معروف الرصافي وتأثر شعره بالقرآن الكريم ( الحلقة الأولى )

الوصايا العشر في كيفيات تعامل الداعية مع أحداث تاريخ البشر
يونيو 2, 2021
الكعبة المشرفة وآثار تقديسها في وحدة الأمة
يوليو 13, 2021
الوصايا العشر في كيفيات تعامل الداعية مع أحداث تاريخ البشر
يونيو 2, 2021
الكعبة المشرفة وآثار تقديسها في وحدة الأمة
يوليو 13, 2021

الدعوة الإسلامية :

معروف الرصافي وتأثر شعره بالقرآن الكريم

( الحلقة الأولى )

د . إسماعيل الفيضي الكاياني *

معروف الرصافي ، الشاعر الكبير ، الذي يعد في الطبقة الأولى من شعراء جيله بشعره الجزيل ، الذي جعله أحد الشعراء الذين نهضوا برسالة الشعر بعد البارودي إلى جانب أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وخليل مطران وجميل صدقي الزهاوي ، الذين ضربوا بشعرهم في كل فن وخاضوا في كل مكان ، شهير في الأدب العربي الحديث ومعروف حتى لدى الجيل الناشئ العربي بشعره الاجتماعي الذي ألم بشتى مشاكل المجتمع ، حيث يعد من طليعة الشعراء الاجتماعيين ، وعرف بشعره السياسي ، الذي عالج به القضايا السياسية التي حلت منزلاً هاماً في موضوعات شعره ، والمظاهر القومية ، التي تحلت بها قصائده الكثيرة .

ومنزلة الرصافي في هؤلاء الطليعة من الشعراء العرب الحديثين عالية ، ولكن لم يقع عنه دراسات عامة أو مباحث منتشرة ، كما وقع عن شوقي وحافظ وما تزال تقع حتى الآن ، إما لعدم كونه مصرياً أو لعدم سيره في ركاب أصحاب الجاه والسلطة وعدم مدحه الحكام  والولاة ، بخلاف شوقي فإنه كان ” أسير الخديوي عباس ، لا ينطق إلا بما يشاء ويهوى ” كما أصبح ” حبيس القصر نحو ربع قرن لا ينظم إلا ما يريده عباس وحين يريد ” [1] ، والجيل الحديث ليسوا واعين عن مساهمات الرصافي في الشعر الحديث وهداياه القيمة لتوعية الأمة المعاصرة ، فواجب أن تكون دراسة تلقي الأنوار وتسلط الأضواء على حياة ذلك الشاعر الفحل ، بحيث تؤكد على الجوانب الاجتماعية والدينية من شعره .

التأثر بالقرآن الكريم :

وجميع قصائده تمتاز بأنها لا تخلو عن طابع إسلامي وإن كان سياسياً أو اجتماعياً أو حربياً ، وشعره السياسي أكثر وضوحاً لهذا الاتصاف فيدعو أبناء الشعب دائماً للذود عن حياض الوطن – في أكثر الأحيان لا ينحد وطن الإسلام بالسور العراقي أو الحدود العثمانية – لأنه مقتضى الإسلام . وهذا الطابع الإسلامي نتيجة عظيمة لتلمذته على أجلة علماء عصره في بغداد وتأثره بالقرآن الكريم الذي حفظه يانعاً وأمعن النظر في معانيه ومبانيه ناشئاً وكان القرآن الأساس المشيد الذي شاد عليه الرصافي مجده الأدبي وصرحه اللغوي ، فنرى في كثير من شعره من الاقتباسات الجميلة من العبارات القرآنية بحيث لم يكن الرصافي يستطيع أن ينفك عنها كما في شعره ” النفس الأمارة ” :

نــهــيتك عن هواك فما انـتهيت ولكن قد فعلــت كـما اشتهيت

فيا نفسي عن الشهوات كفي فـــــأنـــت عـــلـــيك يا نفسي جنيت

ومــــا أمــــارة بالــــــســـــوء يـــوماً سعت في المنكرات كما سعيت

إذا مـــــا حـلبة الحسنات جاءت رأيــــتـــــك أنت صاحبة السكيت

فإن أســــدى الإله عـــليك عفواً وإلا يا فـــــجار فــــقـــــد هـــــويــــت [2]

