد بمجلة البعث الإسلامي الشهرية .

وكانت السبعينيات قد بدأت آنفاً ، ولم تكن الحضارة والميزات الثقافية قد دخلت بكاملها مدن الإمارات ، ولم تكدر صفوها حتى الآن ، وكانت المباني على بساطتها والطرق على سذاجتها ، فما كان من أبوظبي إلى دبي شارع ، وكان الذهاب والإياب عن طريق الصحراء ، ولكن تغيرت الأحوال فصارت رأساً على عقب ، فترى الحضارة العربية والحضارة الغربية جنباً إلى جنب ، واختلطت البساطة العربية بالبريق الغربي ، فها هو المباني الشاهقة مبنية في صفوف ، والمراكز التجارية يتم إنشاؤها في كل مكان ، وهناك نظام اتصال أفضل وأفضل ، وهناك شبكة من الطرق العريضة الممتازة ، والضوء الكهربائي أكثر من الضرورة ، وكان دبي بالفعل مركزاً تجارياً معفياً من الضرائب ( Tax Free ) ، والآن توسع ميناءها بشكل كبير ، وتأتي جميع أنواع البضائع إلى هناك من جميع أنحاء العالم ، وجميع المراكز التجارية لديها إمدادات ، ومصدر ضخم للإيرادات الحكومية .

هذه هي قصة قصيرة عن رحلتي الأولى إلى الكويت والإمارات .