من تأثير القرآن الكريم بالآية العظيمة : ” إِنَّ ٱلنَّفْسَ لَـأَمَّارَةٌ      بِٱلسُّوۤءِ ” ، وفي شعره ” شكوى إلى الدستور ” :

فيا أيها الدستور فاقض بما ترى    وأبرق ولكن لا تكن خلب البرق

ولسنا نريد اليوم حكما علــيهم    ولــــكـن تناديهم وندعو إلى الحق

تــــعـــــالـــــو إلى أمــر نساويه بيننا    وبـــيــنـكم في الجل منه وفي الدق [3]

ونجد في البيت الأخير الاقتباس من الآية ” قُلْ يا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلَمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ ٱشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ” [4] .

وله قصيدة زاهية بالمعاني الفلسفية عن الحياة والموت قالها في رثاء الشيخ محيي الدين الخياط عند ما بلغه منعاه في بيروت ، وفيها :

تفكرت في كنه الحياة ولم أكن لأزداد إلا حــــيــــرة في الـتفكر

وكــــم بـــت فـيها أخبط الليل رامياً إلـــــيــــهــا بلـحظ الطارق المتنور

وفـــــيــــهـا كما قد قيل أحـلام نائم  أمَا في بـــني الدنيا لها من معبر

تـــــأمــــــلــــت آثار الـــــحــــيـاة فلم يلح  لـــــعــــيــني منها وجه ذاك المؤثر

ســــوى أنــــنــــي آنــســت شعلة قابس  توقد في مستن هوجاء صرصر [5]

والبيت الأخير مقتبس من قوله تعالى : ” إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدًى ” [6] .

وفي قصيدته قصر البحر :

أيا بغداد لا جـــازتـــك سحـب ولا حــــلـــت بـــســاحتك الجدوب

تطاول ساكـــنوك على ظلها فضاق إلى مـــغـــنــاك الـــرحــيـب

وكم نــــطـــقوا بألسنة حداد يــسيــل بــهــا مـن الأشداق حوب

رماني الــقــوم بالإلحاد جهلا وقــــالــوا عـــنـــده شــــك مـــريــب

ألا يــا قـوم سوف يجد جدي وسوف يخيب منكم من يخيب

فمن ذا منكم قد شق قلبي وهــل كشفت لكم فيَّ الغيوب

فـعند الله لي معكم وقوف إذا بـــلـــغـــت حــناجــرها القلوب [7]

ونرى في البيت الأخير ما في هذه الآية الكريمة : ” إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ ٱلأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ ” [8] .

وله قصائد كثيرة يصف فيها المناظر الطبيعية دونت بعضها في ديوانه باسم ” الكونيات ” وبعضها في سائر الأبواب ومنها قصيدة الغروب وفيها :

لم أنس قرب الأعـــظــمية موقفي  والشمس دانــــيـــة تـــريــــد أفولا

وعـــن الـــيــمــين أرى مروج مزارع    وعن الشمال حـــدائـــق ونــخـيلا

وغــدت بأقصى الأفق مثل عرارة  عطشت فـــأبــدت صـفرة وذيولا

غربت فأبـقت كالشواظ عقيبها  شـــفــقــا بـحاشية السماء طويلا

شــــفـــق يــروع القلب ساحب لونه  كالسيف ضمخ بالدما مسلولا

شفق كأن الشمس قد رفض به  ردنـــا بــــذوب ضــــيـــائـها مبلولا

كالـــخــود ظلــــت يــوم ودع الفها  تــرنــو وتـــرفع خـــلـــفه الـمنديلا

حتى توارت بالـــحـــجاب وغادرت  وجه البسيطة كاسفا مـخذولا [9]

وصدر البيت الأخير مقتبس من قوله تعالى : ” فَقَالَ إِنِّيۤ أَحْبَبْتُ حُبَّ ٱلْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّى حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ ” [10] .

وقصيدته في حفلة أحمد شوقي الشاعر التي يصف فيها نفسيته الثائرة للحق ويقول أنه أوجب عليه أن يقوم على الحق في كل موطن ، وأن يبقى عليه على أي ثمن يدفعه ، لأنه يحب الحق فإنه الطيب الساطع والريح المحرك والضوء اللامع ، إلى آخر أنفاسه :

أمــارس دهراً من جـــديـــدي داهــــراً  وما زال لــــيــــلـــي بالـــعــراقين ساهرا

أبــــى الــــحــــق إلا أن أقــــوم لأجـــــله  على الدهر في كل الـــمــواطــن ثائرا

وأن أتــــمــــادى في جـــــدال خــصومه  وأقـــرع مـــنــهــم بالــبــيان الــمــكابرا

وإني لأهوى الحق كالطيب ساطعا  وكالريح صبابا وكالشمس ظاهرا

ســـتـــبـــقــى لــنـــفس في هواه سريرة   إذا الــــدهـــر أبــلــى من بنيه السرائرا

نرى فيها تأثير لآية الكريمة : ” إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ . يَوْمَ تُبْلَىٰ ٱلسَّرَآئِرُ ” [11] .

وقوله في قصيدة دار التفيض يصف فيها غيرة أجدادنا ويعتز بآبائنا القدماء ويشيد بإخلاصهم لله تعالى في أعمالهم ويشير إلى الأسس التي قامت عليها حضارتنا الإسلامية وذلك العدل المطلق والمطبق في جميع الرعايا على الوجه الكامل بحيث لم يعرف ذلك التطبيق في أي زمن من العصور السالفة في التاريخ ولا في أي مجتمع من المجتمعات وبذلك العدل ، اعتنق كثير من البرايا الإسلام ، والمسلمون اكتسبوا المفاخر بسعيهم المخلص المتتابع وجهدهم المتواصل وبنشر العلم في أرجاء الأوطان ، ويشهد لذلك تاريخ الأمم حيث لم تسد أمة مثل الأمة الاسلامية :

ســـل بـــنـــا هـــذه الـنجوم الدراري  هل رضينا تحت النجوم قرارا

كما رفعنا للعلم في الارض برجا  وبـــــنــــيـــنـــا له كـغمدان دارا

لا يكن منك في الــذي قلت شك  وإذا شئت فـــــانـــــظــــر الآثـارا

يـــعـــلــم الله ذو الـــــــجـــــلالـــة أنـا لـــسوى الله مــا رجـــونــا وقارا [12]

نجد في البيت الأخير في هذه المقطوعة مقتبس من قوله تعالى : ” مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً . وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً ” [13] .

وقوله في قصيدة الدهر الطويلة :

فـــقــــلت له اخــسأ إنما أنت خائب  وقبلك أعنا الجن ما أنت طالب

فولى على الأعقاب يحبو وقد درى  ولله درى إنــــــنـــي أنا غــــالــــبـــه

فأتبعه مــــنـــــي شــــهـــــاب تســامح  يشق ظلام الجهل بالحلـم ثاقب

يحتوي على الألفاظ من قوله تعالى : ” إِنَّا زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِزِينَةٍ ٱلْكَوَاكِبِ . وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ . لاَّ يَسَّمَّعُونَ إِلَىٰ ٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ . دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ . إِلاَّ مَنْ خَطِفَ ٱلْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ ” [14] .

( للحديث بقية )

* الأستاذ المشارك ، كلية العربية السنية ، شيندمنغلور ، موكام ، كالكوت ، كيرلا .

[1] شوقي ضيف ، البارودي رائد الشعر الحديث ،  ص 353 ، دار المعارف ، بيروت ، 1988م .

[2] الديوان ، ص 542 .

[3] الديوان ، ص 318 .

 [4]آل عمران : 64 .

[5] الديوان ، ص 219 .

[6] سورة طه : 10 .

[7] الديوان ، ص 25 .

[8] سورة الأحزاب : 10 .

[9] الديوان ، ص 54 .

[10] سورة ص : 32 .

[11] سورة الطارق : 8 – 9 .

[12] الديوان ، ص 86 .

[13] سورة نوح : 14 .

[14] سورة الصافات : 10 .